::: مـنتدى قبيلـة الـدواسـر الـرسمي ::: - عرض مشاركة واحدة - آل سعدون الأشراف وأول إعلان تاريخي ومحاولة لإستقلال العراق بأكمله عام 1787م.
عرض مشاركة واحدة
قديم 27-06-2012, 04:20 AM   #5
 
إحصائية العضو







عبدالله السعدون غير متصل

عبدالله السعدون is on a distinguished road


افتراضي رد: آل سعدون الأشراف وأول إعلان تاريخي ومحاولة لإستقلال العراق بأكمله عام 1787م.



18- أول ملحمة تاريخيا في سبيل إستقلال العراق بأكمله – معركة أم الحنطة:

كانت كل تحركات آل سعدون الأشراف حكام مملكة المنتفق العسكرية ضد العثمانيين سابقا تتمحور بشكل عام حول سببين ، السبب الأول انتزاع مدينة البصرة وجعلها عاصمه لمملكتهم لكونهم يرون أحقيتهم بالمدينة تاريخيا وحتى قبليا وعشائريا ، يذكر المؤرخ والمستشرق الألماني البارون ماكس فرايهير فون أوبنهايم ، في كتابه البدو ، عند حديثه عن الرغبة الدائمة لدى حكام مملكة المنتفق آل سعدون الأشراف في أن تكون البصرة عاصمة دولتهم وأن ينتزعوها من ولاية بغداد العثمانية المرتبطه بها ، ج:3 , ص: 598 ((( كانوا يحلمون، ان لم يكن بامبراطورية واسعة فبدولة للمنتفق مستقلة عن بغداد وتكون عاصمتها البصرة))). والسبب الثاني الدفاع عن مناطق حكمهم في نصف العراق الأسفل من حملات التوسع العثمانية القادمة من بغداد ، يذكر المؤرخ والمستشرق الألماني البارون ماكس فرايهير فون أوبنهايم ، في كتابه البدو ، وذلك عند حديثه عن الأسرة الحاكمة في مملكة المنتفق – نصف العراق الأسفل - أسرة آل شبيب الأشراف (والتي عرفت لاحقا بآل سعدون ) وعند حديثه عن قبائلهم في القرن السادس عشر الميلادي , ج 3 ، قسم المنتفق , ص :592 (((أصبحوا الآن يسعون بصورة متواصلة إلى السلطة مما جعلهم يصبحون في النهاية سادة العراق الأسفل . لقد كانت الظروف مؤاتية لهم لكنهم ماكانوا يستطيعون استغلالها لو ظلوا محتفظين بالعقلية التقليدية لقبيلة بدوية عادية . وبالفعل يبدو انه قد تم في نهاية القرن السادس عشر أعادة تشكيل المنتفق من الرأس إلى القاعده بأن قامت عائلة شبيب بتوحيد المنتفق وقبائل أخرى في اتحاد واحد موال لها وحدها))).

لذلك فإن ماسعى اليه حاكم مملكة المنتفق الأمير ثويني بن عبدالله كان ظاهرة جديدة بالنسبة للعثمانيين ، وهو سعيه لحكم كامل العراق وطرد العثمانيين منه وبالتالي رأى الأتراك أعظم الخطر بنقل الصراع بإتجاه نفوذ الأتراك في ولاية بغداد وشمال العراق من قبل حاكم مملكة المنتفق ، يذكر أ.م.د. رياض الأسدي (رئيس قسم الدراسات السياسية والاستراتيجية في مركز دراسات الخليج العربي ـ جامعة البصرة) ، في بحثه جذور الفكر السياسي في العراق الحديث ـ1ـ ، محاولات الاستقلال المحلّي في العراق 1750ـ 1817 (((ولذلك فقد لجأت السلطة العثمانية إلى استخدام أقصى ما لديها من قوة عسكرية لكبح جماح تلك الظاهرة الجديدة ))). وقد أدرك سليمان باشا خطورة المعركة وأنها معركة فاصله بين العرب والعثمانيين في العراق لذلك بدأ باللعب بالسياسه حتى يمزق تحالف عرب العراق بقيادة حاكم مملكة المنتفق الأمير ثويني بن عبدالله ضد العثمانيين ، حيث قام بإستمالة الأمير حمود بن ثامر ضد عمه الأمير ثويني بن عبدالله ( ثويني هو أخو ثامر- والد حمود - من أمه وولد عمه المباشر) والذي كان يدرك أن بينه وبين عمه عدم ود نشأ بعد ماقام سليمان باشا بنفسه بالصلح بين الخزاعل والمنتفق ، وكون سليمان باشا كان صديق مقربا لثويني فهو يدرك آثار هذا الصلح على ابن أخيه الأمير حمود بن ثامر، يذكر العالم الشيخ محمد بن العلامة الشيخ خليفة بن حمد بن موسى النبهاني الطائي (كان هو ووالده مدرسين بالمسجد الحرام.. وهو معاصر للحرب العالمية الأولى وسبق له تولي قضاء البصرة)، في كتابه التحفة النبهانية في تاريخ الجزيرة العربية ، قسم البصرة ، ص: 326 ((( وكان الوزير قبل خروجه من بغداد راسل (حمود بن ثامر بن سعدون) فوفد على الوزير منابذا عمه لعمه ثويني))). وكان الأمير حمود بن ثامر قد انشق على عمه بسبب رفضه التحالف مع الخزاعل (حيث كان تركيز حمود على الثأر لوالده من الخزاعل أكبر من تركيزه على الحدث الأعظم في تاريخ العراق في الحقبة العثمانية وهو تحقيق إستقلال العراق بأكمله وضم قسميه لبعض ، القسم العثماني ( ولاية بغداد وشمال العراق) ، والقسم العربي - مملكة المنتفق- التي تشمل معظم مناطق نصفه الأسفل) ، يذكر أ.م.د. رياض الأسدي (رئيس قسم الدراسات السياسية والاستراتيجية في مركز دراسات الخليج العربي ـ جامعة البصرة) ، في بحثه جذور الفكر السياسي في العراق الحديث ـ1ـ ، محاولات الاستقلال المحلّي في العراق 1750ـ 1817 ، عند حديثه عن الأمير حمود بن ثامر (((حيث قام الأخير بالسفر على بغداد لعرض خدماته السياسية والعسكرية على السلطة المملوكية مقابل دعمه ماليا وعسكريا ، فاستقبل في الباشوية بحفاوة بالغة. وكانت تلك الحالة من اكثر المخاطر التي حالت دون تطور العمل المحلّي وتناميه إلى وضع يتّسم بالشمولية والنظر البعيد))).

وعلى الجهة الأخرى كان سليمان باشا قد راسل دولة بني كعب طالبا منها دعمه ضد مملكة المنتفق على الرغم من أن دولة بني كعب حليف للدولة الفارسية (عدوة العثمانيين) ، ثم قام بعزل حمد الحمود شيخ الخزاعل في الفرات الأوسط وتعيين محسن الحمد في مكانة ، يذكر المؤرخ جعفر الخياط ، في كتابه صور من تاريخ العراق في العصور المظلمة ، عند حديثه عن والي بغداد سليمان باشا وسياساته , ص: 216 ((( ثم عمد الى الدس المقصود , وراح يعمل على الاستفادة من نقطة الضعف العربية الممية التي كثيرا ما استفاد منها أعداء العرب , ومايزالون , في تفريق صفوف العرب وضرب بعضهم ببعض . وبذلك مارس جوهر السياسة التركية في حكم العراق خلال العهود المختلفة , فنجح فيه الى حد بعيد ونال مبتغاه . فقد كتب الى شيخ بني كعب القريب من البصرة طالبا معونته ضد المنتفكيين خصوم كعب ومنازعيهم على النفوذ في منطقة البصرة . واستمال حمود الثامر السعدون قريب ثويني ومنافسه في زعامة تلك القبائل . كما قرر عزل حمد الحمود شيخ الخزاعل في الفرات الأوسط وتعيين محسن الحمد في مكانة))). وبعد أن اطمئن سليمان باشا لماقام به سياسيا وتأثيره على عرب العراق المتحالفين ضده بقيادة الأمير ثويني بن عبدالله ، بدأ الإستعداد للتحرك عسكريا وذلك بتجميع قواته ، يقدر عدد قوات الدولة العثمانية في العراق (ولاية بغداد وشمال العراق) في تلك الفترة ، أ.م.د. رياض الأسدي (رئيس قسم الدراسات السياسية والاستراتيجية في مركز دراسات الخليج العربي ـ جامعة البصرة) ، في بحثه جذور الفكر السياسي في العراق الحديث ـ1ـ ، محاولات الاستقلال المحلّي في العراق 1750ـ 1817 (((وبعد إضافة قوات الإسناد من منطقة كردستان في الشمال فتقدّر قوات باشوية بغداد بـ ( 40 ـ 50) ألف رجل . ويمكن لباشا بغداد في الواقع أن يجمعها دون أن تتكبّد خزانته نفقات مهمة في هذا المجال. ويعود تفسير ذلك على طبيعة المجتمع الإقطاعي وما يحتمل في حروبه من (غنائم) يمكن أن تستحصل من المهزومين غالبا))). وقد راسل سليمان باشا (والي بغداد) أمرء الأكراد للإلتحاق بقواته ، الا أن قادتهم أعلنوا عن وجود مشاكل داخلية لديهم في محاولة لعدم المشاركة في قتال العرب ، لذلك أمر سليمان باشا بعزلهم واستبدالهم بغيرهم ، يذكر أ.م.د. رياض الأسدي (رئيس قسم الدراسات السياسية والاستراتيجية في مركز دراسات الخليج العربي ـ جامعة البصرة) ، في بحثه جذور الفكر السياسي في العراق الحديث ـ1ـ ، محاولات الاستقلال المحلّي في العراق 1750ـ 1817 (((بدأت باشوية بغداد ـ كما هي عادتها ـ بالإيعاز إلى أغوات الشمال من الكرد في التحشّد ، والسير لقتال الأحلاف العربية القبلية المنتفضة في وسط وجنوب العراق . وعلى الرغم من أن بعضهم قد اعتذر عن السير لقتال القبائل المنتفضة كإبراهيم باشا وعبد الفتاح باشا وهما من أكابر الاغوات الكرد في الشمال ، و أعلنا بوجود مشكلات داخلية لديهم في كردستان ، أو في الطرق الموصلة بين بغداد وشمال العراق إلا أن ذلك يعكس على نحو واضح عدم رغبتهما في المشاركة بسبب تقديرهما لحجم المخاطر التي ستلحق بهما أمام تلك القوى المحلية المنتفضة . واستاء حاكم بغداد سليمان باشا الكبير 1780ـ 1802من قرار الاغوات الكرد بعدم المشاركة في القتال ،وأمر بعزلهما عن منصبيهما . كما أمر بوضع عثمان باشا آل محمود كوال لشهرزور بدلا عن إبراهيم باشا . ووضع عبد القادر باشا بديلا عن عبد الفتاح باشا وهو ابن عم له . تعكس سياسات الاستبدال التي اتبعتها باشوية بغداد ضدّ الرافضين لقتال القبائل العراقية المنتفضة في الجنوب نوعا آخر من التمرّد على السلطة المركزية في بغداد ))).

وبعد أن تجمعت قوات الدولة العثمانية في بغداد ، قاد هذا الجيش الكبير والي بغداد بنفسه ادراكا منه لخطورة المعركة القادمة وأنه لو خسرها فسوف تكون الأخيرة للعثمانيين في العراق ، وتحرك هذا الجيش الضخم الى قبائل الخزاعل أولا ، يذكر أ.م.د. رياض الأسدي (رئيس قسم الدراسات السياسية والاستراتيجية في مركز دراسات الخليج العربي ـ جامعة البصرة) ، في بحثه جذور الفكر السياسي في العراق الحديث ـ1ـ ، محاولات الاستقلال المحلّي في العراق 1750ـ 1817 (((وهكذا فقد قدم عثمان باشا آل محمود إلى بغداد وعسكر فيها استعدادا لقتال أهل الوسط والجنوب من العراق وبعد أن جمع أكبر أعداد ممكنة من رجال القبائل الكرد و بالاستعانة بأخيه عبد الرحمن بك في تكوين قوة قبلية مهمة . قام سليمان باشا الكبير بقيادة الحشود العسكرية بنفسه، وكانت المهمة الأولى له هي ضرب الحلف القبلي للخزاعل في منطقة الفرات الأوسط تمهيدا لفتح الطريق أمام زحف قواته نحو الجنوب حيث المعقل الرئيس للأمير ثويني بن عبد الله السعدون))). وصل الجيش العثماني لمنطقة الخزاعل واندلعت بين الطرفين معركة كبيرة ، بذل فيها قبائل الخزاعل وشيوخهم كل طاقتهم الا ان استخدام المدافع من العثمانيين رجح كفة الجيش العثماني الذي انزل بهم هزيمة كبرى ، وانسحب بعدها شيخ الخزاعل ومعه بعض أتباعه الى مملكة المنتفق لدى حاكمها الأمير ثويني بن عبدالله وهم عازمين على قتال العثمانيين حتى الموت . يذكر المؤرخ جعفر الخياط ، في كتابه صور من تاريخ العراق في العصور المظلمة ، عند حديثه عن والي بغداد سليمان باشا وسياساته , ص: 217((( ثم سار على رأس الجيش الجرار الذي جمعه من كل مكان في الوقت نفسه نحو الجنوب ودخل منطقة الخزاعل في أواخر صيف 1787 , فوجد حمدا متأهبا للنضال والقتال فيها . وقد أبدى مقاومة باسلة , بعد أن تحصن في قلاعه المعروفة بال (سيباية). لكن قواته لم تستطع الصمود طويلا تجاه أسلحة الجيش الحديثة فتشتت شملها وتراجع حمود مع قسم من أتباعه الى حليفيه في ديار المنتفك ))).

بعد انتصار الجيش العثماني على قبائل الخزاعل اتجه سليمان باشا الكبير بحشوده الكبيره الى البصرة لقتال صديقه القديم الأمير ثويني بن عبدالله الذي سمح له يوما بحكم البصرة (عام 1779م) والذي دعمه للحصول على ولاية بغداد ، حيث تتقاطع مصالح أمتين في المعركة القادمة وهم العرب ويقودهم الأمير ثويني بن عبدالله والمماليك الممثلين للعثمانيين ويقودهم سليمان باشا الكبير. وقد كان الأمير ثويني بن عبدالله يعسكر قرب البصرة بجيش مملكة المنتفق النظامي والمكون من 20 ألف مقاتل (عشرة آلاف من المشاة وعشرة آلاف من الخيالة) والمجهز بسلاح المدفعية . يذكر أ.م.د. رياض الأسدي (رئيس قسم الدراسات السياسية والاستراتيجية في مركز دراسات الخليج العربي ـ جامعة البصرة) ، في بحثه جذور الفكر السياسي في العراق الحديث ـ1ـ ، محاولات الاستقلال المحلّي في العراق 1750ـ 1817 (((وحينما بلغت الأخبار في التحشّد والسير على الأمير ثويني عمل على التهيئة لمواجهة باشا بغداد المملوكي ، ومقابلة الجيش القادم من بغداد. وكانت قوات ثويني قد بلغت حوالي عشرين ألف بين فارس وراجل . وتجمّع الجيش في منطقة تدعى نهر عمر على الفرات لمدة ثلاثة أيام ))). ولقد كان بالإمكان أن يكون تعداد جيش مملكة المنتفق ضعف هذا الرقم على أقل تقدير خصوصا وانه سبق للمنتفق ان واجهة الدولة العثمانية بـ 100 ألف مقاتل (نصفهم من القبائل الخاضعة لحكام مملكة المنتفق مباشرة) وذلك قبل 80 سنة ، الا ان هنالك سببين حالت دون ذلك:

1. انشقاق الأمير حمود بن ثامر ، وهو ماجعل الأمير ثويني يضطر الى القتال بجيشه النظامي والذي كان يعرفه ويضمن ولاؤه له لذلك لم يرغب بالمخاطره بإضافة قوات يتم جمعها بأسلوب النفير العام ويمكن أن تبدل ولاؤها منه والى الأمير حمود بن ثامر في حالة اشتداد المعركة. ينقل أحمد الحجامي عن الرحالة أبو طالب خان (المعاصر للأمير ثويني) تعداد القوات التي يستطيع جمعها حاكم مملكة المنتفق الأمير ثويني بن عبدالله ، وذلك في رسالته للماجستير بعنوان: ســوق الشيوخ مركز إمارة المنتفق ( 1761 – 1869 م) دراسة في أوضاعها السياسية والاقتصادية والاجتماعية ، وهو نص من كتاب رحلة أبي طالب خان إلى العراق وأوربا سنة 1213هـ /1799م (((أن الأمير ثويني العبدالله يستطيع أن يجيش جيشاً عدته بين الاربعين والخمسين الفاً))).

2. أراد الأمير ثويني القتال بأسلوب الحرب النظامية وبإستخدام المدافع وليس اسلوب الكر والفر. لذلك يجب أن تكون الجنود في الميدان في معظمها تتكون ممن يجيد هذا النوع من القتال حتى لا يتحول الميدان الى فوضى.

وبالإضافة الى تميز معركة أم الحنطة في هدفها فهي تتميز أيضا بأنها كانت بين جيشين نظاميين أستخدموا فيها المدافع واصطفت بها الجنود بشكل منظم واستمرت لمدة أربعة أيام ، وذلك على عكس معارك الكر والفر التي كانت تتم بين القبائل والعثمانيين في الحملات التي كانت تجردها ولاية بغداد عليهم ، هذا بالإضافة الى أنها شهدت نزول حكام العراق الفعليين في تلك الفترة الى أرض القتال مباشرة ومشاركتهم فيه ( سليمان باشا والي بغداد وشمال العراق (حاكم نصف العراق الأعلى) ، والأمير ثويني بن عبدالله حاكم مملكة المنتفق التي تغطي نصف العراق الأسفل) وهذا يبين أهمية المعركة وكونها كانت فاصله تاريخا . يصف جيش حاكم مملكة المنتفق وإصطفافه بصفوف عديدة وإستخدامه للمدافع ( الأطواب) ، المؤرخ العثماني الشيخ عثمان بن سند الوائلي البصري (المعاصر للأحداث) ، في كتابه مطالع السعود بطيب أخبار الوالي داود, ص: 177 ((( ظهر عسكر ثويني بن عبدالله صفوفا عديدة ولكن لاناصر لمن خذله الله فاخذ يضرب الاطواب ويكر بالخيل العراب))).

و ما ان تكاملت القوات في ميدان القتال حتى اندلعت أهم معركة بتاريخ العراق في الحقبة العثمانية (معركة أم الحنطة) ، يذكر أ.م.د. رياض الأسدي (رئيس قسم الدراسات السياسية والاستراتيجية في مركز دراسات الخليج العربي ـ جامعة البصرة) ، في بحثه جذور الفكر السياسي في العراق الحديث ـ1ـ ، محاولات الاستقلال المحلّي في العراق 1750ـ 1817 ((( وفي اليوم الرابع من غرة محرم عام 1202هج الموافق تشرين الأول من عام 1787 بدأت معركة كبيرة بين الطرفين))) ، يذكر الدكتور علي الوردي , في كتابه لمحات إجتماعية من تاريخ العراق الحديث , ج1 , ص:177 ((( في شهر آذار من عام 1787 توجه سليمان باشا على رأس جيش كبير نحو البصرة عن طريق الفرات . وفي 13 تشرين الأول وقعت المعركة الفاصلة بين الفريقين في موقع "أم الحنطة" قرب البصرة , وقد أستخدمت العشائر فيها المدافع وأبدى فيها سليمان باشا من الشجاعة والأقدام شيئا كثيرا اذ سل سيفه وأخذ يصول ويجول بين الصفوف ))). واشتبك الطرفين في مذبحة رهيبة كما وصفها البريطانيين الذي زاروا أرض المعركة ، يذكر المؤرخ جعفر الخياط ، في كتابه صور من تاريخ العراق في العصور المظلمة ، عند حديثه عن أهمية المعركة حيث كان يترتب على نتيجتها بقاء أو فناء الوجود العثماني في كل العراق كله ،ص: 217 ((( فالتحم الجمعان في موقع يقال له (أم الحنطة) . وهناك وقعت معركة عنيفة اشترك فيها سليمان باشا بنفسه , ونزل الى الميدان منتضيا سيفه , فأخذ يقاتل قتال المستميت , لأن الموقعة كانت من المواقع الحاسمة التي يتقرر فيها مصير المماليك , ويحجز فيها بين بقاء حكومتهم وزوالها من الوجود نفس واحد لاغير. واستقتلت القوات العربية في النضال والطعان ، وهي تعرف انها كانت تقاتل من أجل شرف أمتها وعروبتها في عقر دارها))).

استمرت المعركة أربعة أيام ثبت خلالها تفوق المدفعية العثمانية الأحدث على المدفعية الخاصة بمملكة المنتفق وتساقط الآلاف من أبناء قبائل المنتفق قتلى في أرض المعركة رافضين الإنسحاب من ميدان القتال الى ان شاهدوا حاكم مملكة المنتفق الأمير ثويني بن عبدالله يسقط مصابا في ساحة المعركة ، يذكر الدكتور حميد بن حمد السعدون ، في كتابه امارة المنتفق وأثرها في تاريخ العراق و المنطقة الأقليمية 1546م – 1918م , ص: 144((( وقد استمرت المعركة أربعة أيام ، قاتل فيها الطرفان بشدة وبتصميم عال أبدى كلاهما ضروبا من الشجاعة والاستبسال . لكن في ضحى اليوم الرابع ، بان النصر واضحا لقوات المماليك ... حيث كان الشيخ ثويني ، جريحا من أثر المعركة))). ووقتها بدأ الإنسحاب تحت تأثير الخسائر البشرية وتحت تأثير المدفعية العثمانية وتحت تأثير رؤية سقوط حاكمهم (الذي يبدو انهم اعتقدوا وقتها وفاته) وقد قام حرسه الخاص بنقله بخيولهم جريحا وبسرعة الى صحراء منطقة الجهراء (في دولة الكويت حاليا) وذلك لكون رأسه كان مطلوبا من الخليفة العثماني. يذكر مؤرخ العراق الكبير عباس العزاوي ، في موسوعة تاريخ العراق بين أحتلالين , أهمية المعركة حيث كان يترتب على نتيجتها بقاء أو فناء الوجود العثماني في كل العراق كله , ج:6 , ص:121((( وفي هذه الأثناء هاجمتهم العشائر بعشرة آلاف من المشاة ومثلها من الخيالة. أما جيش الوزير فقد صد هجماتهم وأبدى دفاعا خارقا اذ لو خذل في هذه الحرب فلم يبق وزير ولاحكومة مماليك فكانت هذه الواقعة خطرا كبيرا عليه , فكان الهول فيها عظيما حتى تبين أن جيش الوزير هو الغالب وقتل من خيالة العرب نحو ثلاثة آلاف أو أكثر ومن المشاة ما لايحصى واستولت الجيوش على الغنائم وفر العرب , وحينئذ فرح الوزير وناله ما لامزيد عليه من السرور))).

خسرت مملكة المنتفق 3 آلاف فارس و أكثر من 3 آلاف من المشاة في هذه الملحمة وقد نقل حاكم مملكة المنتفق الأمير ثويني بن عبدالله جريحا من أرض المعركة ووصل الى الجهراء قرب مدينة الكويت. وتتجنب المصادر العثمانية ذكر خسائر القوات العثمانية في هذه المعركة الكبيرة الا انه يمكن تقديرها بأنها نصف خسائر جيش مملكة المنتفق وذلك مقارنه بالخسائر العثمانية في المعركة التي تبعت معركة أم الحنطه في السنة التالية عندما نهض من جديد الأمير ثويني بن عبدالله محاولا الإستقلال بالعراق مره أخرى ومتحالفا مع الأكراد . ينقل ج.ج. لوريمر وصف المعركة عن الدكتور هاول , في كتابه دليل الخليج , القسم التاريخي , ج:4 , ص: 1886 ((( وقد فحص دكتور هاول بنفسه آثار معركة 25 أكتوبر وكتب عنها يقول (انها لابد كانت مذبحة رهيبة .. فالميدان كله مغطى بعظام الرجال والخيول).))). وننقل هنا وصف الرحالة الأجانب لساحة المعركة حيث استماتت قبائل مملكة المنتفق وحاكمها الأمير ثويني بن عبدالله في القتال في سبيل تحقيق إستقلال العراق بأكمله ، يذكر أ.م.د. رياض الأسدي (رئيس قسم الدراسات السياسية والاستراتيجية في مركز دراسات الخليج العربي ـ جامعة البصرة) ، وصف الرحالة الأجانب للمعركة وساحتها وكيف أنها كانت مذبحة أكثر من كونها معركة ، وذلك في بحثه جذور الفكر السياسي في العراق الحديث ـ1ـ ، محاولات الاستقلال المحلّي في العراق 1750ـ 1817 (((ووصف اثنان من الرحالة الإنكليز المعركة التي جرت بين القوات الباشوية وقوات المنتفق وهما وليم فرنكلين E .W .Frankline وتوماس هاول Thomas Howel بأنه كانت مذبحة بين الطرفين اكثر من كونها معركة عسكرية حيث كانا قد تفقدا ساحة القتال بنفسيهما فوجدا بأن مساحة كبيرة من الأرض مغطاة بعظام البشر والخيول))). ويتحسر المؤرخ جعفر الخياط على خسارة عرب العراق بقيادة الأمير ثويني بن عبدالله لأول محاولة وملحمة لإستقلالهم بحكم العراق بأكمله تاريخيا وطرد العثمانييين منه ، والذين كانوا في تلك الفترة يسيطرون على شمال العراق وولاية بغداد بالأضافة الى تقاسمهم للسيطرة على ميناء العراق (مدينة البصرة) مع مملكة المنتفق ، وذلك في كتابه صور من تاريخ العراق في العصور المظلمة ، ص: 217 ((( وهكذا تم القضاء على ثورة عربية جريئة رائدة , وتبدد الحلم الذي كان يعد محاولة أولى من محاولات العرب في هذه البلاد للحصول على الحكم الذاتي في العصر الحديث , ابان التسلط العثماني التركي الذي استقام قرونا أربعة ))).

بعد المعركة قام سليمان باشا (والي بغداد) ببناء ثلاث منارات من روؤس أبناء قبائل المنتفق القتلى في المعركة كعلامة على انتصاره بعد أن كاد العثمانيون أن يخسروا العراق بأكمله ، ثم قام بفرض الأمير حمود بن ثامر كحاكم على مملكة المنتفق ، ثم اتجه جيش سليمان باشا الضخم الى مدينة البصرة والتي انسحب منها جيش مملكة المنتفق الذي ابقي فيها بقيادة الأمير حبيب بن عبدالله وذلك بعد وصول أنباء الخسارة الكبيرة واصابة الأمير ثويني بالمعركة ، وقام سليمان باشا بدخول البصرة وتولية مصطفى آغا الكردي (خازندار سليمان باشا في بغداد) متسلما على البصرة ، وجعل خلفه قوات من اللاوند ، يذكر المؤرخ العثماني الشيخ عثمان بن سند الوائلي البصري (المعاصر للأحداث) ، في كتابه مطالع السعود بطيب أخبار الوالي داود , ص: 177 ((( فأمر الوزير عسكره بالكر ، وحذرهم سوء غب الغر ، وحرض الفرسان ، على المناهدة ، والمصابرة في المطاعنة والمجالدة ، فلما كر الفرسان ، وحمي وطيس الضرب والطعان ، لاحت على عسكر الوزير علامات النصر ، وادبر عسكر ثويني فكانوا عرضة للقتل والأسر ، وطار السالمون بالأرواح ، وضحكت للوزير ثغور الافراح ، وبنى من روؤس المنتفق ثلاث منارات ، وصيرها على نصره للناظر امارات ، وحكم على المنتفق حمود بن ثامر ، وعلى البصرة ولى مسلما من امن له السرائر مصطفى اغا الكردي ، وكان خازنداره ، ورجع بعد ذلك الى مقر الخلافة والوزارة ، وذلك بعدما نظم عقود اوامره وارجف الاعداء بقنابله ، وجعل في البصرة من جنده زمرة يقال لهم اللاوند كبيرهم اسماعيل))).

وقد كان أبرز ماقام به سليمان باشا في البصرة هو إلغاء المجلس الإستشاري الخاص بالحكم والمؤسس من قبل الأمير ثويني بن عبدالله وحليفيه وهو المجلس الذي شكل سابقه في تاريخ العراق سياسيا ، يذكر المؤرخ حامد البازي ، في كتابه البصرة في الفترة المظلمه ، ص:120 ((( وكان قبلا الشيخ ثويني وحمد الحمود شيخ الخزاعل وسليمان الشاوي قد أقاموا في البصرة مجلسا استشاريا يساعد على الحكم ولكن العثمانيين ألغوا هذا المجلس وباتوا يحكمون حكما استبداديا حتى فقدت المواد الضرورية من الأسواق وأخذ البعض يخزن المؤن والطعام لبيعه في السوق السوداء خوفا من المجاعه التي حدثت فعلا))). وبعد ذلك بدأ العثمانيون الإنتقام من أهالي البصرة لتأييدهم لحاكم مملكة المنتفق الأمير ثويني بن عبدالله ، يذكر المؤرخ حامد البازي ، في كتابه البصرة في الفترة المظلمه ، ص:119 ((( وفرضت الغرامات على أهالي البصرة جمعت منهم بالاكراه والحبس والتعذيب حتى يقال ان بعض النسوة بعن حليهن ولوازم بيوتهن ليدفعن الغرامة وكان شاهد عيان قد روى ان امرأة أرادت أن تبيع طفلتها بمقدار (2) تومان لتدفع ماعليها من غرامة كما وان هناك من أغلق حانوته ليفر من الحكم الجائر. ثم ضاعف سليمان باشا رسوم الكمارك على المواد الضرورية وترك جيشا من – اللاوند – غير النظاميين الذين أخذوا يفتكون بالناس ويعتدون على الأعراض وفي منطقة جسر العبيد – الخليلية حاليا – حيث الرجال العرب الابطال وقعت معركة بين اللاوند وأهالي المنطقة وذلك عندما هاجم هؤلاء اللاوند بيوت المحلة ليلا للاعتداء على النساء وقد بقيت جثث اللاوند مطروحة في شوارع المحلة حيث لم تجرأ الحكومة على دخول المنطقة لحمل جثث موتاها))). ويمكن تلخيص أسباب خسارة معركة أم الحنطة بالأسباب التالية :

1. التأثير المعنوي الكبير بعد إعلان الدولة العثمانية إعترافها رسميا بالأمير حمود بن ثامر حاكما لمملكة المنتفق والذي كان قد انشق على عمه الأمير ثويني بن عبدالله ، يذكر مؤرخ العراق الكبير عباس العزاوي ، في موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين , المجلد السادس , ص:121 ((( انعزل قبل مدة عن ثويني بن عبدالله (الشيخ حمود بن ثامر السعدون) والتجأ الى الوزير فكان العامل المهم في ربح الحرب فمنحه عندما انتصر مشيخة المنتفق))).

2. إستخدام الدولة العثمانية لأقصى قدرتها العسكرية وتفوق مدفعيتها الحديثة على مدفعية مملكة المنتفق. يذكر الدكتور حميد بن حمد السعدون ، في كتابه امارة المنتفق وأثرها في تاريخ العراق و المنطقة الأقليمية 1546م – 1918م , عند حديثه عن أحد أسباب خسارة الحرب ،ص: 146((( عدم تكافؤ عدة وتسليح الطرفين ، والتي تميل لصالح الجيش المملوكي))).

3. التأثير المعنوي لعزل العثمانيين لشيوخ الخزاعل والعبيد المشاركين بالثورة والقيام بتعيين شيخين آخرين على الخزاعل والعبيد.
4. الإحباط المترتب على وصول الأخبار عن أن الخليفة كاد أن يعدم مفتي البصرة وهو ماجعل عرب العراق يدركون أن الطريق لما كانوا يسعون اليه لن يكون مفروشا بالورود.

5. الهزيمة الكبيرة التي تلقاها تحالف الخزاعل أولا وكان ينبغي أن يتم القتال مع العثمانيين في مكان واحد ولكن يبدو أن حاكم مملكة المنتفق الأمير ثويني بن عبدالله وشيخ قبائل الخزاعل الشيخ حمد الحمود كانا مضطرين لهذا الشيء بسب وجود معارك سابقه بين الطرفين لم يرغبوا في أن تؤدي الى تفكيك الجيش في حال قتاله كوحدة واحدة .
6. الخطأ العسكري بتقسيم قوات مملكة المنتفق بين ميدان المعركة في أم الحنطة وبين مدينة البصرة التي ابقي فيها جيش بقيادة الأمير حبيب بن عبدالله أخو الأمير ثويني ولم يستفاد من هذا الجيش حيث انسحب بعد وصول أنباء الخسارة الكبيرة . وابقاء جيش بالبصرة يدل على عدم توقع حاكم مملكة المنتفق (الأمير ثويني) لخسارة المعركة .

7. عدم طلب حاكم مملكة المنتفق الأمير ثويني بن عبدالله و حليفيه للدعم الخارجي وذلك حتى لا يتهموا بموالاة غير المسلمين، يذكر الدكتور حميد بن حمد السعدون ، في كتابه امارة المنتفق وأثرها في تاريخ العراق و المنطقة الأقليمية 1546م – 1918م , عند حديثه عن أحد أسباب خسارة الحرب ،ص: 145((( ان الثوار في مشروعهم ، لم يبحثوا – كما فعلت شعوب الامبراطورية العثمانية الأخرى – عن مظلة دولية للدعم والاسناد السياسي والعسكري ، أو لوضع الكوابح في عجلة الماكنة العسكرية المتجهة نحوهم . وكما أظن أنه حتى لو تطوعت قوة دولية كبرى آنذاك ، وفاوضت الثوار على دعمهم ، لرفضوا دعمها خشية أن يتهموا بمولاة الأجنبي – الكافر – على أبناء دينهم))).

8. تمسكهم بسياسة المعركة وتخليهم عن سياسة الحرب وذلك بعدم التحالف مع امارة بابان في شمال العراق). وهذه النقطة بالذات انتبه لها الأمير ثويني بن عبدالله بتحركه اللاحق ضد العثمانيين. يذكر الدكتور حميد بن حمد السعدون ، في كتابه امارة المنتفق وأثرها في تاريخ العراق و المنطقة الأقليمية 1546م – 1918م , عند حديثه عن أحد أسباب خسارة الحرب ، ص: 146(((قصور نظر الثوار في اجراء تحالف مع امارة البابانيين في شمال العراق ، لغرض تشتيت الجهد والحشد العسكري المواجه لهم))).

أخيرا تعتبر معركة أم الحنطة ثاني أكبر معركة بين العرب والعثمانيين في العراق من حيث حجم الخسائر البشرية للعرب . حيث سبقها بـ بتسعه وسبعين عاما معركة أكبر منها حجما وخسائر الا أنها كانت معركة دفاعية عن البصرة عاصمة مملكة المنتفق في ذلك الحين وهي معركة الأمير الشريف مغامس بن مانع (العم المباشر لوالد الأمير ثويني بن عبدالله ) حينما واجه الدولة العثمانية بأكبر جيش يواجههم تاريخيا في العراق والجزيرة العربية وعدده 100 ألف مقاتل وكانت خسارتها 10 آلاف رجل من العرب ، وهذه المعركة وغيرها الكثير من المعارك تبرز نضال آل سعدون تاريخيا مع قبائلهم وعشائرهم حيث كانت مملكة المنتفق وقبائلها وعشائرها وحكامها آل سعدون الأشراف هم أبرز وأكثر من دافع وناضل المحتلين للعراق تاريخيا وخصوصا (العثمانيين والفرس والأنجليز) ، حيث كانت مملكة المنتفق وحكامها وقبائلها وعشائرها اللاعب الرئيسي في تاريخ العراق ومعظم أحداث العراق مما يخصها، ، يذكر مؤرخ العراق الكبير عباس العزاوي ، في كتابه عشائر العراق، ج4، قسم امارة المنتفق، وذلك عند حديثه عن مملكة المنتفق (امارة المنتفق) وعن عشائرها وقبائلها ، ص27 (((كانت بينها وحدة عظيمة يرجع الفضل فيها إلى أمراء المنتفق، ومواهب القدرة والجدارة فيهم بادية وغالب وقائع العراق مما يخصها))). ويذكر أيضا مؤرخ العراق الكبير عباس العزاوي ، في كتابه عشائر العراق، ج4، قسم امارة المنتفق، وذلك عند حديثه عن مملكة المنتفق (امارة المنتفق) ومحاولات الدولة العثمانية التي لاتحصى للقضاء عليها ، ص: 122 ((( وقائع المنتفق كثيرة ، والتدابير المتخذة للقضاء على الامارة لاتحصى))). يذكر د. طارق نافع الحمداني، في كتابه الخليج والجزيرة العربية بين القرن السادس عشر والقرن العشرين، ص: 176 ((( كان لقبائل المنتفق أهمية كبرى في شؤون العراق خلال العصور الحديثة ، بخاصة في مقارعة قوى الاحتلال والتسلط الأجنبي))). ويذكر نضال قبائل المنتفق أمام العثمانيين ، مؤرخ العراق الكبير عباس العزاوي ، في كتابه عشائر العراق ، ج 4، قسم امارة المنتفق، ص: 27 (((وحالة المنتفق المشهودة في مختلف ايام حياتها خير مثال تاريخي يعين الاوضاع والنفسيات في حب الاستقلال والنضال عنه ، والذب عن حريمه. والمهم أن المنتفق ناضلوا نضالا باهرا طوال العهد العثماني. ولو كانوا تسلحوا بالأسلحة الجديدة لحالوا دون آمال الدولة. بل أكسبتها الحوادث المتوالية خبرة ، والظروف القاسية تجربة فكم وال خذل، ورجع بالخيبة ،وكانت تعقد عليه الآمال. وتاريخ المنتفق صفحة كاشفة لسياسة العشائر في العراق، تجلت بأظهر أوضاعها. وفيها دراسة عميقة وافية لنفسيات هذه العشائر. ومابلغته))). يذكر نضال قبائل المنتفق في النصف الأول من القرن الثامن عشر ، المؤرخ العثماني الشيخ الأديب عبد الرحمن السويدي البغدادي (المولود عام 1721م)، في كتابه حديقة الزوراء في سيرة الوزراء (((فإن هؤلاء المنتفق، العرب مضرة، عجزت الولاة عن كسر شوكتهم وذلت الوزراء عن درء أذاهم))).

19- محاولة ثويني لإستقلال العراق مره أخرى والتحالف مع الأكراد:

إن شخصية ثويني العنيدة القوية والتي لايحدها طموح لم تكن لتقنع بالخسارة من أول مرة ، لذلك جرت مراسلات بين ثويني ومصطفى آغا الكردي (متسلم البصرة المعين من قبل والي بغداد) وهنا اكتسبت الثورة بعدا جديدا بإدخال الأمير ثويني بن عبدالله للأكراد في محاولته للإستقلال العراق بأكمله. يذكر العالم الشيخ محمد بن العلامة الشيخ خليفة بن حمد بن موسى النبهاني الطائي (كان هو ووالده مدرسين بالمسجد الحرام.. وهو معاصر للحرب العالمية الأولى وسبق له تولي قضاء البصرة)، في كتابه التحفة النبهانية في تاريخ الجزيرة العربية ، قسم المنتفق، ص:407 (((وفي تلك السنة (1203) أيضاً شق عصا الطاعة متسلم البصرة (مصطفى آغا) المذكور. وأرسل إلى الشيخ ثويني بن عبد الله يذاكره في الأمر))). وبعد الأتفاق بين مصطفى آغا الكردي والأمير ثويني بن عبدالله قام مصطفى آغا بإرسال خطاب الى والي بغداد سليمان باشا يخبره فيه بقيام ثورة كبيرة في ديار المنتفق ضد فرض الأمير حمود بن ثامر من قبل سليمان باشا (وهو ما وقع فعلا , ولكن يبدو ان مصطفى قام بتضخيم الأمر لسليمان باشا حتى يتحقق له ماأراد) وأن الأمير ثويني قد رجع للحكم فعلا ، وهو ماجعله مضطرا للتصرف دون الرجوع الى ولاية بغداد ، حيث قام بسحب الإعتراف العثماني بحكم الأمير حمود بن ثامر (قبل أن تقوم قبائل المنتفق بطرده) وقام بإستدعاء الأمير ثويني بن عبدالله واعلن انه تم الإعتراف به كحاكم للمنتفق معترف به من قبل الدولة العثمانية ، وقد برر مصطفى اغا تصرفه هذا بأنه ايثارا للتعقل وخوفا من تأثير الثورة القبلية الكبيرة في بلاد المنتفق على العثمانيين بمدينة البصرة ، وأن ذلك يهدف أيضا الى اظهار ان عودة ثويني بن عبدالله للحكم كانت بإعتراف عثماني وليس بثورة من قبل قبائله وعشائره ، الا أن سليمان باشا احس بالمؤامره في خطاب مصطفى آغا وعلى الرغم من ذلك قام بإرسال مصادقه على قرار متسلم البصرة الذي اطمئن وظن أنه نجح في الخطوة الأولى فيما تم الاتفاق عليه مع حاكم مملكة المنتفق الأمير ثويني بن عبدالله ، وهكذا تم ازاحة الأمير حمود بن ثامر (الموالي للدولة العثمانية تلك الفترة) عن الحكم ، وقد اتجه الأمير حمود الى بغداد وبقي بجانب سليمان باشا ، يذكر العالم الشيخ محمد بن العلامة الشيخ خليفة بن حمد بن موسى النبهاني الطائي (كان هو ووالده مدرسين بالمسجد الحرام.. وهو معاصر للحرب العالمية الأولى وسبق له تولي قضاء البصرة)، في كتابه التحفة النبهانية في تاريخ الجزيرة العربية ، قسم المنتفق، ص: 407 (((فاطمأن خاطر المتسلم بتعيين ثويني (ظناً منه بأنه نجح في مكيدته) وظل يقوي مركزه لتتميم ما عزم عليه، وكاتب كل من وافقه العصيان إلى ضبط أموره وأيدها))) ، ثم راسل صديقه حاكم امارة بابان عثمان باشا (المعين من قبل والي بغداد) وطلب منه الانضمام الى اليه والى الأمير ثويني ، يذكر العالم الشيخ محمد بن العلامة الشيخ خليفة بن حمد بن موسى النبهاني الطائي (كان هو ووالده مدرسين بالمسجد الحرام.. وهو معاصر للحرب العالمية الأولى وسبق له تولي قضاء البصرة)، في كتابه التحفة النبهانية في تاريخ الجزيرة العربية ، قسم البصرة ،عند حديثه عن مصطفى الآغا الكردي ، ص: 327 ((( راسل متصرف بابان وأغراه على شق عصا الطاعة على الوزير واتفقا على ان يساعد احدهما الآخر ويكونان مستقلين كل شخص في جهته وكذلك وافقت عساكر اللاوند المقيمون في البصرة رأي المتسلم على العصيان لكونهم اكراد من جنسه))). وهنا يتضح أن الأتفاق بين الثلاث أطراف كان على أن يبقى مصطفى آغا حاكما بالبصرة ويبقى حاكم بابان حاكما في امارته ويصعد ثويني لحكم العراق من بغداد بالإضافة لحكمه لمملكة المنتفق وذلك بعد أن يتم طرد العثمانيين من العراق. وهذا يوضح قوة نفوذ حاكم مملكة المنتفق الأمير ثويني بن عبدالله في العراق ، حيث ان عثمان (حاكم بابان) ومصطفى الكردي ( متسلم البصرة) كلهم تم تعينهم من قبل سليمان باشا بسبب تحرك ثويني الأخير ، ومع ذلك اتفقوا ضد سليمان باشا (والي بغداد) ومع الأمير ثويني بن عبدالله في هدفه لإستقلال العراق بمجرد وصولهم لمناصبهم ، وهذا يوضح بجلاء ان مصطفى الكردي (متسلم البصرة) كان يدعم فكرة الأمير ثويني بن عبدالله بطرد الأتراك من العراق وأن يحكم العراق من قبل القوى المحلية فيه ( وأكبرها العرب ثم الأكراد) لذلك كان يطمح ان يبقى واليا على مدينة البصرة فقط وان يبقى عثمان باشا الكردي واليا لولاية بابان (كردستان) بينما يصبح ثويني حاكما للعراق من مدينة بغداد بالإضافة لكونه حاكما لمملكة المنتفق ، لذلك قام بمراسلة ثويني بن عبدالله لدعمه فيما سعى اليه في السنة السابقه.




بدأ سليمان باشا (والي بغداد) يحس بمحاولة التمرد من قبل والي البصرة ، الا انه لم يعلم بعد بإنضمام حاكم بابان في كردستان لهم ، لذلك قام سليمان باشا (والي بغداد) بالتحضير لعملية تصفية لمتسلم البصرة مصطفى الكردي ، وفي تلك الفترة تحول العراق بأكمله لميدان للتحركات والمرسلات السرية من شماله الى جنوبه ، ونظرا لإحساس سليمان باشا بالخطر قام بإرسال رسالتين مع أحد مشايخ قبيلة العبيد (محمد الشاوي) ، كانت أحد الرسائل موجهه لمتسلم البصرة مصطفى الكردي تحثه على الطاعة وعلى عدم العصيان بينما الرسالة الأخرى كانت موجه الى مصطفى حجازي رئيس البوارج العثمانية تأمره بالقبض على متسلم البصرة مصطفى الكردي وفي حالة عدم تمكنه من ذلك تأمره بإغتياله ، وأكتشف متسلم البصرة أوامر والي بغداد لذلك قام بقتل رئيس البوارج العثمانية ، يذكر العالم الشيخ محمد بن العلامة الشيخ خليفة بن حمد بن موسى النبهاني الطائي (كان هو ووالده مدرسين بالمسجد الحرام.. وهو معاصر للحرب العالمية الأولى وسبق له تولي قضاء البصرة)، في كتابه التحفة النبهانية في تاريخ الجزيرة العربية ، قسم البصرة ، ص: 327 ((( ثم ان الوزير وجه (محمد بن شاوي) الى متسلم البصرة ينصحه ويحذره عاقبة العصيان وأرسل معه (مكاتيب) الى مصطفى آغا بن حجازي رئيس البوارج العثمانية الراسية في نهر البصرة يأمره فيها بالقبض على متسلم مصطفى أغا بصفة سلمية أو بقتله اغتيالا. فشعر المتسلم بالمكيدة وتحذر على نفسه ثم احتال على قتل رئيس البوارج المذكور حتى قتله))). ويتضح أن محمد الشاوي (أحد مشايخ قبيلة العبيد) الذي أرسله الوزير كان في الطرف المعادي للعثمانيين (طرف الأمير ثويني بن عبدالله) لذلك أطلع متسلم البصرة على الرسالة الموجهه لرئيس البوارج وذلك لتنبيه بمحاولة الاغتيال ، وعندما قام متسلم البصرة بقتل رئيس البوارج أصبحت الأمور واضحة أمام جميع الأطراف وانتهت كل التحركات السرية بين الطرفين ، فقرر الأمير ثويني بن عبدالله أن يتم تعيين محمد الشاوي (أخو سليمان الشاوي – شيخ قبيلة العبيد) في منصب قائد الأسطول العثماني في البصرة ، وأن يبدأوا التحضير للمعركة القادمة والتي لم يكونوا قد أستعدوا لها بعد ، وقد بدأ سليمان باشا (والي بغداد) بالإستعداد للتحرك من بغداد و الى البصرة، يذكر المؤرخ العثماني التركي الشيخ رسول الكركوكلي ، في كتابه دوحة الوزراء في تاريخ وقائع بغداد الزوراء ، ، عند ديثه عن متسلم البصرة ، ص: 189 ((( وقام بتصرفات كشفت نواياه السيئة كقيامه بقتل القبودان (مدير الميناء) حجازي زاده مصطفى آغا وعين مكانه محمد بيك الشاوي. وعلى هذا صمم الوزير ان يتحرك على رأس قوة نحو البصرة لمقاومة الخارجين على السلطة))).

وقد كانت الخطة بين الثلاث أطراف (الأمير ثويني وعثمان باشا ومصطفى آغا) هي أن يعتذر عثمان باشا عن مرافقة والي بغداد (سليمان باشا) ، وبعد أن يتحرك والي بغداد خارجها يعقبه عثمان باشا (حاكم بابان) ويحتلها ، بينما يتجه الأمير ثويني بن عبدالله بقواته شمالا ويدخل في معركة مع جيش سليمان باشا ، وهو الجيش الذي سوف يكون مشتتا بسبب إحتلال بغداد من قبل عثمان باشا ، وبذلك سوف يسهل الإطاحة بالحكم العثماني ووالي بغداد وجيشه ، والذين حتى لو انتصروا في الجولة الأولى من المعركة مع جيش مملكة المنتفق ، فلن يجدوا مكان يرجعون اليه ، لكون بغداد سوف يغلق ابوابها في وجههم عثمان باشا ولكون البصرة سوف يغلق أبوابها في وجههم مصطفى آغا ، بينما سوف تطاردهم قوات مملكة المنتفق بقيادة حاكمها الأمير ثويني بن عبدالله حتى تشتتهم، يذكر الدكتور عماد عبدالسلام رؤوف وسهيلة عبدالمجيد القيسي ، في هامش كتاب مطالع السعود بطيب أخبار الوالي داود ، ص: 180 ((( في المختصر 45 اضافة توضح بعض تفاصيل هذه الخطة ، وهي "فلربما لو خرج الوزير بنفسه من بغداد يعقبه فيها عثمان باشا ثم يكون اخراجه منها عسرا جدا"))).

ولم يكن سليمان باشا حتى تلك اللحظة قد علم بمشاركة حاكم بابان مع الأمير ثويني ومتسلم البصرة ، لذلك تفاجأ عندما وقع بيده مراسلات كانت تجري بين جنوب العراق وشماله ، حيث كان والي بغداد قد طلب من حاكم بابان أن يرافقه في حملته العسكرية ، وهذا جعله يتريث في السفر الى البصرة بصحبة قواته ، يذكر المؤرخ العثماني التركي الشيخ رسول الكركوكلي ، في كتابه دوحة الوزراء في تاريخ وقائع بغداد الزوراء ، ص: 189 ((( ولما لم يكن الوزير على علم بالاتفاق الذي تم بين عثمان باشا ومتسلم البصرة فقد أصدر اليه أمرا بلزوم الاستعداد هو واتباعه للسفر بصحبته الى البصرة. ثم وقعت بيده مراسلات بين عثمان باشا والحاج سليمان بيك ومعتمد احمد كيهة سليمان آغا واتفاق وجهة نظرهم فيما يتعلق بميلهم نحو متسلم البصرة، واطلع على مايبيتونه، ولكنه تجاهل تلك الأمور، وتريث في الاستعداد للسفر))). نتيجة لذلك وقع والي بغداد بحيره من أمره وأراد أن يحل هذه المعضلة حيث لم يعد يثق في من حوله ، ثم قرر أن ينفذ خطه تضمن له وضع عثمان باشا الكردي (حاكم بابان) وجنوده تحت تصرفه ، لذلك أرسل لعثمان يطلبه لمناقشة بعض الأمور في بغداد ، وعندما حضر عرض عليه الزواج من أخت نائب والي بغداد ، وتقرر أن يكون الزواج بعد فترة قصيرة عند بداية فصل الربيع ، وعندما حل الموعد المتفق عليه ، حضر عثمان باشا (حاكم بابان) الى بغداد وبصحبته أهله وجنوده ، الا انه وجد والي بغداد قد جهز الجيش للسفر الى البصرة ، مماجعل حاكم بابان لا يجد أي عذر لعدم مرافقته ويضطر لذلك رغما عنه ، يذكر العالم الشيخ محمد بن العلامة الشيخ خليفة بن حمد بن موسى النبهاني الطائي (كان هو ووالده مدرسين بالمسجد الحرام.. وهو معاصر للحرب العالمية الأولى وسبق له تولي قضاء البصرة)، في كتابه التحفة النبهانية في تاريخ الجزيرة العربية ، قسم البصرة ، بعد حديثه عن معرفة والي بغداد سليمان باشا بالاتفاق على مهاجة بغداد ، ص: 328 ((( فتحذر الوزير وتأخر عن السير الى البصرة الى ان يتمكن من حل هذه المشكلة وأرسل في الحال الى عثمان باشا الكردي يستقدمه الى بغداد للمشاورة معه في أمور سرية فانخدع عثمان باشا وتوجه الى بغداد . وتفاوض معه الوزير على أن يزوجه أخت الكتخدا فقبل عثمان باشا التزوج وتقرر وقت الزواج في فصل الربيع وعاد عثمان باشا الى مقره فرحا مسرورا . فلما أقبل فصل الربيع قدم عثمان باشا بعشيرته وأكراده الى بغداد على الميعاد . فلما وصلها انحلت عرى كل من عاهد المتسلم فلما دخل عثمان باشا بغداد رأى الوزير متأهبا لحرب البصرة فما وسعه الا السير معه نحو البصرة))).

تحركت قوات والي بغداد الضخمه (مصحوبه بحاكم بابان عثمان باشا وقواته) باتجاه البصرة ، وكما كان متفقا عليه فقد ظهر الأمير ثويني بن عبدالله وجيشه لإعتراض جيش سليمان باشا المتجه للبصرة ، واندلعت معركة كبيرة بين الطرفين ، الا انه وأثناء القتال اكتشف الأمير ثويني بن عبدالله ان عثمان باشا الكردي مع جيش الوزير وانه لم ينفذ ماتم الاتفاق عليه لذلك قرر ثويني عدم جدوى اكمال القتال (حفاظا على قبائله وعشائره واعتقادا منه بخيانة عثمان باشا لهم) ، وقد أدى ذلك الى خسارة المنتفق للمعركة بعد أن ضعفت معنوياتهم واحبطت آمالهم ، وكانت نتيجة المعركة خسارة قوات مملكة المنتفق لـ 1000 مقاتل ، بينما خسر فيها جيش الوزير 500 مقاتل. وقد قام الأمير ثويني بن عبدالله بعد خسارته بالإنسحاب الى الصحراء جنوب العراق بعد أن طلب من جنوده الرجوع لديارهم وقبائلهم وترك حكم المنتفق للأمير حمود بن ثامر وبقي هناك مع خاصته وبعض أقاربه منتظرا ماتسفر عنه الأحداث. يذكر المؤرخ حسين خلف الشيخ خزعل ، في كتابه تاريخ الكويت السياسي ، ج: 1 ،ص: 54 ((( فلما بلغ سليمان باشا مقتل مصطفى حجازي وعصيان المتسلم سار من بغداد بجموع كثيرة واتجه بها نحو البصرة وبطريقه قام بتأديب عشائر المنتفق فجرت بينه وبينهم معركة أسفرت عن مقتل الف رجل من عشائر المنتفق وخمسمائة رجل من عساكر سليمان باشا))).

وعلى الجانب الأخر كان مصطفى آغا الكردي في البصرة قد وصلته أنباء المعركة وتواجد عثمان باشا الكردي مع سليمان باشا (والي بغداد) لذلك أدرك خطورة موقفه ، خصوصا وأن مصطفى الكردي لم يكن يملك نفوذا في أي منطقة بالعراق سوى منصبه كمتسلم لمدينة البصرة والتي ولاه عليها والي بغداد سليمان باشا (بعد معركة أم الحنطة) ولم يكن معه عدد كبير من الجنود موالين له ، لذلك قرر الهرب لأن أقل حكم كان سوف يحصل عليه من والي بغداد هو إعدامه ، وقد قام مصطفى آغا الكردي بجمع مااستطاع جمعه من أموال من مدينة البصرة وهرب بها عن طريق البحر الى مدينة الكويت واستجار بشيخها الشيخ عبدالله الصباح ، يذكر المؤرخ حسين خلف الشيخ خزعل ، في كتابه تاريخ الكويت السياسي ، ج: 1 ،ص: 54 ((( فلما علم متسلم البصرة (مصطفى آغا ) بقرب وصول سليمان باشا بتلك القوة لم يجد له مخرجا الا ان يستقل السفن ويحمل معه مايمكن حمله من الاموال ويفر من وجهه الى الكويت محتميا بشيخها الشيخ عبدالله الصباح ))). يذكر العالم الشيخ محمد بن العلامة الشيخ خليفة بن حمد بن موسى النبهاني الطائي (كان هو ووالده مدرسين بالمسجد الحرام.. وهو معاصر للحرب العالمية الأولى وسبق له تولي قضاء البصرة)، في كتابه التحفة النبهانية في تاريخ الجزيرة العربية ، قسم البصرة ، ص: 328 ((( فلما بلغ مصطفى أغا متسلم البصرة انضمام عثمان باشا الى الوزير ماوسعه الا الفرار الى الكويت))). ولما علم والي بغداد سليمان باشا بفرار متسلم البصرة مصطفى آغا الكردي ، اتجه مباشرة اليها ودخلها واعادها لحكمه ، ثم قام بإرسال طلب لشيخ الكويت بتسليم متسلم البصرة مع كامل الأموال التي أخذها ، يذكر المؤرخ حسين خلف الشيخ خزعل ، في كتابه تاريخ الكويت السياسي ، ج: 1 ،ص: 54 ((( ولما علم سليمان باشا بفرار متسلم البصرة سار اليها مسرعا واسند اعمالها الى نعمان افندي ( الدفتردار). ثم كتب كتابا الى الشيخ عبدالله صاحب الكويت وبعثه اليه مع احد وجوه البصرة يطلب فيه تسليم مصطفى آغا اللاجيء الى بلده مع كافة الاموال التي حملها معه))). وجرت مراسلات بين شيخ الكويت ووالي بغداد حول اعفائه من تسليم مصطفى الكردي ، الا ان والي بغداد لوح بالخيار العسكري في حال عدم تسليمه اليه ، مما اجبر شيخ الكويت الى أن يقترح خطة على مصطفى الكردي تقتضي بأن يغادر مع امواله الى نجد هربا من سليمان باشا وأن يترك قسما من هذه الأموال حتى يرسلها شيخ الكويت لوالي بغداد ويخبره أن مصطفى فر من الكويت وتركها خلفه ، وقد نجحت الخطة ورجع سليمان باشا الى بغداد ، يذكر المؤرخ حسين خلف الشيخ خزعل ، في كتابه تاريخ الكويت السياسي ، عند حديثه عن شيخ الكويت عبدالله الصباح ، ج: 1 ،ص: 55 ((( واشار على مصطفى آغا من طرف خفي ينصحه بالسفر الى نجد مع امواله ، ويسير مع قافلة كانت تعتزم الرحيل الى هناك تفاديا من تسليمه الى سليمان باشا ، على ان يترك قسما يسيرا من امواله لتسليمها الى سليمان باشا ترضية له ، فوافقه مصطفى آغا على ذلك. فكتب الشيخ عبدالله الصباح كتابا الى سليمان باشا ، يخبره فيه بمغادرة مصطفى آغا الكويت بدون علم منه ، وقد أرسل له مع ذلك الكتاب ماتركه مصطفى آغا من الأموال))).

أما الأمير ثويني بن عبدالله فأنه بعد إنعزاله بعدد قليل من أتباعه وأقاربه ، صادفهم غزو من قبل الأمير سعود بن عبدالعزيز (أحد حكام الدولة السعودية الأولى) الذي كان يقوم بتحرك ضد قبائل دولة بني خالد وعثر صدفه على معسكر الأمير ثويني بن عبدالله شمال دولة بني خالد ، وقام الأمير سعود بمهاجمة المعسكر وأخذ محلتهم وأثاثهم ، وهو مااضطر الأمير ثويني بن عبدالله الى الإتجاه شمالا ، حيث كان والي بغداد قد رجع الى بغداد ، ومن هناك بدأ الأمير ثويني بن عبدالله بمراسلة قبائله وعشائره من بادية مملكة المنتفق للتجمع لديه ، وهو ماسوف يتم تفصيله بالقسم التالي . يذكر المؤرخ الشيخ عثمان بن بشر ، مؤرخ الدولة السعودية الأولى والثانية ، في كتابه عنوان المجد في تاريخ نجد ، ج: 1 ، حوادث سنة 1203هـ ، ص: 167 ((( وفيها سار سعود بن عبدالعزيز بالجيوش المؤيدة المنصورة من حاضرة نجد وباديتها ، وقصد جهة الشمال فوافق ثويني في ديرة بني خالد من أرض الصمان وذلك بعدما خرج من البصرة كما ذكرنا ، ومعه قطعة من المنتفق وآل شبيب فنازلهم سعود ، وأخذ محلتهم وأثاثهم ))). وبينما يذكر ابن بشر أنها معركة واحدة وانها كانت موجهه لدولة بني خالد والتقت بالأمير ثويني بن عبدالله في طريقها ، يذكر ابن غنام انها معركتين وانها كانت موجهه لثويني ، يذكر المؤرخ الشيخ حسين بن غنام ، مؤرخ الدولة السعودية الأولى (المعاصر للأحداث ) ، في كتابه تاريخ نجد ( روضة الأفكار والأفهام) ،حوادث سنة 1203هـ، بعد حديثه عن غزو الإمام سعود بن عبدالعزيز لبني خالد ، ص: 171((( ثم سار سعود بالمسلمين يريد غزو ثويني، فلما وصل الى (حمض) كان الأعداء كلهم مجتمعين فيها. فأقبلت فرسان المسلمين فنازلهم بنو المنتفق، فهزموا المسلمين ))). ثم يذكر ابن غنام عودة سعود مرة أخرى بعد أن حث جنوده على أن يوطنوا أنفسهم على القتال ، وانتصاره كما ذكر ذلك ابن بشر.

وأما عثمان باشا (حاكم بابان) ، فلم يظهر له سليمان باشا (والي بغداد) معرفته بما قام به ، وعندما عاد الجيش العثماني الى بغداد ، قام سليمان باشا (والي بغداد) بإظهار المراسلات له ، بعد أن سجنه ، وعين بدلا عنه ابراهيم باشا ، وأدى ذلك الى مرض عثمان باشا ومن ثم وفاته ، يذكر المؤرخ العثماني التركي الشيخ رسول الكركوكلي ، في كتابه دوحة الوزراء في تاريخ وقائع بغداد الزوراء ، ص: 190 ((( وعند وصوله الى المسعودي عبر من هناك نحو الباب الشرقي من بغداد، وأمر بالقاء القبض على عثمان باشا والقاه في السجن ، وعين ابراهيم باشا بدلا عنه لمتصرفية بابان))) ثم يكمل ((( سبق ان بينا ان الوزير قد أصدر أوامره بحبس عثمان باشا وعزله، ثم قدمت له النسخ الخطيه لمراسلاته ليعلم ان حبسه وعزله لم يكن دون سبب ، فلما رآها لم يتمالك اعصابه من الانهيار، وعلى أثرها سقط مريضا ولما اشتد عليه المرض نقل رأفة به من السجن الى دار الحاج محمد سعيد بك الكائنة قرب كهيه سراي ، واهتموا بمعالجته من قبل اطباء اخصائيين، الا ان مرضه كان يشتد عليه يوما بعد يوم، واخيرا قضى نحبه واودع مرقده الأخير في الأعظمية بكل حفاوة واكرام وسار تحت نعشه معظم الوجوه والاعيان))).

لقد كان الاتراك محظوظين جدا بوجود قائد مثل سليمان باشا الذي استطاع ان يلعب بالسياسة والحرب معا في وضع متشابك ومعقد مما منع خروج العراق بالكامل من العثمانيين فيما لو سارت الأمور على ماكان مخططا لها من قبل (الأمير ثويني وعثمان باشا ومصطفى آغا) ، وعلى الرغم من كون التحرك السياسي والإصطدام العسكري لم يكن بقوة ماحدث في السنة السابقة ، وذلك لكون المعركة فرضت عليهم في وقت لم يكونوا مستعدين لها بشكل كامل ، بالإضافة الى قيام سليمان باشا (والي بغداد) بالسيطرة على حاكم بابان عثمان باشا ، الا أن ماقام به الأمير ثويني بن عبدالله شكل سابقتين في تاريخ العراق وذلك عندما قام أولا بإعلان إستقلال العراق بأكمله ومخاطبة الخليفة العثماني بذلك ، بعد جمعه لمعظم عرب العراق في وجه العثمانيين ، ثم ماقام به ثانيا من توحيد العرب والأكراد في توجه موحد لإستقلال العراق بأكمله ، مضحيا بحكمه مرتين في سبيل ماسعى اليه ، على الرغم من كونه كان يستطيع أن يبقي الوضع على ماهو عليه من حكمه لنصف العراق وتقاسمه للنفوذ على مدينة البصرة مع العثمانيين.

20- خروج ثويني من العراق:

نعود للأحداث حيث أن الأمير ثويني بن عبدالله بعد مهاجمة معسكره ، اتجه شمالا الى صفوان وبدأ بمراسلة قبائل بادية مملكة المنتفق حتى تتجمع لديه ، الا أن الأمير حمود بن ثامر حاكم مملكة المنتفق ، قام بتوجيه ضربة استباقية لعمه الأمير ثويني وقبل أن تتجمع لديه قوة كافية ، حيث سار اليه بجيش كبير ، وانزل به هزيمة قوية وشتت القبائل والعشائر القليلة من بادية مملكة المنتفق التي تجمعت لدى عمه الأمير ثويني بن عبدالله بعد وصوله لصفوان ، يذكر المؤرخ الشيخ عثمان بن بشر ، مؤرخ الدولة السعودية الأولى والثانية ، في كتابه عنوان المجد في تاريخ نجد، عند حديثه عن الأمير ثويني بن عبدالله ، ج:1 ، ص:218 ((( قصد البصرة ونزل سفوان الماء المعروف قرب البصرة فاجتمع اليه قبائل من عربان المنتفق ، فسار اليه حمود بن ثامر بمن تبعه من المنتفق وأهل الزبير وغيرهم ، فنازله وحصل بينهم قتال شديد ، فانهزم ثويني فأخذ حمود ومن تبعه محله وامتاعه وخيامه وقتل عليه عدة قتلى ))). يذكر الدكتور حميد بن حمد السعدون ، في كتابه امارة المنتفق وأثرها في تاريخ العراق و المنطقة الأقليمية 1546م – 1918م ، ص: 147 ((( هذه المعركة ، هي أولى المشاهد التي وقفت فيها قوات المنتفق تقاتل بعضها، رغم أن ماكان لدى الشيخ ثويني ، من قوة كان صغيرا ومحصورا باتباعه وأعوانه وأشقائه ، الا أن ماحدث كان جديرا بالتسجيل والملاحظة. هذه الوقعة رغم عدم أهميتها في تثبيت سلم القيادات في امارة المنتفق ، الا اني أراها تجربة مريرة تذوقتها المنتفق بمرارة أشد ، ونبهت المماليك ومن خلفهم في الولاية الى الطريقة الأسلم لتمزيق المنتفق))).

بعد المعركة أدرك الأمير ثويني بن عبدالله صعوبة موقفه ، لذلك قرر الذهاب لحاكم دولة بن كعب وشيخ مشائخ قبائلها الأمير غضبان بن محمد الكعبي والإستجارة به ، وقد قام الأمير غضبان بالترحيب به ، وانزله المكان اللائق به ، بل ولاه شكليا على أحد المقاطعات في دولة بني كعب ، يذكر المؤرخ حسين خلف الشيخ خزعل ، في كتابه تاريخ الكويت السياسي ، ج: 1 ،ص: 62 ((( فترك الشيخ ثويني تلك الديار وذهب الى الدورق مستجيرا بأمير بني كعب (الشيخ غضبان بن محمد) فأكرم وفادته واحله المحل اللائق وبقي الشيخ ثويني هناك مده حتى هدأت الأحوال ))). وبعد مدة من إقامة الأمير ثويني في دولة بني كعب غادرها الى دولة بني خالد ، وطلب من حاكمها الأمير زيد بن عريعر مساندته عسكريا ضد ابن أخيه الأمير حمود بن ثامر ، الا ان الأمير زيد بن عريعر اعتذر منه لكونه لايستطيع الدخول في حرب مع قوات الأمير حمود وقوات الدولة العثمانية معا ، وذلك لكون الأمير حمود كان يحكم مملكة المنتفق بتأييد عثماني ، يذكر المؤرخ حسين خلف الشيخ خزعل ، في كتابه تاريخ الكويت السياسي ، ج: 1 ، ص: 62 ((( ثم عزم بعدئذ على ترك الدورق والسفر الى الأحساء ليستنفر زعيم بني خالد (زيد بن عريعر) لمحاربة ابن اخيه الشيخ حمود فلما وصل الى الأحساء واوقف (زيد بن عريعر) على عزمه اعتذر اليه زيد وابدى له عجزه عن مد يد المساعدة اليه وعدم تمكنه من القيام بأي عمل لأن الشيخ حمود مؤيد من قبل الدولة العثمانية وان الحرب معه تعتبر حربا على الدولة نفسها وليس في استطاعته مقابلة قوات الشيخ حمود وقوات الدولة العثمانية في آن واحد))). يلخص الأحداث من وصول الأمير حمود بن ثامر للحكم في مملكة المنتفق والى ذهاب الأمير ثويني بن عبدالله الى دولة بني خالد ، العالم الشيخ محمد بن العلامة الشيخ خليفة بن حمد بن موسى النبهاني الطائي (كان هو ووالده مدرسين بالمسجد الحرام.. وهو معاصر للحرب العالمية الأولى وسبق له تولي قضاء البصرة)، في كتابه التحفة النبهانية في تاريخ الجزيرة العربية ، قسم المنتفق ، ص: 408 (((لما أخذ حمود بن ثامر بزمام الحكم عام (1204هـ 1788م) جمع جموعه من المنتفق وأهل الزبير، ومشى بهم يقودهم نحو عمه الشيخ ثويني وتصادم معه عند (جبل صفوان) حتى اضطره إلى التقهقر فغنم حمود خيامه وبعض عتاده وذهب ثويني إلى (الدورق) من بلاد بني كعب (جنوب البصرة) ومن ثم توجه نحو الأحساء حتى نزل عند رئيس بني خالد (زيد بن عريعر) واستنصره على ابن أخيه فاعتذر له بعدم التمكن على الغزو بقوله إن حموداً هو منصب من قبل الدولة العثمانية والحرب معه تعد حرباً مع الدولة))). ثم قام الأمير ثويني بن عبدالله بزيارة لحاكم الدولة السعودية الأولى في الدرعية الإمام عبدالعزيز بن محمد بن سعود ، حيث قام بإكرامه وأعطاه خيلا وأبلا وأموالا ، وبقي هناك مدة سنة ، قبل أن تراسله الدولة العثمانية عن طريق شيخ الكويت ويعود الى الكويت أولا ومن ثم الى بغداد وهو ماسوف يتم تفصيله في فصل لاحق ، يذكر المؤرخ الشيخ عثمان بن بشر ، مؤرخ الدولة السعودية الأولى والثانية ، في كتابه عنوان المجد في تاريخ نجد ، ج:1 ، ص:218 ((( فسار الى الدرعية وألفى على عبدالعزيز فأكرمه غاية الأكرام وأعطاه خيلا وأبلا ودراهم ثم رجع الى الكويت))).

21- صعود حمود بن ثامر للحكم و اخراج الخزاعل من السماوة:

كان حاكم مملكة المنتفق الأمير حمود بن ثامر السعدون يلقب بـ (حمود العمى) وذلك لإصابته بالعمى في أخر عشرين سنة من حكمه وتحديدا من عام 1807م (1222هـ) . يذكر العالم الشيخ محمد بن العلامة الشيخ خليفة بن حمد بن موسى النبهاني الطائي (كان هو ووالده مدرسين بالمسجد الحرام.. وهو معاصر للحرب العالمية الأولى وسبق له تولي قضاء البصرة) ، عند حديثه عن حكم الأمير حمود بن ثامر لمملكة المنتفق ومشيخته لاتحاد قبائل المنتفق ، في كتابه التحفة النبهانية في تاريخ الجزيرة العربية ، قسم المنتفق ، ص: 412 (((ولما كف بصره آخر عمره ازداد هيبة ووقاراً. وعظم ملكه وسلطانه واستمرت مشيخته الأخيرة إلى سنة 1242هـ 1825م))). وقد كان يلقب أيضا بــ (سلطان البر ) وهو أول من حمل هذا اللقب بالعراق ، وهذا تسلسل نسبه :

الأمير حمود (حاكم مملكة المنتفق وشيخ مشائخ قبائلها) بن الأمير ثامر (حاكم مملكة المنتفق وشيخ مشائخ قبائلها) بن الأمير سعدون (حاكم مملكة المنتفق وشيخ مشائخ قبائلها والذي سميت الاسرة به) بن الأمير محمد (حاكم مملكة المنتفق وشيخ مشائخ قبائلها) بن الأمير مانع الثاني (حاكم مملكة المنتفق وشيخ مشائخ قبائلها) بن الأمير شبيب الثاني(حاكم مملكة المنتفق وشيخ مشائخ قبائلها) بن الأمير مانع الصخا (حاكم مملكة المنتفق وشيخ مشائخ قبائلها) بن الأمير شبيب الأول (حاكم مملكة المنتفق وشيخ مشائخ قبائلها) بن الشريف حسن(مؤسس مملكة المنتفق واتحاد قبائل المنتفق) بن الشريف مانع بن مالك بن سعدون الأول بن إبراهيم (أحمر العينين) بن الأمير كبش (امير المدينة المنورة) بن الأمير منصور (امير المدينة المنورة) بن الأمير جماز (أمير المدينة المنورة + أمير مكة المكرمة 687هـ + أول من سك عمله باسمه في مكة من أمراء المدينة المنورة) بن الأمير شيحة (أمير المدينة المنورة+أمير مكة المكرمة عام 637هـ) بن الأمير هاشم (أمير المدينة المنورة) بن الأمير قاسم (أبو فليته) (امير المدينة المنورة+ امير مكة عام 571هـ) بن الأمير مهنا الاعرج (أمير المدينة المنورة) بن الأمير الحسين (شهاب الدين) (امير المدينة المنورة) بن الأمير مهنا الأكبر (أبو عمارة) (أمير المدينة المنورة) بن الأمير داود (أبو هاشم) (امير المدينة المنورة) بن الأمير القاسم (امير المدينة المنورة) بن الأمير عبيد الله (امير المدينة المنورة+ امير العقيق) بن طاهر بن يحي النسابة بن الحسن بن جعفر بن عبيد الله (الاعرج) بن الحسين (الأصغر) بن علي (زين العابدين) بن الحسين – رضي الله عنه‎ - ابن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب – رضي الله عنه. ‎

يذكر ترجمه له المؤرخ خير الدين الزِّرِكْلي المولود عام 1893م، في كتابه الأعلام وهو قاموس تراجم لأشهر الرجال والنساء من العرب والمستعربين والمستشرقين يقع في ثمانية مجلدات ، المجلد الثاني ، ص:281 ((( حمود بن ثامر بن سعدون بن محمد بن مانع الشبيبي الحسيني أمير المنتفق (في العراق) وأحد من اشتهروا بالفروسية. كانت أيام حروبه تعدّ كأيام العرب في الجاهلية))) ، ثم يكمل المؤرخ حديثه عن الفترة التي تبعت هزيمة حمود للدولة العثمانية ودخوله بغداد عسكريا عام 1813م بعد أسره ثم قتله لوالي بغداد وتمزيقه لجيشه الكبير ثم فرضه لنفوذه ونفوذ أسرته آل سعدون الأشراف على كل العراق مابين 1813م – 1817م ، وهو ماسوف يتم التطرق له في هذا البحث بشكل موجز وسوف يتم تفصيله في بحث لاحق عن فترة حكم الأمير حمود بن ثامر ((( فكانت جوائزه حديث الناس، أو كما يقول المؤرخ ابن سند: كجوائز بني العباس))). وننقل هنا عرض موجز لبعض ماذكر في كتاب مطالع السعود بطيب أخبار الوالي داوود عن الأمير حمود بن ثامر من وجهة نظر المؤرخ العثماني المعاصر له الشيخ عثمان بن سند الوائلي البصري (مع ملاحظة تحامل ابن سند عليه كونه حارب داوود باشا والي بغداد الذي ألف ابن سند كتابه في سيرته) ، كتاب مطالع السعود بطيب أخبار الوالي داود، ص: 221 (((حمود بن ثامر بن سعدون ابن محمد بن مانع الشبيبي ابن اخي ثويني لأمه، لكون ثامر اخا لثويني من امه، وهو ابن عم له كما هو معلوم. وحمود هذا من فرسان العرب المعدودين ومن اهل الذكاء والدهاء والفضل منهم ... كان يتأنى في رسائله ومكاتباته فربما اقام في الكتاب الموجز أياما بل شهورا... ومن مثالبه انه لايرضى الا برأيه ومنها ان كاتبه من رشاه قرأ كتابه على حمود، ومن لا فلا ، فكم فاضل علما وعملا كاتبه في شكاية فما اطلعه الكاتب على مافيه ... ومن محاسنه الشجاعة التي لاتوجد في أمثاله فأنه في ذلك الفرد الكامل وله ايام ومشاهد وملاحم برز فيها شجاعة))).

ومن أبرز ماينسب الى فترة حكم الأمير حمود بن ثامر لمملكة المنتفق ، هو تطويره لجيش مملكة المنتفق وذلك بتأسيسه للقوات الخاصة التي كانت تعرف بالمنقيه (المنتقاة) والتي كانت تجهز بأفضل الأسلحة وأحسن الخيول وتكون مهمتها فقط ملاحقة قوات العدو الهاربة في حالة الإنتصار لجيش مملكة المنتفق أو الدفاع عن جيش مملكة المنتفق في حالة الخسارة وتغطية انسحابه ، يذكر الدكتور حميد بن حمد السعدون ، في كتابه امارة المنتفق وأثرها في تاريخ العراق و المنطقة الأقليمية 1546م – 1918م , ص: 273 ((( وقد اضيفت قوات أخرى لجيش المنتفق ، ابتداء منذ أيام امارة – حمود الثامر- تسمى بقوات "المنجية" وهي مايطلق عليها حاليا بالقوات الخاصة . وكانت تعطى اليها ، أجود الأسلحة وأحسن الخيول ، بحيث توافق ومهمتهم الخاصة بملاحقة القوات الهاربة أمامهم ، أو البقاء في أخر الرتل للمدافعة عن الجيش أثناء انسحابه ، وكان يختار لهذه القوات رجال أغلبهم من الشباب الذين يبحثون عن مغامرة الحرب))).

نعود للأحداث ، حيث أنه بعد تشتيت الأمير حمود بن ثامر لقوات عمه الأمير ثويني بن عبدالله ، أراد الإنتقام من قبائل الخزاعل ثأرا لوالده الذي قتل على يدهم ، وثأرا لماقاموا به عام 1779م عندما وضعوا رأس والده على الطعام امامه عندما كان في بداية شبابه أسيرا لديهم بعد المعركة (كما ذكرنا في فصل سابق) ، وقد وضع الأمير حمود النزاع على أرض في السماوة بينه وبين شيخ الخزاعل سببا للحرب ، حيث تقابل الأمير حمود مع شيخ الخزاعل واتفقا أن يأتي كل شخص منهما بشهود تثبت تبعية الأرض المختلف عليها له ، وفي اليوم التالي جاء شيخ الخزاعل بشهوده بينما أتى الأمير حمود بقوات لا قبل لخصمه بها، وقال بشكل أهزوجي (الحق حق السيف، والعاجز يدور شهود) ، وهي العبارة التي أصبحت مثلا يضرب للإعتماد على القوة في استرجاع الحقوق ، وبعدها اندلعت معركة كبيرة بين الطرفين انتصرت فيها قوات مملكة المنتفق وأخرجت الخزاعل من السماوة بشكل نهائي ، يذكر العالم الشيخ محمد بن العلامة الشيخ خليفة بن حمد بن موسى النبهاني الطائي (كان هو ووالده مدرسين بالمسجد الحرام.. وهو معاصر للحرب العالمية الأولى وسبق له تولي قضاء البصرة)، في كتابه التحفة النبهانية في تاريخ الجزيرة العربية ، قسم المنتفق، ص: 407 (((وفي عام (1203هـ 1787م) دخلت أراضي (السماوة) تحت حكم حمود ابن ثامر بعد حرب دموية وقعت بينه وبين خزاعة))). وقد كان من بين القتلى في هذه المعركة ابن كايم ، وهو قاتل الأمير ثامر بن سعدون (والد الأمير حمود) والذي قتل بيد الشيخ الفارس محمد بن معيوف السعيدي الذي قدم رأسه وفرسه لحاكم مملكة المنتفق الأمير حمود بن ثامر ، يذكر الدكتور حميد بن حمد السعدون ، في كتابه امارة المنتفق وأثرها في تاريخ العراق و المنطقة الأقليمية 1546م – 1918م , ص:148 ((( وكان أكثر ماأسعد – حمود الثامر- مقتل "ابن كايم" قاتل والده الأمير – ثامر بن سعدون- بيد " محمد بن معيوف السعيدي"صاحب الفرس الحمراء ، والذي قدم رأس ابن كايم وفرسه الأبيض هديه لأميره))). وقد كافأ حاكم مملكة المنتفق الأمير حمود بن ثامر، الشيخ محمد المعيوف بأن منحه مشيخة كل ثلث بني سعيد والذي يضم الكثير من القبائل والعشائر، يذكر الدكتور حميد بن حمد السعدون ، في كتابه امارة المنتفق وأثرها في تاريخ العراق و المنطقة الأقليمية 1546م – 1918م ,ص: 148 ((( هو من ثلث "بني سعيد" وعرفت عائلته فيما بعد بعائلة " البوحمره" توصيفا لفرسه الحمراء التي كان يمتطيها اثناء المعركة . ومنذ ذلك الوقت منح – محمد المعيوف – مشيخة ثلث بني سعيد عامة))).

22- تعيين ثويني بمجلس الحكم العثماني في بغداد وإبقاؤه قيد الاقامة الجبرية:


سعى والي بغداد الى إبقاء مملكة المنتفق موالية للعثمانيين في تلك الفترة ، وهي الفترة التي بدأت تشهد تحركات عسكرية قوية من قبل الدولة السعودية الأولى ضد دولة بني خالد ، لذلك كان يقلقه تواجد الأمير ثويني بن عبدالله في الدرعية ، خوفا من إجتماع كلمتهم في عمل عسكري مشترك ضد العثمانيين ، وكون سليمان باشا أيضا يرغب في إبقاء الأمير ثويني بن عبدالله بعيدا عن الحكم ، لذلك قرر أن يعرض عليه إظهار الندم والعودة للعراق مقابل تعيينه في مجلس الحكم العثماني في بغداد ، وذلك حتى يقتنع بالبقاء في بغداد تحت نظر الدولة العثمانية ، يذكر المؤرخ حسين خلف الشيخ خزعل ، في كتابه تاريخ الجزيرة العربية , ج1 , ص: 332 ((( استشف سليمان باشا والي العراق وجود ثويني في الدرعية ومايترتب على ذلك من نتائج اذا مااجتمعت كلمة الدرعية مع ثويني , فاشار الى بعض اخصائه ان يتصلوا بثويني وان ينصحوه ويحسنوا له طلب العفو من الدولة العثمانية واظهار الندم والعودة الى العراق . ففعل ثويني بهذه النصيحة فعفت عنه الدولة وقدم الى بغداد فشمله سليمان باشا برعاية خاصة ليدخره لحوادث المستقبل ))). يذكر الرحالة الإنجليزي المعروف جاكسون (المعاصر للأحداث) في رحلته للعراق عام 1797م ، كتاب مشاهدات بريطاني عن العراق سنة 1797، عند حديثه عن الأمير ثويني بن عبدالله ، ص:52 ((( غير أنه لم يلبث ان عاد بعد مده ملتمسا صدور العفو عنه. ولما كان العرب التفوا حوله وأكرموا وفادته، وبرهن على أنه خصم عنيد للحكومة، فقد ظن باشا بغداد أن من الصواب اعلان العفو عنه واشراكه في حكومته))). لذلك قرر الأمير ثويني بن عبدالله الذهاب لبغداد وقبول عرض واليها له للبقاء فيها مقابل اشراكه في مجلس الحكم العثماني ، وفي طريق عودته مر بالكويت وقد اشار عليه شيخها (الشيخ عبدالله الصباح) بالذهاب لبغداد وطلب العفو من الدولة العثمانية ، يذكر المؤرخ حسين خلف الشيخ خزعل ، في كتابه تاريخ الكويت السياسي ، ج: 1 ،ص: 62 ((( فاشار عليه الشيخ عبدالله الصباح بالذهاب الى بغداد لطلب العفو من الوزير سليمان باشا))).





23- ماقبل سقوط دولة بني خالد ومابعده من أحداث سياسيه وهجرات:

نذكر في هذا القسم بشكل موجز بعض أبرز الأحداث التي أثرت في الفترة التاريخية التالية والتي يغطيها الفصل التالي من البحث ، وسوف يكون التركيز الأكبر في هذا الفصل على الحدث الأهم والذي أثر في تاريخ المنطقة وهو سقوط دولة بني خالد ، وفي الفصل التالي سوف نتحدث على ماترتب على هذا الحدث.

أولا: شمر الجربا

شاركت بادية قبيلة شمر وقبيلة مطير في حملة حاكم الحجاز الشريف غالب على نجد عام 1205هـ ، وبعد عودته الى مكة اتفقت قبيلة مطير مع بادية شمر على مهاجمة بعض القرى في جبل شمر ، وقد قام أهل تلك القرى بمراسلة حاكم الدولة السعودية الأولى الإمام عبدالعزيز بن سعود ، يذكر مؤلف كتاب لمع الشهاب في سيرة محمد بن عبد الوهاب (مؤلف مجهول) ، ص: 99 ((( ثم ان عرب الشريف ، الذين كانوا ملتجئين به من بداة نجد ، تفرقوا عنه راجعين الى أطراف نجد. فقحطان احتازوا الى تثليث ، وعتيبه الى برية مكة ، ، كركبه ومايليها . أما مطير فاحتازوا الى أرض شمر ، واتفقوا مع مطلق الجربى ، وبادية شمر جميعها ، التي في الجبل . وصار بينهم وبين أهل القرى التي في الجبل حرب . فأرسل أهل الجبل الى عبدالعزيز بن سعود أن هذا مطلق الجربى نكث والتجأت اليه مطير ، فهذا اليوم نحاربه))). وقد قام حاكم الدولة السعودية الأولى الامام عبدالعزيز بن سعود بإرسال ابنه سعود بجيش لمهاجمة شمر ومطير ، واستطاع الإمام سعود أن يهزم القبيلتين ، ولكن بينما هو في ميدان المعركة وصلته منهم رسل يدعونه للمنازلة ، لذلك ثبت لهم وحصلت معركة عنيفة (معركة العدوة) قتل بها الشيخ مسلط بن مطلق الجربا يذكر المؤرخ الشيخ عثمان بن بشر ، مؤرخ الدولة السعودية الأولى والثانية ، في كتابه عنوان المجد في تاريخ نجد، أحداث سنة 1205هـ ، ج:1 ، ص: 176 ((( وفيها وقعة العدوة ، وذلك أن كثير من البوادي الذين ساروا مع الشريف ، انفردوا عندما رجع الى مكة وأكثرهم من قبائل مطير وقبائل شمر . ماغاب من هاتين القبيلتين الا القليل ورئيسهم يومئذ حصان ابليس وانحازوا إلى الماء المعروف بالعدوة وهو مزروع لشمر قرب حائل فنهض إليهم سعود واستنفر أهل نجد البادي والحاضر ، فسار بالجنود المنصورة والخيل العتاق المشهورة وقصدهم في تلك الناحية ، فنازلهم ووقع بينهم قتال شديد ، فأنهزمت تلك البوادي وقتل منهم قتلى كثيرة من فرسانهم منهم: مسعود الملقب حصان إبليس ، وسمرة المشهور رئيس العبيات ، وأبو هليبة من مطير، وعدد كثير غيرهم ، وغنم المسلمون منهم غنائم كثيرة من الابل والغنم والأثاث والأمتعة ، وأخذ جميع محلتهم ، وهذه الوقعة في أخر ذي الحجة ، فلما انهزم هؤلاء البوادي ، وأخذ المسلمون أموالهم استنفروا مايليهم من قبائلهم وغيرهم ممن لم يحضر الوقعة ، وأرسلوا الى سعود يدعونه للمنازلة ، وأنهم يريدون المسير عليه ، فثبت لهم واقبلوا أليه مقرنين الإبل ، وهو على العدوة يقسم الغنائم فساقوها على المسلمين فثبتوا لهم واوقدوا فيهم وفي ابلهم بالبارود والرصاص ، وكان مقدم البوادي مسلط بن مطلق الجرباء ، وكان قد نذر ان يجشم فرسه صيوان سعود ، فأراد أن يتم نذره وأرخى عنان فرسه ، فاختطفه المسلمون وضربه رجل بعود يشوى به القرص ، فطرحه عن جواده فقتل ، وانهزم تلك البوادي لايلوي أحد على أحد ، ولا والد على ماولد، وترجوا الابل مقرنة في الحبال ، وتبعهم المسلمون وأخذوا جميع أموالهم من الابل والغنم والأمتعه ، وقاموا في في أثرهم يومين يأخذون الأموال ويقتلون الرجال ، وحاز سعود جميع الغنائم ، الابل أحد عشر ألف بعير ، والغنم أكثر من مائة ألف ، وعزل الخمس وقسم باقيها في المسلمين للراجل سهم وللفارس سهمان))). بعد الخسارة الكبيرة في المعركة قرر الشيخ مطلق الجربا شيخ شمر الهجرة مع الكثير من بادية شمر الى العراق عام 1205هـ ، يذكر مؤلف كتاب لمع الشهاب في سيرة محمد بن عبد الوهاب (مؤلف مجهول) ، ص: 100 ((( فجلا مطلق الجربى الى العراق منذ ذلك اليوم))). واستقر هنالك مؤقتا في منطقة السماوة حتى العام 1212هـ ، حيث هاجمهم الإمام سعود بن عبدالعزيز وهزمهم مع عدة قبائل كانت معهم قرب السماوة ، وقتل في هذه المعركة شيخ شمر مطلق الجربا ، يذكر المؤرخ الشيخ عثمان بن بشر ، مؤرخ الدولة السعودية الأولى والثانية ، في كتابه عنوان المجد في تاريخ نجد، عند حديثه عن الإمام سعود بن عبدالعزيز، أحداث سنة 1212هـ ، ج:1 ، ص: 240 ((( ثم سار وقصد جهه السماوة فأتاه عيونه وأخبروه بعربان كثيره مجتمعين في الأبيض الماء المعروف قرب السماوه ، فوجه الرايات اليهم ونازلهم على مائهم ذلك ، وكانت تلك العربان كثيره من عربان شمر ، ورئيسهم مطلق بن محمد الجربا الفارس المشهور ومعه عدة من قبائل الظفير وعربان أل بعيج والزقاريط وغيرهم ، فدخل عليهم سعود في وادي الابيض المذكور ونازلهم ، فحصل بينهم قتال شديد وطراد خيل ، فساعة يهزمون بعض جنود المسلمين ، وساعة يهزمونهم وقتل من المسلمين عدة رجال في تلك المجاولات ، نحو خمسة عشر رجلا منهم : براك بن عبدالمحسن رئيس بني خالد ومحمد آل علي رئيس المهاشير ، ثم حمل عليهم المسلمون فدهموهم في منازلهم وبيوتهم ، فقتل عدة رجال من فرسان شمر وأل ظفير وغيرهم ، وكان مطلق الجربا على جواد سابق يطارد خيل المسلمين ، فعثر جواده في نعجه ، فأدركه خزيم بن لحيان رئيس السهول وفارسهم ، فقتله فأنهزمت تلك القبائل وغنم المسلمون أكثر محلتهم وابلهم وامتاعهم ))). وجدت قبيلة شمر نفسها مضطره بعد مقتل شيخها الى الهجرة الى ولاية بغداد وعبور النهر ، وهو الإجراء الذي تم بطلب من ولاية بغداد ، يذكر المؤرخ والمستشرق الألماني البارون ماكس فرايهير فون أوبنهايم ، في كتابه البدو ، عند حديثه عن هجرة شمر الى الجزيرة ، ج1، ص:220 (((فانه كان تدبيرا حكوميا بالدرجة الأولى، كما يقول روسو عميل فرنسا في بغداد، في واحدة من ملاحظاته:"انفصلت شمر الجرباء قبل حوالي عام عن الوهابيين، هربا من ضرائبهم المجحفة، وخضعت لحكومة بغداد، التي اذنت لها بعبور الفرات، كي تضمن انصياعها التام لها، وتقلع عن استفزازالوهابييين"))).

ثانيا: بني خالد


بدأت الدولة السعودية الأولى ومنذ العام 1203هـ ، بالإنتقال من مرحلة الدفاع الى مرحلة الهجوم وذلك في صراعها مع دولة بني خالد ، حيث أدركت الدولة السعودية الأولى ان سقوط دولة بني خالد أصبح مسألة وقت فقط ، يذكر عبدالكريم المنيف الوهبي في كتابه بنو خالد وعلاقتهم بنجد 1080 - 1208 هـ/ 1669 – 1794م ، ص: 319 ((( وهكذا فلم يحل عام 1203هـ / 1789م حتى أدركت الدرعية أن سقوط الأحساء واخضاع بني خالد لم يعد الا مسألة وقت ، خصوصا بعد أن شعرت بتفوقها العسكري الواضح على المعارضين من بني خالد ، فشرعت ولأول مرة بمهاجمة بني خالد في عقر دارهم متخلية عن استراتيجيتها الدفاعية في صراعها معهم))). وتعرضت دولة بني خالد منذ عام 1203هـ الى هجمات عسكرية قوية تكبدت على أثرها خسائر مادية وبشرية كبيرة ، يذكر المؤرخ الشيخ حسين بن غنام ، مؤرخ الدولة السعودية الأولى (المعاصر للأحداث ) ، في كتابه تاريخ نجد ( روضة الأفكار والأفهام) ، ص: 171 ((( ثم ورد سعود بالمسلمين ماء (الوفرا) فلما رحل منها صادف في طريقه ركبا من آل سحبان – من بني خالد – كبيرهم ابن مغجل ، وكانوا نحو تسعين رجلا ، فقتلهم جميعا. وسار سعود بالمسلمين يريد (الأحساء) ، فوصل (المبرز) فنازل أهلها وتراموا من بعيد. ثم رأى أن يتركهم فانصرف عنهم وسار الى (الهفوف) ، ولكنه لم يتوقف عندها ، بل واصل سيره الى قرية (الفضول) – في شرقي الأحساء – فشد المسلمون على القرية ، فانهزم أهلها ولم يستطيعوا الفرار لأن المسلمين ملكوا عليهم جميع الطرق. فالتجأوا الى بيوتهم وتحصنوا فيها ، فدخل المسلمون عليهم تلك البيوت وقتلوهم قتل النعم ، وكانوا ثلاثمائة رجل قتلوا جميعا. وأخذ المسلمون جميع مافي القرية مماينقل من المال وأنواع السلاح والحيوان والأمتعة والطعام – وكان شيئا كثيرا))). وبدأت الكفة تميل لصالح الدولة السعودية الأولى في مقابل عجز حكام دولة بني خالد عن السيطرة على أراضيهم ، يذكر عبدالكريم المنيف الوهبي في كتابه بنو خالد وعلاقتهم بنجد 1080 - 1208 هـ/ 1669 – 1794م ، ص: 322 ((( وهكذا أصبحت قوات الدرعية تنتقل في مناطق بني خالد دون معارضة من قوات دويحس وابن سرداح التي آثرت الابتعاد عن المواجهة ممادفع بلدان بني خالد الى التقوقع داخل الأسوار بخطة دفاعية محضة))).

وفي عام 1204هـ كان الأمير زيد بن عريعر ومعه بعض عشائره قد طلبوا المساعدة من الدولة السعودية الأولى ضد الأمير عبدالمحسن بن سرداح و الأمير دويحس بن عريعر ، ووقعت بين الطرفين معركة كبيرة ( معركة غريميل) ، وخسرت فيها قوات دولة بني خالد خسائر كبيرة ، وهرب الأمير عبدالمحسن بن سرداح ومن معه الى مملكة المنتفق ، وتولى حكم بني خالد الأمير زيد بن عريعر ، يذكر المؤرخ الشيخ عثمان بن بشر ، مؤرخ الدولة السعودية الأولى والثانية ، في كتابه عنوان المجد في تاريخ نجد, أحداث سنة 1204هـ ، ج:1 , ص: 169 ((( ثم دخلت السنة الرابعة بعد المائتين والألف وفيها سار سعود بجنوده المنصورة ، والخيل العتاق المشهورة واستلحق معه عربان الظفير ، وعربان العارض ومعه زيد بن عريعر وجلوية بني خالد ، وقصد بني خالد ورئيسهم يومئذ عبدالمحسن بن سرداح وابن أخيه ودويحس بن عريعر وهم نازلون عند غريميل المعروف عند الأحساء فعدى عليهم ونازلهم ووقع القتال بينهم ثلاثة أيام ، ثم انهزم بنو خالد واتباعهم فكر المسلمون في ساقتهم يقتلون ويغنمون وحاز سعود من الابل والغنم والأمتعة والأثاث مالايعد ولايحصى ، وقتل عليهم قتلى كثيرة ، وأخذ خمس الغنيمة ، وقسم باقيها في المسلمين للراجل سهم وللفارس سهمان ، وهرب عبدالمحسن ومن معه الى المنتفق وأكثر العربان قصدوا الأحساء وبايعوا سعودا على دين الله ورسوله والسمع والطاعة ، واستعمل سعود أميرا في بني خالد زيد بن عريعر واجتمعوا عليه))). وقد كان الامام سعود بن عبدالعزيز يرغب بالإستيلاء مباشرة على دولة بني خالد بعد المعركة ، الا ان قدر أنه في تلك الفترة لازال يحتاج الى الأمير زيد بن عريعر وقواته للسيطرة على الأحساء ، وعندها صرف النظر عن ذلك لمعارضة الأمير زيد بن عريعر لأي تحرك في هذا الاتجاه ، يذكر عبدالكريم المنيف الوهبي في كتابه بنو خالد وعلاقتهم بنجد 1080 - 1208 هـ/ 1669 – 1794م ، ص: 324 ((( وماذكره ابن غنام من أن سعودا أراد الاستيلاء على الأحساء بعد ذلك مباشرة ولكن عدم تجاوب زيد معه واختلاقه للأعذار جعله يتراجع في النهاية ، يدل دلالة واضحة على أهمية وجود زيد وأتباعه من بني خالد عسكريا بالنسبة للدرعية اضافة الى أهمية انضمامه اليها ماديا ومعنويا وسياسيا. أدت معركة غريميل الى زيادة تسارع العد التنازلي للحكم الخالدي في المنطقة. ولولا مواجهة الدرعية لخصم جديد في الغرب وهو الشريف غالب ، لتمكنت من حسم الأمر نهائيا مع بني خالد كنتيجة لمعركة غريميل))). انشغلت الدولة السعودية الأولى عن دولة بني خالد حتى العام 1206هـ ، وذلك لإضطرارها التصدي لحملات حاكم الحجاز الشريف غالب ، ثم بعد ذلك هاجمت دولة بني خالد بحملة عسكرية قوية واحتلت عدة بلدات وحصلت على غنائم مادية كبيرة ، وكبدت دولة بني خالد خسائر بشرية كبيرة خصوصا في بلدة سيهات والتي قتل فيها ألف وخمسمائة رجل ، يذكر المؤرخ الشيخ حسين بن غنام ، مؤرخ الدولة السعودية الأولى (المعاصر للأحداث ) ، في كتابه تاريخ نجد ( روضة الأفكار والأفهام) ، ص: 179 ((( وفي سنة 1206سار سعود بالمسلمين الى (القطيف) يريد أن يطهر بلدانها من الأصنام والأوثان. فأحاط المسلمون ببلدة (سيهات) وحاصروها ، ثم تسوروها ، وقتلوا من وجدوا فيها – وكانوا نحو ألف وخمسمائة قتيل – واستولوا على جميع مافيها من الأموال التي لاتعد ولاتوصف. ثم قصد المسلمون (القديح) ، فدهموا أهلها ، واستولوا كذلك على مافيها من الأموال. فأصاب حينئذ الذعر بلدان القطيف ، فتهاوت أمام المسلمين ، فاستولوا على (العوامية) و (عنك) وغيرهما))).

وفي نفس السنة كان حاكم دولة بني خالد الأمير زيد بن عريعر وأخوانه قد أرسلوا للأمير عبدالمحسن بن سرداح يطلبون قدومه من مملكة المنتفق ويتعهدون له بالآمان ، ولما قدم اليهم قاموا بقتله ، يذكر المؤرخ الشيخ عثمان بن بشر ، مؤرخ الدولة السعودية الأولى والثانية ، في كتابه عنوان المجد في تاريخ نجد ، أحداث سنة 1206 هـ ، ج: 1 ، ص: 179 ((( وفيها قتل عبدالمحسن بن سرداح رئيس بني خالد بالقديم ، وذلك أن عبدالمحسن بعد وقعة غريميل المتقدمة هرب الى المنتفق ، وتولى في بني خالد زيد بن عريعر كما ذكرناه من قبل ، ثم ان زيد المذكور واخوانه أرسلوا الى عبدالمحسن وبذلوا له الصداقة والأمان، ووعدوه ومنوه ، حتى جاء اليهم واجتمع بهم فقتلوه في مجلسهم))). ونتيجة لذلك ثارت قبائل بني خالد وطردوا الأمير زيد بن عريعر وأخوانه وبايعوا الأمير براك بن عبدالمحسن السرداح ( ولد الأمير المقتول) ، وفي سنة 1207هـ ، هاجمت قوات الدولة السعودية الأولى قوات دولة بني خالد قرب الجهراء ، وانزلت بهم هزيمة كبرى (معركة الشيط) وكبدتهم خسارة أكثر من ألف مقاتل ، وفر حاكم دولة بني خالد الأمير براك بن عبدالمحسن وخيالته الى مملكة المنتفق ، يذكر المؤرخ الشيخ حسين بن غنام ، مؤرخ الدولة السعودية الأولى (المعاصر للأحداث ) ، في كتابه تاريخ نجد ( روضة الأفكار والأفهام) ، أحداث سنة 1207هـ ، ص: 180 ((( وسار سعود بالمسلمين يريد بني خالد ، فلما أقترب منهم وجد آثار الجيوش والخيل غازية ، ولم يكن يعلم بما أحدثه براك وجماعته . وذلك أن براك بن عبدالمحسن تولى رئاسة بني خالد والأحساء بعد مقتل أبيه عبدالمحسن بن سرداح رئيس بني خالد ، فنهض بهم غازيا وورد على ماء (اللصافة) وأغار على سبيع وأخذ منهم ابلا كثيرة. فلما علم بذلك سعود استشار من معه: هل يقتفي آثار براك وبني خالد ، أو يقصد أهلهم ومحالهم وليس عندهم من يحول دونهم ويدافع عنهم. فأشاروا عليه بأن يعمد الى أهلهم فيصبحهم ويعود منتصرا غانما. فأبى سعود عليهم ذلك ، ورأى أن الأولى ملاقاة هؤلاء الأشرار ومقاتلتهم. فسار حتى وصل ماء (اللصافة) وأقام يترصد بني خالد وينتظر عودتهم ، فلما بدت طلائعهم أسرعت اليهم بعض فرسان المسلمين يناوشونهم القتال ، فظنهم بنو خالد بعض الأعراب الغازين ، فطمعوا فيهم ووثقوا من النصر ، فلما تلاحم الفريقان ، هجم عليهم جيش المسلمين ، فلم يلبث أهل الضلال أن انهزموا وجد كل منهم يطلب النجاة لنفسه. فتبعهم المسلمون وأخذوا يقتلون فيهم قتلا ذريعا ، حتى قتلوا منهم ستمائة في يوم واحد غير من قتلوه وهم يقتفون أثرهم ، وأخذوا مامعهم من الخيل والأبل: وكانت الخيل مائتين مختلفة النوع واللون ... وتسمى الوقعة التي جرت بين سعود وبني خالد وقعة (الشيط) وهو موضع شرقي ماء اللصافة))). ويذكر سبب الخسارة الكبيرة عبدالكريم المنيف الوهبي في كتابه بنو خالد وعلاقتهم بنجد 1080 - 1208 هـ/ 1669 – 1794م ، ص: 328 ((( كانت محصلتها هزيمة بني خالد وفرار براك مع بعض خيالته الى قبائل المنتفق بعد وقت قصير من القتال الشرس. وترجع تلك الهزيمة القاسية وبتلك السرعة غير المتوقعه الى فقدان قوات براك لعنصري المفاجأة والتفوق العددي اللذين مكنا الدرعية من الامساك بزمام المبادرة وفرض موقع وطريقة القتال مماأدى الى احباط معنويات القوات الخالدية عند مواجهتها للأمر الواقع لاسيما أنها عائدة في شدة الصيف من غاراتها الخاطفة وقد أنهكها العطش والاعياء ولم تمكنها قوات الدرعية من الوصول الى الماء ... وقدرت خسائر بني خالد بألف مقاتل ومائتين من الخيل ، ثم يعلق ابن بشر على نتيجة تلك المعركه بقوله ( ولم تقم لبني خالد بعدها قائمة ) ، وهناك من قدرها بألفي مقاتل))).

وكنتيجة للمعركة قام سكان الأحساء بمبايعة الإمام سعود بن عبدالعزيز والذي ترك لديهم مجموعة من الدعاة والعلماء ، الا ان أهل الأحساء وبمجرد ما غادرتهم قوات الدولة السعودية الأولى قاموا بقتل من تركهم الإمام سعود بن عبدالعزيز وكان عدد المقتولين 30 رجل من بينهم الأمير محمد الحملي المنصب من قبل الدولة السعودية أميرا على الأحساء ، يذكر المؤرخ الشيخ حسين بن غنام ، مؤرخ الدولة السعودية الأولى (المعاصر للأحداث ) ، في كتابه تاريخ نجد ( روضة الأفكار والأفهام) ، أحداث سنة 1207هـ ، ص: 183 ((( ثم ارتحل سعود بالمسلمين من (الأحساء) وقصد قرية (نطاع) ماء في (الطف) وأقام فيها نحو شهر. فأتته الأخبار أن أهل (الأحساء) نقضوا العهد ، وارتدوا عن الدين ، وقتلوا المسلمين الذين أقامهم سعود عندهم دعاة وهداة ومعلمين))). الا ان الامام سعود قرر التريث في مهاجمة الأحساء الى وقت لاحق.

وقد كان الأمير زيد بن عريعر وأخوانه مقيمين قرب الكويت في تلك الفترة وما ان وصلهم خبر ماحصل بالأحساء ومقتل الأمير المعين من قبل الدولة السعودية الأولى حتى اتجهوا اليها واستعادوا حكمهم ، وفي عام 1208هـ اتجهت قوات الدولة السعودية الأولى الى الأحساء وبعد معارك متعددة استطاعت اسقاط دولة بني خالد بشكل نهائي ، ولكن الإمام سعود بن عبدالعزيز قام بتنصيب الأمير براك بن عبدالمحسن كحاكم على الأحساء اسميا ويبدو انه كان يهدف من هذه الخطوة الى ابعاد التدخل العثماني لكون دولة بني خالد دولة حليفه للعثمانيين لذلك لم يرغب الإمام سعود بإبعاد آل حميد عن الحكم بشكل نهائي ، يذكر المؤرخ الشيخ عثمان بن بشر ، مؤرخ الدولة السعودية الأولى والثانية ، في كتابه عنوان المجد في تاريخ نجد , أحداث سنة 1208هـ ، ج:1 , ص: 204 ((( وفيها سار سعود رحمه الله بالجموع المنصورة من جميع نواحي نجد وعربانها وقصد الأحساء ، وكان أهل الأحساء بعد نقضهم العهد أتى اليهم زيد بن عريعر واستولى عليهم واستوطن البلد هو واخوانه وذووه ، فأقبل اليهم سعود بجنود المسلمين وفرسانهم ومعهم براك بن عبدالمحسن بن سرداح آل حميد مهاجر، ونزل سعود بالمسلمين على قرية الشقيق المعروفة في الأحساء ، فحاصرها يومين وأخذها عنوه واستولى عليها ، وهرب أهلها وقتل منهم عدة رجال ، ثم أجتمع أهل القرى شمال الأحساء في قرية القرين (بضم القاف) فسار اليها سعود فنزلها وحاصرها أشد الحصار وحاصر أهل بلد المطيرفي المعروفة ، فصالحوه على نصف أموالهم ، وسار سعود بتلك الجنود الى المبرز ، فخرج عليهم زيد بن عريعر بما عنده من الخيل ، فحصل بينهم قتال ... وانهزم زيد ومن معه الى البلد. ثم بعد أيام سارت الجموع الى المبرز ، فكمنوا لهم ، فجرت وقعة المحيرس قتل فيها من أهل المبرز مقتلة عظيمة ، قيل ان القتلى ينيفون عن المائة رجل ، وسارت الجنود الى بلاد ابن بطال ، فوقع فيها قتال فأنهزم أهلها وقتل منهم عدد كثير ، وأخذ سعود مافيها من الأمتعة والطعام والحيوان والأموال ، ثم ساروا الى بلدان الشرق فحصل فيها قتال وجلاد وارتجف أهل الشرق ، هذا وجميع البوادي الذين مع سعود وغيرهم يدمرون في الاحساء ويصرمون النخيل ويأخذون من التمر ويبيعونه أحمالا ، ويأكلون ويطعمون رواحلهم من الحاضر والبادي واكتالوا جميع البوادي من الأحساء نهبا ، وأوقروا رواحلهم ، وأقاموا على ذلك أياما ، ثم أن براك بن عبدالمحسن أتى الى سعود وقال ان أهل الأحساء يريدون المبايعة والدخول في الاسلام ، ولكن لايقدرون على الجلوس بين يديك خوفا وفرقا وهيبة ... وقال: اذا رحلت عنهم أخرجوا عنهم زيد بن عريعر وأتباعه ، ووفدوا عليك وبايعوك ، فرحل سعود قافلا الى الدرعية ... وركب براك الى أهل الأحساء ، فلما وصل اليهم نابذوه ونقضوا مابينهم وبينه ، وقاتلوه واستمروا على أمرهم ، فأرسل اليه فريق السياسب وأدخلوه المبرز ، وكان أولاد عريعر في الجفر والجشة البلد المعروفة ، فحصل بينهم وبين السياسب وأتباعهم قتال شديد ، فهرب أولاد عريعر من الأحساء وقصدو البصرة والزبير وسكنوا فيه ، واستولى على الأحساء أميرا من جهة عبدالعزيز ، براك بن عبدالمحسن وبايعوه على السمع والطاعة))). يذكر سقوط دولة بني خالد ، المؤرخ الشيخ عثمان بن بشر ، مؤرخ الدولة السعودية الأولى والثانية ، في كتابه عنوان المجد في تاريخ نجد , ج:1 , ص: 206 ((( وبزوال ولاية زيد عن الأحساء , زالت ولاية آل حميد المستقلة لهم في الأحساء والقطيف ونواحيهما , لأن ولاية براك هذه كانت لعبدالعزيز بن محمد بن سعود ))).

ثالثا: الظفير

كانت قبيلة الظفير الكريمة أحد أبرز القبائل في نجد قبل قيام الدولة السعودية الأولى ، وعندما بدأت الدولة السعودية الأولى بالتوسع اصطدم الطرفين في عدة معارك كان حصيلتها النهائية هجرة قبيلة الظفير الى العراق ، وفي عام 1209هـ تلقت الظفير هزيمة كبيرة على يد قوات الدولة السعودية الأولى ، يذكر المؤرخ الشيخ عثمان بن بشر ، مؤرخ الدولة السعودية الأولى والثانية ، في كتابه عنوان المجد في تاريخ نجد ، ج:1 ، ص: 210 ((( ثم دخلت السنة التاسعة بعد المائتين والألف . وفيها سار سعود بالجنود المنصورة والخيل العتاق المشهورة من نواحي نجد وعربانها وقصد جهة الشمال فأغار على عربان كثيرة مجتمعة من آل ظفير وغيرهم وهم بالحجرة الأرض المعروفة ، فهزمهم وقتل منهم رجالا كثيرة وأخذ منهم ألفا وخمسمائة بعير وجميع أغنامهم ومحلتهم وأثاثهم ، وذلك في شعبان ثم قفل راجعا بعدما قسم الغنائم))). هذه الهزيمة اضطرت قبيلة الظفير الى الهرب الى مملكة المنتفق والتي وفر حكامها لقبيلة الظفير الحماية وبتنسيق مع ولاية بغداد ، يذكر المؤرخ والمستشرق الألماني البارون ماكس فرايهير فون أوبنهايم ، في كتابه البدو , ج: 3 , ص: 93 ((( هاجمهم ولي العهد سعود في سنة (1795م) شمال لينة وكبدهم خسائر فادحة . اضطر الضفير بعد ذلك للهرب باتجاه الفرات الى المنتفق, الذين وفروا لهم الحماية بالاتفاق مع باشا بغداد ))). ومنذ تلك الفترة بدأت قبيلة الظفير تظهر في كتب التاريخ كقبيلة حليفه لمملكة المنتفق ولقبائل اتحاد المنتفق ولحكام مملكة المنتفق آل سعدون الأشراف ، والذين شجعوا قبيلة الظفير على الهجرة الى العراق . يذكر مؤرخ العراق الكبير عباس الغزاوي ، في كتابه عشائر العراق، قسم الظفير، نقلا عن المؤرخ العثماني الشهير سليمان فائق والذي عمل في بغداد وهو عدو للمنتفق و أحد كبار الموظفين العثمانيين في العراق في القرن التاسع عشر (((وقال المؤرخ الشهير سليمان فائق ابن الحاج طالب كهية في تاريخ المماليك عن هذه القبيلة بعد ورودها العراق ما نصه: "هذه القبيلة من القبائل النجدية العظمى، أرادت ألا تنقاد الى آل سعود بأداء الزكاة عن أنعامها، وألا يسيطر عليها أحد فيما ترتكبه من الجرائر والمفاسد ففروا من سلطة الوهابيين وجاءوا الى الخطة العراقية... وقد شوقهم على المجيء أمراء المنتفق كسائر من تمكنوا من جلبه لجانبهم بقصد التقليل من سورة الوهابيين وتقوية جهتهم واعزازها بأمثال هؤلاء مبدين لولاة بغداد صلاح ذلك وأنهم قاموا بخدمة مهمة في تزييد قوتهم ومكنتهم واعتزاز عشائرهم...أظهروا ذلك وحسنوه للوزراء والحال ان هؤلاء انما رحبوا بهم وقبلوا دخالتهم لأغراض أخرى غير هذه وذلك أنهم أضمروا أيضاً أن يستخدموهم على حكومة بغداد فأمنوا صولة الوهابيين في الظاهر وعادية الوزراء في الباطن إلا أن الوزراء لم يطلعوا على هذه الجهة فعدوا ذلك منهم مفخرة، وخدمة جلى))). ويبدو أن سليمان فائق يرى أن تحركات الظفير اللاحقه داخل ولاية بغداد كانت بتأييد ودعم من حكام مملكة المنتفق آل سعدون الأشراف.

يذكر قبيلة الظفير وعلاقتها بحكام مملكة المنتفق في أخر النصف الأول من القرن التاسع عشر .. خورشيد باشا في تقريره الذي أعده للدولة العثمانية واستمر اعداده 4 سنوات وذلك خلال اشتراكه بلجنة الحدود العثمانية الفارسية مابين 1848م – 1852م و قد أصبح واليا لأنقرة لاحقا - ، كتاب ولاية البصرة – من كتاب ( سياحة نامة حدود) جولة بالمناطق الحدودية بين الامبراطورية العثمانية وفارس- ص: 62 ((( يمكن لعشيرة الظفير من تجهيز ثلاثة الاف مقاتل ، تتجول صيفا في مناطق مراعي الشامية ... اما في الشتاء فيرعون في مناطق رعي قبائل المنتفق ... ولم يحدث في حالة من الحالات أن سرق ابناؤها شيئا من سكان القرى والعشائر ، وهم ليست لديهم مساكن دائمية ... تتجول هذه القبيلة في اماكن متعددة وتنتقل من مكان الى آخر ، ولكي تتخلص من المضايقات التي تحيط بها من ظلم القبائل القوية وخصوصا قبائل المنتفق اضطرت الى الاتفاق مع زعامة المنتفق وبموجب هذا الاتفاق يمنحها شيخ المنتفق سنويا كمية من الحبوب والتمور والخلع والملابس مقابل اعترافها بنفوذه وتساعده في المهمات حيث يستدعيها لمساعدته عند الحاجة ويساعدها ضد عدوهم المشترك))).

24- عودة ثويني للحكم وإستعادته للأحساء عسكريا - الحملة العثمانية الأولى داخل الجزيرة العربية:

قبل الحديث عن فترة عودة ثويني للحكم ينبغي الحديث عن الأسباب التي أدت الى اجبار الدولة العثمانية على اعادته للحكم على الرغم من خطورة هذه الخطوة عليها ، ويمكن اجمال هذه الأسباب والتي ذكر بعضها في الفصل السابق ، الآثار المترتبه على هجرة قبيلة شمر الجربا الى العراق بعد خسارتها الكبيرة أمام قوات الدولة السعودية الأولى عام 1205هـ ، الآثار المترتبه على هجرة قبيلة الظفير الى العراق طالبة الحماية بعد خسارتها الثقيلة أمام الدول السعودية الأولى عام 1209هـ ، والسبب الرئيسي وهو الهجمات العسكرية القوية على دولة بني خالد ثم الحدث الأهم وهو إسقاط الدولة السعودية الأولى لدولة بني خالد الحليفة للعثمانيين ، وإستنجاد حكامها (آل عريعر) ووجهاؤها وعلماؤها (وأبرزهم عالم الأحساء الكبير محمد بن فيروز التميمي ، وهو واحد من العلماء المعدودين الذي كانوا يستطيعون مخاطبة الخليفة العثماني مباشرة) بالدولة العثمانية ، والتي شكلت عوامل ضغط على والي بغداد أمام الخليفة العثماني ، يذكر المؤرخ الشيخ عثمان بن بشر ، مؤرخ الدولة السعودية الأولى والثانية ، في كتابه عنوان المجد في تاريخ نجد ، ج: 1 ، ص: 218 ((( وسعى في ذلك كثير من أهل نجد في الزبير والبحرين والكويت وغيرهم ، وكاتبوا باشا بغداد وحرضوه وزينوا له ذلك ، وكاتبه كثير من الرؤساء والعلماء سيما محمد بن فيروز ، فانه الذي يحكم ذلك ويبذل جهده ، وذكروا لباشا بغداد أنه لاينجع في هذا الأمر الخطير والخطب الكبير الا ثويني ، وكتبوا له كثيرا من الكذب والزور والبهتان في المسلمين))). وقد كان سليمان باشا غير متحمس لإتخاذ خطوة في هذا الإتجاه منذ سقوط دولة بني خالد 1208هـ خصوصا وان أحد أبناء آل حميد كان يحكم الأحساء اسميا ، الا انه في عام 1211هـ حصل هجوم على الأحساء من قبل الدولة السعودية الأولى بعد أن عمت الأحساء ثورة كبيرة هناك ، يذكر المؤرخ والمستشرق الألماني البارون ماكس فرايهير فون أوبنهايم ، في كتابه البدو , عند حديثه عن آل عريعر ، ج:3 , ص: 202 ((( ويبدو أنهم لم يشاركوا في تمرد الأحساء الذي أبقى على براك والوهابيين من آذار حتى حزيران 1796م في حالة استنفار، وانتهى باخضاع القطيف والعقير .ومرة أخرى لاح لعريعر الأمل , فمنذ زمن طويل كان المهاجرون الموجودون في البحرين والكويت والزبير والبصرة يطالبون سليمان باشا في بغداد باحتلال الأحساء واقترحوا عليه تسليم شيخ المنتفق ثويني قيادة الحملة))). يذكر عبدالكريم المنيف الوهبي ، في كتابه بنو خالد وعلاقتهم بنجد 1080 - 1208 هـ/ 1669 – 1794م ، ص: 336 ((( ويبدو أن لتلك الحملة علاقة بحملة سعود على الأحساء سنة 1210هـ / 1796م والمعروفة باسم الرقيقة والتي وقعت نتيجة لتمرد الأحساء المتكرر ولتقاعس براك وتنصله عن قمعه))). ويذكر سبب هذا التمرد ، المؤرخ الشيخ عثمان بن بشر ، مؤرخ الدولة السعودية الأولى والثانية ، في كتابه عنوان المجد في تاريخ نجد، أحداث سنة 1210هـ ، ج: 1 ، ص: 214 ((( وفي هذه السنة تمالأ صالح بن النجار وعلي بن سلطان ، وسلطان الجبيلي ورجال من رؤساء الأحساء ، فأجمعوا على نقض عهد الامام عبدالعزيز ومحاربة المسلمين وتبين أمرهم وأظهروه))). لذلك قامت الدولة السعودية الأولى بالتعامل بكل حزم وقوة مع المتمردين من رجال الأحساء ، ونقلت أيضا عددا من كبار رجال الأحساء ومن علمائها وقضاتها الى الدرعية ، يذكر المؤرخ الشيخ عثمان بن بشر ، مؤرخ الدولة السعودية الأولى والثانية ، في كتابه عنوان المجد في تاريخ نجد ، حوادث سنة 1211هـ ، ج:1 ، ص: 216 ((( وصار سعود في موضعه ذلك أياما حتى اجتمع عليه المسلمون البادية والحاضره ، فسار بالجيوش المنصورة والخيل والعتاق المشهورة ، وقصد ناحية الأحساء . فلما وصل اليه نزل قرب الرقيقة وهي مزارع معروفة لأهل الأحساء وبات تلك الليلة وأمر مناديه ينادي في المسلمين أن يوقد كل رجل نارا وأن يثوروا البنادق عند طلوع الشمس. فلما أصبح الصباح رحل سعود بعد صلاة الصباح . فلما كان قبل طلوع الشمس ثور المسلمون بنادقهم دفعة واحدة فارجفت الأرض وأظلمت السماء وثار عج الدخان في الجو وأسقط كثير من الحوامل في الأحساء . ثم نزل سعود في الرقيقة المذكورة فسلم له وظهر عليه جميع أهل الاحساء على احسانه واساءته وأمرهم بالخروج فخرجوا ، فأقام في ذلك المنزل مدة أشهر يقتل من أراد قتله ويجلي من أراد جلاءه ويحبس من أراد حبسه ويأخذ من الأموال ويهدم من المحال ويبني ثغورا ويهدم دورا ، وضرب عليهم ألوفا من الدراهم وقبضها منهم وذلك لأجل ماتكرر منهم من نقض العهد ومنابذة المسلمين وجرهم الأعداء عليهم ، وأكثر سعود فيهم القتل فكان مع ناجم بن دهينيم عدة من الرجال يتخطفون في الأسواق لأهل الفسوق ، ونقاض العهود وكان اكثر القتل ذلك اليوم التلنقية والسوادية المجتمعين على الفسوق ، اللذني كان فعلهم بهواهم كلما أرادوه فعلوه ، ولا يتجاسر أحد أن يأمرهم وينهاهم ، فكثر لذلك تعديهم واعتداءهم فهذا مقتول في البلد ، وهذا يخرجونه الى الخيام ، ويضرب عنقه عند خيمة سعود حتى أفناهم الا قليل ، وحاز سعود من الأموال في تلك الغزوة مالايعد ولايحصى ، فلما أراد سعود الرحيل من الأحساء أمسك عدة رجال من رؤساء أهله منهم علي بن حمد آل عمران ومبارك ومحمد العدساني القضاة ورجال كثير غيرهم ، وظهر بهم معه الى الدرعية ، وأسكنهم فيها واستعمل في الأحساء أميرا ناجم المذكور وهو رجل من عامتهم. وسميت هذه الوقعة وقعة الرقيقة))). وقد كان أبرز الاجراءات التي اتخذتها الدولة السعودية الأولى في الأحساء بعد هذا التمرد هي الغاء حكم آل عريعر وأبناء عمهم آل حميد بشكل كامل ونهائي ، حيث انها بعد عام 1208هـ عندما اسقطت حكمهم المستقل ابقت أحدهم (الأمير براك بن عبدالمحسن) كحاكم اسمي تابع لها ، يذكر عبدالكريم المنيف الوهبي ، في كتابه بنو خالد وعلاقتهم بنجد 1080 - 1208 هـ/ 1669 – 1794م ، ص: 339 ((( اذ يرد تولي ناجم بن دهينيم بعد براك بن عبدالمحسن أثر الرقيقة ثم بعده سليمان بن ماجد حتى سنة 1219هـ / 1804م حيث عزل وعين بدلا منه ابراهيم بن عفيصان على امارة الأحساء وذلك في عهد سعود))). وكانت هذه الإجراءات قد أغضبت الأمير ثويني بن عبدالله في بغداد والذي طلب تجهيز حملة يقودها لإستعادة حكم آل عريعر لدولتهم في الأحساء ، يذكر المؤرخ العثماني التركي الشيخ رسول الكركوكلي ، في كتابه دوحة الوزراء في تاريخ وقائع بغداد الزوراء ، ص: 204 ((( عند حلول سنة احدى عشرة ومائيتين والف كان رئيس الوهابيين عبدالعزيز قد هجم على الاحساء بكل مامعه من قوات واحتلها عنوة، بعد ان قتل من أهلها أكثر من مائتي شخص، ثم الحق بها القطيف وعجيرة وماجاورهما واقتطعهما لاتباعه وعشائره. وكانت هذه الحركة قد ازعجت الشيخ ثويني واغضبته، فاستأذن للخروج واسترداد هذه المرفأ من أيدي الوهابيين. وقد وافقت الحكومة على ذلك واوعزت الى متسلم البصرة ان يسنده بما عنده من العساكر النظامية ومن الرماة البلوج والمدفعية، وكذلك أرسلت له أحد أغوات بيروت المسمى أحمد آغا حجازي زاده لمعاونته))). وقد وجد سليمان باشا نفسه مجبرا على إعادة الأمير ثويني بن عبدالله للحكم وذلك لتحرج موقف العثمانيين أمام هجمات الدولة السعودية الأولى على الأحساء والتي أصبحت تصل شمال الأحساء وجنوب البصرة ، يذكر المؤرخ خير الدين الزِّرِكْلي المولود عام 1893م، في كتابه الأعلام وهو قاموس تراجم لأشهر الرجال والنساء من العرب والمستعربين والمستشرقين يقع في ثمانية مجلدات، وذلك عند حديثه سبب اعادة العثمانيين لحاكم مملكة المنتفق وشيخ مشائخ قبائلها الأمير ثويني بن عبدالله الى حكمه ، المجلد الثاني ، ص: 102 (((وتحرج موقف الترك (العثمانيين) أمام غزاة نجد، فأعاده سليمان باشا (والي بغداد) إلى منصبه في المنتفق، وانتدبه لقتالهم))).






 

 

 

 

    

رد مع اقتباس