::: مـنتدى قبيلـة الـدواسـر الـرسمي ::: - عبدالرحمن بن أحمد السديري

عبد الرحمن السديري تاسع أمير للجوف.. التنمية الثقافية هاجسه والزراعة عشقه وحفظ التراث هدفه

«الغاط» و«الجوف» عشيقتاه ارتبط بهما طوال نصف قرن وفتح فيهما نافذتين إلى النور

الرياض: بدر الخريف
يُعدّ الأمير عبد الرحمن بن أحمد السديري، الذي تولى في سن مبكرة من حياته، إمارة منطقة الجوف، قبل حوالي 65 عاماً، واستمر في ذلك حتى عام 1990، أطول أمير تولى هذا المنصب من بين 12 أميراً تعاقبوا على رأس إمارة المنطقة، منذ عهد الملك عبد العزيز وحتى اليوم.
وتميز الأمير الراحل بأنه إداري ناجح ومؤلف وشاعر، وترك في المنطقة بصمات واضحة أثناء فترة إمارته وحتى تقاعده، منها قبل 18 عاماً، ثم رحيله عن الدنيا بعد مرض عضال لازمه طيلة عقد ونصف العقد.

ولعل أهم إنجازاته تأسيس مؤسسة حملت اسمه، أصبحت منارة ثقافية كبرى في البلاد، وذلك ضمن جهوده التي بذلها لتنمية منطقة الجوف ثقافياً تعليمياً، إلى جانب اهتمامه بالقضايا الاجتماعية والإدارية.

في حياة الأمير عبد الرحمن بن أحمد السديري، آخر أخوال الملك الراحل فهد بن عبد العزيز، وأشقائه وشقيقاته، معشوقتان هما: الغاط، مسقط رأسه، والجوف، التي تولى إمارتها طوال 48 عاما، وساهم هيامه بهما في تحقيق إنجازات لهاتين المنطقتين في مجال الثقافة والتنمية، لعل أبرزها مؤسسة عبد الرحمن السديري الخيرية بالجوف، التي أصبحت دوحة من دوحات العلم والمعرفة في السعودية، ونفذت برامج ثقافية ودراسات وموّلت أبحاثاً علمية، كما تبنت برنامج نشر علمي محكّم صدرت وتصدر عنه دراسات لافتة. قبل 90 عاما، وُلد عبد الرحمن بن أحمد السديري في الغاط (250 كيلومترا شمال غربي الرياض)، ونشأ في فترة ذات شأن في تاريخ الجزيرة العربية، حيث غمرة أحداث بناء الدولة السعودية على يد موحدها الملك عبد العزيز، وتلقى الأمير الراحل تعليمه في مسقط رأسه على يد الشيخ عبد المحسن بن عبد العزيز بن منيع، ومن بعده الشيخ سليمان بن عبد الله بن اسماعيل، وسعى إلى تطوير نفسه في بيئة غاب عنها كل مظهر من مظاهر التعليم الحديث، كما هو في سائر بلدان نجد، باستثناء وجوده بين أسرة عُرفت بالاهتمام بالأدب والفروسية والانفتاح الفكري. وعندما بلغ الأمير الراحل سن الـ24 عاماً، عيّن أميراً لمنطقة الجوف، وذلك عام 1943، وبقي على رأس إمارة المنطقة حتى عام 1990، وشهدت المنطقة في عهده تطوراً في المجالات المختلفة، خصوصاً في الشأنين الثقافي والتعليمي، وعُرف عن الراحل حبه للقراءة والزراعة والرياضة واهتمامه بتراث المنطقة، كما عُرف عنه بأنه مؤلف وشاعر.

وسُجل للأمير الراحل، مبادرته بتأسيس أول مكتبة نسائية في بلاده، وبالتحديد في منطقة الجوف، إضافة إلى تأسيسه مكتبة عامة للرجال في سكاكا عام 1962، وأصبحت اليوم داراً للبحث العلمي والدراسات المتعلقة بتاريخ المنطقة وتراثها، وتدوين ما يتعلق بكتابات الرحالة والمستشرقين، وتضم اليوم ما يزيد على 160 ألف كتاب ومجلد. كما تضم المكتبة إضافة إلى ذلك قسم للدوريات، ومجموعة خاصة من أوعية المعلومات ذات القيمة المرتبطة بآثار المنطقة، وصور لمخطوطات يصل عددها إلى 65 مخطوطة، مع مجموعة من الوثائق والنقود القديمة. كما أسست المكتبة التي تعرف حالياً بـ«دار الجوف للعلوم»، مكتبة سمعية بصرية وثائقية.

واهتمت مؤسسة عبد الرحمن السديري الخيرية، بنشر الكتب التي تتصل بمنطقة الجوف تاريخاً وتراثاً وحضارة، كان من أبرزها كتاب «الجوف وادي النفاخ»، لمؤلفه عبد الرحمن بن أحمد السديري، المؤسس لهذا الصرح الثقافي والخيري الكبير، وطبع الكتاب باللغتين العربية والإنجليزية، إضافة إلى كتاب ضم قصائد للمؤسس حمل اسم «القصايد». كما أشرفت المؤسسة على ترجمة كتاب «الصحراء العربية» للمؤلف الإيطالي لويس موسيل، كما اصدرت المؤسسة دوريتين حملتا اسمي: «الجوبة»، وهي ملف ثقافي يُعنى بالشأن الثقافي بالجوف، و«أدوماتو»، وهي مجلة نصف سنوية محكمة تُعنى بآثار الوطن العربي، وحملت المجلة الاسم القديم لدومة الجندل، إحدى المدن التابعة لمنطقة الجوف حالياً. وانطلقت مؤسسة عبد الرحمن السديري الخيرية، إلى آفاق أخرى بإنشائها مدارس الرحمانية التي ضمت مختلف المراحل من الحضانة إلى الثانوية للبنين والبنات، واستحداثها جائزة للتفوق العلمي حملت اسم مؤسسها وابتعاث الفائزين من الثانوية العامة للدراسة الجامعية خارج الوطن. كما تبنى الأمير عبد الرحمن السديري من خلال المؤسسة التي حملت اسمه، العناية بالتراث الوطني الأصيل، ورعاية المهتمين به، وتشجيعهم على النهوض بهواياتهم وإبداعاتهم وتطويرها من خلال أسبوع الجوف، الذي يُقام سنويا ويتضمن نشاطات تراثية ومسابقات لإبراز أصحاب المواهب والصناعات اليدوية والمشروعات الزراعية الناجحة. كما بادر السديري إلى تنظيم أول مسابقة منظمة تجري للهجن على مستوى السعودية، وذلك قبل حوالي 45 عاماً، كما سجل للأمير الراحل تبنيه لمعرض السجاد اليدوي المصنوع في المنطقة، بهدف إبراز هذه الصناعة وعرض ما تنتجه منطقة الجوف أمام زوار المعرض. وامتد نشاط مؤسسة عبد الرحمن السديري من شمال البلاد إلى وسطها، حيث أنشأت المؤسسة فرعاً لها في الغاط، مسقط رأس مؤسسها، حمل اسم «مركز الرحمانية الثقافي»، وأصبح منارة لخدمة المثقفين والباحثين. ويضم المركز مكتبة باسم الأمير عبد الرحمن السديري مخصصة للرجال، وصالة باسم الأمير سلطان بن عبد العزيز، خصصت للندوات والمحاضرات والأنشطة المنبرية، ومكتبة عامة نسائية حملت اسم «منيرة بنت محمد الملحم»، ومسجدا، وجائزة للتفوق العلمي لطالبات وطلاب محافظات الغاط والزلفي والمجمعة، ويحصل الفائز أو الفائزة على منحة للدراسة الجامعية أو الدراسات العليا في الداخل أو الخارج.