السعودية.. انهيار سوق الأسهم ينعش مراكز الطب النفسي
أكدوا أن اللون الأحمر أصاب متداولين بالاكتئاب وأمراض أخرى لم يسمعوا عنها من قبل
الرياض – عمر عبد العزيز
لم أعرف معنى الطب النفسي والعيادات النفسية، لم أصب بالضغط والاكتئاب إلا بعد انهيار الأسهم، لقد ضاع عمري وبقيت أسدد قرض البنك، الهموم تكالبت علي من كل جانب"، هكذا بدأ المستثمر فارس العتيبي رواية قصته مع سوق الأسهم السعودية، وهي قصة من بين عشرات القصص حول انهيار أسعار الأسهم، فهناك حالات عديدة تعالجها المصحات النفسية والمستشفيات، للذين راحوا ضحية تحول مؤشر السوق من الأخضر إلى الأحمر.
وكانت سوق الأسهم السعودية خسرت خلال أيام 20 و 21 و 22 يناير/ كانون الثاني الجاري حوالي 2221 نقطة تمثل 19.21 %، وهبطت القيمة السوقية للأسهم إلى 1.63 تريليون ريال، بخسارة 172 مليار ريال دفعة واحدة (الدولار = 3.75 ريال سعودي).
وأعاد هذا التراجع الحاد إلى ذاكرة المستثمرين، أيام انهيار السوق في فبراير/ شباط 2006، وما لحق بهم من خسائر مادية، وأضرار صحية ومعرفتهم لأمراض ربما لم يسمع كثير عنها من قبل.
أمراض العصر:
فاللون الأحمر لمؤشر الأسهم تسبب في إصابة كثير من السعوديين بأمراض العصر، فترى مساهمين يصدمون بضياع أموالهم، فيصابون بالضغط والاكتئاب والقلق، بل وقد وصل الأمر بالبعض إلى الإصابة بالأزمات القلبية الحادة.
وروي العتيبي وهو موظف حكومي راتبه 6 آلاف ريال قصته لموقع "الأسواق.نت"، وقال إنه ذهب إلى البنك في الربع الأخير من عام 2005، وطلب قرضا بقيمة 150 ألف ريال يسدده من راتبه على عشر سنوات بهدف التداول في الأسهم، وسارع بفتح حساب ليتولى البيع والشراء اليومي.
وأضاف أنه استطاع خلال 3 شهور تحقيق أرباح "خرافية"، واستطاع أن يضاعف الـ150 ألف ريال التي اقترضها من خلال المضاربة، ولكن مع انهيار السوق عام 2006، فقد 70 % من أمواله، حيث اشترى أسهما بسعر 100 ريال للسهم وانخفض إلى 30 ريالا وقت الانهيار، وهي خسارة يصعب تعويضها، ومن يومها عرفت طريق العيادات النفسية وأصبت بالضغط والاكتئاب.
وتابع العتيبي قائلا إنه حاول الاستمرار وعاود الكرة عدة مرات لتعويض خسارته، إلا أن كل محاولاته باءت بالفشل وأصبحت أدور في حلقة مفرغة.
وقال، إن المبلغ الذي اقترضه والبالغ 150 ألفا لم يتبق منه سوى 50 ألفا، ولكن مع تحسن السوق في الخمسة أشهر الأخيرة من العام الماضي، عوضت جانبا كبيرا من الخسائر، وخاصة من الاكتتابات الأخيرة في السوق، وكان لدى أمل بتعويض خسائري كلها والخروج من السوق.
وأضاف ولأن الرياح تأتي بما لا تشتهي السفن، فقد خسرت معظم ما كسبته مع انهيار السوق مرة أخرى الأسبوع الماضي.
وعن شعوره عند بداية تراجع السوق يوم 20-1-2008، قال لم أصدق نفسي فقد كنت في حالة ذهول وأنا أري الشاشة حمراء، وارتفع ضغطي، وخاصة أنني لم استطع البيع في هذا اليوم للخروج بأقل الخسائر، واستشرت طبيبي النفسي، الذي أبلغني بحدوث انتكاسة للاكتئاب الذي كان أصابني منذ انهيار السوق أول مرة.
وقال إن الديون باتت تلاحقه وأقساط البنك تسحب من الراتب شهريا وتحولت أيام الفرح إلى نكد وقلق وألم واكتئاب.
"فك" الوديعة من أجل الأسهم:
ويقول المستثمر فهد السنيدي إنه في أول عام 2006 قام بفك وديعته البنكية قبل موعدها، وهو ما جعله يخسر فيها ليستثمر في الأسهم، بعد أن سمع من زملائه في العمل بمكاسب عالية، وعندما دخل السوق حقق أرباحا نسبتها 25 % خلال أقل من شهر، وهو ما جعله يقضي معظم الوقت أمام شاشات التداول.
وأضاف السنيدي لموقعنا، "لكن الحال تبدل فجأة مع انهيار السوق في 2006، وما ربحته خسرت ضعفه فمحفظتي البالغ قيمتها 250 ألف ريال بعد الأرباح صارت 100 ألف ريال، وهو ما جعلني أسيرا للمشاكل النفسية والجسدية".
وأوضح " مع عودة صعود سوق الأسهم في النصف الثاني من العام الماضي تمكنت من تعويض جانب من خسائري، ولكن الانخفاض الحاد الأسبوع الماضي أخذ كل ما جنيته، وخاصة أن محفظتي كانت في أسهم مضاربة، وصرت أكثر توترا من قبل، وعدت إلى تناول الأدوية المهدئة مرة أخرى".
الكسب السريع:
ويقول المستثمر عماد الوزان إن الرغبة في الكسب السريع هي التي دفعته للاستثمار في سوق الأسهم، خاصة وهو يرى أحد أصدقائه يستثمر 500 ألف ريال وحصد مكاسب تجاوزت مليون ريال خلال سنة، مما جعله يقرر استثمار 300 ألف ريال كان أباه منحه أياها للبدء في العمل بالبورصة، بدون أية دراسة لسوق الأسهم.
وأضاف أنه كان يعتقد أن سوق الأسهم لا يحتاج إلى خبرة، أو تعليم بقدر ما تحتاج للحظ والتوفيق.
وأشار إلى أنه أصبح رابحا إلى أن حدث الانهيار المفاجئ في الأسعار التي كبدته خسائر فادحة جعلته أسيرا للمشاكل النفسية والجسدية ومعه عدد من أصدقائه وأحدهم انهار تماما ولم يعد قادراً على الحديث.
وأكد الوزان أنه لم يستسلم للأمر، وإلا كان انتهى، وأنه بدأ في بيع الأسهم الخاسرة واسترجاع أمواله منها والدخول في الاكتتاب للشركات الجديدة القوية، مما جعل المكسب شبه مضمون في هذه المرة، وبدأت أتخلص تدريجيا من الآثار السلبية التي طالت نفسيتي وجسدي، خاصة أنني لست مدينا لأحد.
مستثمرون عرضة للاكتئاب والقلق:
ويعلق استشاري الأمراض النفسية بجامعة الملك خالد في الرياض الدكتور محمد اليوسف على ما يحدث للمستثمرين في الأسهم قائلا، إن الأمراض النفسية عموما لها علاقة مباشرة بضغوط الحياة، ومنها الضغوط المرتبطة بالمادة ومستقبل الأفراد.
وأضاف اليوسف لموقع "الأسواق.نت"، أن التعامل بالأسهم يفرض ضغوطا على المستثمرين، ويجعلهم عرضة للإصابة بالأمراض النفسية وخاصة القلق والاكتئاب.
وأشار إلى أن الاكتئاب تزيد حدته مع حصول الضغوط، وقد يتماثل المريض من الشفاء من الاكتئاب غير أنه تحصل له انتكاسات، والتراجع الكبير في أسعار الأسهم الذي حصل الأسبوع الماضي من الممكن أن يكون سببا لحدوث انتكاسة لمرضى الاكتئاب.
وأوضح أنه يسمع من مرضى في العيادات أحاديث عما يحصل في الأسهم، والأحلام بالمكاسب الكثيرة التي تحولت إلى خسائر، والآمال بتعويض الخسائر.
وعما إذا كان تم رصد زيادة في أعداد المترددين على العيادات النفسية خلال الأيام الأخيرة، قال اليوسف إنه لا توجد إحصاءات دقيقة عن ذلك، والأمر يتطلب دراسة علمية، ولكن بشكل عام أعداد المرضى النفسيين في تزايد لأسباب مختلفة، ومنها انهيارات سوق الأسهم.
الإقلال من متابعة شاشات البورصة:
ونبه إلى ضرورة زيادة برامج التوعية بالطرق الصحيحة للتعامل مع الضغوط المصاحبة للتغيرات في سوق الأسهم.
وأوضح أنه بالنظر في ما يحدث خلال هذه الأيام من إرباك وانحدار في السوق السعودية، فإنه يتوقع وجود مشاكل نفسية ستؤثر على أفراد المجتمع، مما يتطلب زيادة برامج التوعية بالطرق الصحيحة للتعامل مع الضغوط المصاحبة لهذه التغيرات.
ونصح بالإقلال من المتابعة اليومية لشاشات الأسهم، ومحاولة الانشغال بالرياضة أو غيرها لتخفيف الضغوط النفسية المصاحبة، مع التركيز على النظرة الإيجابية للسوق، وعدم التفكير في الماضي والندم على قرارات استثمارية انتهت، والإقلال من مناقشة ما يحدث في السوق خلال الاجتماعات العائلية والأسرية".
37 ألفا راجعوا العيادات النفسية:
وتفيد إحصاءات وزارة الصحة السعودية تسجيل زيادة ملحوظة في حالات الإصابة بالاكتئاب والأمراض النفسية الأخرى بين المواطنين بمعدل 37 ألف حالة خلال الأشهر التسعة التي تلت انهيار سوق الأسهم في فبراير 2006 في مختلف مناطق السعودية.
وقالت مصادر طبية مسؤولة إن أعداد مراجعي العيادات النفسية ارتفعت بشكل يفوق طاقة تلك العيادات، مشيرة إلى أن السبب الرئيس يعود إلى خسائر سوق الأسهم.
ولفتت إلى أنه تم تكليف فريق خاص مكون من أطباء في الصحة النفسية واختصاصيين اجتماعيين لدراسة هذه الظاهرة وكيفية تلافيها.
آثار نفسية واجتماعية:
من ناحيته، قال استشاري الطب النفسي الدكتور محمد شاوش، إن هناك آثارا اجتماعية خطيرة أصابت المجتمع بسبب الأسهم مما أسفر عن تحول خطير في البنية الاجتماعية والدينية.
وأضاف أن من اكتووا بنار الأسهم أصبحوا ضائقي النفس سريعي الاستثارة والعصبية على أنفسهم وعلى من حولهم، مما أدى إلى أثار سلبية على الأسر بارتفاع نسبة الطلاق وقلة الإنتاج في العمل وتعطيل مصالح الناس وعدم الدقة في الإنجاز وزيادة حالات التسرب الوظيفي إما للاتجاه لسوق الأسهم أو للهروب منها، مما يشكل خسارة حقيقية.
وأكد أن شعور الناس بالأمان أصبح مفقودا لأن كل فرد لا يدري ماذا سيحدث له مستقبلا، خصوصا عندما يستدين من البنوك وتحسب عليه الأرباح المركبة.
وأوضح شاوش أن أهم الحالات التي تراجع العيادات النفسية تعاني من الضغوط التي تتصف بالاستمرارية، مما جعل تأثيرها النفسي والاجتماعي بالغا، وأن معظم المتعاملين في سوق الأسهم عرضة لأمراض القلق والتوهم.
وحذر من أنه إذا استمر الحال على هذا النحو عدة سنوات سوف يشهد المجتمع انهيارات على جميع الأصعدة العلمية والمهنية والاجتماعية والأمنية.
أزمات قلبية وجلطات دماغيه:
آثار التعامل في الأسهم لم تقتصر على الأمراض النفسية، وفقا لما قاله استشاري الجراحة وأمراض القلب الدكتور أحمد إسماعيل الذي أكد لموقعنا، إنه لاحظ زيادة في أعداد المراجعين الذين يشكون من أزمات قلبية مفاجئة وجلطات دماغية وارتفاع مفاجئ في ضغط الدم بسبب الخسائر الكبيرة في الأسهم.
وعن الحالات التي أشرف عليها بسبب خسائر الأسهم، قال أشرفت بنفسي على حالتين الأولى لشخص خسر مبالغ فادحة في الاستثمار في الأسهم، ما أصابه بجلطة في القلب أودت بحياته.
أما الحالة الثانية فكانت لشخص اقترض واستدان ليصبح جزءا من لعبة الأسهم التي حلم طويلا بأن تكون سبب ثرائه السريع وسعادته، فإذا بها تتحول لنقمة تجعله يعاني من قصور في الشريان التاجي كادت تودي بحياته لولا العناية الإلهية التي أنقذته من الموت بأعجوبة وفي اللحظات الأخيرة.
خلافات أسرية:
أضرار الأسهم لم تقتصر على الأمراض النفسية، فقد طالت العلاقات الأسرية، فوفقا لدراسة أجراها مشرف الخدمة النفسية والاجتماعية بصحة جدة طلال الناشري، والاختصاصية الاجتماعية منال الصومالي، نهاية عام 2006، فإن الانهيار في سوق الأسهم السعودية أثار خلافات أسرية لدى 80.2 % من أفراد العينة التي شملت 101 فرد بينهم 66.3 % ذكور و33.7 % إناث.
وأوضحت الدراسة أن 89.1 % من العينة اعترفوا بأنهم تأثروا نفسيا واجتماعيا بسبب انهيار سوق الأسهم.
وتوصلت الدراسة إلى أن معظم المتعرضين للخسارة لا توجد لديهم خلفية فنية عن تداول الأسهم أو المضاربة، وأنهم يعتمدون على الأخبار والإشاعات التي تصيب وتخطئ، موصية باكتساب الخبرة وعدم المجازفة بكل ما يملكون في هذا المجال لكي لا يتعرضوا لنتائج سلبية من الناحيتين الاقتصادية والصحية.
كان الله في عونهم جميعا...