شرح منهج السالكين – 12
قال الشيخ رحمه الله :
ثُمَّ يَقُولَ : "بِسْمِ اَللَّهِ" .
الشَّرح :
أي عند بدء الوضوء .
والتسمية عند بداية الوضوء الصحيح أنها واجبة .
وللشيخ أبي إسحاق الحويني رسالة بعنوان : كشف المخبوء بثبوت حديث التسمية عند الوضوء
ورجـّـح فيها ثبوت أحاديث التسمية عند الوضوء .
وتسقط عند النسيان .
قال الشيخ رحمه الله :
وَيَغْسِلَ كَفَّيْهِ ثَلاثًا .
الشَّرح :
يغسل كفيه ثلاثا على الاستحباب ، فإن كان قام من نوم فهو آكد ، بل جاء النهي عن أن يُدخِل يديه في الإناء من قام من النوم حتى يغسلهما ثلاثاً .
وهذا سبق بيانه في شرح الحديث الرابع من شرح العمدة .
وجاء في صِفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم : " فأفرغ على يديه "
وفيه دليل على سُنيّة ذلك ولو لم يكن قام من نوم ؛ لأن اليدين مَظِنّة الغبار والوسخ .
وهذا أيضا سبق التفصيل فيه في شرح الحديثين 8 ، 9 من شرح العمدة .
قال الشيخ رحمه الله :
ثُمَّ يَتَمَضْمَضَ وَيَسْتَنْشِقَ ثَلاثًا , بِثَلاثِ غَرْفَاتٍ .
حُكم المضمضة والاستنشاق : مُستحبة عند جمهور العلماء في الوضوء والغُسْل .
وقوله ثلاثاً بثلاث غرفات :
أي يَجعل الغَرْفَة الواحدة بين الفم والأنف .
قال الشيخ رحمه الله :
ثُمَّ يَغْسِلَ وَجْهَهُ ثَلاثًا .
الشَّرح :
الثلاث على الاستحباب ، بل ما زاد عن المرّة الواحدة على الاستحباب ، إلا أن تكون الواحدة لا تُنقي أو لا تُعمم الماء على الوجه .
قال الشيخ رحمه الله :
وَيَدَيْهِ إِلَى اَلْمِرْفَقَيْنِ ثَلاثًا .
الشَّرح :
ويكون غَسْل اليد من أطراف الأصابع إلى المرافق ، ويُدير الماء على مرفقيه .
وما زاد عن الواحدة فسُـنّة إلا أن لا تُنقي المرّة الواحدة أو لا تُعمم الماء على العضو .
قال الشيخ رحمه الله :
وَيَمْسَحَ رَأْسَهُ مِنْ مُقَدَّمِ رَأْسِهِ إِلَى قَفَاهُ بِيَدَيْهِ ، ثُمَّ يُعِيدَهُمَا إِلَى اَلْمَحَلِّ اَلَّذِي بَدَأَ مِنْهُ مَرَّةً وَاحِدَةً
الشَّرح :
مسح الرأس له ثلاث صِفات :
1 - أن يبدأ بِمقدّم رأسه ، ويُمرّ يديه على رأسه حتى يبلغ بهما قفاه ، ثم يُعيد يديه إلى مُقدّم رأسه .
2 - أن يبدأ بمؤخِّر رأسه ، ويُمرّ يديه على رأسه حتى يصل بهما إلى منابت الشعر في مُقدّم رأسه ، ثم يُعيدهما إلى قفاه .
وهاتان الصفتان دلّ عليهما :
حديث عبد الله بن زيد ، وفيه :
ثم مسح رأسه بيديه فأقبل بهما وأدبر ؛ بدأ بمقدَّم رأسه حتى ذهب بهما إلى قفاه ثم ردهما إلى المكان الذي بدأ منه . رواه البخاري ومسلم .
وفي رواية لمسلم :
ثم أدخل يده فاستخرجها فمسح برأسه فأقبل بيديه وأدبر .
3 – أن يمسح كل جهة لوحدها .
ويدل عليه حديث الرُّبَيِّع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ عندها ، فمسح الرأس كله من قرن الشعر ، كل ناحية بمنصب الشعر لا يحرك الشعر عن هيئته . رواه أبو داود ، وقال الألباني : حسن .
قال القرطبي : ورُويَتْ هذه الصفة عن ابن عمر وأنه كان يبدأ من وسط رأسه .
وهذه الصفة هي الأنسب للمرأة ، ولهذا – والله أعلم – مسح النبي صلى الله عليه وسلم هذا المسح أمام المرأة ولم يمسحه أمام الرِّجال الذين نقلوا صِفة وضوئه .
قال الشيخ رحمه الله :
ثُمَّ يَدْخُلَ سَبَّاحَتَيْهِ فِي صِمَاخَيْ أُذُنَيْهِ , وَيَمْسَحَ بِإِبْهَامَيْهِ ظَاهِرَهُمَا .
الشَّرح :
السَّبـَّـاحَّـة : هي الأصبع السَّـبّابَـة ، وسُمِّيَت سباحة لأنه يُتشهّد بها ويُشار بها في التّسبيح .
والصِّماخ : هو فتحة الأذن ، أو ثُقب الأذن .
وفي حديث الرُّبيِّع رضي الله عنها : " فأدخل إصبعيه في جُحري أذنيه " . رواه أبو داود .
والمراد أنه أدخل أصبعه التي تلي الإبهام في يده اليمنى في أذنه اليمنى ، واليسرى في اليسرى .
وهذا يُجزئ في مسح الأذن ، إلا أن من السنة أن يَمسح ظاهر أذنيه .
وكيف يكون مسح الأذنين ؟
في حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدِّه مرفوعاً :
" فأدخل إصبعيه السباحتين في أذنيه ، ومسح بإبهاميه على ظاهر أذنيه ، وبالسباحتين باطن أذنيه " . رواه أبو داود وابن ماجه .
وفي حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مسح أذنيه داخلهما بالسبابتين ، وخالف إبهاميه إلى ظاهر أذنيه ، فمسح ظاهرهما وباطنهما . رواه أبو داود وابن ماجه .
وهل يأخذ لأذنيه ماء جديداً ؟
في حديث عبد الله بن زيد رضي الله عنه : " ومسح برأسه بماء غير فضل يده " .
قال الشيخ رحمه الله :
ثُمَّ يَغْسِلَ رِجْلَيْهِ مَعَ اَلْكَعْبَيْنِ ثَلاثًا ثَلاثًا .
الشَّرح :
الواجب غسل الرِّجلين مرّة واحدة ، وما زاد فهو سنة ، إلا أنه لا تجوز الزيادة عن الثلاث ، إلا أن يكون في الرِّجْلَين طين أو نحوه فيُزاد لأجل الإنقاء .
ففي حديث عبد الله بن زيد : " وغسل رجليه حتى أنقاهما " .
والصحيح أن الكعبين والمرفقين يدخلان في الوضوء ، ويجب غسل المرفقين مع اليدين ، والكعبين مع القَدَمَين .
قال الشيخ رحمه الله :
هَذَا أَكْمَلُ اَلْوُضُوءِ اَلَّذِي فَعَلَهُ اَلنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم .
الشَّرح :
هذا الوضوء الذي وَصَفَـه الشيخ رحمه الله هو الأكمل والأفضل في الوضوء .
وهو أنه توضأ ثلاثاً ثلاثاً .
فقد ثبت عنه عليه الصلاة والسلام أنه توضأ مرّة مرّة ، ومرتين مرتين ، وثلاثاً ثلاثاً .
روى البخاري عن ابن عباس قال : توضأ النبي صلى الله عليه وسلم مرة مرة .
وروى عن عبد الله بن زيد أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ مرتين مرتين .
وروى بعد ذلك حديث عثمان وفيه الوضوء ثلاثًا ثلاثاً .
فالثلاث أكمل من هذه الناحية .
ولا يعني هذا أنه ليس هناك أكمل منه .
فإنه جاء في الأحاديث تخليل الأصابع وتخليل اللحية للرَّجُل ، وهذا أكمل من هذه الناحية ، أي مَن جَمَع بين الثلاث في الوضوء ، وبين التخليل فهو أفضل وأكمل .
ويجوز أن يكون الوضوء ثلاثاً في بعض الأعضاء ومرّتين في بعضها .
ويدل عليه ما رواه مسلم عن عبد الله بن زيد بن عاصم الأنصاري - وكانت له صُحبة - أنه قيل له : توضأ لنا وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم . فدعا بإناء فأكفأ منها على يديه فغسلهما ثلاثا ، ثم أدخل يده فاستخرجها فمضمض واستنشق من كف واحدة ، ففعل ذلك ثلاثا ، ثم أدخل يده فاستخرجها فغسل وجهه ثلاثا ، ثم أدخل يده فاستخرجها فغسل يديه إلى المرفقين مرتين مرتين ، ثم أدخل يده فاستخرجها فمسح برأسه فأقبل بيديه وأدبر ، ثم غسل رجليه إلى الكعبين ، ثم قال : هكذا كان وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم .
والحديث أصله في الصحيحين .
والله تعالى أعلم .