اليهود في عصر الرسول محمد ( ص )
استوطن اليهود ، في صدر الدولة الإسلامية الأولى عصر الرسول العربي ( محمد ) ص ، في مدينة يثرب إلى جانب عدد من القبائل العربية قحطانية مثل (( الأوس والخزرج )) وعدنانية كبني عوف وجشم وغيرها ، وقد تمثل وجود اليهود في ثلاث قبائل وهي : 1- بنو النضير . 2- بنو قريظة . 3- بنو قينقاع .
عاشت هذه القبائل اليهودية ، حياة مستقلة ، عن القبائل العربية في يثرب ، ولم يحسم الباحثين قضية إثبات عروبة تلك القبائل اليهودية ، وما أن كان أفرادها عرباً تهودوا ، أم يهوداً تعربوا وما أن وصل الرسول الكريم ( محمد ) ص إلى المدينة بيعة العقبة الثانية /622/م حتى بدأ اليهود في التفكير في كيفية التخلص من الخطر القادم ، من مكة والمتمثل في شخص الرسول محمد ( ص ) ودينه الجديد ، ولكن الرسول ما أن استتب له الأمر في المدينة ، حتى شرع وثيقة نظم فيها العلاقات والمسؤوليات والواجبات والحقوق ، لكل أبناء المدينة عرب مسلمون (( أنصار – مهاجرون )) غير مسلمون – يهود ، وما يخصنا من بنود تلك الوثيقة ، تلك التي تخص الجماعات اليهودية في المدينة وهي :
1- أنه من تبعنا من يهود فإن له النصر والأسوة غير مظلومين ولا تناصر عليهم .
2- أن اليهود ينفقون مع المؤمنين ، مادامو محاربين .
3- ان يهود بني عوف أمة المؤمنين ، لليهود دينهم وللمسلمين دينهم ، مواليهم وأنفسهم ، إلا من ظلم وأثم ، فإنه (( لايو تغ )) أي يهلك إلا نفسه وأهل بيته .
4- أن ليهود بني النجار ويهود بني جشم ويهود بني الحارث ويهود بني الأوس ويهود بني ثعلبة ما ليهود عوف إلا من ظلم وأثم فإنه لا يوتغ إلا نفسه وأهل بيته .
5- أن بطانة اليهود كأنفسهم .
6- أن على اليهود نفقتهم ، وعلى المسلمين نفقتهم ، وأن عليهم النصر على من حارب هذه الصحيفة ، وأن عليهم النصح والنصيحة والبردون الأثم ، وأنه لم يأثم امرؤ بحليفه ، وإن النصر للمظلوم . ويعتقد (( المستشرق فلهاوزن )) أنها كتبت ، قبل وقعة بدر ، في حين اعتبر (( هوبرت غريم )) أنها تالية لوقعة بدر ، بينما يرى (( المستشرق مونتجو مري وات )) أنها لا ترجع إلى تاريخ واحد ، بل جاءت بنودها مكملة بعضها البعض ، في تواريخ مختلفة ، جمعت على شكل وثيقة واحدة .
الذي يهمنا من هذه الوثيقة ، التي لا يرقى إليها أدنى شك أن الرسول الأعظم ، فتح الباب على مصرعيه ، لليهود الراغبين في الدخول إلى الدين الجديد (( الإسلام )) ، ثم أعطى لليهود حق الجوار والولاء ، وأعتبر اليهود جزءاً من الجماعة المدنية ، وخصص لهم حقوق وواجبات داخل وخارج المدينة ، لكن تلك المعاملة الحسنة والنوايا الطيبة من قبل الرسول الكريم والمسلمين ، لم تأتي ثمارها مع تلك القبائل اليهودية ، وكما أسلفنا أنه منذ البدء ، كانت هناك ، النية السيئة من قبل اليهود ، في التخلص من الدين الجديد وصاحبه القادم من شعاب مكة ، لينتزع منهم السيادة والمكانة الاجتماعية في يثرب ، لذلك كله بدءوا ، بنصب المكائد والتآمر على الرسول والمسلمين ، في يثرب ، أولى تلك المكائد كانت في (( غزوة السويق )) والتي أرادها أبا سفيان ثأراً لموقعة بدر ، فقاد جماعة من قريش ووصل إلى أطراف المدينة وأنتظر إلا أن خيم الظلام ، فجاء ورجاله مساكن بنو النصير وطرق باب حيي بن أخطب ، ليستعلم ، أخبار الرسول والمسلمين منه ، فلم يفتح لهم الباب ، ومن ثم قصدوا سيد بني النضير سلام بن مشكم ، ففتح لهم وأقراهم وحدثهم بأخبار الرسول والمسلمين ، وظلوا عنده حتى كان السحر ، ومن ثم خرجوا فوجدوا رجلاً مسلماً من الأنصار ومعه أجيره ، عند حرثة فقتلوهما ، كما حرقوا بيتين وبعض الحرث ، وولوا هاربين ، خوفاً من ملاحقة المسلمين بعد أن تخلصوا ، من حرب السويق التي تحمل الغذاء ، لذلك سميت غزوة السويق . تلك كانت وقفة غدر من بني النضير ، أما بني قينقاع ، فقد كانوا أول يهود نقضوا ما بينهم وبين الرسول ، ويقول ابن اسحق أن سبب ذلك امرأة عربية ، قدمت بحلي لها إلى سوق بني قينقاع ، في المدينة لتبيعها . وجلست في دكان صائغ منهم وعنده بعض من صحبه فطلبوا منها أن تكشف وجهها ، فأبت فعمد الصائغ إلى طرف ثوبها فعقده إلى ظهرها ، فلما قامت أنكشفت سوءتها ، فضحكوا منها ، فصاحت فوثب رجل من المسلمين على الصائغ اليهودي فقتله ، وشددت اليهود على المسلم فقتلوه ، وهكذا تجمعت عناصر مسلمة لمؤازرة صاحبها كما تجمعت عناصر يهودية للغرض نفسه ، فوصلت أخبار تلك الحادثة إلى مسامع الرسول ، فجمع بني قينقاع في سوقهم وحذرهم من مغبة عملهم ومعاداتهم للمسلمين ودعاهم للإسلام ولكنهم ردوا عليه رداً خشناً وقالوا له لا يغرنك انك لقيت قوماً لا علم لهم بالحرب (( يقصدون قريش في بدر )) فأصبت منهم فرصة ، إنا والله لئن حاربناك لتعلمن أنا نحن الناس ، فوجد الرسول نفسه مضطراً لحربهم فخرج لهم وحاصرهم في ديارهم خمس عشر ليلة استسلموا بعدها لحكمه فأجلاهم عن المدينة بعد وساطة عبدالله بن أبي سلول وتركوها إلى (( أذرعات )) بالشام وأقاموا فيها بعد أن اخذ الرسول منهم سلاحهم وعدة صياغتهم على حدراوية الطبري .
لم يأخذ بنو النضير العبرة من طرد بني قينقاع خارج المدينة عندما حاولوا الغدر وإيقاع الأذى برسول الله ، عندما جاءهم يطلب منهم الاشتراك في دفع دية رجلين من بني عامر قتلهما رجل من المسلمين يدعى عمرو بن أمية الضمري ثأراً لمقتل صاحبه من قبل بني عامر وكان للرجلين عهداً مع الرسول لم يعرفه عمرو لذلك قرر الرسول دفع ديتهما لبني عامر ، فما كان من اليهود إلا أن قبلوا ذلك وخاصة أن بينهم وبين بني عامر حلف وعهد فقالوا لرسول الله : نفعل يا أبا قاسم ما أجبت ، وطلبوا إليه البقاء ، حتى يصنعوا طعاماً لضيافته ، ثم خلا بعضهم إلى بعض ، يتباحثون الامر ، فقال لهم حيي بن أخطب يا معشر اليهود قد جاءكم محمد في نفر من أصحابه لا يبلغون عشرة ، ومعه أبو بكر وعمر وعلي والزبير وطلحة وسعد بن معاذ وسيد بن حضير وسعد بن عبادة ، فأطرحوا عليه حجارة من فوق هذا البيت ، الذي هو تحته فاقتلوه (( كان الرسول يجلس مسنداً ظهره إلى بيت من بيوت بني النضير )) فلن تجدوه أخلى منه الساعة فأنه أن قتل تفرق أصحابه ، فلحق من كان معه من قريش بحرمهم ، وبقي من هنا من الأوس والخزرج حلفاءكم .
ووافق المجتمعون على الفكرة ن وقام رجل منهم وهيأ صخرة ليرميها على الرسول ، وشعر الرسول بما يدبر له ، فقام وعاد وصحبه إلى المدينة فجمع أصحابه ، وحدثهم بما هم به بنو النضير ، وأمرهم بالتهيؤ لحربهم والسير إليه . وهكذا خرج الرسول إلى ديار بني النضير ومعه عدد كبير من أصحابه ، وأمرهم بقطع نخيلهم وحرقه ، فتحصن بنو النضير بحصونهم ، فحاصرهم لأمد طويل ، فضاقوا بهذا الحصار ، وقلت موارد عيشهم ، واشتد بهم الخوف ، رغم محاولات الفريق المعادي للرسول في المدينة ، لتثبيت بني النضير وحضهم على الثبات ، لذا طلبوا من الرسول أن يسمح لهم ، بالجلاء عن المدينة ، وأن يكف عن دمائهم ، ويسمح لهم بأخذ ما تستطيع الأبل حمله ، من متاعهم ، فقبل الرسول طلبهم وخرجوا بأحمال أبلهم ، إلى خيبر ، وسار فريق منهم إلى الشام وقد انزل الله تعالى بحق بني النضير سورة الحشر ، وفيها قص الحادثة وبين حكم الأموال ، التي تركوها وسماها فيئاً وجعل أمرها لرسول الله يضعها حيث أمره الله (( فلله وللرسول ولذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل )) .
انتهت حلقة من سلسلة المكائد اليهودية ، لتأتي أخرى تمثلت في التآمر على الرسول والمسلمين في (( غزوة الخندق )) ظناً منهم ، أنه يمكن هذه المرة ، التخلص من محمد ( ص ) ودينه الجديد الذي هدد زعامتها في المدينة ، وجعل مكانتها وسيادتها ، تعيشان أخطر ساعات حياتهما ، فكانت غزوة الخندق ، والذي لخص لنا البلاذري في كتابه أنساب الإشراف أسبابها على الشكل الآتي :
(( لما أجلى الرسول ( ص ) بني النضير عن المدينة ، أتو خيبر ، فلما قدموها خرج حيي بن أخطب وكنانة بن أبي الحقيق اليهودي وغيرهما ، حتى أتو مكة ، فدعوا أبا سفيان بن حرب وقريشاً ، إلى قتال رسول الله ( ص ) واعلموهم أنهم يد لهم عليه ، فسر أبو سفيان بذلك ، وعاقدهم على ما دعوه إليه ، على حرب رسول الله ( ص ) فانعموا لهم بذلك وأجابوهم إليه ، وكان عينية بن حصن الفزاري أسرع القوم إلى إجابتهم . ثم أتوا بني سليم بن منصور ، فسألوهم مثل ذلك فأنجدوهم وساروا في جميع العرب من حولهم ، فنهضوا معهم )) .
وبهذا تشكل حلف يهودي قرشي ، وتبعت القبائل العربية كبني غطفان وبني سليم وغيرهم ، قبلغ رسول الله خبر هذا الحلف ، فندب المسلمين لقتال ذلك الحزب ، وأشار عليه سليمان الفارسي بالخندق .
ومن الجدير بالذكر كما يذكر البلاذري أن قبيلة بني قريظة اليهودية (( أنها أمتنعت من المظاهرة على النبي ( ص ) )) .
فحاول أبو سفيان استمالة بني قريظة ، فندب لذلك الأمر حيي بن أخطب وقاله له (( إئت قومك حتى يقطعوا العهد الذي بينهم وبين محمد )) وخرج حيي ونزل على كعب بن أسيد سيد بني قريظة ، وحاول أن يقعنه أن مصلحته ومصلحة قبيلته نقض العهد الذي بينه وبين الرسول عن الانضمام إلى قريش وحلفائها ، وظل يحاوره ويجادله ، حتى أقنعه بالعدول عن رأيه ، وبذلك نقض بنو قريظة حلفهم مع الرسول ، ولما علم الرسول بتغير موقف بني قريظة منه اشتد عليه ذلك وبعث إليهما ، سعد بن معاذ سيد الأوس وسعد بن عبادة سيد الخزرج ، ليتحققا من ذلك ، فلما قدما عليهم ، وعرف لحقيقة وأخبر الرسول بذلك ، عمد الرسول الكريم لفك الحصار إلى الحيلة ، لذلك عهد إلى نعيم بن مسعود الغطفاني بتفريق كلمة الاحزاب وفض تجمعهم ، وكان نعيم قد قدم مع قومه غطفان لقتال الرسول ، ولكن الله قد هداه إلى الإسلام ، وجاء الرسول سراً وأعلن إسلامه ، لذلك طلب إليه الرسول تفريق كلمة الأحزاب فكان ذلك ، بعد حيلة اقتراح فيها نعيم على اليهود (( بني قريضة )) أخذ رهان من أشراف قريش وغطفان ، وأوهم أبا سفيان إن بني قريضة عادوا إلى عهدهم مع الرسول وسيسلموا الرهائن له لقتلهم ، وبذلك تفرقت كلمة الاحزاب ، وباءت خطة اليهود بالفشل وردت على اعقابها خائبة ، وما كادت غزوة الخندق تضع أوزارها ، حتى قام الرسول بالتوجه ، إلى بني قريضة ليقاضهم على نقضهم عهدهم معه وخيانتهم له وقد حاصرهم /25/ ليلة حتى جهدهم الحصار ودب الرعب في قلوبهم ، فقبلوا أن يحكم فيهم ، سعد بن معاذ حليفهم القديم ، وكان حكم سعد أن تقتل المقاتلة منهم ، وأن تسبئ النساء والذرية ، وأن تقسم أموالهم بين المسلمين ، فأجاز الرسول الكريم ، حكم سعد وقال له (( لقد حكمت فيهم بحكم الله )) وهكذا طهرت المدينة عن كل العناصر اليهودية التي كانت تسكنها ، والتي كانت شوكة في جنب الجماعة الإسلامية الموحدة . هذا ما فعله المسلمون الأوائل بقيادة الرسول العربي محمد ( ص ) في يهود يثرب رغم قلة عددهم في ذاك الوقت ، فلماذا يعجز الآن مليار وثلاث مئة مليون مسلم في العالم ، عن تطهير القدس الشريف ، من براثن بضعة ملايين من اليهود المتمثلين بالكيان الصهيوني الغاصب للأرض والإنسان … ؟!
المراجع :
1- تاريخ الرسول والخلفاء الراشدين – الدكتور نبيه عاقل ص82 – 86 – 87 – 110 .
2- سيرا بن هشام – القسم الأول ص585 .
3- المغازي – الواقدي ج1 ص9-21 .
4- امتاع الاسماع – المقريزي ج1 ص124 – 125 .
إعداد
جلال السفان الطائي
سوريا – الحسكة