نقطة وصل بين القديم والحديث
فور وصولك الى موقع «مطاعم البركتين» وسط جرش، تشعر بأنك وصلت الى مشروع له بعد أوسع من مطعم تقليدي، ومكان يمزج بين الطعام الجيد والذكريات الجميلة والمستقبل الواعد؛ فقد حرص القائمون على المطعم على جعله امتداداً من موقع «البركتين» الروماني الذي يبعد أمتاراً عن المطعم، ومعلما إضافيا الى معالم مدينة جرش التي تعتبر إحدى ابرز جواهر تاج الأردن السياحي؛ فتحيط البركتين الرومانية الى أحجار عتيقة واشجار الزيتون والصنوبر، وقد استخدمت نفس الأحجار لترميم المطعم والجدران التي تحيط بأرضه التي تصل مساحتها الى عشرة دونمات. ومن الظاهر ان جدران الموقع العتيقة قد شهدت تاريخاً اقدم بكثير من الاسابيع القليلة الماضية منذ افتتاحه غير الرسمي. وهذا الشعور في محله؛ إذ اسس مطعم «البركتين» على موقع مكان مضافة أحد وجهاء جرش الراحلين، حسن الكايد، واعتمد المهندس حازم الرفاعي الذي صممه على تقاليد كرم الضيافة الأردنية ومتطلبات رواد المطاعم العصرية وتقلبات المناخ في تصميم المشروع الذي يضم 3 أقسام مختلفة، منها داخلية وأخرى في الهواء الطلق لتتناسب مع أذواق الزوار وحالة الطقس، فهناك المطعم الرئيسي «ارض ديار» الخارجي والمطعم الداخلي «الديوانية» و«التراس» الذي يطل على أجمل المناظر الطبيعية من الطابق العلوي.
تصميمات تمزج الماضي بالحاضر: واستوحي اسم «مطاعم البركتين» من الموقع الاثري الذي يحمل الاسم نفسه، وكان الرومان يستخدمونه لمباريات السباحة في العصر الروماني الذي ترك بصماته على مدينة جرش حتى اليوم، وتشكل إثاره نقطة الجذب الرئيسة لزوار مدينة جرش التي عاشت عصرها الذهبي بعدما سيطر عليها الرومان 63 عاماً قبل الميلاد. وتسعى الحكومة الأردنية اليوم لإعادة هذا العصر الذهبي من خلال مشاريع سياحية عدة تستقطب زوار عمان وباقي المدن الأردنية، بالاضافة الى سياح الادرن الذين يفوق عددهم 6 ملايين زائر سنوياً بحسب وزارة السياحة الأردنية.
أول شيء سيكون بانتظارك في «مطاعم البركتين» نافورة أثرية وبسيطة مصنوعة من عجلة من المرمر تعود الى العصر الروماني. وتتناثر الأوعية الفخارية بين الزهور البرية لتضفي على الموقع طابعا بسيطا وهادئا يجلب للزائر الشعور بالراحة، حيث يمكن الجلوس تحت ظل الأشجار القديمة؛ ففوق إحدى الطاولات هناك شجرة لوز، وفوق أخرى شجرة ليمون، بينما الزهور تنمو بحرية وكثافة في حدائق المطعم. وزينت «مطاعم البركتين» بعدد من المقتنيات القديمة، بين الأوعية الفخارية واللوحات الزيتية، من قصر علي باشا الكايد، حيث كانت في السابق مضافة علي باشا في الموقع، بالاضافة الى معصرة زيت زيتون قديمة، بنيت على موقعها مطابخ المطاعم. ويمتزج صوت الماء الجاري من النافورة الاثرية مع نغمات الطرب العربي الاصيل في الهواء الطلق في المطعم الرئيسي الخارجي «ارض ديار»، المقصد الرئيسي لزوار «مطاعم البركتين» التي لديها قابلية على استيعاب ألف زائر في وقت واحد. ويختص المطعم بتقديم المأكولات العربية وخاصة المشاوي والمقبلات اللبنانية، حيث يعمل 5 طباخين لبنانيين في المطعم. وخصصت «الديوانية» للمناسبات الخاصة والضيوف في وقت الشتاء، ولها طابع خاص يعتمد على التحفيات وأثاث مصنع من الصدف العتيق، مما يضفي على المكان جوا من الحميمية ويجعله أشبه بمنزل عربي أصيل أكثر مما هو مطعم.
جلسة هادئة تطل على أجمل منظر: ويطل «التراس» على موقع «البركتين» الأثري، ومن يجلس في «التراس» على الطابق العلوي من المشروع يستطيع ان يشبع عينه من جمال طبيعة جرش وآثارها.
ولا تحلو الجلسة في هذا الموقع العالي المطل إلا مع فنجان من القهوة والحلويات والاراجيل (الشيشة)، لتجلب السياح في أوقات مختلفة من النهار. ويمكن لك ان تبدأ يومك في غداء مطول في «ارض ديار» ومن ثم الاستمتاع بالمناظر الجميلة على التراس الذي يضاء بإنارة خفيفة وشموع مع حلول الليل. وخصصت ألعاب للأطفال في الموقع، بالاضافة الى وجبات خاصة، لهم حتى يمكن ان يجد الكبير والصغير ما يناسبه في «مطاعم البركتين».
المشروع إضافة إلى مدينة جرش الأثرية: وشرحت رئيسة مجلس ادارة «شركة قرية زمردة السياحية» منى الرفاعي التي تنضم الى لوائها «مطاعم البركتين»، أن الهدف من المشروع هو «إحياء مدينة جرش الاثرية؛ فزوجي من جرش ويعود موقع المضافة الى والده»، وأردنا تطوير الموقع ضمن الاتجاه الاوسع للاهتمام بجرش. وأوضحت الرفاعي ان شركتها تؤمن بـ«السياحة المسؤولة»، فقد حرصت على الحفاظ على طابع المكان والاشجار القديمة وتقديم المنتجات الطبيعية، قائلة: «المشروع يفيد منطقة الشمال ويوظف ابناء جرش ويدعم تنمية الخدمة الجيدة، بالاضافة الى دعم المشاريع الصغيرة». وأضافت: «نستخدم المنتجات الأردنية ونستغل الايدي العاملة الاردنية وهذا جزء أساسي من خطة عملنا». وشرحت الرفاعي ان غالبية الخضروات، مثل الزيتون والليمون، مأخوذة من مزارع جرش المجاورة للمشروع، كما أن الخبز يخبز في مخبز المطعم الخاص، وزيت الزيتون في مصفاته. وأوضحت: «جرش اعتادت دائماً على الغذاء الطازج والطبيعي من دون المواد الكيماوية، وهذا ما نريد تقديمه هنا».
وما شرحته الرفاعي يترجم فعليا في المشروع، فالطعام صحي ومكوناته مستخرجة من أرض الاردن، والجو شعبي أصيل والعاملون أردنيون ومن جنسيات عربية مختلفة، يتمتعون جميعا بروح الضيافة العربية الاصيلة التي يبحث عنها كل زائر.
وقال وزير البيئة الاردني خالد ايراني خلال زيارة الى «مطاعم البركتين»: «المشروع ممتاز، فمن خلال تصاميمه يربط الحديث بالقديم، وقد حرص اصحابه على الحفاظ على تاريخه وبيئته من خلال رعاية الاشجار والطبيعة في تشييده». وأضاف لـ«الشرق الأوسط» ان «الاردن حريص على السياحة البيئية، ونخن نتعاون من خلال ضوابط بيئية للسياحة في الفنادق والمطاعم». ومن المتوقع ان تبدأ وزارة البيئة بتصدر «تصنيف بيئي» للمشاريع السياحية.
وتعتمد مدينة جرش، وهي 45 كليومتراً شمال عمان، على تاريخها الأثري لجلب السياح من كل بقاع العالم، حيث يوظف الكثير من أبناء جرش التي يقطنها 120 ألف اردني في مجال السياحة. وترصد وزارة السياحة الأردنية عدد الزوار الى جرش، وتظهر إحصاءات وزارة السياحة الأردنية أن 170 ألف زائر اتجه الى جرش العام الماضي، 135 ألفا منهم من السياح الاجانب، وهذا عدد ضئيل بالمقارنة مع الـ6 ملايين سائح الذين استقبلهم الاردن لذلك العام. استغرق تحقيق المشروع 3 سنوات، منذ ولادة الفكرة وحتى افتتاحه وحصوله على درجة اربع نجوم من وزارة السياحة (إذ ان تصنيف خمس نجوم يحتاج الى بركة سباحة). وبدو ان «هذه فقط البداية»، فتعمل شركة قرية زمردة السياحية الآن على تطوير فندق من طراز «بوتيك» بهدف استقطاب الزوار الى جرش لوقت أطول، بدلا من الاكتفاء بزيارة يوم واحد فقط. وعلى الرغم من اعتبار جرش من ابرز المواقع السياحية في الاردن، الا انها لم تكن موقع جذب للفنادق الدولية مثل مناطق أخرى كالبحر الميت والبتراء. بانتظار الافتتاح الرسمي: ومن المنتظر أن تفتتح «مطاعم البركتين» رسميا تزامنا مع بدء مهرجان جرش السنوي، المرتقب في شهر يوليو (تموز) المقبل، وستكون مناسبة ملائمة لتعريف السياح بالضيافة العربية والمأكولات الشرقية والاجواء الفنية الراقية، وبنفس الوقت سيكون المشروع بمثابة مصدر راحة للزوار العرب الباحثين عن الرفاهية والجلسة المريحة في كنف طبيعة الاردن الجميلة.