انشر الموضوع |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
27-06-2012, 03:30 AM | #1 | ||
|
آل سعدون الأشراف وأول إعلان تاريخي ومحاولة لإستقلال العراق بأكمله عام 1787م.
أرجوا التكرم بعدم وضع رد حتى أضع القسم الأخير من البحث (المصادر). توضيح: هذا بحث موسع يغطي الحدث الرئيسي وماسبقه وماتبعه من أحداث ، ويستند الى أكثر من سبعين مرجع تاريخي (الكثير منها معاصر للأحداث) ، وسوف أكتب مختصر لهذا البحث ان شاء الله لاحقا ، مع إبقاء هذا البحث الموسع كمرجع للباحثين الراغبين بالمزيد من التفاصيل. تمهيد: يسلط هذا البحث الضوء على الحدث الأهم بتاريخ العراق في الحقبة العثمانية وذلك عندما قام حاكم مملكة المنتفق وشيخ مشائخ قبائلها الأمير الشريف ثويني بن عبدالله بن محمد بن مانع آل شبيب بأول إعلان لإستقلال العراق بأكمله بعد احتلاله لمدينة البصرة عسكريا و إرساله لعرض سياسي للخليفة العثماني موقع من قبل وجهاء وشيوخ العراق ، وماترتب على ذلك من أحداث ومعارك ضخمه ، وعلى الرغم من أهمية هذا الحدث تاريخيا وتميزه ، وذلك بعدم قيام أي شخصية تاريخية أخرى في العراق بفعله قبله أو حتى بتكراره بعده ، فإ نه لم يلقى اهتمام كبير (يوازي حجمه التاريخي وأهميته) من المؤرخين المعاصرين لنا ، وربما يرجع سبب ذلك لكون مملكة المنتفق دولة سقطت بالحرب العالمية الأولى وبالتالي لاتوجد فائده إعلاميا أو حتى ماديا لدى الكثير من الباحثين لمناقشة أبرز أحداثها مقارنة بالدول القائمة والتي غالبا ماتتركز عليها جهود معظم الباحثين . يذكر مملكة المنتفق و قبائلها والأسرة الحاكمه فيها (أسرة آل سعدون الأشراف والتي كانت تعرف سابقا بـ آل شبيب) ، المؤرخ والمستشرق الألماني البارون ماكس فرايهير فون أوبنهايم ، في كتابه البدو ، ويقارن أهمية اتحاد قبائل المنتفق (اكبر اتحاد للقبائل والعشائر شهده العراق تحت مشيخة شيخ مشائخ فعلي) بالقبائل الأخرى في العراق كما يقارن أهمية أسرة المشيخة فيه (أسرة آل سعدون الأشراف والتي كانت تعرف سابقا بـ آل شبيب) بأسر المشيخة الأخرى بالعراق ، وذلك عند بداية حديثه في قسم المنتفق من نفس الكتاب، ج:3 ، ص:590 (((مامن قبيلة عراقية تضاهي المنتفق في الأهمية ولا عائلة شيوخ تضاهي عائلة سعدون - شبيب التي أسست في أواخر القرن السابع عشر مملكة المنتفق على الفرات الأدنى والتي جلبت في الحرب العالمية الأولى - عندما كانت تلك المملكة قد سقطت - لاسم المنتفق الفخر والاعتزاز مرة أخرى))). ويذكر المؤرخ الإنجليزي ستيفن هيمسلي لونكريك ، في كتابه (أربعة قرون من تاريخ العراق الحديث) ، اتساع مملكة المنتفق وحدودها (الشمالية والشرقية) وذلك عن حديثه عن حاكم مملكة المنتفق (مابين عام 1668م – 1703م) الأمير الشريف مانع بن شبيب آل شبيب وعن نفوذه ومناطق حكمه بالعراق وخارجه ويقارن هذا النفوذ بنفوذ الحكام الأتراك في بغداد وشمال العراق ويبين أن الأمير مانع يفوقهم نفوذا ، ص: 150 (((ولم يدر في خلد أي باشا غريب أن يأمل نفوذا شاملا مثل نفوذه. فقد امتلك قسما من عربستان، وكان مسيطرا على ما بين دجلة وعربستان من سهول وأهوار، وأطاعته بدرة وجصان ومندلي، وقد غطت سطوته يومئذ على سطوة الحويزة، اما على الفرات فقد استولى على العرجة والسماوة والرماحية))). علما بأن الأمير مانع بن شبيب حاكم مملكة المنتفق كان قد انتزع مدينة البصرة من العثمانيين ثلاث مرات أخرها لمدة تقارب الأربع سنوات ولم تستطع الدولة العثمانية أن تستردها منه الا بعد تعاونها مع الدولة الصفوية ضده في سابقه تاريخيه بين الدولة العثمانية والدولة الصفوية ، الذين اضطرا للتعاون ضده وذلك للحد من نفوذه. يذكر المؤرخ حسين خلف الشيخ خزعل ، في كتابه تاريخ الجزيرة العربية ، حدود مملكة المنتفق (الجنوبية والغربية) في نفس الفترة التي ذكرها ستيفن لونكريك ، , ج1 ، ص: 39 (((وماكاد يحل القرن الثاني عشر حتى انتشرت الفوضى في نجد وعم الانقسام , وتوسعت الفرقة , وتفرقت الكلمة , وتعددت الامارة والمشيخات , فكانت الأمارة في العيينة لآل معمر , وفي الدرعية لآل سعود , وفي الرياض لآل دواس , وفي الأحساء لبني خالد , وفي نجران لآل هزال , وفي حائل لآل علي , وفي القصيم لآل حجيلان , وفي حدود نجد الشمالية وجنوب العراق لآل شبيب))). وهذه صورة توضح حدود مملكة المنتفق في تلك الفترة مع علم مملكة المنتفق: يذكر المؤرخ النجدي عبدالله بن محمد البسام التميمي (المولود عام 1858م والمتوفى بعنيزة عام 1927م ) ، في كتابه تحفة المشتاق في أخبار نجد والحجاز والعراق ، وذلك عند حديثه عن قبائل المنتفق في البصرة ، وعند حديثه عن المنطقة الواقعه في وسط مملكة المنتفق (مابين البصرة وسوق الشيوخ) ، كما يذكر الأسرة الحاكمة في مملكة المنتفق ( آل سعدون الأشراف) ، ص: 338(((وصار كل قبيلة منهم لهم نخيل معروفة وقرى معلومة من البصرة وأيديهم عليها . واستمرت بعدهم في أيدي أولادهم ثم أولاد أولادهم , وجعلوها ملكا لهم وعجز عنهم صاحب بغداد , وكانت الرئاسة على المنتفق لآل سعدون من آل شبيب وصاروا ملوكا وملكوا البصرة وسوق الشيوخ ومابينهما من باد وحاضر فهو تحت ايديهم))). يذكر خورشيد باشا (الذي اشترك بلجنة الحدود العثمانية الفارسية ما بين 1848م - 1852م وأصبح واليا لأنقرة لاحقا ) في تقريره الذي أعده للدولة العثمانية في تلك الفترة، وذلك عند حديثه عن عادات وتقاليد شيخ مشايخ المنتفق من أسرة آل سعدون الأشراف ، كتاب ولاية البصرة - من كتاب (سياحة نامة حدود) جولة بالمناطق الحدودية بين الامبراطورية العثمانية وفارس- ص: 59 ((( هناك عدد كبير من الشيوخ الثانويين تحت سيادة شيخ مشايخ المنتفق ، كل هذا العدد من الشيوخ تحت أمرة شيخ المنتفق ، وعن طريق كل منهم تصل تعليمات الشيخ الرئيسي الى افراد قبائلهم وعليهم ان ينفذوا هذه الاوامر طوعا لا اكراها ... وخلاصة القول يملك شيخ مشايخ المنتفق السلطة المطلقة على كل القبائل والعشائر التابعه له))). يذكر مؤرخ العراق الكبير عباس العزاوي، انتشار قبائل اتحاد المنتفق (أكبر اتحاد للقبائل والعشائر مختلفة الأصول شهده العراق تحت مشيخة شيخ مشائخ فعلي)، وذلك في موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، مجلد: 7 ،ص: 168 (((ان قبائل المنتفق من أعظم عشائر العراق. يمتدون من الحلة والديوانية والسماوة حتى البصرة وأراضي الحويزة، وكذا لواء العمارة غالبه منهم...ويرأس هذه القبائل أحد مشايخها مستقلا ويقال لأراضيهم (المنتفق).))). يذكر قبائل المنتفق المؤرخ والشاعر السعودي خالد الفرج ، المولود في الكويت عام 1898م والمتوفى عام 1954م، في كتابه الخبر و العيان في تاريخ نجد ،وذلك عند حديثه عن حاكم مملكة المنتفق الأمير ثويني بن عبد الله وعن أسرته ( آل سعدون الأشراف التي كانت تعرف في ذلك الوقت بـ آل شبيب) ، ص: 203 (((ورئاسة قبائل المنتفق ترجع إلى بيتهم من قديم، لأن المنتفق خليط من قبائل شتى تجمعهم رابط التحالف والمجاورة والمصاهرات، إلى أن كونوا قبيلة كبيرة تحكمت في نواحي العراق، وكادت تستقل بحكمه))). ويذكر مؤرخ العراق الكبير عباس العزاوي ، الوحدة العظيمة بين قبائل المنتفق والتي يرجع الفضل فيها الى آسرة آل سعدون الأشراف ، وهي الوحدة التي جعلت مملكة المنتفق وقبائلها وحكامها اللاعب الرئيسي في تاريخ العراق وجعلت معظم أحداث العراق مما يخصها ، في كتابه عشائر العراق ، ج4، قسم امارة المنتفق، ص27 - وذلك عند حديثه عن المنتفق وعن عشائرها وقبائلها وحكامها (((كانت بينها وحدة عظيمة يرجع الفضل فيها إلى أمراء المنتفق، ومواهب القدرة والجدارة فيهم بادية وغالب وقائع العراق مما يخصها))). تعاملت الدولة العثمانية مع مملكة المنتفق بعدة سياسات الهدف منها هو القضاء عليها ومن هذا السياسات الحملات العسكرية الضخمه والمتتابعه لعدة قرون (التي لم يتعرض لمثل عددها وحجمها أي كيان في العراق تاريخيا ، سواء كان هذا الكيان قبيلة أو امارة )، يذكر مؤرخ العراق الكبير عباس العزاوي في كتابه عشائر العراق، ج4، قسم امارة المنتفق، وذلك عند حديثه عن مملكة المنتفق (امارة المنتفق) ومحاولات الدولة العثمانية التي لاتحصى للقضاء عليها ، ص: 122 ((( وقائع المنتفق كثيرة ، والتدابير المتخذة للقضاء على الامارة لاتحصى))) ، يذكر المؤرخ جعفر الخياط ، وذلك عند حديثه عن تفرد أسرة السعدون الأشراف في تاريخ العراق وتحكمها في مقدرات العراق ومصائره لعدة قرون ، في كتابه صور من تاريخ العراق في العصور المظلمة، ص: 29 (((لم تظهر على مسرح الحوادث في تاريخ العراق الحديث أسرة نبيلة تولت الامارة، وتحكمت في مقدرات العراق ومصائره دهرا طويلا من الزمن مثل أسره السعدون المعروفة.فقد بسطت نفوذها على القسم الأعظم من العراق الجنوبي مدة تناهز الأربع مئة سنة، وتولى شيخة قبائل المنتفك وإمارتها ما يزيد على العشرين شيخا من أبنائها البارزين. وقد كانت هذه الأسرة العربية الكريمة أول من بعث الفكرة العربية من مرقدها في العراق الحديث ،وحمل راية النضال من أجلها بالدم والحديد في وجه الأتراك والايرانيين، بعد أن دثرت وانطمست مآثرها على أيدي المغول الأثيمة. والحق أن تاريخ العثمانيين في العراق ،خلال الحقبة الطويلة التي حكموا فيها، كان تاريخا حافلا بالغزوات والحملات التي كان يجردها الباشوات المتعاقبون في بغداد لتأديب الثائرين من آل سعدون في الجنوب والمتمردين من آل بابان في الشمال. وان دل هذا على شي فانه يدل على أن العنصرين الكبيرين الذين يتألف منهما العراق في يومنا هذا كانا يقفان أبدا ودوما في وجه الحكم الأجنبي والتسلط الغريب. وقد كان العثمانيون يشعرون بثقل العبء الملقي على عاتقهم في هذا الشان، ولذلك كان تصرفاتهم وخططهم التي رسمت خلال مدة حكمهم كلها ،ولا سيما في عهودهم الأخيرة ،تستهدف ضعضعة الأسرة السعدونية القوية والقضاء عليها بالحركات العسكرية والتدابير الإدارية ،والعمل على انقسامها فيما بينها))). ومن السياسات التي استخدمها العثمانيون ضد مملكة المنتفق ، سياسة اللعب على وتر الإنشقاق بالأسرة الحاكمة في مملكة المنتفق (أسرة آل سعدون الأشراف والتي كانت تعرف سابقا بـ آل شبيب) ، والمرحلة الأخطر والأكثر تأثيرا وهي مرحلة الإفراز منذ عام 1853م والتي تعني التنازل عن مناطق بكامل عشائرها وقبائلها للعثمانيين بموجوب وثائق يتم توقيعها وتم خلالها التنازل عن أكثر من نصف مساحة مملكة المنتفق ، يذكر الشيخ والمؤرخ علي الشرقي ، في كتابه ذكرى السعدون (الصادر عام 1929م) ، مرحلة الإفراز وتدرج العثمانيين باقتطاع اراضي مملكة المنتفق ، ص: 28 (((وتم للعثمانيين ماارادوه في بلاد المنتفق وكانوا يعملون عليه منذ قرون تقريبا فقد جاؤا على البنيان بالهدم حجارة حجارة حتى اتوا عليه وقد تدرج العثمانيون ينقصون مملكة المنتفق من السماوة والعمارة ومن أنحاء البصرة)))، وأخيرا مرحلة مابعد سقوط مملكة المنتفق الأول - بمعركة كون الريس ضد الدولة العثمانية - منذ عام 1881م والتي تسببت في انقسامها بعد سقوطها الى قسمين متصارعين قسم يمين الفرات وقسم بمنطقة الجزيرة مابين الفرات ودجلة وعلى نهر الغراف. وعلى الرغم من السياسات العثمانية والتي تسببت في هجرة الكثير من القبائل من مملكة المنتفق الى ولاية بغداد أو الى عربستان (حيث شكلوا ثقلا عدديا كبيرا هناك ولكنهم فقدوا وحدتهم ) و سياسة الإفراز ، إلا ان اتحاد قبائل المنتفق حافظ على كونه أكبر اتحاد للقبائل والعشائر مختلفة الأصول في العراق ، يذكر قبائل اتحاد المنتفق بعد هذه الفترة الكسندر أداموف ، القنصل الروسي في البصرة في نهاية القرن التاسع عشر، في كتابه ولاية البصرة في ماضيها وحاضرها (((إن اتحاد المنتفق، أقوى الاتحادات العراقية وأكثرها عددا... وفي مقدوره أن يقدم إلى ساحة المعركة ما يقارب من (50) ألف مقاتل ،بفضل اتحاد قبائله ورؤسائه من آل شبيب... (إنه) اتحاد مخيف، بل مرعب لقوى الدولة وللقوى الأخرى، طالما جرع الكثيرين هزائم لا تنكر))). يذكر هارولد ديكسون ، الوكيل السياسي البريطاني والذي عمل كسياسي بالعراق بعد الحرب العالمية الأولى ، في كتابه عرب الصحراء ، وذلك عند حديثه عن الأسرة الحاكمة في مملكة المنتفق وأسرة المشيخة في اتحاد قبائل المنتفق – أسرة السعدون الأشراف وعند حديثه عن قبائل اتحاد المنتفق وعن شهرة اسم المنتفق في المجتمع العربي وعن بادية العراق (((وتاريخ تحالف المنتفق يرتبط ارتباطاً لا ينفصم بالسعدون ، واسم المنتفق ذاته كما يستخدم في العراق يشير فقط إلى العائلة الحاكمة وإلى عبيدها وأتباعها والذين يعتبرون جزءاً لا يتجزأ منها. ولا يوجد أحد من رجال القبائل في العراق يدعو نفسه منتفقي مع أنه قد يستخدم الكلمة عندما يكون في مكة أو دمشق حيث لا تعرف قبيلته الصغيرة في حين أن شهرة المنتفق على كل لسان في المجتمع العربي. ومكانة السعدون والتي تتمتع بأهمية سياسية كبرى في جنوب ما بين النهرين تعتمد بشكل رئيسي على أصولهم وبشكل جزئي على الجهل التركي الرسمي أو تجاهلهم بعلاقتهم بالقبائل. كما لا يجب أن يغرب عن البال أن السعدون يرتبطون بالنظام الاجتماعي للصحراء ولم يخضعوا لتأثيرات المحلية التي خضعت لها قبائل العراق ، والتي كانت مثلهم من المهاجرين من الجزيرة العربية والذين سبقوهم بالهجرة وهم لذلك أكثر اتصالاً بتقاليد وعادات ما بين النهرين. وقد حافظ آل السعدون على السمات التي تميز بدو الجزيرة العربية ، فهم من السنة ومن أهل البعير أي الإبل وديرتهم هي منطقة الحماد غربي الحي أو جنوب الفرات حيث حفروا أو أعادوا حفر الآبار في منازلهم القبلية المعتادة وإليها يعودون بعد هطول المطر المبكر وحيث يتمتعون بسلطتهم كزعماء مستقلين للصحراء))). محتويات البحث: 1- مقدمة. 2- نبذة عن الأمير ثويني بن عبدالله. 3- نبذة موجزه عن أسرته (آل سعدون) وعن مملكة المنتفق وعن اتحاد قبائل المنتفق. 4- مملكة المنتفق والعثمانيين من 1668م الى 1775م. 5- الغزو الفارسي الكبير للعراق 1775م – وموقف العثمانيين والدول العربية منه. 6- مملكة المنتفق تقف وحدها أمام الجيوش الفارسيه وتبيدها بمعركتين ثم تحرر البصرة. 7- البصرة تعود لحكام مملكة المنتفق. 8- دور الأمير ثويني في وصول سليمان باشا للحكم في بغداد. 9- تأسيس مدينة سوق الشيوخ للسيطرة على تجارة المنطقة. 10- توتر الأوضاع بين الدولة العثمانية والدولة الفارسية – هجوم بني كعب. 11- دخول ثويني لشرق الجزيرة العربية عسكريا عام 1785م – 1200هـ. 12- أول معاهدة تاريخيه للدولة السعودية الأولى مع دولة خارج الجزيرة العربية – مع مملكة المنتفق. 13- دخول ثويني لنجد عسكريا عام 1786م – 1201هـ. 14- ثويني يطرد الأتراك من البصرة تمهيدا لإعلان استقلال العراق. 15- أول إعلان لإستقلال العراق في العهد العثماني. 16- موقف الدولة الفارسية وبريطانيا العظمى من إعلان ثويني لإستقلال العراق. 17- رد فعل الخليفة العثماني. 18- أول ملحمة تاريخيا في سبيل إستقلال العراق بأكمله – معركة أم الحنطة. 19- محاولة ثويني لإستقلال العراق مره أخرى والتحالف مع الأكراد. 20- خروج ثويني من العراق. 21- صعود حمود بن ثامر للحكم و إخراج الخزاعل من السماوة. 22- تعيين ثويني بمجلس الحكم العثماني في بغداد و إبقاؤه قيد الإقامة الجبرية. 23- ماقبل سقوط دولة بني خالد ومابعده من أحداث سياسيه وهجرات. 24- عودة ثويني للحكم و إستعادته للأحساء عسكريا - الحملة العثمانية الأولى داخل الجزيرة العربية. 25- إغتيال ثويني وقصائد رثاء قيلت فيه. 26- صعود حمود بن ثامر للحكم- وماواجهه في بداية حكمه. 27- آل سعدون- بعد دخولهم بغداد عسكريا- يفرضون نفوذهم على كامل العراق مابين 1813م – 1817م. 28- أمثال شعبية أرتبطت بحاكم مملكة المنتفق الأمير ثويني بن عبدالله. 29- خاتمه. 30- ملحق: السياسات العثمانية تجاه آل سعدون منذ القرن التاسع عشر وسقوط مملكة المنتفق في الحرب العالمية الأولى. 31- المصادر. 1- مقدمة: إن أهم حدث في تاريخ العراق في العهد العثماني هو أول إعلان تاريخي لإستقلال العراق بأكمله عام 1787م من قبل الأمير الشريف ثويني بن عبدالله حاكم مملكة المنتفق وشيخ مشائخ قبائلها وهو الأعلان الذي أرسل للخليفة العثماني وحمله قاضي البصرة الذي كاد يعدم في قصر الخليفة ، وقد طلب الخليفة العثماني من والي بغداد أن يرسل له رأس حاكم مملكة المنتفق وذلك بعد أن أمر بتجهيز حمله ضخمه ضده ، و قد أيدت هذا الأعلان الكثير من قبائل العراق وتبعته ملحمة كبرى فاصله – كان عدد جنود الطرفين في ساحة المعركة يقارب 70 ألف مقاتل - استخدمت الدولة العثمانية فيها أقصى قوتها العسكرية ضد مملكة المنتفق والتي بدورها استخدمت فيها المدافع ضد الدولة العثمانية. وقد كان هذا الحدث مدعوما بتحالف بين ثلاث أطراف: 1- مملكة المنتفق (المشهورة لدى الكتاب المتأخرين بامارة المنتفق) والتي كانت دولة تضم معظم مناطق وقبائل وعشائر جنوب ووسط العراق بالأضافة للمسيحيين واليهود والصابئة في جنوب العراق. 2- قبائل الخزاعل. 3- قبيلة العبيد. ويهدف هذا التحالف لطرد العثمانيين من العراق بأكمله ، وأن يصبح العراق دولة ذات حكم عربي ، وتنصيب حاكم مملكة المنتفق الأمير الشريف ثويني بن عبدالله حاكما عليها . وسوف نتحدث في هذا البحث عن الأحداث التي سبقت هذا الإعلان والأحداث التي صحبته والتي تلته , وهي الأحداث المشتركة بين عدة دول كبرى : دولة الخلافة العثمانية والدولة الفارسية وبريطانيا العظمى . ودول أقليمية أصغر وهي : الدولة السعودية الأولى في قلب الجزيرة العربية ، ودولة بني خالد في المنطقة الشرقية من الجزيرة العربية ، ومملكة المنتفق في نصف العراق الأسفل ، ودولة عمان ، وتحالف قبائل الخزاعل و قبيلة العبيد في ولاية بغداد. ويتضمن هذا البحث الحديث عن حاكم مملكة المنتفق الأمير ثويني بن عبدالله وانجازاته السياسية والعسكرية والإقتصادية ، وحتى على المستوى الأدبي قصائد كبار المؤرخين والعلماء التي قيلت فيه من معاصريه والأمثال الشعبية المتعلقه به ، بالإضافة الى الولاة والقضاة الذين قام بتعيينهم والآثار العمرانية التي خلفها ، ويتضمن الحديث عن آثاره العمرانية الحديث عن مدينة سوق الشيوخ التي أسسها عام 1780م ، والتي لم تكن أي مدينة في جنوب أو وسط العراق تضاهيها تجاريا في تلك الفترة ، ويشمل الحديث عنها الحديث عن من زارها من الرحالة وماذكروه عنها ، والحديث عن التعاملات التجارية التي ربطته بالدول الكبرى بالبصرة والإتفاقية الطبية بينه وبين الممثلية الفرنسية في مدينة البصرة ، بالاضافة لمعاهدته مع الدولة السعودية الأولى ( كأول معاهده للدولة السعودية الأولى مع دولة أخرى خارج الجزيرة العربية تاريخيا حسب علمنا) ، بالإضافة الى الحديث عن موقف بريطانيا العظمى والدولة العثمانية والخليفة العثماني والدولة الفارسية من إعلانه لإستقلال العراق. ويناقش هذا البحث في نهايته بشكل موجز بعض أهم الأحداث في عهد حاكم مملكة المنتفق وشيخ مشايخ قبائلها الأمير الشريف حمود بن ثامر وخصوصا أهم حدث في عهده عندما استطاع دخول بغداد عسكريا عام 1813م بعد تدميره للحملة العثمانية الموجه ضده وأسره ثم قتله لوالي بغداد ، وماتبع ذلك من فرضه لنفوذ آل سعدون الأشراف على كامل العراق مابين 1813م – 1817م ، علما بأنه سوف يتم مناقشة عهد الأمير حمود بن ثامر بشكل موسع في بحث مستقل لاحقا. أخيرا ، يتنقل هذا البحث بين أحداث تاريخية مهمه في العراق والجزيرة العربية في فتره تاريخية شهدت تحركات سياسية وعسكريه بين دول مختلفة بالمنطقه وخارجها ويخرج البحث عن الصورة النمطية للنظر للتاريخ من خلال الاحداث للقبائل بشكل منفصل الى النظر للتاريخ من خلال الدول التي كانت تسيطر على هذه القبائل في المنطقة وتحركات هذه الدول وحكامها سياسيا وعسكريا واقتصاديا. والدول في الفترة التي يغطيها هذا البحث هي الدولة العثمانية بشكل مباشر والدولة العثمانية الممثلة بالمماليك حكام ولاية بغداد وشمال العراق ، والدولة الفارسية وبريطانيا العظمى وهولندا ومملكة المنتفق ودولة بني خالد ودولة الأشراف بالحجاز ودولة عمان والدولة السعودية الأولى ودولة بني كعب ودولة المشعشعون. وهذه خريطة توضح الدول الإقليمية في عهد الأمير ثويني بن عبدالله: 2- نبذة عن الأمير ثويني بن عبدالله: يعتبر الأمير ثويني بن عبدالله أحد أشهر حكام مملكة المنتفق تاريخيا ومن أقواهم ، وبالنظر الى تاريخه وتأثيره السياسي والأقتصادي والعمراني على تاريخ المنطقة وماقام به ، فهو يعتبر أبرز شخصية عربية ظهرت بالعراق بالفترة الممتدة لأكثر من ثلاث قرون والتي سبقت الحرب العالمية الأولى وهو أحد أبرز الشخصيات التي ظهرت في منطقة العراق والجزيرة العربية في القرن الثامن عشر الميلادي ، وبالإضافة الى كونه حاكم مملكة المنتفق فهو شيخ مشائخ اتحاد قبائل المنتفق ( أكبر اتحاد للقبائل والعشائر مختلفة الأصول في العراق تحت مشيخة واحدة محصوره في أسرته التي كانت تعرف بـ آل شبيب في تلك الفترة وعرفت لاحقا بــ آل سعدون على اسم عمه الأمير سعدون بن محمد – الملقب بــ سعدون الكبير). وقد كانت تحركات الأمير ثويني بن عبدالله السياسية والعسكرية ذات تأثير كبير على تاريخ المنطقة ، وفترة حكمه تخللها العديد من المعارك الضخمه والمشهورة مع الدولة العثمانية والدولة الفارسية ومعارك أصغر مع دولة بني كعب في عربستان ودولة بني خالد في شرق الجزيرة العربية والدولة السعودية الأولى في قلب الجزيرة العربية . يذكر العالم الشيخ محمد بن العلامة الشيخ خليفة بن حمد بن موسى النبهاني الطائي (كان هو ووالده مدرسين بالمسجد الحرام.. وهو معاصر للحرب العالمية الأولى وسبق له تولي قضاء البصرة)، في كتابه التحفة النبهانية في تاريخ الجزيرة العربية ، مناطق حكم حاكم مملكة المنتفق الأمير ثويني بن عبدالله وذلك عند حديثه عن بداية عهده بالحكم وعن كرمه ، قسم المنتفق ، ص: 401 (((وكان لما تولى ثويني بن عبد الله رئاسة المنتفق كما تولاها من قبله أبوه وجده وأبو جده. وجه في بادئ الأمر سطوته ونفوذه نحو الأعراب المنبثين من جنوبي بغداد إلى حدود الكويت. وكان يعد من أجود العرب في زمانه وأسخاهم. فاستتب له الأمر كما أراد))). ينقل أحمد الحجامي عن الرحالة أبو طالب خان (المعاصر للأمير ثويني) تعداد القوات التي يستطيع جمعها حاكم مملكة المنتفق الأمير ثويني بن عبدالله ، وذلك في رسالته للماجستير بعنوان: ســوق الشيوخ مركز إمارة المنتفق ( 1761 – 1869 م) دراسة في أوضاعها السياسية والاقتصادية والاجتماعية ، وهو نص من كتاب رحلة أبي طالب خان إلى العراق وأوربا سنة 1213هـ /1799م (((أن الأمير ثويني العبدالله يستطيع أن يجيش جيشاً عدته بين الاربعين والخمسين الفاً))). وقد كان الأمير ثويني بن عبدالله واحدا من كرماء العرب وماقصده أحد في حاجة إلا قضاها له ، يذكر كرمه وشجاعته المؤرخ العثماني الشيخ عثمان بن سند الوائلي البصري (المعاصر له) ، في كتابه مطالع السعود بطيب أخبار الوالي داود ، ص: 213 ((( وكان أحد أجواد العرب مااناخ في بابه احد الا بلغ الارب ، وكان له في حكومته الأولى ايام ، شاهدة بانه الصارم الضرغام))) ، وقد كناه المؤرخ العثماني الشيخ عثمان بن سند الوائلي البصري (المعاصر له) بـ (أبي فرحان) وذلك في أحد أبيات أحد قصائده في الأمير ثويني بن عبدالله: وهل ك (أبي فرحان) يبرز عصره فإن يك منّى مثله كذب العصر وكان لقبه (أبوقريحه) ، وقد وضع المؤرخ خير الدين الزِّرِكْلي (المولود عام 1893م)، في كتابه الأعلام وهو قاموس تراجم لأشهر الرجال والنساء من العرب والمستعربين والمستشرقين يقع في ثمانية مجلدات ، لقب الأمير ثويني بن عبدالله (أبوقريحة) كعنوان للترجمة الخاصة به ، في المجلد الثاني في الصفحة 102. يذكر الأمير ثويني بن عبدالله المؤرخ والشاعر السعودي خالد الفرج ، المولود في الكويت عام 1898م والمتوفى عام 1954م، في كتابه الخبر والعيان في تاريخ نجد ، وذلك عند حديثه عن سليمان باشا والي بغداد (في القرن الثامن عشر) وعن المساعدة التي قدمها له حاكم مملكة المنتفق الأمير الشريف ثويني بن عبدالله ، ويذكر المؤرخ في نفس النص بعض القبائل والحواضر التابعه للأمير ثويني بن عبدالله وهم عرب المنتفق وشمر العراق وأهل نجد المقيمون في العراق والزبير ، ص: 203 ((( وساعده على ذلك عرب المنتفق وشمر العراق ، وأهل نجد المقيمون في العراق والزبير ومتولي كبرهم ثويني بن عبدالله بن محمد بن مانع الشبيبي ، وهو هاشمي النسب ، ورئاسة قبائل المنتفق ترجع الى بيتهم من قديم ، لأن المنتفق خليط من قبائل شتى تجمعهم رابطة التحالف والمجاورة والمصاهرات الى أن كونوا قبيلة كبيرة تحكمت في نواحي العراق ، وكادت تستقل بحكمه))). ولعل أبرز مايميز الأمير ثويني بن عبدالله عن بقية حكام مملكة المنتفق الأقوياء هو أنهم كانوا دائما يكافحون عن استقلال دولتهم ومناطق حكمهم في نصف العراق الأسفل ( مملكة المنتفق) عن الاتراك والفرس بينما الأمير ثويني بن عبدالله سعى لإستقلال العراق بأكمله تحت حكمه (وأرسل بذلك خطابا يحوي عرضا سياسيا للخليفة العثماني موقعا من وجهاء وشيوخ العراق) وسعى لطرد الأتراك منه بشكل كامل كما طرد الفرس منه سابقا وهو ماسوف يتم تفصيله في هذا البحث . ينقل المؤرخ والمستشرق الألماني البارون ماكس فرايهير فون أوبنهايم ، في كتابه البدو ، ج: 3 ، وصفا لشخصية الأمير ثويني بن عبدالله من قبل هويل المعاصر له وذلك عندما اتخذ الأمير ثويني مدينة البصرة كعاصمة لدولته بعد أن انتزعها من العثمانيين وقبل اعلانه لاستقلال العراق عام 1787م ، ص: 628 ((( الشيخ رجل في متوسط العمر، شجاع جدا وكثير التصرف. ذكاؤه وحكمته، العدل والاعتدال الذي أدار به الحكم في البصرة جعلته محبوبا من قبل قومه وأدت الى احترام الجميع له))). وقد كان لهذا الحاكم حتى على الصعيد الإقتصادي تأثير واضح في المنطقة وذلك عندما أسس أول مدينة أقتصادية في تاريخ المنطقة في القرون المتأخرة (والتي بنيت لتكون مركزا تجاريا وعاصمة لمملكة المنتفق) وهي مدينة سوق الشيوخ والتي كانت أحد أبرز مدن العراق منذ تأسيسها من قبله عام 1780م وحتى عام 1831م عندما ضربها الطاعون الذي اجتاح المنطقة بأكملها ولم يبقي من سكان المدينة وقتها سوى 4 آلاف نسمة ، وقد اتاحت هذه المدينة له ولأسرته التحكم في تجارة القبائل في مناطق حكمهم (جنوب ووسط العراق) وخارج مناطق حكمهم أيضا وهو ماسوف يتطرق له هذا البحث أيضا. يذكر مدينة سوق الشيوخ ، أ.د. عماد محمد العتيقي ، وذلك عند حديثه عن الشيخ عبدالرحمن بن عبدالله بن سيف بن أحمد بن محمد العتيقي (في عام 1820) ، مقالة عبدالرحمن بن عبدالله بن سيف العتيقي – صاحب الختمة العتيقية (((كان المترجم كما ذكر أعلاه يمتهن التجارة ويدير نشاط أسرته من الكويت. وكان أخوه سيف يدير فرع الشركة في الهند وابن أخيهما عبدالعزيز بن منصور يدير فرع الشركة في سوق الشيوخ وهي مركز تجارة أهل الكويت ونجد في العراق))). ويذكر أهمية مدينة سوق الشيوخ في تلك الفترة التاريخية ، عبدالكريم محمد علي ، في كتابه تاريخ مدينة سوق الشيوخ , ص: 28 ((( ولما كانت المدينة على حافة نجد الشرقية , فقد اصبح سوقها مركزا تجاريا وتموينيا لعرب نجد. فأزدهرت التجارة والتبادل والمقايضة في هذه المدينة ازدهارا عظيما لم تبلغه اية مدينة اخرى في جنوب العراق او وسطه , وبنيت في وسط المدينة الأسواق المسقفة الطويلة المزدحمة بمئات الدكاكين السلعية والحرفية , كما شيدت مباني الخزن والتوزيع الكبيرة الواسعة ( الخانات التجارية) في وسط الأسواق وأطرافها , التي تمتلأ بالخزين من البضائع المستوردة من اسواق البصرة , ومن الهند وتركيا والشام والخليج العربي وايران ))). يذكر الكسندر أداموف ، القنصل الروسي في البصرة في نهاية القرن التاسع عشر، في كتابه ولاية البصرة في ماضيها وحاضرها ، وذلك عند حديثه عن مدينة سوق الشيوخ والطاعون الذي اجتاحها ، ص: 55 ((( وعندما اجتاح الطاعون في 1831 العراق بأجمعه وجه أول ضربة لرفاهية هذا المركز التجاري العربي الصرف))). يذكر المؤرخ العثماني الشيخ عثمان بن سند الوائلي البصري - المعاصر للأمير ثويني بن عبدالله - ترجمة للأمير الشريف ثويني بن عبدالله وذلك عند حديثه عن نسب الأمير ثويني بن عبدالله ومشيخته لاتحاد قبائل المنتفق (أكبر اتحاد للقبائل والعشائر مختلفة الأصول شهده العراق تحت مشيخة شيخ مشائخ فعلي) ، في كتابه مطالع السعود بطيب أخبار الوالي داود , القسم المقتطع من خزانة التواريخ النجدية ، مختصر الشيخ أمين الحلواني , ص: 280 ((( وثويني هذا هو ابن عبدالله بن محمد بن مانع القرشي الهاشمي العلوي الشبيبي تولى مشيخة المنتفق كما تولاها أبوه وجده أجواد العرب وشجعانها ))) ، حيث عرف المؤرخ تسلسل نسبه بــ القرشي (نسبة لقبيلة قريش) والهاشمي (نسبه لبني هاشم) والعلوي (نسبه لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه والذي يعرف نسله بالأشراف) والشبيبي (نسبه إلى أسرته آل شبيب التي عرفت لاحقا بـ آل سعدون ، وهي الأسرة الحاكمه في نصف العراق الأسفل - مملكة المنتفق - والتي كانت تضم معظم مناطق جنوب ووسط العراق)، والأمير ثويني بن عبد الله المذكور هو ابن أخ الأمير سعدون بن محمد بن مانع آل شبيب الذي عرفت باسمه لاحقا الأسرة الحاكمه في مملكة المنتفق، وفيما يلي نذكر سلسلة نسب الأمير ثويني بن عبدالله : الأمير ثويني (حاكم مملكة المنتفق وشيخ مشايخ قبائلها) بن الأمير عبدالله (حاكم مملكة المنتفق وشيخ مشايخ قبائلها) بن الأمير محمد (حاكم مملكة المنتفق وشيخ مشايخ قبائلها) بن الأمير مانع الثاني (حاكم مملكة المنتفق وشيخ مشايخ قبائلها) بن الأمير شبيب الثاني (حاكم مملكة المنتفق وشيخ مشايخ قبائلها) بن الأمير مانع الاول (حاكم مملكة المنتفق وشيخ مشايخ قبائلها) بن الأمير شبيب الاول (حاكم مملكة المنتفق وشيخ مشايخ قبائلها) بن الشريف حسن ( مؤسس اتحاد قبائل المنتفق ومملكة المنتفق) بن الشريف مانع بن مالك بن سعدون الأول بن إبراهيم (أحمر العينين) بن الأمير كبش (امير المدينة المنورة) بن الأمير منصور (امير المدينة المنورة) بن الأمير جماز (أمير المدينة المنورة + أمير مكة المكرمة 687هـ + أول من سك عمله باسمه في مكة من أمراء المدينة المنورة) بن الأمير شيحة (أمير المدينة المنورة+أمير مكة المكرمة عام 637هـ) بن الأمير هاشم (أمير المدينة المنورة) بن الأمير قاسم (أبو فليته) (امير المدينة المنورة+ امير مكة عام 571هـ) بن الأمير مهنا الاعرج (أمير المدينة المنورة) بن الأمير الحسين (شهاب الدين) (امير المدينة المنورة) بن الأمير مهنا الأكبر (أبو عمارة) (أمير المدينة المنورة) بن الأمير داود (أبو هاشم) (امير المدينة المنورة) بن الأمير القاسم (امير المدينة المنورة) بن الأمير عبيد الله (امير المدينة المنورة+ امير العقيق) بن طاهر بن يحي النسابة بن الحسن بن جعفر بن عبيد الله (الاعرج) بن الحسين (الأصغر) بن علي (زين العابدين) بن الحسين – رضي الله عنه – ابن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب – رضي الله عنه –. 3- نبذة موجزه عن أسرته (آل سعدون) وعن مملكة المنتفق وعن اتحاد قبائل المنتفق: تعتبر أسرة السعدون (التي كانت تعرف بـ آل شبيب سابقا) أبرز أسرة ظهرت بالعراق في الأربع قرون السابقة للحرب العالمية الأولى ، فقد أسست دولة عربية في العراق وهي مملكة المنتفق والمشهوره لدى الكتاب المتأخرين بامارة المنتفق مابين 1530م – 1918م ( التي كانت تشمل كل الجنوب العراقي – باستثناء مدينة البصرة التي تبادلت السيطرة عليها مملكة المنتفق و العثمانيين - ومناطق واسعه من وسط العراق وكانت تشمل في عصرها الذهبي (مابين 1668م – 1853م) مايقارب نصف العراق وكل البادية العراقية الممتدة من شمال الأحساء وعلى حدود نجد الشمالية وصولا الى شمال السماوة) ، يذكر المؤرخ والنسابة يونس الشيخ إبراهيم السامرائي ، في كتابه القبائل والبيوتات الهاشمية في العراق , مناطق حكم آل سعدون (مملكة المنتفق) وهي لواء السماوة ولواء المنتفق (قلب مملكة المنتفق تاريخيا وماتبقى منه يسمى محافظة ذي قار حاليا) وأبو الخصيب ولواء العمارة ولواء البصرة ، ص: 177 (((آل السعدون أصلهم من الحجاز فقد هاجروا إلى العراق في أوائل القرن العاشر وحكموا المنتفق، وهم ينتسبون إلى جدهم الأعلى سعدون بن الشريف محمد وينتهي نسبهم إلى الأمام علي زين العابدين ابن الحسين بن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-....كانت لهم امارة انتشرت رقعتها ونفوذها حتى اصطدمت هي والنفوذ العثماني مرات عديدة... ومن أطرف مايذكر عن آل السعدون أنهم أول من فكر في تأسيس حكومة عربية تعيد مجد العرب, ولآل السعدون فضل في رد الفرس عن العراق أكثر من مرة, كما حارب آل السعدون الأحتلال الإنكليزي بقيادة أعجمي السعدون.... وآل السعدون كانت لهم أمارة كبيرة تضم السماوة والمنتفق وأبو الخصيب والعمارة والبصرة))). يذكر المؤرخ جعفر الخياط ، عند حديثه عن تفرد أسرة السعدون الأشراف في تاريخ العراق وتحكمها في مقدرات العراق ومصائره لعدة قرون ، وذلك في كتابه صور من تاريخ العراق في العصور المظلمة ، ج:1، ص: 29 (((لم تظهر على مسرح الحوادث في تاريخ العراق الحديث أسرة نبيلة تولت الامارة، وتحكمت في مقدرات العراق ومصائره دهرا طويلا من الزمن مثل أسره السعدون المعروفة.فقد بسطت نفوذها على القسم الأعظم من العراق الجنوبي مدة تناهز الأربع مئة سنة، وتولى شيخة قبائل المنتفك وإمارتها ما يزيد على العشرين شيخا من أبنائها البارزين. وقد كانت هذه الأسرة العربية الكريمة أول من بعث الفكرة العربية من مرقدها في العراق الحديث ،وحمل راية النضال من أجلها بالدم والحديد في وجه الأتراك والايرانيين، بعد أن دثرت وانطمست مآثرها على أيدي المغول الأثيمة. والحق أن تاريخ العثمانيين في العراق ،خلال الحقبة الطويلة التي حكموا فيها، كان تاريخا حافلا بالغزوات والحملات التي كان يجردها الباشوات المتعاقبون في بغداد لتأديب الثائرين من آل سعدون في الجنوب والمتمردين من آل بابان في الشمال. وان دل هذا على شي فانه يدل على أن العنصرين الكبيرين الذين يتألف منهما العراق في يومنا هذا كانا يقفان أبدا ودوما في وجه الحكم الأجنبي والتسلط الغريب. وقد كان العثمانيون يشعرون بثقل العبء الملقي على عاتقهم في هذا الشان، ولذلك كان تصرفاتهم وخططهم التي رسمت خلال مدة حكمهم كلها ،ولا سيما في عهودهم الأخيرة ، تستهدف ضعضعة الأسرة السعدونية القوية والقضاء عليها بالحركات العسكرية والتدابير الإدارية ،والعمل على انقسامها فيما بينها))). وقد تقاسمت أسرة السعدون النفوذ بالعراق مع الدولة العثمانية (في جنوبه وأجزاء من وسطه لأسرة السعدون وفي شماله وأجزاء من وسطه للدولة العثمانية بالأضافة للصراع المستمر حول مدينة البصرة بين الطرفين) مماادى إلى الأصطدام بين الطرفين في الكثير من المعارك .. حيث اتبعت الدولة العثمانية العديد من السياسات للقضاء على مملكة المنتفق وحكامها آل سعدون الأشراف (آل شبيب سابقا) ، يذكر المؤرخ الشيخ علي الشرقي ، في كتابه ذكرى السعدون، ص: 23 (((وموقف آل سعدون في نصف العراق وفي كل بادية العراق جلب اهتمام الباب العالي وحول اتجاهه إلى هدم تلك الامارة فكانت مهمة القواد والولاة الاتراك ضعضعة الامارة السعدونية ومناوئتها. كل بدوره وحسب دائرة اختصاصه هذا بالحركات العسكرية وهذا بالتحفظات السياسية وهذا بالشروط المالية وهذا باقتطاع اطراف بلاد الامارة وانترائها من آل سعدون))). ويذكر المؤرخ الإنجليزي ستيفن هيمسلي لونكريك ، في كتابه (أربعة قرون من تاريخ العراق الحديث) اتساع مملكة المنتفق وحدودها (الشمالية والشرقية) وذلك عن حديثه عن حاكم مملكة المنتفق (مابين عام 1668م – 1703م) الأمير الشريف مانع بن شبيب آل شبيب وعن نفوذه ومناطق حكمه بالعراق وخارجه ويقارن هذا النفوذ بنفوذ الحكام الأتراك في بغداد وشمال العراق ويبين أن الأمير مانع يفوقهم نفوذا ، ص: 150 (((ولم يدر في خلد أي باشا غريب أن يأمل نفوذا شاملا مثل نفوذه. فقد امتلك قسما من عربستان، وكان مسيطرا على ما بين دجلة وعربستان من سهول وأهوار، وأطاعته بدرة وجصان ومندلي، وقد غطت سطوته يومئذ على سطوة الحويزة، اما على الفرات فقد استولى على العرجة والسماوة والرماحية))). ويذكر المؤرخ حسين خلف الشيخ خزعل ، في كتابه تاريخ الجزيرة العربية، حدود مملكة المنتفق (الجنوبية والغربية) في نفس الفترة التي ذكرها ستيفن لونكريك ، , ج1 ، ص: 39 (((وماكاد يحل القرن الثاني عشر حتى انتشرت الفوضى في نجد وعم الانقسام , وتوسعت الفرقة , وتفرقت الكلمة , وتعددت الامارة والمشيخات , فكانت الأمارة في العيينة لآل معمر , وفي الدرعية لآل سعود , وفي الرياض لآل دواس , وفي الأحساء لبني خالد , وفي نجران لآل هزال , وفي حائل لآل علي , وفي القصيم لآل حجيلان , وفي حدود نجد الشمالية وجنوب العراق لآل شبيب))). هذا رسم يحاكي علم مملكة المنتفق والمسمى – وارد: يذكر هذا العلم وأيضا امتداد مملكة المنتفق في عصرها الذهبي ( 1668م - 1853م ) وأراضيها النهرية والبرية المؤرخ الشيخ علي الشرقي وذلك في هامش كتاب تاريخ المنتفق لسليمان فائق (أحد كبار موظفين الدولة العثمانية بالقرن التاسع عشر) ، ص: 9 (((و أما النهرية فكانت تشمل كل شط العرب مصعدة في الفرات الى ماوراء "السماوة" عند "سدرة الأعاجيب" ومادة في دجلة الى ماوراء "العمارة" ... أما الجهة البرية فكانت كما ذكرنا كل بادية العراق بحدودها الحالية محروسة بنفوذ آل سعدون ، ومن قبلهم بنفوذ أجدادهم آل شبيب ، ويرفرف عليها العلم العراقي المعروف باسم "وارد"))). ولقد أسست أسرة السعدون أيضا أكبر اتحاد للقبائل والعشائر مختلفة الأصول شهده العراق تاريخيا وتحت مشيخة شيخ مشايخ فعلي وهذا الاتحاد هو اتحاد قبائل المنتفق ، يذكر مؤرخ العراق الكبير عباس العزاوي ، الوحدة العظيمة بين قبائل المنتفق والتي يرجع الفضل فيها الى آسرة آل سعدون الأشراف ، وهي الوحدة التي جعلت مملكة المنتفق وقبائلها وحكامها اللاعب الرئيسي في تاريخ العراق وجعلت معظم أحداث العراق مما يخصها ، وذلك في كتابه عشائر العراق، ج4، قسم امارة المنتفق، ص27 - وذلك عند حديثه عن المنتفق وعن عشائرها وقبائلها وحكامها (((كانت بينها وحدة عظيمة يرجع الفضل فيها إلى أمراء المنتفق، ومواهب القدرة والجدارة فيهم بادية وغالب وقائع العراق مما يخصها))). يذكر مملكة المنتفق و قبائلها والأسرة الحاكمه فيها (أسرة آل سعدون الأشراف والتي كانت تعرف سابقا بـ آل شبيب) المؤرخ والمستشرق الألماني البارون ماكس فرايهير فون أوبنهايم ، في كتابه البدو ، ويقارن أهمية اتحاد قبائل المنتفق (اكبر اتحاد للقبائل والعشائر شهده العراق تحت مشيخة شيخ مشائخ فعلي) بالقبائل الأخرى في العراق كما يقارن أهمية أسرة المشيخة فيه (أسرة آل سعدون الأشراف والتي كانت تعرف سابقا بـ آل شبيب) بأسر المشيخة الأخرى بالعراق ، وذلك عند بداية حديثه في قسم المنتفق من نفس الكتاب، ج:3 ، ص:590 (((مامن قبيلة عراقية تضاهي المنتفق في الأهمية ولا عائلة شيوخ تضاهي عائلة سعدون - شبيب التي أسست في أواخر القرن السابع عشر مملكة المنتفق على الفرات الأدنى والتي جلبت في الحرب العالمية الأولى - عندما كانت تلك المملكة قد سقطت - لاسم المنتفق الفخر والاعتزاز مرة أخرى))). وأسرة آل سعدون ترجع في نسبها الى الأشراف وتحديدا الى آل مهنا أمراء المدينة المنورة لأكثر من خمس قرون ، وقد كانت أسرة السعدون تعرف بآل شبيب نسبة إلى الأمير شبيب بن الشريف حسن وقد تغير الاسم إلى آل سعدون في منتصف القرن الثالث عشر الهجري وهو نسبة إلى الأمير سعدون بن محمد المقتول من الدولة العثمانية عام 1742م ونسبه هو : الأمير سعدون (حاكم مملكة المنتفق وشيخ مشائخ قبائلها والذي سميت الاسرة به) بن الأمير محمد (حاكم مملكة المنتفق وشيخ مشائخ قبائلها) بن الأمير مانع الثاني (حاكم مملكة المنتفق وشيخ مشائخ قبائلها) بن الأمير شبيب الثاني(حاكم مملكة المنتفق وشيخ مشائخ قبائلها) بن الأمير مانع الصخا (حاكم مملكة المنتفق وشيخ مشائخ قبائلها) بن الأمير شبيب الأول (حاكم مملكة المنتفق وشيخ مشائخ قبائلها) بن الشريف حسن (مؤسس مملكة المنتفق واتحاد قبائل المنتفق) بن الشريف مانع بن مالك بن سعدون الأول بن إبراهيم (أحمر العينين) بن الأمير كبش (امير المدينة المنورة) بن الأمير منصور (امير المدينة المنورة) بن الأمير جماز (أمير المدينة المنورة + أمير مكة المكرمة 687هـ + أول من سك عمله باسمه في مكة من أمراء المدينة المنورة) بن الأمير شيحة (أمير المدينة المنورة+أمير مكة المكرمة عام 637هـ) بن الأمير هاشم (أمير المدينة المنورة) بن الأمير قاسم (أبو فليته) (امير المدينة المنورة+ امير مكة عام 571هـ) بن الأمير مهنا الاعرج (أمير المدينة المنورة) بن الأمير الحسين (شهاب الدين) (امير المدينة المنورة) بن الأمير مهنا الأكبر (أبو عمارة) (أمير المدينة المنورة) بن الأمير داود (أبو هاشم) (امير المدينة المنورة) بن الأمير القاسم (امير المدينة المنورة) بن الأمير عبيد الله (امير المدينة المنورة+ امير العقيق) بن طاهر بن يحي النسابة بن الحسن بن جعفر بن عبيد الله (الاعرج) بن الحسين (الأصغر) بن علي (زين العابدين) بن الحسين - رضي الله عنه - ابن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب - رضي الله عنه. حيث يتفق جميع المؤرخين الذين تكلموا تاريخيا عن نسب أسرة آل سعدون على كونها ترجع في نسبها للأشراف، سواء كان هؤلاء المؤرخين عثمانيين أو عرب أو أجانب، هذا بالأضافة إلى الشهرة التاريخية للأسرة بهذا النسب بين القبائل في العراق والجزيرة العربية والشام، وأيضا الموروث الشعبي المتفق عليه لدى كافة القبائل والعشائر التي حكموها. ونذكر هنا بعض النصوص التاريخية التي تتحدث عن نسب الأسرة في القرن الثامن عشر والقرن التاسع عشر لمؤرخين مختلفين: في القرن الثامن عشر ذكر المؤرخ العثماني الشيخ عثمان بن سند الوائلي البصري ، نسب حاكم مملكة المنتفق وشيخ مشائخ قبائلها الأمير ثويني بن عبد الله (وهو معاصر لعثمان بن سند)، في كتابه مطالع السعود بطيب أخبار الوالي داود , القسم المقتطع من خزانة التواريخ النجدية ، مختصر الشيخ أمين الحلواني ، ص: 280 (((وثويني هذا هو ابن عبد الله بن محمد بن مانع القرشي الهاشمي العلوي الشبيبي تولى مشيخة المنتفق كما تولاها أبوه وجده أجواد العرب وشجعانها))). حيث عرف تسلسل نسبه بــ القرشي (نسبة لقبيلة قريش) والهاشمي (نسبه لبني هاشم) والعلوي (نسبه لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه والذي يعرف نسله بالأشراف) والشبيبي (نسبه إلى آل شبيب الأسرة الحاكمه في نصف العراق الأسفل - مملكة المنتفق والتي كانت تضم معظم مناطق جنوب ووسط العراق)، والأمير ثويني بن عبد الله المذكور هو ابن أخ الأمير سعدون بن محمد الذي عرفت باسمه لاحقا الأسرة الحاكمه في مملكة المنتفق. وأيضا في نهاية القرن الثامن عشر يذكر نسب الأسرة عالم الأحساء الشهير الشيخ محمد بن فيروز التميمي المتوفى سنة 1216هـ (1801م) وذلك في قصيدته التي قالها في رثاء حاكم مملكة المنتفق وشيخ مشائخ قبائلها الأمير ثويني بن عبد الله وذلك بعد اغتيال الأمير ثويني عام 1797م.. ونذكر الأبيات من قصيدته : وآل شبيب ذو المفاخر والعلا ليوث الشرى أرجو بهم يدرك الثأر ستبكيك منهم عصبة هاشمية بسمر القنا والبيض أدمعها حمر ومن مؤرخين القرن التاسع عشر العالم والمؤرخ والنسابة النجدي إبراهيم بن صالح بن عيسى، ولد عام 1854م وتوفي عام 1925م، وهو أحد أبرز مؤرخين نجد والجزيرة العربية وذكر أحداث تتعلق بحكام مملكة المنتفق من أسرة السعدون الأشراف (آل شبيب سابقا) وأشار فيها إلى نسبهم، كتاب تاريخ ابن عيسى ، المقتطع من خزانة التواريخ النجدية ، حوادث سنة 1147هـ، ص: 69 (((وفيها قتل الروم محمد المانع بن شبيب القرشي الهاشمي العلوي رئيس بوادي المنتفق))). ذكر النص حاكم مملكة المنتفق وشيخ مشائخ قبائلها الأمير محمد بن مانع آل شبيب، وهو والد الأمير سعدون بن محمد الذي عرفت باسمه الأسرة لاحقا، وقد عرف المؤرخ تسلسل نسبه بــ القرشي (نسبة لقبيلة قريش) والهاشمي (نسبه لبني هاشم) والعلوي (نسبه لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه والذي يعرف نسله بالأشراف). وقد ذكر ابن عيسى الكثير من الأحداث التي تتعلق بحكام مملكة المنتفق في القرن التاسع عشر من آل سعدون ووصل انسابهم إلى الأمير محمد بن مانع آل شبيب المذكور بالنص أعلاه أو وصلها إلى ابنه الأمير سعدون بن محمد آل شبيب ونذكر أحد هذه النصوص على سبيل المثال وهو نص يتكلم عن معركة داخلية بين أبناء أسرة السعدون على الحكم في القرن التاسع عشر، كتاب تاريخ ابن عيسى ، المقتطع من خزانة التواريخ النجدية ، حوادث سنة 1268هـ، ص: 131 (((وفيها حصل وقعة شديدة بين عيال راشد بن ثامر السعدون ومن تبعهم من المنتفق وبين عيال عبد الله العقيل بن محمد بن ثامر السعدون ومن تبعه من المنتفق فقتل عبد الله آل عقيل بالمعركه، وانهزم اصحابه - ابن سعدون بن محمد بن مانع بن شبيب، وصارت الرياسة لعيال راشد على المنتفق وصار لهم الملك والرئاسة))). في هذا النص يصل المؤرخ نسب الأمير عقيل بن محمد بجده الثالث الأمير محمد بن مانع (المذكور بالنص الأول، ص: 69)، ويكون التسلسل: عقيل بن محمد بن ثامر بن سعدون بن محمد بن مانع بن شبيب. والنخوة الخاصة لأسرة آل سعدون هي أخوان نورة بينما النخوة العامة هي (منشا) وهي النخوة العامة لكل عشائر وقبائل اتحاد المنتفق ، وقد كانت أسرة السعدون تلقب بـ (مغذية اليتامى) ويقال اللقب أيضاً بصيغة (معيشين اليتامى) و(مربين اليتامى) ، والتصق هذا اللقب بآل سعدون منذ زمن بعيد عندما وحدوا معظم قبائل وعشائر نصف العراق الأسفل في اتحاد واحد وهو اتحاد قبائل المنتفق، ويعود سبب هذا اللقب لأنهم كانوا يربون في بيوتهم الخاصة الكثير من الأيتام وقل أن تجد بيتاً من بيوت آل سعدون (آل شبيب سابقا) في ذلك الزمن لا يحوي عدداً من الأيتام يعيشون في كنفه، وتوارثوا هذه العادة تاريخيا وبعضهم استمر عليها لاحقا بعد سقوط مملكة المنتفق في الحرب العالمية الأولى ، يذكر أحمد بن محارب الظفيري ، في مقاله النار في حياة العرب... رفيقة أفراحهم وملح أهازيجهم ، جريدة السياسة ، سنة 2010 (((وعرفت اسرة السعدون الكريمة عند عربان البوادي بلقب مغذية اليتامى))). ومن الناحية الأقتصادية ، فقد كانت أسرة السعدون تسيطر على الحركة الملاحية التجارية في أنهار دجلة والفرات في مناطق حكمهم في جنوب ووسط العراق (مملكة المنتفق)، يتحدث المؤرخ والمستشرق الألماني البارون ماكس فرايهير فون أوبنهايم ، في كتابه البدو ، عن اقتصاد مملكة المنتفق , ج3, ص: 624 (((يضاف إلى ذلك عائدات ضخمة من الجمارك. كان يوجد على الفرات في القرن الثامن عشر نقطة جمركية مقابل نهر عنتر وأخرى في عرجة. وكانت هذه تابعة لفرع الصالح من عائلة الشيوخ. وفي القرن التاسع عشر أصبحت جمارك الفرات تجبى في سوق الشيوخ، وكانت تؤجر إلى جانب ضرائب أخرى في الناحية بمبلغ 50000 شامي. وكان جمرك دجلة، الذي كان مركزه موجودا في زكية فوق القرنة، يؤجر بمبلغ 12000 شامي، وكانت الضريبة العقارية في ناحية زكية تجلب مبلغا مماثلا))). وأسست أسرة السعدون تاريخيا عدة مدن تجارية وكانت تتحكم بها في أقتصاد القبائل والحواضر في المنطقة. وكانت أول مدينة أسست لهدف تجاري في المنطقة في القرون المتأخرة هي مدينة سوق الشيوخ التي أسسها حاكم مملكة المنتفق الأمير الشريف ثويني بن عبدالله ، وهي توضح التطور في الفكر الأقتصادي والسياسي الذي وصل له حكام مملكة المنتفق في تلك الفترة ، بالأضافة الى توضيح امتلاكهم للقدرة السياسية والاقتصادية لانجاح مثل تلك المدينة (تم تخصيص قسم خاص لها في هذا البحث) ، ثم استمرت أسرة السعدون الأشراف بتأسيس مثل هذه المدن في القرن التاسع عشر ، ومنها : مدينة الناصرية التي أسسها حاكم مملكة المنتفق وشيخ مشائخ قبائلها الأمير ناصر السعدون، يذكر الكسندر أداموف القنصل الروسي في البصرة في نهاية القرن التاسع عشر، في كتابة ولاية البصرة في ماضيها وحاضرها، ص: 54 (((لقد تزامن ازدهار الناصرية مع تضاؤل المركز التجاري السابق سوق الشيوخ التي التي ظل البدو حتى ذلك الوقت يتقاطرون عليها لا من مناطق العراق العربي المجاورة فحسب وانما من البلدان البعيدة أيضا كالكويت ونجد وصحراء شمال شبه جزيرة العرب))) ، وهي رابع أكبر مدينة في العراق حالياً، وأسسها الأمير ناصر السعدون عام 1869م ، وبالإضافة إلى كون مؤسسها الأمير ناصر السعدون حاكم لمملكة المنتفق فقد كان والي من قبل الدولة العثمانية على البصرة والأحساء ما بين 1874م - 1876م ، وقد بنيت على طراز حديث لم تعهده مدن العراق في ذلك الوقت خططه المهندس البلجيكي جولس تيلي. وهي من مفاخر آل سعدون التاريخية، يتحدث عن تأسيسها الكسندر أداموف القنصل الروسي في البصرة في نهاية القرن التاسع عشر، في كتابة ولاية البصرة في ماضيها وحاضرها، ص: 54 (((وبعد أن بنى ناصر باشا في المكان الذي أختاره قلعة واسعة وحصينة وألحق بها ثكنات بدأ بتشييد مدينة جديدة حولها سميت (الناصرية) نسبة لمؤسسها. ان تخطيط المدينة بل وحتى بناء الكثير من عمارتها كما تشير الشائعات، هو من عمل مهندس بلجيكي وذلك ماجعل الناصرية بسوقها الواسع وبيوتها وشوارعها العريضة أحسن من أي مدينة أخرى على الفرات فهي تعطي للأوروبي أجود انطباع))). وأيضا مدينة الخميسية التي أسسها عبد الله بن خميس التميمي بايعاز وحماية من الأمير فالح السعدون وذلك لتكون بديلا لسوق الشيوخ بعد غرقها عندما فاضت مياه نهر الفرات وأحاطت بمدينة سوق الشيوخ وعطلت تجارتها. يذكر حمد بن عبد الله بن حمد آل خميس أن حاكم مملكة المنتفق وشيخ مشائخ قبائلها الأمير ناصر السعدون (والد الأمير فالح) هو الذي استدعى عبد الله بن خميس للعراق واعطاه الحق باستلام روبية واحدة على كل من يبيع ويشتري في منطقة أم البطوش وذلك قبل تأسيس الخميسية ، وذلك في كتابه امارة في بلاد الرافدين – الخميسية، ص: 109 (((حتى يقال أن ناصر باشا السعدون" ناصر الأشقر" هو الذي استدعى عبد الله بن خميس من نجد واستقبله عند أول قدومه وأسكنه في منطقة "أم البطوش" جنوب العراق وأعطاه الحق باستلام روبية واحدة عن كل من يبيع أو يشتري قبل تأسيس الخميسية))). يذكر عبد الكريم محمد علي ، في كتابه تاريخ مدينة سوق الشيوخ، ص: 64 (((وقد كانت منازل آل شبيب، ومن بعدهم آل سعدون، موزعة في مناطق نفوذهم، من الغراف وحتى البصرة، ولكن المركز الرئيس لهم هو الحافة النجدية من حدود العراق، والممتدة على الضفة الغربية لنهر الفرات، قرب مدينتهم سوق الشيوخ التي هي عاصمتهم وسوقهم التي اخذت اسمها عنهم، وقربها مساكنهم في قرية السعدونية، وفي مركزهم الحربي في قرية الخميسية – التي بناها لهم مأمورهم الأمين بن خميس -))). ويضاف للحديث عن الناحية الإقتصادية الحديث عن الضرائب المفروضة على المنتجات الزراعية والحيوانية والتي يطول ذكرها. إن اتحاد قبائل المنتفق هو أكبر اتحاد للقبائل والعشائر مختلفة الأصول شهده العراق تاريخيا وتحت مشيخة شيخ مشايخ فعلي ، وقد كان يسمى في بداياته بالمتفق نسبة الى اتفاق عشائره وقبائله على الوحدة ثم عرف لاحقا بالمنتفق (وأختلف المؤرخون على سبب هذا التغير) ويكتب اسمه في المصادر التاريخية أيضا "المنتفك"، ومن الأخطاء الشائعة هي خلط البعض مابين اتحاد قبائل المنتفق ومابين قبيلة المنتفق القديمة والمنتسبه للجد عامر بن صعصه ، والتي تشتت بشكل كامل عام 1546م بحملة أياس باشا على مدينة البصرة ولم يبقى منها سوى فرع عرف بقبيلة بني سعيد والتي انضمت لاتحاد قبائل المنتفق كثالث قبيلة في الاتحاد وأصبحت أحد قبائله الرئيسية ، وهي القبيلة التي سمي عليها ثلث بني سعيد والذي يضم بالاضافة لها مجموعة من القبائل والعشائر مختلفة الأصول ، وهذا الخطأ في عدم التفريق بين قبيلة المنتفق واتحاد قبائل المنتفق يقودنا الى نسبة تاريخ عشرات القبائل والعشائر في العراق والذين كانوا يشكلون اتحاد قبائل المنتفق الى قبيلة المنتفق التي ليس لها وجود فعلي منذ العام 1530م. وتأسيس اتحاد قبائل المنتفق يعود الى بداية القرن السادس عشر ، حيث كان الشريف حسن بن مانع آل مهنا (من سلالة أمراء المدينة المنورة لأكثر من خمس قرون – عرفت ذريته بـ آل شبيب نسبة لابنه الأمير شبيب الأول ثم لاحقا عرفت بـ آل سعدون نسبه لحفيده الأمير الشريف سعدون بن محمد بن مانع آل شبيب ) ، قد حل مجاورا وضيفا هو وبعض أتباعه (عام 1500م) على الشيخ شيحان آل خصيفة شيخ قبيلة بني مالك العقيلية والممتدة مساكنهم من وادي الباطن وحتى الصحراء المحاذية للفرات ، وبعد وفاة الشيخ شيحان آل خصيفة تلاه في المشيخة الشيخ عبدالله آل خالد آل خصيفة و تزوج الشريف حسن من بنته (طليعة بنت عبد الله آل خالد آل خصيفة) عام 1505م وانجب منها عدة أبناء (محمد الوسيط، عبد الله، شبيب الأول) ، وفي الفترة التالية اندلعت معارك عديدة بين قبيلة بني مالك وقبيلة الأجود واستمرت سنوات طويلة شكل الثأر وقودا لها ، وفي عام 1530م فقد الشريف حسن بن مانع أبنه عبدالله في أحد المعارك ، وقد كان وقع ذلك على قبيلة بني مالك شديدا لكون الشريف حسن بن مانع ضيف عندهم ، لذلك قام بني مالك بطلب ثأر ضيفهم وسلموه قيادتهم في معركتهم القادمة مع الأجود ، والتي انتهت بانتصار كبير لبني مالك ، تلاها طلب من الشريف حسن بن مانع أن يتم الصلح بين القبيلتين وأن تكون تلك هي أخر معركة ، وقد استجاب الطرفين لطلبه وتم الصلح على شرط من بني مالك بتعويض ضيفهم عن خسارته لابنه ، وقد رفض الشريف حسن قبول الدية عن ابنه واشترط عدة شروط أوصلته الى ضم القبيلتين في اتحاد واحد والوصول الى زعامة هذا الاتحاد (قيل انه فرض على القبيلتين شروط منها أن لايقف للقادم منهم في المجلس ، تقدم له شاتين من كل بيت من القبيلتين سنويا واحدة تسمى الذبيحة والأخرى تسمى المنيحة .. وغيرها من الشروط) ، استطاع الشريف حسن بن مانع بعد ذلك أن يصبح زعيما على القبيلتين والتي اشترطتا أن لايكون زعيما على الاتحاد بينهما أحد من القبيلتين ، وقد جلب الاتحاد في بدايته حليف ثالث وهي قبيلة بني سعيد ، يذكر مؤرخ العراق الكبير عباس العزاوي ، قصة تأسيس امارة المنتفق ، في كتابه عشائر العراق، ج:4 ، ص:20 ((((ان سبب تولي الرئاسة على المنتفق ان أحد الشبيبيين قتله الاجود وكانوا نازلين على بني مالك وبجوارهم فثاروا لقتالهم وكان رئيس بني مالك ابن خصيفة ورئيس الاجود "وثال". وفى حروب وقعت بين الطرفين نزح "آل وثال". رؤساء الاجود الى "النجف". وصار منهم علماء. وكان من آخرهم صديقنا الشيخ محمد حسن حيدر..... ومن ذلك الحين لم يعد لآل وثال ذكر في رئاسة العشائر. وأما الاجود فانهم انقادوا لآل شبيب. وهكذا قوي أمر هؤلاء حتى تم على جميع عشائر المنتفق وبينهم بنو مالك والاجود ولا شك ان المواهب ظهرت مقرونة بالوقائع. وتولى آل شبيب الرئاسة)))). عرف هذا الاتحاد في بداية تأسيسه بالمتفق لاتفاق أول ثلاث قبائل فيه على الوحدة تحت زعامة آل شبيب الأشراف (الاسم القديم لآل سعدون) ، يذكر الكسندر أداموف ، القنصل الروسي في البصرة في نهاية القرن التاسع عشر, في كتابه (ولاية البصرة في ماضيها وحاضرها) وذلك نقلا عن خورشيد أفندي ، ص: 178(((واسم المنتفقيون نفسه جاء كما يذكر خورشيد أفندي الذي اشترك في لجنة الحدود العثمانية - الفارسية في عام 1849م في كتابه، من الكلمة العربية (متفق) التي تعني (متحد) ذلك أن هذا الأتحاد تكون من اتحاد ثلاث قبائل رئيسية هي بنو مالك والأجود وبنو سعيد حيث توصلت هذه القبائل الثلاث بعد منازعات وخلافات طويلة إلى الأتفاق على انتخاب شيخ مشترك واحد. وقد وقع اختيارها على عائلة الشبيب التي كان جدها قد نزح من الحجاز قبل مايقرب من مائتي سنة واستقر مع أسرته بين القبائل المذكورة. ومنذ ذلك الوقت أصبح شيوخ المنتفقيون ينتخبون من هذه الأسرة فقط))). بعد تأسيس اتحاد قبائل المنتفق جذب هذا الاتحاد الكثير من قبائل وعشائر العراق والجزيرة العربية فأنضم اليه الكثير من القبائل والعشائر مختلفة الأصول حتى شكل اتحادا ضخما وتأسست منه دولة حملت اسمه وهي مملكة المنتفق (المشهوره لدى المؤرخين المتأخرين بامارة المنتفق) والتي ضمت بالاضافة الى قبائل اتحاد المنتفق .. الكثير من القبائل والعشائر والحواضر الأخرى وضمت المسيحيين واليهود والصابئة في مملكة المنتفق ، وقد كانت معظم القبائل والعشائر التي تنضم الى اتحاد المنتفق تخير بين التحالف مع أحد القبائل الرئيسية ، وهذا ما أدى الى تشكل أثلاث المنتفق وهي ثلاث تجمعات ضخمة للقبائل والعشائر مختلفة الأصول ، وكل ثلث يسمى على اسم القبيلة الرئيسية فيه ، وهذه الثلاث أثلاث هي: 1-ثلث بني مالك. 2-ثلث الأجود. 3-ثلث بني سعيد. يذكر اثلاث اتحاد قبائل المنتفق مؤرخ العراق الكبير عباس العزاوي، في كتابه عشائر العراق، ج4، قسم امارة المنتفق، بعد تعداده لقبائل الأثلاث في قسم الخلاصة، ص:105 (((ان عشائر المنتفق مجموعات كبيرة. ولم تكن جميعها متألفة من بني المنتفق. وانما نرى بينها العدنانية والقحطانية جمعتها الحروب المتوالية والمنافع المشتركة وأثلاث امارة السعدون))). يذكر اتحاد قبائل المنتفق المؤرخ والشاعر السعودي خالد الفرج ، المولود في الكويت عام 1898م والمتوفى عام 1954م، في كتابه الخبر العيان في تاريخ نجد ، وذلك عند حديثه عن حاكم مملكة المنتفق وشيخ مشائخ قبائلها الأمير ثويني بن عبدالله ، ص: 203 (((وهو هاشمي النسب، ورئاسة قبائل المنتفق ترجع إلى بيتهم من قديم، لأن المنتفق خليط من قبائل شتى تجمعهم رابط التحالف والمجاورة والمصاهرات، إلى أن كونوا قبيلة كبيرة تحكمت في نواحي العراق، وكادت تستقل بحكمه))). يذكر مؤرخ العراق الكبير عباس العزاوي، في كتابه عشائر العراق، ج4، قسم امارة المنتفق، عند حديثه عن امارة المنتفق وقبائلها وعن أسرة السعدون، ص:14(((ان تاريخ تكون الامارة قديم. وذلك أن عشائر المنتفق كبيرة وكثيرة، وليس من المستطاع أن تذعن لبيت. وانما القدرة في هذا البيت جعلتها تذعن وبالتعبير الاصح ان الحوادث وتواليها جمعتها في الرئاسة ذات المواهب... ولم يخل بها أو يضعضع أمرها ما قامت به الدولة العثمانية من حركات عسكرية للقضاء عليها بل مكنتها، فاثبتت الكفاءة بإدارة عشائرها والجدارة بحزم في التفاهم معها))). يذكر المؤرخ النجدي عبدالله بن محمد البسام التميمي (المولود عام 1858م والمتوفى بعنيزة عام 1927م ) ، عند حديثه عن قبائل المنتفق في البصرة ، وعند حديثه عن المنطقة الواقعه في وسط مملكة المنتفق (مابين البصرة وسوق الشيوخ) ، كما يذكر الأسرة الحاكمة في مملكة المنتفق ( آل سعدون الأشراف) ، في كتابه تحفة المشتاق في أخبار نجد والحجاز والعراق , ص: 338(((وصار كل قبيلة منهم لهم نخيل معروفة وقرى معلومة من البصرة وأيديهم عليها . واستمرت بعدهم في أيدي أولادهم ثم أولاد أولادهم , وجعلوها ملكا لهم وعجز عنهم صاحب بغداد , وكانت الرئاسة على المنتفق لآل سعدون من آل شبيب وصاروا ملوكا وملكوا البصرة وسوق الشيوخ ومابينهما من باد وحاضر فهو تحت ايديهم))). يذكر خورشيد باشا (الذي اشترك بلجنة الحدود العثمانية الفارسية ما بين 1848م - 1852م وأصبح واليا لأنقرة لاحقا ) في تقريره الذي أعده للدولة العثمانية ، وذلك عند حديثه عن عادات وتقاليد شيخ مشايخ المنتفق من أسرة آل سعدون الأشراف ، كتاب ولاية البصرة - من كتاب (سياحة نامة حدود) جولة بالمناطق الحدودية بين الامبراطورية العثمانية وفارس- ص: 59 ((( هناك عدد كبير من الشيوخ الثانويين تحت سيادة شيخ مشايخ المنتفق ، كل هذا العدد من الشيوخ تحت أمرة شيخ المنتفق ، وعن طريق كل منهم تصل تعليمات الشيخ الرئيسي الى افراد قبائلهم وعليهم ان ينفذوا هذه الاوامر طوعا لا اكراها ... وخلاصة القول يملك شيخ مشايخ المنتفق السلطة المطلقة على كل القبائل والعشائر التابعه له))). يذكر النسابة الأستاذ حليم حسن الأعرجي ، في كتابه (آل الأعرجي - أحفاد عبيدالله الأعرج) , ص: 289 - 290 ((( لقد أستطاع الشريف حسن , ومن بعده أبنائه واحفاده , من انشاء أتحاد عشائري ضخم سمي " المنتفق " أو " المنتفج " تحت رئاسة وقيادة آل سعدون , أستمر حتى أيام مدحت باشا سنة 1871 مستقلا يتمتع بنفوذ ذاتي لا علاقة له تقريبا بالحكم العثماني . أن النزعة الأستقلالية لعموم العراق لم تكن خافية على أحد , ولم يكن آل سعدون يترددون من الأعلان عن عزمهم على تحقيق استقلال العراق . رغم أن الظروف والضرورة ألجأت بعض القادة من آل سعدون الى التعامل مع السلطات العثمانية في اطار من التعاون والتحالف للقيام ببعض المهمات العسكرية المشتركة))). وتتنوع أصول قبائل المنتفق بشكل يثير الدهشة بحيث أنه يوجد في هذا الاتحاد قبائل وعشائر من معظم الأصول العربية ، ويرجع السبب في ذلك الى تشجيع الأسرة الحاكمة في مملكة المنتفق ( آل سعدون الأشراف والتي كانت تعرف بـ آل شبيب ) لسياسة الهجرة للقبائل والعشائر العربية الى دولتهم ، يصف مؤرخ العراق الكبير عباس العزاوي ، كثرة الأصول التي ترجع لها قبائل وعشائر المنتفق وكأنه جزيرة العرب مالت الى العراق بكل تنوع أصول قبائلها ، في كتابه عشائر العراق ، ج4 ، قسم امارة المنتفق ، ص:28 (((وعشائر المنتفق من حيث العموم (عدنانية). سكنت العراق من القديم توالي ورودها، وتكاملت وكأن جزيرة العرب مالت الى أنحاء العراق، وجدتها مفتحة الأبواب. ويتخلل هذه عشائر قحطانية من زبيدية وحميرية عاشت معها، واكتسبت أوضاعها الا أن الاكثرية الساحقة عدنانية. ويطلق عليها "عشائر المنتفق"))). وهذه بعض أبرز الأصول التي ترجع لها قبائل وعشائر اتحاد المنتفق: 1- قبائل ترجع في أصلها للجد عامر بن صعصعه ( مثل قبيلة خفاجة ، وقبيلة عبادة ، وقبيلة بني سعيد وهم القسم المتبقي من قبيلة المنتفق القديمة ، وقبيلة بني مالك وهم أبناء عمومه لقبيلة المنتفق القديمة ... وغيرهم من العشائر والقبائل). 2- قبائل وعشائر طائية ( عشائر من طيء ومن بني لام ومن شمر وغيرهم ). 3- بني تميم العراق ، وبعضهم هاجر لولاية بغداد أو للحويزة لاحقا. 4- عشائر تنتمي لعنزه ( أشهرهم قبيلة البدور وعشيرة الزياد). 5- قبائل وعشائر تنتمي لربيعه ( وهم كثير في اتحاد المنتفق وأبرزهم قبيلة عبودة الملقبة "حبال الصيوان" لاعتماد آل سعدون عليهم). 6- عشائر تنتمي لبني خالد (بعد سقوط دولة بني خالد دخلت عشائر منهم في اتحاد المنتفق). 7- قبائل وعشائر حميرية ( منهم قبيلة بنو خيقان). 8- عشائر زبيدية. وقد ضم اتحاد المنتفق قبائل كان لها دول وامارات تاريخيا في العراق ، مثل قبيلة خفاجة التي كان لها دولة في العراق في القرن الخامس الهجري وكانت عاصمتها الكوفه، وقبيلة بني أسد والتي كان لها دولة في العراق منذ أواخر القرن الرابع الهجري وعاصمتها الحلة ، يذكر المؤرخ والمستشرق الألماني البارون ماكس فرايهير فون أوبنهايم ، في كتابه البدو , ج3 , ص: 652 , قسم بني أسد , عند حديث المؤلف عنهم من القرن السادس عشر ((( وظلوا , شأنهم شأن بني منصور وبني خيقان خاضعين للمنتفق حتى سقوط السعدون))) ، وقبيلة عبادة التي كان لها امارة في العراق ، وابن قشعم وقبائله والذي كان له دولة في غرب العراق في بداية القرن السابع عشر وكانت مدن دولته الرئيسية هي النجف وكربلاء ، ودخل هو وقبائله ضمن قبائل وعشائر ثلث الأجود أحد أثلاث اتحاد قبائل المنتفق ، يذكر مؤرخ العراق الكبير عباس العزاوي ، في كتابه عشائر العراق ، عند حديثه عن آل قشعم (((والملحوظ ان هذه العشيرة ليست أكثر من أمارة أو رئاسة بدوية على عشائر عديدة فتعتبر ناظمة لها ومشتقة منها. وان امارة المنتفق غطت عليها أو دخلت هي ضمنها بل ضمن أحد أثلاثها ))) ، وضم اتحاد المنتفق أيضا اتحادات قبيلة أو عشائرية مثل اتحاد قبائل بني حكيم والذي فصل عن اتحاد المنتفق عام 1853م عندما تنازل آل سعدون عن لواء السماوة للعثمانيين وبقيت بعض قبائل بني حكيم على علاقة مع قبائل المنتفق ، ومثل تحالف عشائر الجوارين ، وضم أيضا قبائل كريمة ومشهورة جدا تاريخيا مثل بني تميم العراق ( هامة مضر) ، يذكر المؤرخ والمستشرق الألماني البارون ماكس فرايهير فون أوبنهايم ، في كتابه البدو , ج3, ص:542 ((( وكان بنو تميم في القرن الثامن عشر يشكلون جزءا من منتفق البصرة , لكنهم في هذه الأثناء ذابوا في أجزاء أخرى من هذا المجمع))). وان القارىء لكتاب عشائر العراق لمؤرخ العراق الكبير عباس العزاوي لتصيبه الدهشة من كثرة القبائل والعشائر المختلفة الأصول التي أستطاعت أسرة السعدون أن توحدها في اتحاد قبائل المنتفق ، نذكر هنا نص من كتاب عنوان المجد في بيان أحوال بغداد والبصرة ونجد، وهو للمؤرخ إبراهيم فصيح الحيدري وهذا النص كتب فيما بعد منتصف القرن التاسع عشر .. وقد ذكر المؤلف ثلاثه وثلاثين قبيلة من قبائل اتحاد المنتفق (وهي أيضا من قبائل مملكة المنتفق كون اتحاد المنتفق جزء من مملكة المنتفق) وذكر المؤلف أيضا انه اقتصر على ذكر بعض قبائل المنتفق علما بأن مملكة المنتفق في عصره لم تكن في أقصى اتساع تاريخي لها حيث تم التنازل للدولة العثمانية من قبل أسرة السعدون عن مناطق كبيرة والعديد من العشائر والقبائل فيما كان يعرف تاريخيا بمرحلة الإفراز والتي بدأت عام 1853 م بالتنازل عن السماوة ، يقول المؤرخ إبراهيم الحيدري (((فمن أجل عشائرها عشيرة المنتفك – وهي ذات كثرة وتفرع إلى عدة قبائل، فمن قبائلها : بنو مالك، والأجود، وبنوسعيد, وبنو ركاب، والخفاجة ,والطوينات، والشويلات، والطوكبة، والبدور، والشريفات، والجمعيات، والماجد وآل صالح، والزهيرية، وشمر الزوابع، وشمر العبيدات وبنو سكين، وبنو تميم، والسليمات، والعيايشة، والبراجقة، والغزيوي، والعوينات، والفضيلة، وبنو نهد، وعبوده، والمجاوعة، وخرسان، وأمارة وربيعة، وكويش، وسراج، وآل دراج. وغير ذلك من القبيلة الكثيرة التي يطول بيانها. وكذا في جهة الغراف قبائل كثيرة للمنتفك يطول بيانها. وأنما اقتصرنا على بعضها ليعرف عظم عشائر المنتفك وأكابرهم آل شبيب وأكابر آل شبيب آل سعدون، وهم شيوخ المنتفك في عصرنا))). تصف المس بيل (التي كانت في العراق بعد الحرب العالمية الأولى) ، قبائل لواء المنتفق (والذي يمثل أقل اتساع تاريخي لمملكة المنتفق بعد مرحلة الافراز وسقوط مملكة المنتفق الأول عام 1881م) ، في كتابها فصول من تاريخ العراق القريب، ص: 69 (((فان المنطقة الممتدة من القرنة الى الناصرية , ومافيها من مستنقعات وأهوار الشلب وبساتين النخيل والبادية , تسكنها الآن حوالي خمسين قبيلة ذات أصل مختلف كانت كل منها تؤلف في وقت من الأوقات جزءا من مجموعة قبائل المنتفك في ظل الأسرة الحجازية الجبارة, أسرة السعدون))). وتنقسم القبائل والعشائر في اتحاد قبائل المنتفق الى أربعة أصناف رئيسية ، ولكل صنف خصائصه ومناطقه الخاصة ، وكل صنف يشمل الكثير من القبائل والعشائر مختلفة الأصول ، وبعض القبائل تتوزع على أكثر من صنف ، ويعود سبب تنوع أصناف قبائل المنتفق الى انتشارها الواسع في أراضي مملكة المنتفق التي تتنوع طبيعتها مابين الصحراء والأراضي الزراعية على ضفاف الأنهار ( نهر دجلة ونهر الفرات ونهر الغراف وشط العرب) و الأهوار ، وعلى مدى قرون تحولت بعض القبائل من صنف الى أخر ، وهذه الأصناف هي: القبائل البدوية ، القبائل الشاوية ، القبائل الزراعية (الفلاحون) ، قبائل الأهوار (المعدان). يذكر خورشيد باشا (الذي اشترك بلجنة الحدود العثمانية الفارسية ما بين 1848م - 1852م وأصبح واليا لأنقرة لاحقا ) في تقريره الذي أعده للدولة العثمانية ، وذلك عند حديثه عن أصناف قبائل المنتفق ومميزاتها ، كتاب ولاية البصرة - من كتاب (سياحة نامة حدود) جولة بالمناطق الحدودية بين الامبراطورية العثمانية وفارس- ص: 54 ((( تقسم قبائل المنتفق الى اربعة اصناف : البدو ، الشاوي ، المعدان والفلاحين))). 1.القبائل البدوية: يذكر خورشيد باشا ، نفس المصدر السابق ، وذلك عند حديثه عن هذا الصنف من قبائل المنتفق ، ص: 54 ((( يعتمدون على الجمال والخيول ويعتبرونها هي الاساس ، بالنسبة لحياتهم يعيشون في الصحراء منذ الفطرة ... يملك بعض بدو المنتفق بساتين النخيل والاراضي في اماكن مختلفة ولكنهم لايزرعونها بأنفسهم بل يعطونها للفلاحين كما يجمعون لهم التمور لقاء أجور معينة))). وتحسب الأسرة الحاكمة في مملكة المنتفق وأسرة المشيخة لاتحاد قبائل المنتفق – أسرة آل سعدون الأشراف (التي كانت تعرف سابقا بـ آل شبيب) – على هذا الصنف من القبائل ، حيث يقيم حاكم مملكة المنتفق في ضواحي مدينة سوق الشيوخ (عاصمة مملكة المنتفق) ويحيط بمكان أقامته الكثير من قبائله البدوية التي تشكل المعسكر الحربي الرئيسي له ويبقى لمدة 9 أشهر من السنة في نفس المكان وفي فصل الربيع يبدا حاكم مملكة المنتفق وشيخ مشايخ قبائلها بالتنقل مع قبائله البدوية طوال فصل الربيع ولمدة 3 أشهر ، حيث يتنعم بالهواء الطلق ويمارس الصيد ، يذكر المؤرخ والمستشرق الألماني البارون ماكس فرايهير فون أوبنهايم ، في كتابه البدو ، عند حديثه عن الأسرة الحاكمة في مملكة المنتفق وعلاقتهم بقبائلهم البدوية ، قسم المنتفق ، ج:3 ، ص: 625 ((( على الرغم من هذا الارتباط الوثيق بالأرض كان شيوخ الشبيب – سعدون يشعرون بأنهم أمراء بدو. فكان شيخ المشايخ يتجول في مارس/ آذار أو قبل ذلك مع البدو لمدة ثلاثة أشهر في الصحراء ))). يذكر خورشيد باشا ، نفس المصدر السابق ، وذلك عند حديثه عن عادات وتقاليد شيخ مشايخ المنتفق من أسرة آل سعدون الأشراف وعن قبائل المنتفق البدوية ، كتاب ولاية البصرة - من كتاب (سياحة نامة حدود) جولة بالمناطق الحدودية بين الامبراطورية العثمانية وفارس- ص: 60 ((( يتوجه شيخ مشايخ المنتفق عند حلول فصل الربيع الى الشامية (البادية) ويبقى هناك لمدة ثلاثة أشهر حتى حلول فصل الصيف ، ويتجول الشيخ في مناطق البراري والاماكن التي توجد فيها الاعشاب والمياه ، يصطاد انواع الطيور والحيوانات البريه وحتى صيد السمك ، ويتنعم بالحياة كلية بالهواء الطلق ، كبقية أبناء عشائر المنتفق الاصلية الذين يعيشون حياة بدوية في اماكنهم. ففي بداية فصل الربيع يحملون معهم خيامهم واطفالهم وزوجاتهم ومواشيهم ويتجهون الى الشامية ويتجولون مع شيخ مشايخ المنتفق طيلة فصل الربيع بدون تمييز))). يذكر هارولد ديكسون ، الوكيل السياسي البريطاني والذي عمل كسياسي بالعراق بعد الحرب العالمية الأولى ، في كتابه عرب الصحراء ، وذلك عند حديثه عن الأسرة الحاكمة في مملكة المنتفق وأسرة المشيخة في اتحاد قبائل المنتفق – أسرة السعدون الأشراف وعند حديثه عن قبائل اتحاد المنتفق وعن شهرة اسم المنتفق في المجتمع العربي وعن بادية العراق (((وتاريخ تحالف المنتفق يرتبط ارتباطاً لا ينفصم بالسعدون ، واسم المنتفق ذاته كما يستخدم في العراق يشير فقط إلى العائلة الحاكمة وإلى عبيدها وأتباعها والذين يعتبرون جزءاً لا يتجزأ منها. ولا يوجد أحد من رجال القبائل في العراق يدعو نفسه منتفقي مع أنه قد يستخدم الكلمة عندما يكون في مكة أو دمشق حيث لا تعرف قبيلته الصغيرة في حين أن شهرة المنتفق على كل لسان في المجتمع العربي. ومكانة السعدون والتي تتمتع بأهمية سياسية كبرى في جنوب ما بين النهرين تعتمد بشكل رئيسي على أصولهم وبشكل جزئي على الجهل التركي الرسمي أو تجاهلهم بعلاقتهم بالقبائل. كما لا يجب أن يغرب عن البال أن السعدون يرتبطون بالنظام الاجتماعي للصحراء ولم يخضعوا لتأثيرات المحلية التي خضعت لها قبائل العراق والتي كانت مثلهم من المهاجرين من الجزيرة العربية والذين سبقوهم بالهجرة وهم لذلك أكثر اتصالاً بتقاليد وعادات ما بين النهرين. وقد حافظ آل السعدون على السمات التي تميز بدو الجزيرة العربية ، فهم من السنة ومن أهل البعير أي الإبل وديرتهم هي منطقة الحماد غربي الحي أو جنوب الفرات حيث حفروا أو أعادوا حفر الآبار في منازلهم القبلية المعتادة وإليها يعودون بعد هطول المطر المبكر وحيث يتمتعون بسلطتهم كزعماء مستقلين للصحراء))). 2.القبائل الشاوية: يذكر خورشيد باشا ، نفس المصدر السابق ، وذلك عند حديثه عن هذا الصنف من قبائل المنتفق ، ص: 55 ((( تتكون ثروة هذا الصنف من عشائر المنتفق من الاغنام وبعض اعداد الثيران ويزاولون الزراعة على نطاق ضيق ويربي بعضهم الخيول ، يتمتع الشاوي من ناحية الحرية بالدرجة الثانية وينتقلون من مكان الى آخر بسهولة))). 3.القبائل الزراعية – الفلاحون: يذكر خورشيد باشا ، نفس المصدر السابق ، وذلك عند حديثه عن هذا الصنف من قبائل المنتفق ، ص: 55 ((( يزرعون الفسيل والمحاصيل الحقلية المختلفة والرز والحبوب بأنواعها الحنطة والشعير والذرة والدخن في المناطق التي لاتتواجد فيها بساتين النخيل))). 4.قبائل الأهوار – المعدان: يذكر خورشيد باشا ، نفس المصدر السابق ، وذلك عند حديثه عن هذا الصنف من قبائل المنتفق ، ص: 55 ((( يمثلون الطبقة الثالثة وسط قبائل المنتفق ، يعملون في التجارة وتربية الجاموس ويعمل بعضهم في الزراعة. ان وجود الجاموس يجعل انتقالهم صعبا من مكان الى آخر لانهم لايمكنهم ان يكونوا بعيدين عن الماء ، وتتجول هذه المجموعة من العرب في مناطق الفيضان ومصبات الانهار حيث يوجد الكثير من القصب والبردى لان حيواناتهم تحب الماء كثيرا))). وتنتشر قبائل اتحاد المنتفق في مملكة المنتفق في مناطق مختلفة من الناحية البيئية ، فهنالك القبائل التي تقيم على الأنهار (جانبي شط العرب والفرات ودجلة ونهر الغراف) وهنالك القبائل التي تقيم في البادية الممتدة من شمال الأحساء وشمال نجد مرورا بالبادية الجنوبية للعراق ووصولا الى البادية الممتدة شمال السماوة ، وهنالك القبائل التي تقيم في منطقة الجزيرة بين ثلاثة أنهار ( الفرات ودجلة والغراف) أو شمالها ، وهنالك القبائل التي تعيش في منطقة الأهوار (الجزائر) ، وأخيرا هنالك سكان المدن والبلدات والقرى في مملكة المنتفق وأشهرها عاصمة مملكة المنتفق مدينة سوق الشيوخ ، حيث كان يقيم فيها وحولها (عام 1820م)عشرون ألف بيت معظمهم من قبائل اتحاد المنتفق ، يذكر السيد محمد آغا الفارسي ، كتاب رحلة المنشي البغدادي الى العراق ، رحلته عام 1820م ، ص: 146 (((ومن السماوة الى سوق الشيوخ ثمانية عشر فرسخا وفي هذه البلدة عشائر المنتفق، يسكنون السوق وفي أنحائه، وعدتهم عشرون ألف بيت وهم في جانبي الفرات ، ومذهبهم مذهب أحمد بن حنبل ، وبعضهم شيعة ))). يذكر خورشيد باشا (الذي اشترك بلجنة الحدود العثمانية الفارسية ما بين 1848م - 1852م وأصبح واليا لأنقرة لاحقا ) في تقريره الذي أعده للدولة العثمانية ، وذلك عند حديثه عن أماكن سكن قبائل المنتفق واعمالهم وحياتهم ، كتاب ولاية البصرة - من كتاب (سياحة نامة حدود) جولة بالمناطق الحدودية بين الامبراطورية العثمانية وفارس- ص: 56 ((( يسكن القسم الأكبر من عشائر المنتفق في اراضيهم الخاصة بهم والتي يملكونها والتي ذكرناها والواقعة على الضفة اليمنى واليسرى لشط العرب وعلى جزر الانهار. ويملكون بساتين النخيل في الارض الممتدة بين سوق الشيوخ والقرنة وعلى ضفاف الفرات ، كما تملك البساتين في الشامية وفي المدن. كماتزرع بعض قبائل المنتفق الرز في الجزر وفي المناطق العليا من منطقة الجزيرة ، اذ تنتج كميات كبيرة من الرز والحبوب الأخرى. يملك الشاويه والمعدان اعداد كبيرة من الاغنام والثيران والجاموس. وتنمو بساتين النخيل بين سوق الشيوخ والسماوة ، وعلى ضفاف الفرات تكثر اشجار النخيل والنباتات الطبيعية. اما بالنسبة لنهر دجلة فلا يوجد النخيل في حوضه ماعدا منطقة القرنة حيث تكثر بساتين النخيل ، تنمو انواع كثيرة من الحبوب خاصة الشعير بالدرجة الاولى والهرطمان ومزروعات شهر مايو في الجزيرة مابين دجلة والفرات وفي ذلك المكان الذي كتبنا عنه مايسمى بالنهر الكبير – الفرع الكبير. يضاف الى ذلك تحصل قبائل المنتفق على ارباح عالية من تربيتها قطعان الجمال والخيول والماشية ، وتصدر بعض منتجاتها الحيوانية والزراعية حسب الطلب الى بغداد او تباع الى قبائل عنزة. ويصدر القسم الاخر من الانتاج الى البصرة عن طريق دجلة والفرات. اما الخيول الصغيرة – المهر- فأما ان تباع الى تجار الخيول في سوق الشيوخ أو تباع في البصرة ثم يصدرها التجار الى الهند ... وهم يخزنون قسما من انتاجهم من الحبوب والتمور في اواني مصنوعة من الطين وسعف النخيل تسمى – قوصرة – ويخزنون القسم الاكبر من الحبوب في حفر داخل الارض وتغطى بالتراب وتكون لها رائحة مميزة. تستعمل هذه الطريقة للخزن في عربستان وكردستان والاناضول))). في الختام تعتبر قبائل اتحاد المنتفق وقيادتهم ( أسرة السعدون الأشراف – آل شبيب سابقا) أبرز وأكثر من دافع وناضل المحتلين للعراق تاريخيا وخصوصا (العثمانيين والفرس والأنجليز)، يذكر د. طارق نافع الحمداني، في كتابه الخليج والجزيرة العربية بين القرن السادس عشر والقرن العشرين، ص: 176 ((( كان لقبائل المنتفق أهمية كبرى في شؤون العراق خلال العصور الحديثة ، بخاصة في مقارعة قوى الاحتلال والتسلط الأجنبي))). ويذكر نضال قبائل المنتفق أمام العثمانيين ، مؤرخ العراق الكبير عباس العزاوي ، كتاب عشائر العراق ، ج 4، قسم امارة المنتفق، ص: 27 (((وحالة المنتفق المشهودة في مختلف ايام حياتها خير مثال تاريخي يعين الاوضاع والنفسيات في حب الاستقلال والنضال عنه ، والذب عن حريمه. والمهم أن المنتفق ناضلوا نضالا باهرا طوال العهد العثماني. ولو كانوا تسلحوا بالأسلحة الجديدة لحالوا دون آمال الدولة. بل أكسبتها الحوادث المتوالية خبرة ، والظروف القاسية تجربة فكم وال خذل، ورجع بالخيبة ،وكانت تعقد عليه الآمال. وتاريخ المنتفق صفحة كاشفة لسياسة العشائر في العراق، تجلت بأظهر أوضاعها. وفيها دراسة عميقة وافية لنفسيات هذه العشائر. ومابلغته))). ويذكر نضال اتحاد قبائل المنتفق في النصف الأول من القرن الثامن عشر ، المؤرخ العثماني الشيخ الأديب عبد الرحمن السويدي البغدادي (المولود عام 1721م)، في كتابه حديقة الزوراء في سيرة الوزراء (((فإن هؤلاء المنتفق، العرب مضرة، عجزت الولاة عن كسر شوكتهم وذلت الوزراء عن درء أذاهم))). وينقل مؤرخ العراق الكبير عباس العزاوي ، عن المؤرخ العثماني يوسف عزيز المولوي في كتابه قويم الفرج بعد الشدة – في بداية القرن الثامن عشر وذلك عند ذكر المؤرخ العثماني لنضال قبائل المنتفق أمام العثمانيين، كتاب عشائر العراق ، ج 4، قسم امارة المنتفق، ص: 28 (((وكان المؤرخ المولوي قد وصفها بالنظر لاوضاعها في أوائل المائة الثانية للهجرة وماقبل ذلك فقال:" إن عربان المنتفق أصل الفتن والاضطربات في بغداد والبصرة، فهم جمرة الحرب وأشجع العربان، ومنشأ القلاقل ... في رؤوسهم المغافر، وعلى أبدانهم الدروع الذهبية"))). يذكر نضال قبائل المنتفق ضد العثمانيين والفرس ، المؤرخ يعقوب سركيس ، في كتابه مباحث عراقية ، ق 3 (((ليس بخاف على من له اطلاع على تاريخ آل سعدون، ذوي الشرف الباذخ والعز الأثيل أنهم جعلوا من (اتحاد) المنتفق قدوة للعشائر والقبائل، حاربوا به العثمانيين والفرس وأنزلوا بهم الهزائم))). كان هذا عرض موجز ، وسوف يكون هنالك بحث موسع لاحقا باذن الله عن أسرة آل سعدون (الأشراف) ومملكة المنتفق وقبائل وعشائر اتحاد المنتفق ، وسوف يتضمن الحديث عن الكثير من الآثار العمرانية لـ آل سعدون كالمدن الأخرى التي بنوها و المدارس والمساجد الدينية التي أنشأوها والأنهار التي شقوها و الأراضي الزراعية التي استصلحوها وسياسة تشجيع الهجرة الى مملكة المنتفق التي سنوها تاريخيا ، والعلماء والقضاة والولاة وأسر المشيخة المعينين من قبل آل سعدون ، والمسيحيين واليهود والصابئة في مملكة المنتفق ... وغيرها من الأمور التاريخية المنوعة. 4- مملكة المنتفق والعثمانيين من 1668م الى 1775م: قبل الدخول في عهد حاكم مملكة المنتفق وشيخ مشايخ قبائلها الأمير الشريف ثويني بن عبدالله بن محمد بن مانع آل شبيب ينبغي معرفة بعض أبرز الأحداث في القرن السابق للحدث الرئيسي في هذا الموضوع وذلك لإعطاء تصور أفضل لفهم الأحداث السياسية والعسكرية لمملكة المنتفق ولإعطاء نبذه عن نفوذ وثقل مملكة المنتفق وحكامها التاريخي في المنطقة. لذلك سوف نسرد الأحداث بشكل موجز في هذا القسم ، يتضمن هذا القسم الحديث عن خمسة من حكام مملكة المنتفق ، وننقل هنا شجرة الأسرة الحاكمة في مملكة المنتفق والتي تشمل الشخصيات التي يغطيها هذا القسم من البحث والتي يغطيها هذا البحث بشكل عام ، وهذه الشجرة للمؤرخ الإنجليزي ستيفن هيمسلي لونكريك، في كتابه ( أربعة قرون من تاريخ العراق الحديث ) وهو كتاب يتحدث عن تاريخ العراق في الأربع قرون التي سبقت الحرب العالمية الأولى، وقد عمل مؤلف الكتاب كمفتشا إداريا بالعراق من قبل بريطانيا العظمى في الفترة التالية للحرب العالمية الأولى. وضع المؤلف شجرة لأسرة السعدون في الملحق الثاني في صفحة 420، وقد ذكر المؤرخ في كتابه أربع مشجرات لأربع أسر سوف يرد ذكر ثلاث منهم في هذا البحث ، وهذه الأسر هي : أسرة حسن باشا (أسرة المماليك ولاة بغداد والممثلين للدولة العثمانية) وأسرة الجليليين (ولاة مدينة الموصل) وأسرة البابانيين (ولاة امارة بابان في كردستان) وأسرة آل شبيب - آل سعدون (حكام مملكة المنتفق التي تشمل معظم مناطق وقبائل وعشائر جنوب ووسط العراق).وقد وردت الأسر بالكتاب بالنص التالي: 1. أسرة حسن باشا. 2. أسرة الجليليين. 3. أسرة البابانيين. 4. أسرة آل شبيب (السعدونيون). أولا- مانع بن شبيب: كان وصول الأمير الشريف مانع بن شبيب آل شبيب (الجد الثاني للأمير ثويني بن عبدالله – جد والده) للحكم تأثير واضح على الأحداث في العراق وخصوصا فيما يتعلق بالدولة العثمانية ونفوذها ، يذكر المؤرخ الإنجليزي ستيفن لونكريك في كتابه (أربعة قرون من تاريخ العراق الحديث) اتساع مملكة المنتفق وحدودها (الشمالية والشرقية والغربية) وذلك عن حديثه عن حاكم مملكة المنتفق (مابين عام 1668م – 1703م) الأمير الشريف مانع بن شبيب آل شبيب وعن نفوذه ومناطق حكمه بالعراق وخارجه ويقارن هذا النفوذ بنفوذ الحكام الأتراك في بغداد وشمال العراق وكيف أن الأمير مانع يفوقهم نفوذا ، ص: 150 (((ولم يدر في خلد أي باشا غريب أن يأمل نفوذا شاملا مثل نفوذه. فقد امتلك قسما من عربستان، وكان مسيطرا على ما بين دجلة وعربستان من سهول وأهوار، وأطاعته بدرة وجصان ومندلي، وقد غطت سطوته يومئذ على سطوة الحويزة، اما على الفرات فقد استولى على العرجة والسماوة والرماحية))). يذكر المؤرخ حسين خلف الشيخ خزعل في كتابه تاريخ الجزيرة العربية , ج1 ، ص:39 ، حدود مملكة المنتفق الجنوبية والغربية في نفس الفترة التي ذكرها ستيفن لونكريك (((وماكاد يحل القرن الثاني عشر حتى انتشرت الفوضى في نجد وعم الانقسام , وتوسعت الفرقة , وتفرقت الكلمة , وتعددت الامارة والمشيخات , فكانت الأمارة في العيينة لآل معمر , وفي الدرعية لآل سعود , وفي الرياض لآل دواس , وفي الأحساء لبني خالد , وفي نجران لآل هزال , وفي حائل لآل علي , وفي القصيم لآل حجيلان , وفي حدود نجد الشمالية وجنوب العراق لآل شبيب))). وهذه خريطة تبين حدود مملكة المنتفق في عهده: استطاع الأمير مانع بن شبيب آل شبيب أن ينتزع مدينة البصرة من العثمانيين ويجعلها عاصمة لدولته لثلاث مرات أخرها لمدة تقارب الأربع سنوات ، وقد كانت الدولة العثمانية ترسل له الحملات المتتابعة والتي كانت تعود كلها بخسائر كبيرة مماادى الى اصابة والي بغداد العثماني –أحمد باشا- بمختلف الأمراض نتيجة عجزه عن كسر شوكة حاكم مملكة المنتفق واستعادة ميناء العراق – مدينة البصرة – الى النفوذ العثماني ، يذكر المؤرخ العثماني نظمي زاده مرتضى افندي ، في كتابه كلشن خلفا، ص: 299 ((( انعمت الدولة العلية في بداية السنة 1102 على الوزير أحمد باشا بولاية بغداد ، وكان المشار اليه مشهورا بأسم أحمد باشا البزركان ، وقد وصلها في اليوم السابع عشر من شهر ذي الحجة وباشر أعماله. وفي خلال حكمه كان شيخ المنتفق الشيخ مانع يتولى الحكم على البصرة قهرا وتمردا ، وقد أرسلت اليه الدولة الحملة أثر الحملة ولكنه في كل مرة يتغلب عليها فتعود بالخسران ، ماأدت هذه الحالة الى اصابة الوالي بمختلف الأمراض لتأثره ، وأخيرا وفي اليوم الثاني من شهر شوال سنة 1103 انتقل الى رحمة الله ودفن بجوار المجتهد الأقدم والامام الأعظم أبي حنيفة رضي الله عنه))). هذه الانتصارات العسكرية الكبيرة والمتتالية على الدولة العثمانية اضطرتهم الى طلب العون من دولة بني خالد في شرق الجزيرة العربية ، الا أن تدخل دولة بني خالد عسكريا أدى الى هزيمتهم أمام قوات حاكم مملكة المنتفق الأمير الشريف مانع بن شبيب ومقتل أحد زعمائهم الأمير ثنيان بن براك آل حميد والذي كان مرشحا لحكم دولة بني خالد ، يذكر عبدالكريم المنيف الوهبي في كتابه بنو خالد وعلاقتهم بنجد 1080 - 1208 هـ/ 1669 – 1794م ، ص: 356 ((( بوفاة محمد تولى ابنه سعدون المرشح الأول للزعامة الخالدية مقاليد الحكم دون أي معارضة لاسيما أن ثنيان بن براك أحد المرشحين الأقوياء لتولي تلك الزعامة الخالدية كان قد قتل قرب البصرة أثناء قيادته لقوات بني خالد في صراعها مع المنتفق سنة 1103هـ / 1692م ))). ويشيرعبدالكريم المنيف الوهبي الى أن سبب هذه المعركة هو طلب العثمانيين من دولة بني خالد العون العسكري، وذلك في كتابه بنو خالد وعلاقتهم بنجد 1080 - 1208 هـ/ 1669 – 1794م ، ص: 391 (((فمن المستبعد أن ينسى بنوخالد هزيمتهم على يد مانع ومقتل ثنيان بن براك ، ولأن هذا الصراع كان سببه محاولة بني خالد القضاء على تمرد مانع بتحريض من سلطات البصرة العثمانية ))). بعد ذلك حاولت الدولة العثمانية استمالة الأمير مانع بن شبيب ووصله عرض بمخصصات مالية من قبل الباب العالي مقابل ترك البصرة للعثمانيين ، وقد وافق الأمير مانع على ذلك ، الا ان أهل البصرة طردوا الوالي العثماني لاحقا واستنجدوا بالأمير مانع بن شبيب الذي رجع وأحتل البصرة عام 1694م – 1106هـ ، يذكر المؤرخ حمد بن لعبون ، مؤرخ الدولة السعودية الأولى والثانية ، ولد قبل عام 1768م وتوفي عام 1844م، كتاب تاريخ حمد بن محمد بن لعبون ، احداث سنة 1106 هـ ، ص: 303 (((وفيها: ملك مانع بن شبيب البصرة))). هذه العوامل كلها أدت الى قيام الدولة العثمانية بالتجهيز لحملة إقليميه ضخمه ضد حاكم مملكة المنتفق الأمير الشريف مانع بن شبيب آل شبيب ، هذه الحملة ضمت العديد من الألوية العثمانية في العراق وخارجه وضمت قوات حاكم الحجاز الشريف سعد بن زيد بالإضافة لقوات دولة بني خالد ، الا ان هذه الحملة فشلت بعد تحركها مباشرة وربما يعود السبب في ذلك الى حالة العثمانيين الاقتصادية في العراق وذلك بعد فقدهم لأهم مورد مالي لهم في العراق وهو مدينة البصرة (ميناء العراق) وبالتالي تفرقت قوات الحملة وعادت الى بلدانها ، يذكر عبدالكريم المنيف الوهبي في هامش كتابه بنو خالد وعلاقتهم بنجد 1080 - 1208 هـ/ 1669 – 1794م ، ص: 391((( سيرت حملة عسكرية كبيرة لاستعادة البصرة سنة 1107هـ ولكنها فشلت قبل الوصول للبصرة لسبب غير معروف فعادت قواتها الى بلدانها ، وقد شاركت في تلك الحملة جميع ألوية العراق اضافة الى القوى والقبائل المحلية المؤيدة للعثمانيين ، حتى ان الشريف سعد شريف مكة البعيد نسبيا كلف بالانضمام الى الحملة ، ومن المرجح مشاركة بني خالد في تلك الحملة نظرا لصراعهم مع المنتفق بزعامة مانع ولصلتهم القوية بالعثمانيين في تلك الفترة ))). ويذكر هذه الحملة أيضا مؤرخ العراق الكبير عباس العزاوي , موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين , المجلد الخامس , ص :161 ((( بذل الوزير مافي وسعه لانقاذ البصرة وجعل معه الوزير حسين باشا محافظ ديار بكر بعساكره. وكذا ولاة كركوك والموصل والرها فهؤلاء أمروا مع كتخدا الباشا بالذهاب الى البصرة حتى أن الشريف سعد (شريف مكة) عين مع هؤلاء وعهد بالقيادة (الامارة) الى الوزير فلم يتيسر له السفر وأن والي ديار بكر حسين باشا توفي في بغداد. رأى الجيش فقدان الارزاق وقلتها فلم يبد رغبة ، وعاد أكثره الى مواطنه))). هذه الحالة أجبرت الدولة العثمانية على التعاون مع عدوها اللدود الدولة الفارسية (في سابقة في تاريخ العراق) والتقت مصالح الدولتين على الحد من نفوذ هذه الدولة القوية (مملكة المنتفق) وحاكمها الأمير الشريف مانع بن شبيب آل شبيب ، وتم الاتفاق بينهما على قيام حاكم الحويزة (فرج الله) بالهجوم على البصرة وانتزاعها من الأمير الشريف مانع بن شبيب آل شبيب ، وهذا أخر ماكان يتوقعه الأمير مانع نظرا للعداء القائم بين العثمانيين والفرس .. ومايعنيه دخول الفرس للبصرة من أحتمال اندلاع حرب بين الدولتين الكبيرتين ( الدولة العثمانية والدولة الفارسية) ، وقد نجحت الخطة وتم انتزاع البصرة من الأمير مانع من خلال الجبهة الأقل تحصينا وهي الجبهة الفارسية ، حيث كانت قواته منتشرة في الطرق المتوقع هجوم عثماني منها وهذا ماأدى لخسارته للمدينة ، يذكر المؤرخ والمستشرق الألماني البارون ماكس فرايهير فون أوبنهايم ، في كتابه البدو , ج 3 , ص: 595 , متحدثا عن عام 1109 هـ ((( وفي العام نفسه احتل فرج الله بموافقة الحكومة الفارسية والعثمانية البصرة والقرنه ))). يذكر عبدالكريم المنيف الوهبي في كتابه بنو خالد وعلاقتهم بنجد 1080 - 1208 هـ/ 1669 – 1794م ، ص: 391 ((( ومن المحتمل اشتراك بني خالد في الأحداث التي اعقبت ذلك فيما بين عامي 1103 – 1109 هـ ضد مانع الذي استقل بالبصرة ، وماادى اليه من موافقة العثمانيين على التعاون مع الفرس لاستعادتها منه عن طريق والي الحويزة ))). بعد خسارة الأمير مانع لمدينة البصرة ضرب عليها حصارا طويلا ، وقد كان الاتفاق بين العثمانيين والفرس على تسليم المدينة بعد احتلالها للعثمانيين ، وهو ماقام به حاكم الدولة الفارسية من خلال ارسال مفاتيح المدينة بوفد للخليفة العثماني ، الا ان ولاة الفرس في داخل المدينة رفضوا التسليم وهذا ماادى الى عزل حاكم الحويزة (فرج الله) والذي هرب الى خصمه حاكم مملكة المنتفق الأمير مانع بن شبيب آل شبيب طالبا اللجوء والحماية من الفرس والعثمانيين وقد تناسى الأمير مانع العداء السابق واجاره ، تبع ذلك قيام العثمانيين بتجهيز حملة لإستعادة مدينة البصرة من ولاة الفرس وقد دعم الحملة الأمير مانع بن شبيب آل شبيب مقابل حصوله على عفو لدخيله حاكم الحويزة الأمير فرج الله، وبعد استرداد مدينة البصرة من قبل الحملة العثمانية والتي دعمها الأمير مانع بن شبيب، قام حاكم مملكة المنتفق الأمير الشريف مانع بن شبيب آل شبيب بتجهيز حملة كبيرة لإعادة فرج الله لحكم الحويزة ، بدلا من عمه هيبة الله المعين كحاكم للحويزة من قبل حاكم الدولة الفارسية ، وقد نجحت قوات مملكة المنتفق بذلك، يذكر المؤرخ والمستشرق الألماني البارون ماكس فرايهير فون أوبنهايم ، في كتابه البدو , ج: 4 ، ص: 51 ((( عزل فرج الله فطلب الحماية عند مانع ثم شن بمساعدة المنتفق حملة ضد عمه هيبة (الله). فتصدى له هيبة الله بواسطة قبائل الحويزة، آل كثير وآل خميس و آل فضول (بني لام) ، ولكن دون جدوى . ودخل فرج الله الحويزة منتصرا))). كان هذا عرض موجز عن فترة حكم الأمير الشريف مانع بن شبيب آل شبيب (الجد الثاني للأمير ثويني بن عبدالله بن محمد بن مانع آل شبيب و جد الأمير سعدون بن محمد بن مانع آل شبيب الذي عرفت الأسرة باسمه لاحقا) ، وهي الفترة التي هزمت فيها الدولة العثمانية في عدة معارك وخسرت العديد من ولاتها وقادة جيوشها في مواجهتها مع مملكة المنتفق ، حتى أطلق المثل ( أمنع من مانع) في العراق بعد أن أجبر الأمير مانع العثمانيين على التعاون ضده حتى مع ألد اعدائهم (الفرس) ، وسوف يكون هنالك باذن الله بحث مفصل وخاص بفترة حكم الأمير مانع لاحقا. ثانيا- مغامس بن مانع: بعد وفاة الأمير الشريف مانع بن شبيب آل شبيب حاكم مملكة المنتفق عام 1703م ، تولى الحكم ابنه الأمير مغامس ، وقد كانت الدولة العثمانية ترغب في إضعاف مملكة المنتفق تمهيدا لإسقاطها ولذلك كان العثمانيين على تواصل مع ابن عمه الأمير ناصر بن صقر بن شبيب آل شبيب (نافست ذرية الأمير الشريف صقر بن شبيب آل شبيب – التي دعمها العثمانين- ذرية الأمير الشريف مانع بن شبيب آل شبيب ، على الحكم من فترة حكم مغامس وحتى العام 1769م ، وقد كانوا حكام للسماوة وبدعم عثماني طوال الفترات التي لم يكونوا بها يحكمون مملكة المنتفق)، وقد استطاع الأمير مغامس بن مانع أن يهزم القوات العثمانية وقوات ولد عمه الأمير ناصر بن صقر آل شبيب عدة مرات قبل أن تتاح له الفرصة لإحتلال مدينة البصرة ، يذكر مؤرخ العراق الكبير عباس العزاوي , في موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين , المجلد الخامس , ص :195 ((( استفاد الأمير مغامس بن مانع أمير المنتفق من انحلال البصرة فلم يبق فيها سوى المتسلم، فاستولى عليها))). حكم الأمير مغامس بن مانع (وهو عم مباشر لوالد الأمير ثويني بن عبدالله) مدينة البصرة لما يقارب 4 سنوات (بعد أن انتزعها من العثمانيين) وأسس فيها حكم مدنيا وجعلها عاصمة لمملكة المنتفق , وعين قاضي للشرع (الشيخ سلمان) وأنشأ المدرسة المغامسية , واخذ الرسوم الجمركية على التجار الأجانب الاوربيين وغيرهم , وقدم اليه الأب (حنا الكرملي) طالبا منه لأسباب انسانيه صك حماية لكنيسة الكرمليين وقد اعطاه الأمير الشريف مغامس بن مانع آل شبيب صك الحماية بعد تصديقه من قاضيه الشيخ سلمان . يذكر مؤرخ العراق الكبير عباس العزاوي ، نص خطاب الأمير مغامس , موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين , ج 5 , ص 196 (((توكلت على الله، تعلمون به الواقفون على كتابنا هذا من كافة خدامنا وعمالنا وضباطنا، بأنا أعطينا حامل الورقة (البادري حنا) على موجب ما بيده من فرمانات أولياء الدولة القاهرة، ومن أوامر الوزراء العظام، والأمراء الكرام، وله منا فوق زيادة الحشمة والرعاية، وقد أسقطنا عن خدامه وترجمانه الجزية والخراج، وكتبنا له هذا الكتاب سنداً بيده يتمسك به لذي الحاجة إليه، وعلى كتابنا هذا غاية الاعتماد، والله تعالى شأنه ولي العباد، وبه كفى. حُرّر في ثاني وعشرين من شهر رجب الفرد سنة سبعة عشر وماية ألف. الفقير مغامس آل مانع))). وهذه صورة للوثيقة التاريخية: وقد قام الأمير مغامس بن مانع بتأسيس المدرسة المغامسية في البصرة ، يذكرها مؤرخ العراق الكبير عباس العزاوي ، عند حديثه عن حكم المنتفق للبصرة , في موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين , المجلد الخامس , ص 210 (((ان حكم المنتفق على البصرة لم يكن عشائريا . وانما كان هنالك قاضي شرع . وان من بقايا أعمال الأمير مغامس المدرسة المغامسية منسوبة اليه . ولانعرف عنها تفصيلا أكثر من أنها كانت في أقاصي البصرة أسست لتدريس العلوم وأطعام الطعام للطلاب ))). وقد كانت مدينة البصرة في الفترة السابقة لخضوعها لمملكة المنتفق قد شهدت تنافسا تجاريا حادا بين بريطانيا وهولندا ، استطاع الانجليز حسمه بالطرق السياسية ، مماأدى الى تكبد الهولنديين لخسائر كبيرة ، واستمر الوضع حتى دخل الأمير مغامس بن مانع الى البصرة وقلب موازين القوى في المنطقة ، يذكر المؤرخ حامد البازي ، في كتابه البصرة في الفترة المظلمه ، ص:117 ((( قيل ان خسارة الانكليز بلغت عشرة آلاف ليرة في شهر واحد حيث اقبل الناس على شراء البضائع الهولندية ولكن الانكليز عرفوا كيف يتدبرون الامر فاتصلوا بالحكومة في استنابول حيث فرضت الضرائب الكمركية على الحاجيات الهولندية بمقدار خمسة وعشرين بالمائة بينما خفضت الضريبة على البضائع الانكليزية الى ثلاثة بالمائة حتى بعد مرور شهرين فقدت البضائع الهولندية من أسواق البصرة لعدم اقبال الناس عليها بسبب غلائها. ثم عاد الهولنديون الى البصرة بعد احتلال الشيخ مغامس بن مانع للبصرة))). وقد قام الأمير مغامس بن مانع وتأكيدا منه على انهاء أي مظهر لما تبقى من نفوذ العثمانيين في الخليج العربي بتوقيع اتفاقية تجارية مع الهولنديين ازاحت الإنجليز (حلفاء العثمانيين في تلك الفترة) من أسواق البصرة ، وصدق هذا العقد في الثاني عشر من الشهر نفسه من قبل قاضي مملكة المنتفق الشيخ سلمان ، حيث حضر اليه في 7 تشرين الثاني في عام 1705م الربان الهولندي (بيتر مكاره Peter Makare ) طالبا منه توقيع عقد اتفاق تجاري يتعلق بالبواخر الهولندية و بالتجارة بين الهولنديين وحكومة الأمير مغامس بن مانع في عاصمة مملكة المنتفق (مدينة البصرة ) وهو ما وافق عليه الأمير مغامس . يذكر المؤرخ حامد البازي في كتابه البصرة في الفترة المظلمه ، ص:117 ((( وبعد هذه المقابلة أصدر الأمير مغامس براءة وحماية بتاريخ 22 رجب 1117هـ - 1705م وعلى اساسها اصبح للهولنديين امتيازات خاصة كما قويت العلاقات بين الجانبين الى درجة اصبحت اسواق البصرة لاتجد فيها غير البضائع والسلع الهولندية))). ونتيجه لذلك الأنهيار في سلطة الدولة العثمانية في العراق ومنطقة الخليج العربي وخوفهم من أن يتجه تفكير حاكم مملكة المنتفق شمالا الى بغداد ويطردهم منها فقد قامت الدولة العثمانية بتفريغ ولايات عديده من رجالها ومقاتليها وارسالهم الى العراق لإنتزاع البصرة من المنتفق وقد جرى دعم الجيش بقوات محافظ كركوك (يوسف باشا) وقوات والي ديار بكر (رجب باشا) ووالي الموصل (شهسوان باشا) وقاد الجيش والي بغداد (حسن باشا) والذي يعتبر تاريخيا أقوى ولاة الدولة العثمانية وهو المؤسس الحقيقي لحقبة المماليك في العراق , وقد كانت أوامر الخليفة العثماني حاسمة لحسن باشا بضرورة عودة البصرة الى نفوذ الدولة العثمانية , وقد تم تجهيز الجيش بالكثير من قطع المدفعية الجديدة بكامل عدتها وعتادها , ولم تشهد بغداد حتى ذلك الوقت مثل هذا التجمع الضخم عسكريا . على الجانب المقابل كان الأمير مغامس بن مانع (حاكم مملكة المنتفق) قد جمع قواته والبالغ عددها أكثر من 100 الف مقاتل أكثر من نصفهم من القبائل الخاضعة لحكمه المباشر ( وهو تاريخيا أكبر جيش يقابل الدولة العثمانية في العراق والجزيرة العربية). يذكر جيش الأمير مغامس بن مانع مؤرخ العراق الكبير عباس العزاوي ، في كتابه موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين , المجلد الخامس , ص: 206 ((( وكان جمع الأمير مغامس يبلغ نحو مائة ألف أو يزيدون. انتشروا في الصحاري والمواطن المجاورة))). ثم اندلعت أضخم معركة من الناحية العددية بين العرب والأتراك شهدها العراق بالحقبة العثمانية وقد استمر القتال لأكثر من أسبوع استخدمت فيها القوات العثمانية المدافع وخسر جيش الأمير مغامس بن مانع أكثر من عشرة آلاف مقاتل بسبب تفوق الأسلحة العثمانية. يذكر الدكتور علي الوردي ، الأمير مغامس وجيشه, في كتابه لمحات إجتماعية من تاريخ العراق الحديث , ج1, ص: 97 (((حتى بلغ عدد من معه مائة ألف أو يزيدون. والتقى هذا العدد الضخم بجيش حسن باشا في الصحراء على مقربة من البصرة , فوقعت بينهما معركة طاحنة قيل ان عدد القتلى فيها قد بلغ عشرة آلاف فتكدست جثثهم في ساحة القتال . وانتهت المعركة بانتصار جيش الحكومة فأخذ حسن باشا يعطي الذهب والفضة لكل من يأتيه برأس أحد القتلى أو بقلبه . واعتبرت تلك الواقعة من مفاخر حسن باشا , وحين عاد الى بغداد بعد الانتصار فيها استقبل استقبال الفاتحين ونظم الشعراء في مدحه قصائد عديدة- باللغة الفصحى والعامية – ولقبه بعضهم (أخو فاطمة) . ))) . ويرى مؤرخ العراق الكبير عباس العزاوي بأنه لو قدر لذلك الجيش ان ينتصر (جيش الأمير مغامس بن مانع) لنال العراق بأكمله استقلاله منذ ذلك الحين. فقد كانت قوات الأمير مغامس تتكون من قبائل مملكة المنتفق وقبائل أخرى من العراق وقبائل من بني خالد ومن قبائل نجد ، ولو كان النصر حليفه لمابقي للعثمانيين أي أمل للبقاء في نصف العراق الشمالي (ولاية بغداد وشمال العراق) . يذكرمؤرخ العراق الكبير عباس العزاوي ، عند حديثه عن عرب العراق الذين شاركوا بجيش حاكم مملكة المنتفق الأمير مغامس بن مانع وتحت قيادته , موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين , المجلد الخامس , ص 209 ((( ولو كانت هذه الحرب لصالحهم لاستقلوا من ذلك الحين ولأخفق سعي الدولة ولما بقي لها أمل في كل العراق))). ويذكر مؤرخ العراق الكبير عباس العزاوي عند حديثه عن العثمانيين والفترة التي تلت معركة الأمير مغامس (1708م) والنضال البطولي لقبائل المنتفق وشيوخهم آل سعدون الأشراف حكام مملكة المنتفق وكيف أنهم جعلوا الأتراك يخافون حتى من ظل العربي في العراق ،موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين , المجلد الخامس , ص 209 ((( قارعهم العرب بعدها مقارعات وبيلة، رأوا العطب منهم وصاروا يخافون من ظل العربي وخياله ومن عرف أن المنتفق قارعوهم أكثر من مائة وسبعين سنة بعد هذا الحادث علم درجة هذه المطاحنات ومقدار النفوس الهالكة في هذا السبيل بل امتد ذلك أكثر وأكثر))). لقد كان وقع الفترة مابين عام 1690م – 1708م شديدا على العثمانيين حيث كادوا يفقدون العراق بأكمله عندما هزمهم حكام مملكة المنتفق آل سعدون الأشراف (آل شبيب سابقا) في تلك الفترة في الكثير من المعارك المتتالية وأجبروهم حتى على التعاون مع الدولة الصفويه (في سابقه من نوعها في تاريخ العراق) وانتزعوا منهم البصرة (أهم ميناء عثماني على الخليج) وافقدوهم مورادهم المادية من هذا الميناء . وعندما نجح حسن باشا باسترداد مدينة البصرة عام 1708م قام المؤرخ العثماني يوسف عزيز المولوي بتأليف كتابه (قويم الفرج بعد الشدة) الذي من اسمه يتضح الحال التي وصلها العثمانيين في تلك الفترة وكيف زلزل أبطال قبائل المنتفق العثمانيين وناضلوا نضال الأبطال لدرجة أن حسن باشا وهو من المماليك قيلت فيه القصائد ولقب بأخو فاطمه وهو غير عربي لكن من هول مارأوه انقلبت لديهم المفاهيم وأصبح يعتزي مثل العرب. كان هذا عرض موجز عن فترة حكم الأمير الشريف مغامس بن مانع آل شبيب (عم الأمير سعدون بن محمد الذي عرفت باسمه الأسرة لاحقا ، وهو عم والد الأمير الشريف ثويني بن عبدالله بن محمد بن مانع آل شبيب الذي يدور حوله هذا البحث) ، وسوف يكون هنالك باذن الله بحث مفصل وخاص بفترة حكم الأمير مغامس بن مانع لاحقا.
|
||
|
27-06-2012, 03:45 AM | #2 | ||
|
رد: آل سعدون الأشراف وأول إعلان تاريخي ومحاولة لإستقلال العراق بأكمله عام 1787م.
ثالثا- محمد بن مانع: بعد وفاة الأمير الشريف مغامس بن مانع آل شبيب خلفه في حكم مملكة المنتفق أخوه الأمير الشريف محمد بن مانع آل شبيب (الجد المباشر للأمير ثويني بن عبدالله بن محمد آل شبيب ووالد الأمير سعدون بن محمد الذي عرفت باسمه الأسرة لاحقا)، و من أهم الأمور التي تحسب للأمير محمد بن مانع اتباعه لسياسة تشجيع الهجرة للقبائل العربية من شبه الجزيرة العربية والى مملكة المنتفق وهذه السياسة كانت تهدف الى المحافظة على عروبة العراق في وجه العثمانيين والفرس الذين كانوا يسعون الى تغيير هوية العراق العربية في تلك الفترة وقد شكلت هذه القبائل المهاجرة مع قبائل مملكة المنتفق الأخرى درعا قويا تكسرت عليه الكثير من الحملات العسكرية العثمانية والفارسية ، يذكر الدكتور حميد بن حمد السعدون في كتابه امارة المنتفق وأثرها في تاريخ العراق و المنطقة الأقليمية 1546م – 1918م , ص: 92((( وقد بدأت هذه السياسة منذ الأيام الأولى لامارة – محمد المانع – حيث سعوا لجذب أغلب عشائر نجد العربية نحو العراق، بعد أن تيقنوا مايتعرض له العراق من ضغوط ومن جهتين (العثمانيون والفرس) ، الأمر الذي لايمكن مقارعته والحفاظ على عروبة العراق دون الاكثار من القبائل العربية النسب والأصل ... ولابد ان نضيف أن بادية المنتفق مفتوحة، لذلك كانت أقرب الديار للهجرات الواسعة للقبائل من شبه الجزيرة العربية، لأسباب سياسية أم أقتصادية أم اجتماعية، وعليه نجد صلة القرابة بين قبائل نجد والمنتفق واسعة، لأن أغلب عشائر المنتفق قبائل نجدية أو حجازية. كما أن الجدب والركود الاقتصادي والحياة القاسية سمات طبعت حياة قبائل نجد، يقابلها على أرض العراق، وفرة مائية وأرض زراعية خصبة ومنتوجات تكفل للحياة البشرية ديمومتها ... ان حسن الاستقبال الذي مارسته امارة المنتفق مع القبائل النازحة اليها، واقطاعهم الأراضي الزراعية ومراعي الماشية، قد وازن المعادلة التي كانت المنتفق تخشاها، بازدياد حجم اعدائها من غير العرب ... ومن يدقق في العشائر التي استطاعت امارة المنتفق أن تجعلها تنصهر وتتفاعل في بوتقة اتحادها، تعزيزا لنهجها العربي الساعي للكرامة والاستقلال، لامتلك بين يديه قائمة طويلة بأسماء هذه العشائر، ولاتضح لديه مدى الجهد الذي بذل في تعزيز نفوذ هذه الامارة العربية، والذي لم تبخل فيه عشائرها في تقديم أغلى المهور من أجل طموحها وكرامتها، مما أبقى هذه الامارة لأكثر من (350) عاما، تناطح جميع من أراد ايذاءها، وفي المقدمة منهم (العثمانيون) والذين لم يبذلوا من جهد في كل محاولاتهم وجهودهم لاسقاط الامارات المستقلة، مثلما بذلوه مع امارة المنتفق))). يذكر المؤرخ الشيخ علي الشرقي ، في كتابه ذكرى السعدون ( الصادر عام 1929م ) ، وذلك عند حديثه عن المخلفات الثمينة لفترة حكم آل سعدون ، ص: 29 ((( العروبة بكل مظاهرها حتى انك اذا الغت العراق تجد الكردية غالبة على الموصل والتركية بادية في بغداد والفارسية متمكنة من النجف وكربلاء ولكنك تجد البصرة وبلاد المنتفق عربية بكل مظاهر العربية الصالحة وذلك بسبب تلك الامارة العربية التي تغلبت على كل المظاهر الغير عربية وصبغتها بصبغة العروبة))). وقد استمرت أسرة السعدون الأشراف (آل شبيب سابقا) في دعم هذه السياسة حتى سقوط مملكة المنتفق في الحرب العالمية الأولى، ومن أبرز حكام مملكة المنتفق في دعم هذه السياسة حفيد الأمير محمد بن مانع آل شبيب، الأمير ثويني بن عبدالله بن محمد آل شبيب (الذي يدور حوله محور هذا البحث) ، يشير عبد الكريم محمد علي في كتابه تاريخ مدينة سوق الشيوخ إلى هذا الجانب وذلك عند حديثه عن التطورات السياسية والأجتماعية التي حدثت في عموم جنوب العراق وفي مرحلة تأسيس الأمير ثويني بن عبدالله لعاصمة مملكة المنتفق سوق الشيوخ وتشجيعه للهجرة الى المنطقة المحيطه بها وهي السياسة التي تابعه بها حكام مملكة المنتفق الذين حكموا بعده، ص: 26 (((حدوث هجرات متتالية، من القبائل العربية من نجد ومن عموم الجزيرة العربية إلى هذه المنطقة الوافرة المياه، والترحيب بهم من قبل شيوخ المنتفك (آل سـعدون) واحلالهم بما يليق بكرامة العربي، واقطاعهم الاراضي على ضفتي الفرات، للزراعة الموسمية والبستنه، ومن بينهم من كان يحسن زراعة النخيل، ممن جاء من جنوب الجزيرة العربية – من الأحساء والقطيف – وهكذا نشأت بساتين النخيل على الضفتين وازدهرت الزراعة))). ولم تقتصر هذه السياسة على تشجعي الهجرة للقبائل الرحل (البدوية) أو القبائل والعشائر التي تمارس الزراعة بل شملت سكان المدن وتتضح آثار هذه السياسة في عهد الأمير ثويني بن عبدالله وذلك بتواجد معظم المهاجرين الى العراق من حواضر نجد في المناطق التابعة لمملكة المنتفق ( اما في العاصمة مدينة سوق الشيوخ أو بلدة الزبير) يذكر أهل نجد المقيمون في العراق في فترة حكم الأمير ثويني بن عبدالله ، المؤرخ والشاعر خالد الفرج المعاصر للملك عبدالعزيز (مؤسس الدولة السعودية الثالثة) ، وذلك عند حديثه عن سليمان باشا والي بغداد (في القرن الثامن عشر) وعن المساعدة التي قدمها له حاكم مملكة المنتفق الأمير الشريف ثويني بن عبدالله ، ويذكر المؤرخ بعض القبائل والحواضر التابعه للأمير ثويني بن عبدالله وهم عرب المنتفق وشمر العراق وأهل نجد المقيمون في العراق والزبير ، كتاب الخبر والعيان في تاريخ نجد ، ص: 203 ((( وساعده على ذلك عرب المنتفق وشمر العراق ، وأهل نجد المقيمون في العراق والزبير ومتولي كبرهم ثويني بن عبدالله بن محمد بن مانع الشبيبي ، وهو هاشمي النسب ، ورئاسة قبائل المنتفق ترجع الى بيتهم من قديم ، لأن المنتفق خليط من قبائل شتى تجمعهم رابطة التحالف والمجاورة والمصاهرات الى أن كونوا قبيلة كبيرة تحكمت في نواحي العراق ، وكادت تستقل بحكمه))). وفي عام 1850م كان معظم سكان عاصمة مملكة المنتفق (مدينة سوق الشيوخ) من المهاجرين من القصيم أو نجد ، كما أن معظم سكان عاصمة مملكة المنتفق منذ عام 1892م (مدينة الخميسية) كانوا من أهل نجد ، يذكر مدن مملكة المنتفق مبتدئا بمدينة سوق الشيوخ ثم الخميسية ثم المدن الأخرى ، المؤرخ والمستشرق الألماني البارون ماكس فرايهير فون أوبنهايم ، في كتابه البدو ، ج: 3 ، قسم المنتفق، ص: 610 ((( وفي عام 1850م كان معظم سكانها يتألفون من مهاجرين جاؤوا من شبه الجزيرة العربية (قصمان ، ونجادة). أما الخميسية الواقعة جنوب سوق الشيوخ فقد نشأت في حوالي عام 1886م ويتألف معظم سكانها من النجديين أيضا))). نعود للأحداث في حياة الأمير محمد بن مانع آل شبيب ، ففي عهده شاركت قوات من المنتفق في حصار الأحساء مع أحد أمراء دولة بني خالد (الأمير دجين بن سعدون) والذي خرج على ولد عمه ( الأمير علي بن محمد) وقد شاركت الظفير بهذا الحدث أيضا بقيادة شيخهم ابن سويط ، يذكر المؤرخ الشيخ عثمان بن بشر ، مؤرخ الدولة السعودية الأولى والثانية ، في كتابه عنوان المجد في تاريخ نجد،أحداث سنة 1139هـ ، ج:2 ، ص: 370 ((( وفي آخرها سار ابن سويط ومعه دجين بن سعدون بن غرير الحميدي ومعهما المنتفق وقصدوا الأحساء وحصروا علي بن محمد بن غرير في الأحساء وقتل بينهم رجال كثير ، ونهب ابن سويط قرايا الأحساء ، وصارت الغلبة لعلي عليهم وفشلهم . ثم انهم صالحوه ورجعوا))). وفي عام 1147هـ استطاعت الدولة العثمانية التخلص من حاكم مملكة المنتفق الأمير الشريف محمد بن مانع بن شبيب آل شبيب وذلك بعد أن قتل في معركة ضد الدولة العثمانية ، يذكر العالم والمؤرخ والنسابة النجدي إبراهيم بن صالح بن عيسى، ولد عام 1854م وتوفي عام 1925م، وهو أحد أبرز مؤرخين نجد والجزيرة العربية ، في كتابه تاريخ ابن عيسى ، المقتطع من خزانة التواريخ النجدية ، حوادث سنة 1147هـ، ص: 69 (((وفيها قتل الروم محمد المانع بن شبيب القرشي الهاشمي العلوي رئيس بوادي المنتفق))). يذكر هذا النص مقتل حاكم مملكة المنتفق وشيخ مشائخ قبائلها الأمير محمد بن مانع آل شبيب، وهو والد الأمير سعدون بن محمد الذي عرفت باسمه الأسرة لاحقا، وقد عرف المؤرخ تسلسل نسبه بــ القرشي (نسبة لقبيلة قريش) والهاشمي (نسبه لبني هاشم) والعلوي (نسبه لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه والذي يعرف نسله بالأشراف). رابعا- سعدون بن محمد: بعد مقتل حاكم مملكة المنتفق الأمير الشريف محمد بن مانع بن شبيب آل شبيب انتقل الحكم الى ولد عمه الأمير الشريف منيخر بن ناصر بن صقر آل شبيب (الموالي للعثمانيين) ، لذلك بقيت قبائل المنتفق هادئة طوال فترة بداية حكمه ، وقد كان أبناء الأمير محمد وقت وفاته صغارا ( اثنين من أبنائه حكموا مملكة المنتفق لاحقا وهم الأمير سعدون بن محمد – الذي سميت باسمه الأسرة لاحقا ، والأمير عبدالله بن محمد – والد الأمير ثويني الذي يدور حوله محور هذا البحث ). وعندما بلغ الأمير سعدون بن محمد بن مانع آل شبيب العشرين من عمره بدا يظهر طموحه في الحكم ورغبته في قتال العثمانيين ولذلك استطاع أن يؤسس لنفسه شعبية بين قبائل مملكة المنتفق وخصوصا بين شباب هذه القبائل وسهل مهمته كون الحاكم الرسمي الأمير منيخر بن ناصر آل شبيب كان مواليا للعثمانيين (وهو ماترفضه قبائل المنتفق) وأنه أبقى قبائله هادئة (وهو مالم تعتاد عليه قبائل المنتفق) ، وفي عام 1738م برزت الفرصة للأمير سعدون للظهور بشكل رسمي وذلك عندما دعت ولاية بغداد شيوخ القبائل فيها وفي خارجها الى إجتماع بين العرب والعثمانيين ، وقد حضر الإجتماع حاكم مملكة المنتفق وشيخ مشايخ قبائلها الأمير منيخر بن ناصر آل شبيب ، وقد تفاجأ الحضور بدخول الأمير الشاب سعدون بن محمد للإجتماع متحديا سلطة ولد عمه الأمير منيخر آل شبيب وسلطة العثمانيين وقد عرف بنفسه كحاكم شرعي لمملكة المنتفق ومعلنا بنفس الوقت أمام الشيوخ المجتمعين أن العرب هم الأحق بحكم كامل العراق وهو ماأدى الى اعتقاله من قبل العثمانيين وارساله الى بغداد حيث سجن هناك ، الا ان والي بغداد والذي اعجب بشخصية الأمير الشاب سعدون وجرأته قام باطلاق سراحه لاحقا ، يذكر المؤرخ الإنجليزي ستيفن هيمسلي لونكريك ، في كتابه أربعة قرون من تاريخ العراق الحديث ، ص: 190 (((وبقيت قبائل المنتفك هادئة نوعا ما منذ عام 1729م حتى ظهور زعيمها العظيم سعدون . وقد عثرنا على اسمه في التواريخ أول مره في 1738م – 39م عند حضوره اجتماعا للشيوخ عقد بدعوة من الكهية في حسكه . فسلم كل من الشيوخ هدية ولطفوا بالحديث ، عدا سعدون الذي اوقف وأخذ مخفورا الى قلعة بغداد جزاء لطموحه العدائي الذي كان يرمي لـ سلطنة العرب))). بعدما فعله الأمير سعدون بن محمد وبعد اطلاق سراحه ، ازدادت شعبيته بشكل كبير وقام بثورة كبيرة على العثمانيين ولم يجد الأمير منيخر بن ناصر بيده أي سلطة ، بل أصبح الأمير سعدون بن محمد هو الحاكم الفعلي لمملكة المنتفق ، ولم يبقى بيد الأمير منيخر سوى لواء السماوة والذي كان هو ووالده يحكمونه بشكل رسمي بتأييد من العثمانيين ، يذكر حمود الساعدي ، في كتابه بحوث عن العراق وعشائره ، ص: 182 ((( ومن بين الأشخاص الذين تصرفوا بلواء السماوة في العهد التركي ، الشيخ ناصر الصقر من حمولة آل شبيب رؤساء المنتفق. فكان الشيخ ناصر هذا ضامنا لهى في سنة 1139هـ (1726م) بـ 4794 قرشا، وانه بقي ضامنا له بمثلي البدل السابق حتى سنة 1145هـ وكان ضامنا لهى في سنة 1165هـ الشيخ منيخر بن الشيخ ناصر الصقر، وفي ايام الشيخ منيخر هذا اجتاز بالسماوة اتو الفرنسي وهو في طريقه من البصرة الى بغداد. وروى لنا في رحلته: انه وصلها في 19 اياري 1743م (ربيع الاول 1156هـ) وذكر ان ضامنا في التاريخ المذكور منيخر، وانه يستوفي رسوما باهضة على السفن المارة بها ليتمكن من ايفاء التزاماته تجاه والي بغداد احمد باشا))). وقد قام الأمير الشريف سعدون بن محمد بنقل العاصمة الى كتيبان قرب البصرة ، وأصبح يتحرك وبرفقته عشرة آلاف مقاتل ، وسيطر على كامل مناطق مملكة المنتفق من الحلة وحتى الخليج العربي وقام بارسال جيش لمحاصرة مدينة الحلة وجيش أخر لمحاصرة البصرة ، وطالب الدولة العثمانية بدفع الضريبة عن مدينة البصرة والتي كان العثمانيين يدفعونها سابقا لمملكة المنتفق مقابل ترك البصرة للعثمانيين والتي يبدو أن الأمير منيخر بن ناصر آل شبيب لم يستطع المطالبه بها ( وذلك لضعفه وموالته للعثمانيين) ، وهدد بانتزاع بغداد من العثمانيين في حالة عدم الاستجابه لطلباته ، وتلقب بسلطان العرب ، يذكر د. علي الوردي ، في كتابه لمحات إجتماعية من تاريخ العراق الحديث ، ج:1 ، ص: 116 ((( في عام 1738م ثار الأمير سعدون شيخ المنتفق ومعه عشرة الآف مقاتل ، ونزل موضع بين النجف والكوفة وأخذ يتحكم في الناس قائلا : ( أنا السلطان في هذه الديار . وماشأن أحمد باشا وما السلطان ؟ اني ان شاء الله آخذ بغداد واحكم فيها بالعدل ) . ثم أرسل قوة لمحاصرة الحلة ، و أخرى لمحاصرة البصرة وقال عن البصرة أنها ملكهم وانهم كانوا يأخذون منها الأتاوة كل سنة وليس للروم فيها – أي الترك – أي حق فيها . استمر سعدون في حركته زهاء أربع سنوات واستطاع أن يسيطر على مناطق واسعة من الفرات الأسفل والأوسط ، وفرض الأتاوة على المسافرين فلم يسلم منه حتى وكلاء الشركات الأنكليزية والفرنسية في البصرة))). هذه التطورات الخطيرة أجبرت والي بغداد على ارسال حملة كبيرة لاعادة نفوذ حاكم مملكة المنتفق السابق الموالي للعثمانيين ولمطاردة الأمير سعدون بن محمد ومحاولة أسره ، يذكر الدكتورعويضة الجهني على هامش كتاب تاريخ ابن يوسف ، عند حديثه عن الأمير سعدون بن محمد ، ص: 135 ((( فأعلن ثورة على العثمانيين في بداية عام 1154هـ / 1741م بالتعاون مع شيوخ قبائل جنوب غرب العراق ، وتلقب بسلطان العرب ، وسيطر على المنطقة الواقعة من رأس الخليج العربي الى الحلة . وقد أرسل أحمد باشا ، والي بغداد ، نائبه سليمان بيك في أواخر عام 1154هـ / بداية 1742م على رأس حملة لاحقت الشيخ سعدون))). وبعد معركة كبيرة قرب السماوة ، استطاع العثمانيين قتل الأمير سعدون بن محمد بعد أن طاردوا جيشه ، يذكر العالم والمؤرخ والنسابة النجدي إبراهيم بن صالح بن عيسى ، ولد عام 1854م وتوفي عام 1925م، وهو أحد أبرز مؤرخين نجد والجزيرة العربية ، في كتابه تاريخ بعض الحوادث الواقعه في نجد، ص: 81 ((( وفي سنة 1154 الوقعة المشهورة بين المنتفق وبين عساكر الترك وصارت الهزيمة على المنتفق، وقتل سعدون بن محمد بن مانع آل شبيب رئيس المنتفق))). فبعد أن اصطدم العثمانيون مع قوات المنتفق قرب السماوة ، اتجه سعدون بقواته الى البادية ، الا أن قائد الجيش العثماني (نائب والي بغداد) أراد مفاجأة قوات المنتفق فقام بمطاردتهم حتى وجد الأمير سعدون بن محمد وحيدا يتفقد مؤخرة الجيش فقاموا بمحاصرته ومحاولة أسره فقاتل أولا برمحه ثم بسيفه ثم بدبوسه ثم بالركاب ثم بزمام فرسه حتى أسر ، ولم يرغب حاكم مملكة المنتفق الأمير الشريف سعدون بن محمد بن مانع آل شبيب بأن يقاد أسيرا لبغداد لذلك قام باستفزاز قائد الجيش العثماني (نائب والي بغداد) والذي كان من المماليك .. حيث عدد الأمير سعدون أسماء كثيره من أجداده وسأل القائد العثماني (الذي كان يجهل اسم ابيه) عن والده وأجداده .. مماأدى بالقائد العثماني الى ان يقطع رأسه وبذلك نال الأمير سعدون بن محمد شرف أن يقتل في أرض المعركة بدلا عن أن يبقى أسيرا ، ويذكر الرحالة نيبور عند مروره بالعراق بعد أكثر من عشرين عام على مقتل الأمير سعدون بن محمد .. وكيف أن قبائل المنتفق مازالوا يفخرون بشجاعة حاكمهم وشيخ مشائخ قبائلهم الأمير سعدون بن محمد، كتاب مشاهدات نيبور في رحلة من البصرة الى الحلة سنة 1765م ، ص: 60 ((( ولايزال العرب للآن يتغنون بالشجاعة التي ابداها شيخهم في هذه المناسبة: كيف دافع عن نفسه بالرمح بادىء ذي بدء ، ثم بسيفه وبعدها بالدبوس (وهو نوع من الهراوات التي تستعمل للضرب ، اعتاد الشرقيون حملها على سروجهم ) ، وأخيرا بالركاب فزمام فرسه. ولكنها جميعا لم تجد نفعا. وكان سليمان قد تلقى أمرا باعادة سعدون أسيرا الى بغداد. وكان الغالب يريد من المغلوب بعض الاحترامات له. ولكن العربي المغتر ، الذي ولد حرا ، لم يشأ أن يتفهم هذا الأمر. فبعد أن عدد أسماء كثيرة من أجداده ، سأل الكهيا ، الذي يجهل حتى والده ( كان الكهيا كرجيا بالأصل ، بيع أسيرا في شبابه) كيف يسوغ له طلب مثل هذا الذل من عربي أصيل ؟ وقد أغضب هذا الأمر سليمان الى حد جعله يأمر بقطع رأسه على الفور ، حيث ارسله الى الباشا اشارة لانتصاره))). بعد مقتل الأمير سعدون بن محمد ، قدم الى المعسكر العثماني مايقارب العشرين شيخا من قبائل العراق التابعين للأمير سعدون بن محمد وذلك رغبة منهم في حقن الدماء والتفاهم مع القائد العثماني (نائب والي بغداد) وذلك لكون معسكرهم قريب من المعسكر العثماني الا أن سليمان باشا وجدها فرصة يصعب أن تتكرر باجتماع مثل هذا العدد من شيوخ القبائل أمامه ، لذلك أمر بقطع روؤسهم جميعا ، يذكر الرحالة نيبور ، كتاب مشاهدات نيبور في رحلة من البصرة الى الحلة سنة 1765م ، عند حديثه عن شيوخ قبائل المنتفق الذين قدموا الى سليمان باشا ، ص: 61 ((( وأبدوا رغبتهم في التفاهم مع الباشا. الا أن سليمان ، عاد ففكر أنه ليس في استطاعته أن يجمع بسهولة مثل هذا العدد من الشيوخ معا تارة أخرى فأمر بقطع رؤوس هؤلاء أيضا عن أخرهم))). وقد أدى قتل الأمير سعدون بن محمد مع عشرين شيخا من قبائل العراق التابعين له الى حدوث ضجه ودوي كبير في العراق ووسط الجزيرة العربية ، يذكر الدكتورعويضة الجهني ، على هامش كتاب تاريخ ابن يوسف ، عند حديثه عن الأمير سعدون بن محمد ، ص: 135 (((وقد أرسل أحمد باشا ، والي بغداد ، نائبه سليمان بيك في أواخر عام 1154هـ / بداية 1742م على رأس حملة لاحقت الشيخ سعدون حتى تمكنت من قتله صبرا مع حوالي عشرين شيخا من أتباعه ، مما أحدث دويا واسعا في العراق ووسط جزيرة العرب))). يذكر المؤرخ والمستشرق الألماني البارون ماكس فرايهير فون أوبنهايم ، في كتابه البدو , ج:3 ,ص:282 (((فعندما أمر سليمان أبوليلى بقطع رأس الشيخ سعدون (1742م أو 1743م) حدثت ضجة كبيرة لأن عبدا سابقا تجرأ على وضع يده على عربي حر هو زعيم المنتفق))). كان هذا عرض موجز عن فترة حكم الأمير الشريف سعدون بن محمد بن مانع آل شبيب (الذي سميت الأسرة باسمه لاحقا بعد أن كانت تعرف بـ آل شبيب وهو عم الأمير الشريف ثويني بن عبدالله بن محمد بن مانع آل شبيب الذي يدور حوله محور هذا البحث) ، وسوف يكون هنالك باذن الله بحث مفصل وخاص بفترة حكم الأمير سعدون بن محمد بن مانع آل شبيب لاحقا. خامسا- عبدالله بن محمد: بعد مقتل حاكم مملكة المنتفق الأمير سعدون بن محمد ومقتل عشرين شيخا من قبائل العراق التابعين له ، استقل أخوه الأمير عبدالله بن محمد بمشيخة قبائل بادية العراق الممتدة من شمال الأحساء وشمال الجزيرة العربية وحتى شمال السماوة من عام 1742م وحتى عام 1757م ، بينما كان الحكم الرسمي لمملكة المنتفق ومعظم حواضرها في تلك الفترة بيد اثنين من ابناء عمه وبدعم عثماني وهما الأمير منيخر بن ناصر بن صقر آل شبيب ثم تلاه الأمير بندر بن مغامس بن مانع آل شبيب ، وبعد سنتين من مقتل أخيه الأمير سعدون ، حاصر الأمير عبدالله بن محمد البصرة مع حاكم الحويزة ، يذكر المؤرخ النجدي ابن يوسف (المعاصر للأحداث) ، كتاب تاريخ ابن يوسف ، أحداث سنة 1156هـ ، ص: 138 ((( وفيه أيضا حصار البصرة ، يوم يحاصرها راعي الحويزة وولد محمد آل مانع))). وفي عام 1757م وبعد وفاة الأمير بندر بن مغامس آل شبيب فرض الأمير عبدالله بن محمد آل شبيب نفسه على مسرح الأحداث وحكم مملكة المنتفق بأكملها. وقد كان الأمير عبدالله بن محمد آل شبيب (والد الأمير ثويني) وبعد مقتل أخيه الأمير سعدون بن محمد قد احتضن ابن أخيه الأمير ثامر (كل ذرية الأمير سعدون في عصرنا من ابنه ثامر) وتزوج من أرملة أخيه وانجبت له ابنه الأمير ثويني بن عبدالله (كل ذرية الأمير عبدالله بن محمد في عصرنا من ابنه ثويني) ، يذكر يوسف بن حمد البسام ، في كتابه الزبير قبل خمسين عاما مع نبذة تاريخية عن نجد والكويت، وذلك عند حديثه عن الفترة التي كان يحكم بها مملكة المنتفق الأمير عبدالله بن محمد ( والد الأمير ثويني) ، ص: 159 ((( والأمراء البارزين في ذلك الحين هم (اشراف الحجاز) و(بنو خالد) حكام الأحساء وما والاها من المنطقة الشرقية ، و(آل معمر) في العييينة و (آل سعدون) في العراق و (امام صنعاء) في اليمن، و(السادة) في نجران))). وفي عام 1761م قام حاكم مملكة المنتفق الأمير عبدالله بن محمد بنقل مركز الحكم لمملكة المنتفق الى المنطقة التي بنيت فيها مدينة سوق الشيوخ لاحقا من قبل ابنه الأمير ثويني ، حيث قام بتأسيس قرية على شكل حصن كبير في تلك المنطقة ( عرفت بكوت الشيوخ أو قلعة الشيوخ) ، ونقل العاصمة من مدينة العرجا إلى هذا المكان. وقد بنيت هذه القلعة الكبيرة لتكون مركزا للتموين وللذخيرة والسلاح للمعسكر الحربي الرئيسي لحاكم مملكة المنتفق ومركزا يقيم فيه حاشيته الكثيرة – عبيده ومستشاريه – بالأضافة إلى اقامة حاكم مملكة المنتفق و قبائل المنتفق البدوية ومشايخهم حولها لمدة 3 فصول من السنة باستثناء فصل الربيع ، وعند تأسيس مدينة سوق الشيوخ من قبل ابنه الأمير ثويني بن عبدالله - عام 1780م - أصبح هذا الحصن الكبير أحد ضواحيها ومركزا تقيم حوله الكثير من قبائل المنتفق البدوية وأصبحت مدينة سوق الشيوخ العاصمة للأسرة الحاكمة في مملكة المنتفق - نصف العراق الأسفل – أسرة آل شبيب ولاحقا تغير الاسم إلى آل سعدون ، بالإضافة إلى ان مدينة سوق الشيوخ أصبحت أحد أهم المدن التجارية في العراق والجزيرة العربية ومركزا لتجارة أهل نجد والكويت في العراق ، يذكر القنصل الروسي بالبصرة انه في النصف الثاني من القرن التاسع عشر وقبل تأسيس مدينة الناصرية (عام 1869م) كان جميع مشايخ القبائل في اتحاد المنتفق يقيمون فيها ، يذكرها الكسندر أداموف ، القنصل الروسي في البصرة في نهاية القرن التاسع عشر، في كتابه ولاية البصرة في ماضيها وحاضرها ، ص: 56 ((( وتعتبر كوت الشيوخ أو قلعة الشيوخ ، قرية من القصب من هذا النوع وان كانت أكبر في حجمها ، وهي تقع على بعد عشرة أميال إلى الأعلى من سوق الشيوخ صعودا مع الفرات . وكانت هذه القرية قبل تأسيس الناصرية وبناء قصر آل السعدون الواسع فيها ، مقرا لشيخ المشايخ أو الزعيم الرئيس لعشائر المنتفق وحاشيته الكثيرة العدد والمقربين منه وكذلك لزعماء جميع القبائل الداخلة في هذا الاتحاد القبلي وهكذا كانت كوت الشيوخ تبدو كمعسكر ضخم للبدو))). ويبدو ان أهمية كوت الشيوخ تزايدت بعدما ضرب الطاعون مدينة سوق الشيوخ عام 1831م ولم يبقي من سكانها سوى اربعة آلاف نسمة ، حيث أصبح مركز الحكم في كوت الشيوخ ، يذكر الكسندر أداموف – القنصل الروسي في البصرة في نهاية القرن التاسع عشر- في كتابه : ولاية البصرة في ماضيها وحاضرها ، وذلك عند حديثه عن مدينة سوق الشيوخ والطاعون الذي اجتاحها ، ص: 55 ((( ثم أخذت المدينة بالنمو بسرعة فامتدت وأصبح محيطها خمسة أميال وعدد سكانها يزيد على 10,000 نسمة. وعندما اجتاح الطاعون في 1831 العراق بأجمعه وجه أول ضربة لرفاهية هذا المركز التجاري العربي الصرف))). بقيت مملكة المنتفق على علاقة هادئة مع العثمانيين منذ العام 1757م وحتى عام 1768م وكان يتخلل هذه الفترة مطالبات بدفع ضريبة عن أراضي زراعية في منطقة السماوة وبعض الأراضي المحيطة في مدينة البصرة والتي كان الحاكمين السابقين لمملكة المنتفق الأمير منيخر والأمير عبدالعزيز (المواليين للعثمانيين) قد قبلوا بدفعها ، الا ان الأمير عبدالله بن محمد رفض الألتزام بما كان عليه من سبقه ولم يرى للعثمانيين حق بهذه المطالبه ، وبعد مرور 9 سنوات على هذه المطالبات بدأ التوتر بين الطرفين. وبدأت الدولة العثمانية بالتهديد بالتحرك العسكري ، وهذا أزم الموقف حيث بدأ الأمير عبدالله بن محمد بتهديد مدينة البصرة ونشر قواته حولها ، خصوصا بعد أن تأزمت العلاقة بينه وبين متسلمها (الحاج سليمان آغا نقرة). وعندما أدرك والي بغداد عمر باشا خطورة الموقف قرر محاولة التحالف مع البريطانيين ضد مملكة المنتفق والقيام بعمل عسكري مشترك ، يشمل القيام بضربات عسكرية باستخدام المدفعية وبسفن بريطانية على مدن وقرى مملكة المنتفق على طول نهر الفرات ، الا أن طلب والي بغداد عمر باشا قوبل بالرفض من قبل المستر مور ( الوكيل البريطاني في البصرة) والذي كانت تربطه علاقة جيدة بحاكم مملكة المنتفق والذي صرح باحتمال احتلال المنتفق للبصرة ذاتها وهو مايجبره على البقاء على الحياد حفاظا على مصالح دولته ( وفيما يبدو أنه خاف من أن يقوم الأمير عبدالله بن محمد عند احتلاله للبصرة ، بنفس عمل عمه الأمير مغامس بن مانع ، وهو طرد البضائع الإنجليزية من أسواق البصرة) ، يذكر ج.ج. لوريمر ، في كتابه دليل الخليج ، القسم التاريخي ، ج:4 ، عند حديثه عن طلب والي بغداد ( عام 1769م) مساعدة البريطانيين له ضد حاكم مملكة المنتفق الأمير عبدالله بن محمد ورد الوكيل البريطاني في مدينة البصرة مستر مور ، ص: 1821 ((( لكن مستر مور – الذي كان يذكر جيدا النتائج السيئة التي تمخض عنها تدخل البريطانيين بين الاتراك وقبيلة بني كعب من قبل والذي كانت علاقته بعبدالله شيخ المنتفق علاقة ودية دائما ، والذي كان أيضا ماتزال له أموال متأخره عند متسلم البصرة – راوغ في اجابة هذا المطلب متعللا بأن السفن البريطانية الكبيرة لاتستطيع أن تقوم بعملها في مجرى الفرات . وذكر الوكيل أيضا أنه كان محتملا أن تستولي المنتفق على مدينة البصرة نفسها ... وكان هذا في ذاته سببا آخر يحمله على زيادة التمسك بالحياد))). لذلك تراجع والي بغداد عمر باشا عن فكرة التحرك العسكري مؤقتا وفتح باب التفاوض بين الطرفين ، وقام بإرسال شيخ قبيلة العبيد عبدالله بك الشاوي - الذي كان يشغل منصب باب العرب في ولاية بغداد ويتمتع باحترام كبير في العراق - للتفاوض مع حاكم مملكة المنتفق ولجمع الأمير عبدالله بن محمد مع متسلم البصرة ، جرى الإجتماع في بلدة الزبير التابعة لحاكم مملكة المنتفق الأمير عبدالله بن محمد، وتم الإتفاق على التهدئة ثم بعد ذلك تراجع حاكم مملكة المنتفق الأمير عبدالله بن محمد عن ماتم الأتفاق عليه مع متسلم البصرة ، لذلك قام والي بغداد عمر باشا بقتل شيخ قبيلة العبيد لاحقا واتهامه بتحريض الأمير عبدالله بن محمد ضد العثمانيين ( وهذا الحدث يوضح عن مدى سؤ الحالة التي وصلها والي بغداد في تلك الفترة والتي أجبرته على قتل واحدة من أكبر الشخصيات العربية في ولاية بغداد) ، ويضاف لأسباب التوتر في تلك الفترة بين مملكة المنتفق والعثمانيين هو أنه بعد قيام العثمانيين بحملة كبيرة ضد قبائل الخزاعل وقيام العثمانيين باحراق مدينة لملوم التابعة لشيوخ الخزاعل ، قام الأمير عبدالله بن محمد بقبول إجارة الشيخ حمد الحمود ووالده لديه ورفض تسليمهم الى والي بغداد ، يذكر الدكتور حميد بن حمد السعدون ، في كتابه امارة المنتفق وأثرها في تاريخ العراق و المنطقة الأقليمية 1546م – 1918م ، عند حديثه عن الشيخ حمد الحمود شيخ الخزاعل ، ص: 133 (((والذي لم يجد من يأويه هو وأبيه بعد تدمير الوالي - عمر باشا - لمدينتهم " لملوم " عام 1769م، وطلبه اياهم في كل مكان ، الا أهل المنتفق بعد أن هربا اليهم ، طالبين منهم الحماية والعون ، وقد حصلا عليها ، وجرى أكرامهما وحمايتهما ))). بدأ والي بغداد عمر باشا التحضير لحملة عسكرية كبيرة ، وسار بها الى البصرة ، وقبل وصولها أدرك حاكم مملكة المنتفق الأمير عبدالله بن محمد بأن خسارته للحرب سوف تكون نتائجها سيئة عليه وخصوصا وأن مملكة المنتفق قد بدأت توا التعافي من آثار قتل أخيه الأمير سعدون بن محمد مع عشرين شيخا من شيوخ قبائل العراق التابعين له من قبل العثمانيين ، لذلك قرر اللجوء لدولة بني خالد مؤقتا وترك حكم المنتفق لابن عمه الأمير فضل بن ناصر بن صقر آل شبيب وهو من جناح في الأسرة الحاكمة في مملكة المنتفق يعتبر موالي للعثمانيين ، وبقي الأمير عبدالله بن محمد عدة أشهر لدى دولة بني خالد وحكامها آل عريعر قبل أن يعود للحكم وتهدأ الأوضاع مع العثمانيين ( ولا نعرف ماتم الأتفاق عليه بين الطرفين) ، يذكر عبدالكريم المنيف الوهبي في كتابه بنو خالد وعلاقتهم بنجد 1080 - 1208 هـ/ 1669 – 1794م ، وذلك عند نقاشه للجوء حاكم مملكة المنتفق مؤقتا الى دولة بني خالد وأنه لم يكن عملا موجها ضد الدولة العثمانية بل كان باتفاق جميع الأطراف ،ص: 392 ((( وفي سنة 1183 هـ / 1769م يرد لجوء عبدالله بن محمد زعيم المنتفق الى عريعر بن دجين زعيم بني خالد عقب اعتدائه على بعض مقاطعات البصرة وتفاوض والي البصرة الحاج سليمان آغا نقره معه حتى تم التوصل الى اتفاق مقبول ، ولكن عبدالله تراجع عن الاتفاق مماأدى الى مسير القوات العثمانية بقيادة عمر باشا والي بغداد اليه ، فاضطر الى الانسحاب واللجوء الى بني خالد ، فولى أحد أقاربه ويدعى فضل على زعامة المنتفق ، ومن ذلك يتضح أنه على الرغم من كون عبدالله متمردا على السلطة العثمانية الا انها كانت تسعى للتفاهم معه ، وعلى هذا فالأحرى أن يقبل العثمانيون بلجوئه الى الأحساء حقنا للدماء ، ولأن هذا يمكنهم من تعيين زعيم موال لهم على المنتفق ، ومن هذا المنطلق فان قبول بني خالد بلجوء عبدالله عندهم لم يكن عملا موجها ضد العثمانيين))). بقيت الأوضاع هادئة في المنطقة حتى ظهور الطاعون في البصرة عام 1773م وقد طلبت الدولة العثمانية من حاكم مملكة المنتفق الأمير عبدالله بن محمد إدارة المدينة التي دبت فيها الفوضى لكنه لم يستطع ادارتها بسبب تدخل بني كعب لذلك اعادها للعثمانيين ، وقد بدأت البصرة منذ تلك اللحظة تواجه خطرا فارسيا وتهديدا بإحتلالها (سوف يذكر مفصلا بالفصل التالي). ثم شهدت السنة التالية مرور الرحالة بارسونز بالعراق عام 1774م ، وننقل هنا وصفا لحلف قبائل المنتفق (أكبر تحالف للقبائل والعشائر مختلفة الأصول شهده العراق تحت مشيخة شيخ مشائخ فعلي واحد ) والذي يشكل القسم الرئيسي من مملكة المنتفق ، كما ننقل وصفا للمعسكر الحربي لحاكم مملكة المنتفق الأمير عبدالله بن محمد والذي كان فيه كل مواد التموين والإمدادت المطلوبة وأجمل الخيول الأصيلة وكلاب الصيد والصقور بالإضافة لإمتلاك حاكم مملكة المنتفق لحيوانات نادرة مثل زوج من النعام الداجن والمطوقه حول عنقيهما بأطواق حمراء وأجراس نحاسية ، يذكر أ.م.د. رياض الأسدي , في بحثه جذور الفكر السياسي في العراق الحديث ـ1ـ , محاولات الاستقلال المحلّي في العراق 1750ـ 1817 ، زيارة الرحالة بارسونز لأراضي مملكة المنتفق في عهد الأمير عبدالله بن محمد عام 1774م (((وجد أن حلفه القبلي "المنتفق" يغطي مساحة كبيرة من جنوب ووسط العراق، ويضمّ بين جنباته عددا كبيرا من السكان يفوق بالطبع عدد السكان المنضوين في باشوية بغداد أضعافا))). و يذكر ج.ج. لوريمر , في كتابه دليل الخليج , القسم التاريخي , ج 4 وصف الرحالة بارسونز للمعسكر الحربي للأمير عبدالله بن محمد (حاكم مملكة المنتفق وشيخ مشايخ قبائلها) , ص: 1841 ((( كان معسكره من الخيام ويغطي مساحة كبيرة حاويا عدد ضخما من الناس , ومتوفرة فيه كل مواد الامدادات والتموينات المطلوبة . ومن الحيوانات كانت القبيلة وشيوخها يملكون أجمل الخيول الأصيلة . وكلاب الصيد والصقور بل حتى بعض الحيوانات النادرة كزوج من النعام الداجن وقد طوقا بأطواق حمراء وأجراس نحاسية حول عنقيهما))). هكذا نشأ الأمير ثويني بن عبدالله في فتره من حكم أسرته آل سعدون الأشراف لمملكة المنتفق شهدت صراعا كبيرا مع العثمانيين على النفوذ بالعراق ، وهي الفترة التي بدأت بتصاعد قوة الدولة (مملكة المنتفق) بشكل كبير جدا على يد جده الثاني الأمير مانع بن شبيب آل شبيب والى حكم عم والده الأمير مغامس بن مانع بن شبيب آل شبيب ، ثم توازن القوه بين العثمانيين ومملكة المنتفق في عهد جده الأمير محمد بن مانع آل شبيب والذي قتله العثمانيين، ثم نهوض عمه الأمير سعدون بن محمد بن مانع آل شبيب (الذي سميت لاحقا الأسره باسمه) والذي قتله العثمانيين مع عشرين شيخا من شيوخ قبائل العراق التابعه له ، والى بقاء والده الأمير عبدالله بن محمد بن مانع آل شبيب كشيخ مشايخ لقبائل بادية العراق الممتدة من حدود الأحساء الشمالية وعلى حدود نجد الشمالية والى شمال السماوة ولمدة 15 سنة ، ثم حكم والده لمملكة المنتفق بأكملها وبدء تصاعد القوة لدى مملكة المنتفق . ولم يكن الأمير ثويني بن عبدالله وقتها على علم أنه على موعد مع أحداث وملاحم تاريخيه عظيمه مع الإمبراطورية الفارسيه والعثمانيين وعلى موعد مع أحداث ومعارك شكلت تاريخ الدول الإقليمية العربية المجاورة وأنه أيضا على موعد مع صناعة التاريخ في أهم حدث في تاريخ العراق بالحقبة العثمانية وهو أول إعلان لاستقلال العراق بأكمله وماتبعه من معارك كبيره. 5- الغزو الفارسي الكبير للعراق 1775م – وموقف العثمانيين والدول العربية منه: من هنا تبدا الأحداث الكبيرة في تاريخ الأمير ثويني بن عبدالله ، حيث كان حاكم الدولة الفارسية ينظر الى الموانئ العربية على الخليج العربي بنظره يملؤها الحسد وخصوصا ميناء البصرة ، لذلك أراد السيطرة على هذه الموانيء وفي حالة عدم القدرة على ذلك سوف يسعى لتدميرها ، وكان هذا الحاكم أيضا كغيره من الحكام الفرس يسعى الى ضم العراق لحكمه وفي حالة عدم القدرة على ذلك سوف يسعى لتدميره ، يذكر د. طارق نافع الحمداني ، في كتابه الخليج والجزيرة العربية بين القرن السادس عشر والقرن العشرين، ص: 145 ((( تعد البصرة مفتاح العراق الجنوبي وميناءه الكبير على الخليج العربي، وكان لذلك الموقع علاقة قوية بالقوى المتصارعه في هذه المنطقة خلال العصور الحديثة، والذي يهمنا في هذا الصدد هو أن البصرة أصبحت مهددة في النصف الثاني من القرن الثامن عشر ، بقوة فارس المتزايدة على أيام حاكمها كريم خان الزندي ... أخذ كريم خان ينظر الى ازدهار تجارة البصرة بعين ملؤها الحسد والغيرة، لأنه أراد أن يكون هذا الازدهار من نصيب الموانيء الفارسية على الخليج العربي، واعتقد بأن هذا الأمر لن يتم الا باحتلال البصرة والقضاء على منافستها لموانئ بلاده. وعلى الرغم من الاتصالات التي جرت بين وكلاء شركة الهند الشرقية الانكليزية وكريم خان حول اجراء تعديلات في هذا الموقف لصالحه، الا أنه صرح بأن البصرة قد استأثرت بكل تجارة الهند مع الانكليز، ممايستبعد الموانيء الفارسية عن ذلك، وعلى هذا فانه سينتقم عن طريق تدمير البصرة))). وقد بدأ كريم خان الزندي بتنفيذ تهديداته في عام 1773م ، حيث قام بالإستيلاء على سفينة إنجليزية خارجه من البصرة واستخدمها كوسيلة ضغط على الإنجليز للعودة الى موانئ فارس تجاريا ، الا ان هذا الأمر لم يحقق له ما أراد ، يذكر د. طارق نافع الحمداني ، في كتابه الخليج والجزيرة العربية بين القرن السادس عشر والقرن العشرين، ص: 147 ((( بدأ كريم خان منذ عام 1773 يعد العدة لوضع تهديداته موضع التنفيذ. وفي العام نفسه انتشر وباء الطاعون في البصرة فغادرها وكلاء شركة الهند الشرقية الانكليزية، ولكنهم وقعوا في الأسر بيد حلفائه، الذين استولوا على سفينة الشركة تايكر tyger ، ونقلوا من كانوا عليها الى شيراز. فقد كانت هذه العملية وسيلة للضغط على الانكليز واجبارهم على اعادة علاقاتهم التجارية مع الموانئ الفارسية، بخاصة ميناء بوشهر، لكن هذا الأمر لم يحقق نتائجه المرجوة. وعلى ذلك، وبعد فشل حجج كريم خان وذرائعه المتعددة، قرر أن يبعث حملة ضد ميناء البصرة))). لذلك قام حاكم الدولة الفارسية (كريم خان الزند) بالتجهيز لحملة ضخمة تستهدف احتلال البصرة وتحويلها كنقطة انطلاق تجاه بقية العراق وشمال وشرق الجزيرة العربية حتى دولة عمان ، ولكي يموه عن هدفه الأساسي قام بأمرين ، الأمر الأول هو مهاجمة موانئ دولة بني خالد بأسطول من دولة بني كعب (حلفاؤه في تلك الفترة) ، يذكر عبدالكريم المنيف الوهبي في كتابه بنو خالد وعلاقتهم بنجد 1080 - 1208 هـ/ 1669 – 1794م ، عند حديثه عن موانئ دولة بني خالد، ص: 370 ((( وقد كانت القطيف تتمتع بحجم لا بأس به من التجارة ، فعندما هاجم بنو كعب القطيف سنة 1188هـ / 1774م ذكر أنهم استولوا على كميات كبيرة من البضائع))). والأمر الأخر هو الهجوم الفارسي على شمال العراق بريا ، يذكر د. طارق نافع الحمداني ، في كتابه الخليج والجزيرة العربية بين القرن السادس عشر والقرن العشرين، ص: 210 ((( كانت مهاجمة الفرس لشمال العراق جزءا من عمليات التمويه والتضليل الفارسية، ذلك لأنه في الوقت الذي جرت فيه تلك العمليات، فان استعدادات كبيرة اتخذت في فارس لغزو البصرة، وعلى ذلك ، لم تكن العمليات الفارسية في شمال العراق الا من باب الاشغال وصرف الأنظار))). ثم بدأ حاكم الدولة الفارسية بالإنطلاق تجاه البصرة بحملة ضخمة مكونة من خمسين ألف مقاتل ومزوده بالمدافع ، يذكر ج.ج. لوريمر ، في كتابه دليل الخليج , القسم التاريخي , ج4 , ص: 1848 ((( وبعدها بيومين , أي في 15 يناير 1775 , وصلت الأنباء الى الوكالة البريطانية في البصرة , عن طريق بوشهر , بأن جيشا ايرانيا من 50 ألف رجل قد غادر شيراز بالفعل بقيادة صديق خان شقيق الوكيل لمهاجمة البصرة ))). وبدأت طلائع هذه القوات والمقدرة بثلاثين ألف مقاتل بالتمركز على شط العرب من جهة الدولة الفارسية وذلك انتظارا لوصول بقية الجيش مع المدفعية ، وقد وجدت القوات الفارسية في الضفة المقابلة قوات كبيرة لمملكة المنتفق عسكرت منذ عدة أيام بقيادة حاكمها الأمير عبدالله بن محمد والذي تحرك بقواته عندما وصله من العثمانيين خبر تحرك الفرس وذلك في محاولة منه لمنع الفرس من عبور شط العرب ، يذكر ج.ج. لوريمر ، في كتابه دليل الخليج ، الجزء التاريخي ، ج:4 ، ص: 1849 ((( وفي صباح 16 مارس وصلت الأنباء الى البصرة بظهور طليعة الجيش الايراني ومعظم فرقه الأخرى المؤلفة من 30 ألف راكب وراجل الى مصب صويب أحد روافد شط العرب على الضفة اليسرى من النهر الرئيسي ، وعلى مسافة 35 ميلا أعلى البصرة ، وكان منتظرا وصول المؤخرة ، وبها المدفعية والقائد العام ، خلال يومين . وقد وجد الأيرانيين أنفسهم في أول الأمر في مواجهة قوات عربية كبيرة عسكرت منذ أيام على الضفة اليمنى من شط العرب ، لتمنع عبور الغزاة))). ثم شاهدت قوات المنتفق السفن الفارسية المزوده بالمدافع تتجهز لقصف الشاطىء تمهيدا للإنزال البحري فيه لذلك أدركوا استحالة صد الإنزال الفارسي على ضفة النهر الا بتدخل السفن العثمانية ، تبع ذلك قيام أسطول دولة بني كعب بسد مدخل شط العرب مما أجبر قوات المنتفق على ترك هذه الجبهة والإنسحاب الى الداخل ، يذكر المؤرخ والمستشرق الألماني البارون ماكس فرايهير فون أوبنهايم ، في كتابه البدو ، ج:4 ، ص: 89 ((( وعندما عبر الجيش الفارسي ، قادما من الحويزة ، شط العرب تحت القرنه ، قطع أسطول كعب خط سفن الحجز التركية ووضع نفسه تحت تصرف الفرس لنقل المؤن والذخائر))). ويذكر د. طارق نافع الحمداني ، في كتابه الخليج والجزيرة العربية بين القرن السادس عشر والقرن العشرين، ص: 198 ((( وعلى ذلك فقد استطاع كريم خان تجهيز ثلاثين سفينة حربية محمله بالمدافع عند غزوه للبصرة ، وكانت هذه المدافع تستطيع ضرب المدينة من الماء، وتسند محاولات الجنود الذين يقاتلون في البر))). انسحب حاكم مملكة المنتفق الأمير عبدالله بن محمد من شط العرب بعد اتضاح استحالة منع القوات الفارسية من عبور النهر بدون تواجد قوات بحرية تصد السفن الفارسية المزوده بالمدافع القادرة على قصف الشاطيء ، واتجه برفقة 15 ألف مقاتل من جنوده الى بلدة الزبير التابعة له وعسكر حولها لحمايتها ، وارسل لوالي البصرة العثماني يخبره بتعهد مملكة المنتفق بالدفاع عن مدينة البصرة ، وقد أرسل ابن أخيه الأمير ثامر بن سعدون بقوات الى داخل مدينة البصرة لتدعم القوات التي أرسلت مسبقا للبصرة بقيادة ابنه الأمير ثويني بن عبدالله ، يذكر د. طارق نافع الحمداني ، في كتابه الخليج والجزيرة العربية بين القرن السادس عشر والقرن العشرين، ص: 179 ((( عهد لقبائل المنتفق، بقيادة الامام عبدالله السعدون، أن ترابط على الجانب الغربي في شط العرب، وذلك للحيلولة دون عبور القوات الفارسية النهر. غير ان الامام عبدالله قد انسحب من مواقعه عندما بدأت القوات الفارسية تعبر النهر في السابع عشر من آذار 1775م. وصل الامام عبدالله السعدون في مطلع نيسان بقواته المؤلفة، كمايقول بارسنز، من خمسة عشر ألف رجل، الى الزبير ، التي تبعد 12 ميلا عن البصرة، ووعد بتقديم مساعدته الى الحكومة في الدفاع عن المدينة))). ويذكر المؤرخ الإنجليزي ستيفن هيمسلي لونكريك ، في كتابه أربعة قرون من تاريخ العراق الحديث, ص: 228 ((( هذا عدا عن ماحدث من رجوع قسم من شيوخ المنتفك للانجاد كالشيخ ثامر , وقد ابقي في البصرة , والشيخ عبدالله وقد اضطلع بحماية الزبير ))). وقد أسست مملكة المنتفق معسكر قوي كخط دفاعي لها بالزبير وتم تخزين كمية كبيرة جدا من الأمدادات هناك. ثم بدأت القوات الفارسية بحصار البصرة والتمركز حولها في حصار طويل استمر لاكثر من سنة وشاركت في الدفاع عن البصرة خلال هذه المدة قوات من ثلاث دول عربية أدركت كلها خطورة التحرك الفارسي على وجودها ، وهذه الدول هي دولة عمان ودولة بني خالد ومملكة المنتفق ، يذكر المؤرخ حمد بن لعبون ، مؤرخ الدولة السعودية الأولى والثانية ، ولد قبل عام 1768م وتوفي 1844م، كتاب تاريخ حمد بن محمد بن لعبون , ص: 512 ((( وفي سنة 1189: حاصر العجم البصرة . سار بهم كريم خان الزندي . واستمر الحصار سنة ونصف , ومتسلمها من جهة الروم سليمان باشا وفيها : ثويني بن عبدالله آل شبيب وغيره من المنتفق والعرب))). استمرت محاولات إقتحام المدينة طوال فترة الحصار ، ومنها ماحصل في يوم 9 ابريل عندما حاول الإيرانيون اقتحام المدينة الساعة الثانية بعد منتصف الليل الا ان قوات الأمير ثامر بن سعدون آل شبيب قد صدتهم في معركة استمرت ساعتين (في ليلة مظلمه) وقتلت منهم 21 مقاتل وقامت قوات المنتفق بتعليق روؤسهم خارج أسوار البصرة ، يذكر ج.ج. لوريمر ، في كتابه دليل الخليج , القسم التاريخي , ج4 , ص: 1858 ((( وفي حوالي الساعه الثانيه من صباح 9 ابريل ، وكانت الليلة تامة الاظلام بلا قمر ولا نجوم حاولت جماعات من الايرانيين تسلق الأسوار في أماكن مختلفة بين بوابتي الزبير وبغداد ، ودار القتال رجلا لرجل بين المهاجمين والمدافعين واستمر التلاحم أكثر من ساعتين ... وحين انتشر ضياء النهار تبين أن المدافعين عن البصرة استطاعوا صد الهجوم ، ورأى مستر بارسونز بعد ذلك 21 رأسا من رؤوس الايرانيين معلقة على بوابتي الزبير وبغداد ... وظهر أن الفضل الأكبر في صد هجوم الأيرانيين الليلة الماضية كان يرجع للشيخ ثامر ورجاله المحاربين))). وهذه خريطة توضح البوابتين اللتين حاول الأيرانيون اقتحامها في تلك الليلة: لقد كان أخر ذكر تاريخي لحاكم مملكة المنتفق الأمير عبدالله بن محمد في هذه الأحداث ، حيث يرد حدث يدل على وفاته في هذه الأثناء ، فقد وصل لعلم الإيرانيين أن قوات مملكة المنتفق قد انسحبت من معسكرها القريب من الزبير وبشكل مفاجىء وتركت خلفها الكثير من مواد التموين (مايكفي لتموين البصرة لمدة شهرين) ، وعندما اتجهت القوات الفارسية لمكان المعسكر وجدوه خاليا من الجنود والذين تركوا خلفهم مواد التموين، يذكر ج.ج. لوريمر ، في كتابه دليل الخليج , القسم التاريخي , عند تقديره لحجم مواد التموين التي غنمها الفرس من المعسكر الخالي من الجنود ،ج4 , ص: 1858 ((( والتي جاء عنها في أحد التقديرات أنها تكفي تموين البصرة كلها شهرين كاملين))). ويمكننا أن نتستنتج بشكل شبه مؤكد من هذا الحدث وفاة حاكم مملكة المنتفق الأمير عبدالله بن محمد بن مانع آل شبيب في هذه الأثناء وخوف معسكره من وصول الخبر للفرس واستغلالهم لهذا الخبر بالهجوم على معسكر مملكة المنتفق العسكري القريب جدا من معسكر الفرس ... لذا تم الإنسحاب من قبل الجنود بعتادهم العسكري فقط وتركوا المؤن والإمدادات الضخمه خلفهم حتى لاتبطيء انسحابهم وتجعلهم عرضه للهجوم. استمرت قوات مملكة المنتفق وقبائلها بايصال الإمدادات الى مدينة البصرة المحاصرة وقد قامت قوات دولة بني خالد وقبائلها بنفس الدور أيضا، الا أن قوات المنتفق كانت تعاني من كونها يجب أن تحمي جبهتين الأولى الجبهة الفارسية والثانية شمال مملكة المنتفق وهي جبهة قبائل الخزاعل الذين تعاونوا مع الفرس ، يذكر المؤرخ الإنجليزي ستيفن هيمسلي لونكريك ، في كتابه أربعة قرون من تاريخ العراق الحديث ، ص: 230 ((( وقد مكنت مؤازرة جماعات من المنتفك وبني خالد ، في خارج المدينة ، القوافل من الوصول الى المدينة المحاصرة بالرغم من تحالف المهاجمين مع الخزاعل واستفادتهم منها في مقابل ذلك))). يتحدث د. طارق نافع الحمداني ، عن متسلم البصرة وعلاقته ببني خالد، في كتابه الخليج والجزيرة العربية بين القرن السادس عشر والقرن العشرين ، ص: 175 ((( لقد شعر بنو خالد بأن مصالحهم المختلفة، سواء المتعلقة بحماية القوافل التجارية الوافدة الى البصرة ، أو الحصول على المواد الغذائية، بخاصة التمور، سيلحقها الضرر جراء الحصار الفارسي للبصرة واحتلالها، لذلك وقف بنو خالد الى جانب متسلم البصرة في الدفاع عن المدينة ومساندتها. ففي المراحل الأولى من الحصار الفارسي قام بنو خالد، الى جانب المنتفق، بدور كبير في ايصال الامدادات الى المدينة))). ويتحدث، د. طارق نافع الحمداني ، عن متسلم البصرة العثماني وعلاقته بالمنتفق ، حيث كانت مدينة البصرة تقع بداخل أراضي مملكة المنتفق وسلطة المتسلم لاتتجاوز أسوارها ، وذلك في كتابه الخليج والجزيرة العربية بين القرن السادس عشر والقرن العشرين ، ص: 177 ((( حرص متسلم البصرة بشكل مستمر على كسب صداقة قبائل المنتفق، وذلك لضخامة قواتها القبلية، والتي كانت تشكل خير دعم له عندما تتعرض مدينة البصرة لخطر أو عدوان خارجي، بخاصة وأن سلطانه لم يكن يتعد أسوار المدينة نفسها))). وبعد أن ضاق الحصار على البصرة وبدأ ينتشر بها الجوع ، وصل أسطول حاكم عمان في موقف عربي مشرف وهذا الأسطول مكون من أكثر من ثمانين سفينة كبيرة مزوده بالمدافع ، ومن عشرة آلاف مقاتل، ويحمل الكثير من التموينات لأهالي البصرة ، يذكر د. طارق نافع الحمداني ، في كتابه الخليج والجزيرة العربية بين القرن السادس عشر والقرن العشرين ، عند حديثه عن أسطول عمان ، ص: 168 ((( كان مؤلفا من سفينة القيادة الرحماني، المصنوعة في بومباي، ومن 34 سفينة حربية، أربع منها بنيت في بومباي تحمل 44 مدفعا، وخمسة سفن من نوع الفرقاطة مزودة بـ (18 – 24) مدفعا، وأعداد كثيرة من السفن الصغيرة التي يتراوح تسليح كل منها مابين 8 الى 14 مدفعا، وقد بنيت الأخيرة في ميناء مسقط وغيره من الموانئ الأخرى. وكما تقدر المصادر العمانية نفسها، فقد كان عدد سفن الأسطول أكثر من ثمانين سفينة، وعلى متنها عشرة آلاف رجل وكميات كبيرة من المؤن الضرورية لمدينة البصرة))). وقد وصل الأسطول العماني كاستجابة من امام عمان الامام أحمد بن سعيد للطلب الموجه اليه من قبل الأمير ثامر بن سعدون آل شبيب والمحاصر في مدينة البصرة ، يذكر د. عماد عبدالسلام رؤوف ، في كتاب رحلة القائد العثماني سيدي علي التركي ، وهو الكتاب المتضمن لعدة أبحاث أخرى عن الجزيرة العربية والعراق في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر ، ص: 101 ((( ففي أثناء حصار جيوش كريم خان الزند حاكم ايران مدينة البصرة سنة 1775م ، استجاب الامام أحمد بن سعيد (حكم من 1749م الى 1783م) لطلب من شيخ المنتفق ثامر بن سعدون للمساعدة في فك الحصار))). وقد وجد الأسطول مدخل شط العرب مسدودا بسلسلة كبيرة من قبل الفرس بالاضافة الى تواجد المدفعية على جانبيه لمنع اقتحامه ، وبعد انقطاع السلسلة في ليلة عاصفة دخلت القوات العمانية بسفنها شط العرب تحت قصف عنيف من المدفعية الفارسية والتي فشلت في ايقاف الهجوم العماني ، يذكر د. طارق نافع الحمداني ، في كتابه الخليج والجزيرة العربية بين القرن السادس عشر والقرن العشرين، ص: 169 ((( ولما كان الشط مسدودا بفعل السلاسل الحديدية المنصوبة عليه لعرقلة وصول الامدادات، فضلا عن المدفعية التي وضعها الفرس على طرفي السلسلة من جانبي النهر لغرض نفسه، فقد وقف الأسطول العماني منتظرا الفرصة الى نهاية شهر أيلول ... وفي منتصف شهر تشرين الأول، انقطعت السلسلة الحديدية المنصوبة على شط العرب، وذلك بفعل الرياح العاتية التي تعرضت لها، وقد اندهش رجال الأسطول العماني لهذه الصدفة الغريبة، ولذلك فقد اندفعوا بسرعة في اليوم التالي ودخلوا شط العرب. وعلى الرغم من الرياح الشديدة والقصف المدفعي الكثيف فقد دخل الأسطول العماني في 14 تشرين الأول مع خسائر طفيفة))). يذكر ج.ج. لوريمر في كتابه دليل الخليج , القسم التاريخي , ج4 ، وصول الأسطول العماني, ص: 1865 (((وبعد القضاء على اسطول من السفن الايرانية يقوده الشيخ ناصر شيخ بوشهر وصل أسطول قوي أرسله امام عمان لمساندة الأتراك ، واتخذ الأسطول مواقعه عند مدخل شط العرب ، فأمن السيطرة على هذا النهر فترة ما ، وانتهزت هذه الفرصة لتوصيل الامدادات الى المدينة كي تستطيع الصمود والدفاع ))). ثم بعد مرور مدة على وصول الأسطول العماني الى البصرة بدأ الأسطول يعاني من نقص الامدادت بالإضافة الى وصول تعزيزات فارسية ، لذلك قرر قائد الأسطول العماني الإنسحاب الى بلاده خصوصا بعد انتشار أخبار ان الفرس سوف ينتقمون من دولة عمان بالهجوم عليها ، يذكر د. طارق نافع الحمداني ، في كتابه الخليج والجزيرة العربية بين القرن السادس عشر والقرن العشرين، ص: 172 ((( غير أنه بمضي الوقت أخذت مؤن العمانيين بالتناقص، ولم تصل النجدات لا من جانب السلطان العثماني في القسطنطينية ولا من عند والي بغداد، بينما كانت الامدادات في المؤن والرجال متواصلة للجانب الفارسي من شيراز، ومنها وصول قوة كبيرة يقودها علي محمد خان زند لتنضم الى قوات صادق خان. وبسبب هذه الأوضاع، كما تؤكد المصادر العمانية المحلية، انسحب الأسطول العماني الى بلاده وذلك في أوائل عام 1776م))). ويذكر أيضا عند حديثه عن أسباب انسحاب قائد الأسطول العماني ، في كتابه الخليج والجزيرة العربية بين القرن السادس عشر والقرن العشرين، ص:221 (((خشية تأثير النقص الحاصل في المؤن على جنوده، واحتمال قيام كريم خان بالهجوم على عمان مستغلا انشغال الأسطول العماني بمساعدة عرب البصرة))). بعد انسحاب الأسطول العماني واصلت قوات مملكة المنتفق وقوات دولة بني خالد دعم المدينة المحاصرة وسهلوا وصول القوافل والامدادات اليها ، يذكر د. طارق نافع الحمداني ، في كتابه الخليج والجزيرة العربية بين القرن السادس عشر والقرن العشرين، ص:180 ((( والذي يمعن النظر في الدور الذي قامت به قبائل المنتفق، يجد بأن هذا الدور يزداد أهمية منذ انسحاب الأسطول العماني من البصرة في أوائل عام 1776م. ذلك لأن المدينة في هذا الوقت أخذت تعاني من نقص الامدادات بسبب وطأة الحصار الذي فرضه الفرس عليها، وقد مكنت مؤازرة جماعات من قبائل المنتفق وبني خالد في خارج المدينة المحاصرة، القوافل من الوصول اليها))). الا ان الحصار الفارسي أخذ يزداد قسوة ويقفل الطرق المؤدية الى المدينة بشكل أكثر إحكاما، يذكر د. طارق نافع الحمداني ، في كتابه الخليج والجزيرة العربية بين القرن السادس عشر والقرن العشرين ، ص: 175 ((( لقد افتقدت البصرة الكثير من المؤن بعد انسحاب الأسطول العماني منها مطلع عام 1776، وهنا قام بنو خالد باختراق بساتين النخيل بعمليات فدائية لايصال المؤن المطلوبة الى المدينة المحاصرة. من الواضح أن بني خالد الذين كانوا يتجولون على طول الشاطئ العربي مابين البصرة والقطيف، كانوا على علم بالمنطقة ودروبها. اذ كانوا يقددمون سنويا الى البصرة في موسم التمر للحصول على مايحتاجون اليه، ويبدو بأن هذا الأمر كان بموافقة متسلم البصرة أو قبائل المنتفق، التي كان لها النفوذ والسطوة على القبائل العربية المنتشرة في جنوب العراق حتى حدود الكويت. وعلى أية حال، فان انسحاب الأسطول العماني قد مكن صادق خان من تشديد حصاره للبصرة، وزيادة الدوريات الفارسية حولها، وهذا ماكان يعوق نشاطات بني خالد في ايصال التموينات الى المدينة، ومع ذلك فقد تسللت مجموعة صغيرة منهم عبر التحصينات الفارسية، ولكنها اصطدمت بقوة فارسية كبيرة مما اضطرها الى الانسحاب، وهذا ماكان يتماشى مع طريقة الكر والفر التي يقوم بها بنو خالد لاطريقة المجابهة المباشرة مع العدو المتفوق في العدة والسلاح))). لقد كانت مدة حصار البصرة والتي وصلت الى سنة كاملة كافية الى وصول القوات العثمانية من القسطنطينية أو من بغداد ، لكن يبدو أن السلطان العثماني ووالي بغداد لم يكونوا يرغبون في تقديم مساعدة فعاله للمدينة المحاصرة ، وهذا ماأدى الى أحباط معنويات المدافعين عن المدينة من العرب، يذكر ج.ج. لوريمر ، في كتابه دليل الخليج ،الجزء التاريخي ، ج:4 ، ص: 1804 ((( وكانت مدة السنة التي انقضت بين حصار البصرة وسقوطها كافية لوصول أي عون اليها من بغداد أو حتى القسطنطينية ، لكن يبدو أنه لا الباشا ، وهو (حاكم ضعيف وجشع) ولا السلطان كانا مستعدين لتقديم أي عون فعال للمدينة المحاصرة))). ومازاد الطين بله هو وصول رسالة من والي بغداد تأمر متسلم البصرة (سليمان) بتسليم المدينة للفرس ، وبذلك أيقن العرب تواطؤ والي بغداد مع الدولة الفارسية ضدهم ، لذلك قرر أهالي البصرة إرسال وفد للتفاوض مع الفرس لتسليم المدينة وأباحوا للفرس كل مافيها مقابل تعهد الفرس بسلامة النفوس والأعراض في موقف عصيب يعتبر من المأسي التي واجهها سكان البصرة تاريخيا ، يذكر العالم الشيخ محمد بن العلامة الشيخ خليفة بن حمد بن موسى النبهاني الطائي (كان هو ووالده مدرسين بالمسجد الحرام.. وهو معاصر للحرب العالمية الأولى وسبق له تولي قضاء البصرة)، في كتابه التحفة النبهانية في تاريخ الجزيرة العربية ، قسم البصرة ، ص: 321 ((( ثم ظهر للأهالي بأن مصطفى باشا متباطن مع العجم وان كان متجاهرا بالبغض لهم أمام العامة. ثم كتب مصطفى باشا الى متسلم البصرة (سليمان بيك) بأن المدد من الدولة بطيء . فاما تصطلح مع العجم أو تسلم لهم البلدة. وكتب أيضا مصطفى باشا الى الدولة بأن صلحنا مع العجم انتظم وأن جيوشهم تفرقت عن البصرة وعادت الى مقرها. ولما وصل كتاب مصطفى باشا الى سليمان بيك قرأه على أعيان البصرة فعلموا حينئذ بالهلاك والبوار. وخرج جماعه منهم الى قائد العجم طالبين منهم الأمان للنفوس والأعراض))). وعند وصول هذه الأخبار الى قوات بني خالد ، أدركوا خطورة احتلال البصرة من قبل الفرس على دولتهم لذلك انسحبوا الى الأحساء للتجهز للأيام القادمة ، يذكر المؤرخ الإنجليزي ستيفن هيمسلي لونكريك ، في كتابه أربعة قرون من تاريخ العراق الحديث ، انسحاب بني خالد ، ص: 231 ((( وقد انسحب بنو خالد الى واحاتهم ممعنين نحو الجنوب))). وقد انسحب أمراء المنتفق ( الأمير ثامر والأمير ثويني ) من داخل المدينة مع قواتهم بشكل سري ، قبل تسليمها من قبل واليها وسكانها. وبعد أن تم تسليم المدينة ارتكب الفرس افعالا شنيعه واذلوا أهلها ، يذكر أفعال الفرس فيها المؤرخ العثماني الشيخ عثمان بن سند الوائلي البصري (المعاصر للأحداث) ، في كتابه مطالع السعود بطيب أخبار الوالي داود ، ص: 84 ((( فخرج جماعة من الأعيان طالبين من صادق خان الامان للنفوس والاعراض وأباحوا له ماسواهما، فدخل البصرة ولم يبق ماثم ومظالم الا ارتكب منها المتون، وعمل من فنون الظلم مالا تتصوره من غيره الظنون، وقبض على سليمان وجماعة من الاعيان فانالله وانا اليه راجعون. فضاق من أهلها ساحة الصبر ولاسيما وعلى المنابر يسب ابوبكر وعمر وعثمان في السر والجهر، ونودي بحي على خير العمل، وهرب العلماء ومن عز انخذل، واضحى كل مسجد دارسا ومواضع العلم بلا معلم ودراس، وامكنة التحديث اتخذت للحدث امكنة ، وامكنة اقامة الخمس لاكارم الصحابة ملعنة ، والاكابر ترسف بالاداهم ، والاعناق مطوقة باطواق المغارم ، وبدل من الانبساط العصي والسياط كم مخدرة تنادي واويلاه وحرة تقول واطول ليلاه حتى ظن ان يد العدل لاترى لها في البصرة بسطة)))). ثم بدأ الحاكم الفارسي بالتجهيز للخطوة التالية وهي احتلال الساحل العربي بأكمله وصولا الى عمان للسيطرة على كل المؤانيء العربية فيه وقد كانت الخطوة الأولى لتنفيذ ما يسعى اليه هي اخضاع كامل العراق ، يذكر ج.ج. لوريمر ، في كتابه دليل الخليج , القسم التاريخي , ج4 , ص: 1869 , متحدثا عن كريم خان الزندي بعد احتلاله للبصرة ((( كما أمر بأن يقدم اليه وصف تفصيلي وواضح للبلاد الممتدة من البصرة باتجاه مسقط , ومن هذه التعليمات الأخيرة يبدو أن الوكيل لم يكن يهدف لأن يستغل هذا الأقليم ماليا فقط , بل وينوي أيضا اتخاذه قاعدة لفتوحات أخرى))). لقد أراد الحاكم الفارسي أيضا احتلال الدول العربية التي دعمت مدينة البصرة والانتقام منهم وهذه الدول هي مملكة المنتفق ودولة بني خالد ودولة عمان. وكانت أول هذه الدول والتي تمثل خطرا عليه وتقف حجر عثرة في طريقه هي مملكة المنتفق لذلك أصبحت هدفا رئيسيا للفرس منذ تلك اللحظة. 6- مملكة المنتفق تقف وحدها أمام الجيوش الفارسيه وتبيدها بمعركتين ثم تحرر البصرة: بعد تسليم البصرة للفرس من قبل واليها العثماني سليمان باشا ، وجدت مملكة المنتفق (وحكامها في تلك الفترة الأمير ثامر بن سعدون والأمير ثويني بن عبدالله – أخو ثامر من أمه وولد عمه) أنها تقف وحدها أمام القوات الفارسية ، وقد كان الفرس يدركون الخطورة التي تشكلها عليهم مملكة المنتفق خصوصا وأن الفرس لم يكونوا يسيطرون سوى على مدينة البصرة ذاتها والتي كان سكانها يتطلعون لمساعدة مملكة المنتفق وحكامها وقبائلها لهم ، يذكر د. طارق نافع الحمداني ، في كتابه الخليج والجزيرة العربية بين القرن السادس عشر والقرن العشرين ، ص: 181 ((( ظلت مناطق المنتفق وديارها من أكثر المناطق التي تشكل خطرا على الجيش الفارسي ذلك لأن المنتفق ، الذين كانوا يسيطرون على هذه المنطقة المليئة بالأهوار والمستنقعات ، لم يدخلوا في معارك مباشرة مع الفرس حتى الآن ، وهم في الوقت نفسه يعدون عنصر الامداد الأساسي للمدينة المحتلة. والأهم من ذلك ، يبدو أن أهل البصرة ، وبعد أن أصبحت مدينتهم تحت الاحتلال ،أخذوا يتطلعون الى قوة قبائل المنتفق لانقاذهم، لأن الحاكم الفارسي لم يكن بحوزته سوى المدينة نفسها وعدة من البساتين المجاورة. وكان رجال المنتفق في هذه الأثناء بالمرصاد لأي ضعف أو وهن يبديه الفرس من أجل التعرض لهم))). أدركت الدولة الفارسية صعوبة موقف مملكة المنتفق وإستحالت تلقيها لأي دعم في مواجهة الفرس ، لذلك قرر الفرس فرض شروطهم ووجهوا لحكام مملكة المنتفق طلبا بالخضوع وقد تم رفض هذا الطلب، مماأدى الى أن يقوم الفرس بتجهيز حملة من عشرة آلاف مقاتل ومزوده بالمدافع ويقودها صادق خان الزندي (أخو حاكم الدولة الفارسية) ، واجهت قوات مملكة المنتفق هذا الجيش في منطقة الفضلية واستطاعت أن تبيده بشكل شبه كامل في معركة عرفت بمعركة الفضلية ، ولم ينجو من الجيش الفارسي سوى قائد الجيش وبعض خاصته الذين هربوا للبصرة وهم مذعورين ومصدومين ، حيث أن المعركة كانت سريعة وقام قائد الفرس بوضع نهر الفرات خلف جنوده حتى يتجنب هجوم المنتفق عليهم من الخلف ، الا انه بعد الهزيمة اضطر الجنود الفرس للهرب الى النهر ولحق بهم فرسان المنتفق وقتلوا معظمهم على ضفته ، يذكر العالم الشيخ محمد بن العلامة الشيخ خليفة بن حمد بن موسى النبهاني الطائي (كان هو ووالده مدرسين بالمسجد الحرام.. وهو معاصر للحرب العالمية الأولى وسبق له تولي قضاء البصرة)، في كتابه التحفة النبهانية في تاريخ الجزيرة العربية ، قسم المنتفق، عند حديثه عن الحوادث في زمن الأمير ثويني بن عبدالله ، ص: 402 (((إن من أهم الحوادث في زمنه هي زحف الأعاجم (أهل فارس) نحو المنتفق بعد احتلالهم البصرة سنة (1190هـ 1775م) ... وقد طمعوا في غزو بلاد المنتفق فساق (صادق خان) جنوده نحو عشائر المنتفق فبرز لهم الشيخ ثويني بجموعه والتقى معهم في الموضع المسمى (الفضيلة) قرب ساحل الفرات الغربي. وتصادمت الأبطال في ذلك المكان وحمي وطيس القتال فلم يك إلا برهة من الزمان حتى أدبرت الأعجام مكسورة أمام ضراغمة المنتفق وخسروا أنفساً كثيرة. ومات معظم من سلم من القتل غرقاً في النهر. وذلك لأن قائد العجم استحسن بأن يجعل نهر الفرات خلف جنوده حفظاً لهم من حدوث طارئ يهاجمهم من الخلف لما عرفوه من خفة سرعة خيالة العرب في الالتفاف على العدو (وقطع خط الرجعة عليه) فكان ذلك الرأي هو السبب لدمار جنوده لأنه لما بدأ فيهم الفشل وأرادوا الهزيمة لم يجدوا مفراً سوى العبور في النهر إلى الجانب الآخر. فلحقتهم فرسان العرب تثخنهم ضرباً وطعناً وهم على حافة النهر. ففقدوا معظم قوتهم وذهب من نجا منهم إلى البصرة ودخلوها متقمصين ثوب الفشل والقهر))). ويذكر معركة الفضلية ، د. طارق نافع الحمداني ، في كتابه الخليج والجزيرة العربية بين القرن السادس عشر والقرن العشرين، ص: 182((( وهنالك دارت معركة سريعة بين الطرفين ، أسفرت عن اندحار الفرس وتكبدهم لخسائر فادحة. ويعود سبب ذلك ، كما ترويه المصادر المحلية المعاصرة، لأن الفرس قد وضعوا خلفهم نهر الفرات حتى لايهجم عليهم رجال المنتفق من الخلف، غير أنه لما حلت بهم الهزيمة لم يجدوا مفرا الا النزول في الماء لأجل العبور الى الجانب الآخر، فلحق رجال المنتفق بخيولهم وأوقعوا فيهم الضرب والطعن حتى أجهزوا على معظمهم))). ويذكر دخول صادق خان الزندي للبصرة بعد الهزيمة وهروبه وتركه لجنوده خلفه يواجهون القتل ، المؤرخ العثماني الشيخ عثمان بن سند الوائلي البصري (المعاصر للأحداث) ، في كتابه مطالع السعود بطيب أخبار الوالي داود ، ص: 87 ((( وولى جيش ذلك العلج الادبار وركب من الهزيمة الظهر والقفار، وخلع من بغيه برده، ونجا بنفسه ناسيا جنده، وذلك في موضع يسمى الفضلية قريبا من الفرات على الناحية الغربية، فرد الله كبد ذلك الرافضي في نحره، وجازاه عما فعله في اهل البصرة بكسره، ورجع من معه الى البصرة، والله قد اذاقه ذله وقهره، حتى كاد يموت غما لكون عسكره، اما قتلى واما كلمى))). لقد كان وقع الخسارة على حاكم الدولة الفارسية كريم خان الزندي شديدا ، وقد توعد باستئصال المنتفق عن بكرة أبيهم ، وقام بإرسال قوات الى أخيه في البصرة وأمر بتجهيز حملة أكبر وأن تكون الحرب حرب استئصال ، وأمر بأن يكون أخوه محمد علي خان الزندي على رأس الحملة وأن يرافقه اثنين من أخوانه ولم يكن يعرف أنه كان يرسل أخوانه لحتفهم بل كان يرسل جيشا كاملا من خمسة عشر ألف مقاتل لحتفه ، يذكر ابن الغملاس ، في كتابه البصرة .. ولاتها ومتسلموها من تأسيسها حتى نهاية الحكم العثماني , ص 78 ((( فلما وصل الخبر الى شيراز غضب كريم خان الزندي فجمع عسكرا ضخما مدهشا وأرسلهم في قيادة محمد علي خان الزندي ليستأصلوا المنتفق عن أخرهم , ولما أخبر رؤساء المنتفق بذلك تهيأوا لهم واستعدوا للموت))). وفيما كانت القوات الفارسية تستعد لحملة ثانية ضد مملكة المنتفق وحكامها ، قام الفرس بالإعتداء على سكان مدينة البصرة الذين أبتهجوا لإنتصار المنتفق ، ثم أراد الفرس الانتقام من حكام مملكة المنتفق ، لذلك قاموا بتحرك عسكري مفاجىء تجاه بلدتين تابعتين لمملكة المنتفق وهما بلدة الزبير وكويبدة (التي كانت عاصمة قديمة للمنتفق أحرقها والي البصرة أفراسياب قبل قرن ونصف من الزمان تقريبا) ، حيث تحرك القائد الفارسي في البصرة بشكل مفاجيء في أحد الليالي وفي وقت متأخر من المساء وقام بإرتكاب مذبحة في الزبير وقتل 700 من سكانها وأحرقها ثم اتجه شمالا الى كويبدة وقتل سكانها وأحرقها وعاد للبصرة ، يذكر د. طارق نافع الحمداني ، في كتابه الخليج والجزيرة العربية بين القرن السادس عشر والقرن العشرين، ص: 182((( لقد أدى انتصار عرب المنتفق الخاطف الى زيادة ضغط الفرس على سكان مدينة البصرة حيث أرادوا الانتقام منهم مقابل خسارتهم. وعلى ذلك قاموا بهجوم مفاجئ على مدينة الزبير، التي كان عدد سكانها آنذاك يبلغ 700 نسمة، فأحرقوا بيوتها وذبحوا عددا كبيرا من أهلها، ثم واصلوا سيرهم نحو قرية كويبدة – على بعد عدة أميال من الزبير على طريق القوافل الى حلب – ففعلوا بها الشيء نفسه ، وقد لاحظ كابر آثار التدمير الوحشية التي قام بها الفرس في هاتين المدينتين عند مروره بهما عام 1778. لقد بقي علي محمد خان يصول ويجول في البصرة، ويذيق أهلها أنواع العذاب والظلم والاستبداد، وبعدها وجه قواته نحو قبائل المنتفق، لأخذ الثأر منها))). و يذكر ج.ج. لوريمر في كتابه دليل الخليج , القسم التاريخي , ج4 , ص: 1874 ((( وكان الحاكم الأيراني ، أو نائب الحاكم ، رجلا فظا قاسيا، حاول في البداية أن يتظاهر بالأعتدال والأنصاف ، لكنه سرعان ما أفسح المجال أمام عواطفه وغرائزه كي تمارس نشاطها ، فلم يصبح أحد من هذه المدينة في مأمن على حياته أو ماله. ولم تكن اعتداءاته ونزواته هذه قاصرة على الأفراد فقط . ففي احدى الليالي وتحت جنح الظلام قام بهجوم مفاجيء من البصرة على الزبير فأحرق بيوتها وذبح عددا كبيرا من أهلها ، ثم واصل السير الى قرى الكويبدة ، التي تبعد عدة أميال عن الزبير على طريق القوافل الى حلب ، ففعل بها الشيء نفسه ، ثم عاد أدراجه الى البصرة))). وعندها كان صادق خان قد رجع الى البصرة برفقته التجهيزات ومتوعدا بالثأر من حكام مملكة المنتفق (الأمير ثامر والأمير ثويني) ومن قبائلهم ، يذكر المؤرخ العثماني الشيخ عثمان بن سند الوائلي البصري (المعاصر للأحداث) ، في كتابه مطالع السعود بطيب أخبار الوالي داود ، ص: 88 ((( ثم ان العجمي عزم على غزوهم اخرى قائلا: اخذ الثار بالملوك مثلنا احرى فجمع جنودا تزيد على جنوده الاولى اضعافا، ورجع صادق خان الى البصرة شاهرا صوارم واسيافا، ومادرى انه كالحافر عن حتفه بظلفه، وان الزمان دائر على الباغي بصرفه، فلما تكاملت اجناده، وتخايلت بطرا امداده ، قائلين: سيعلم ثويني وثامر من عليه تدور ان لاقيناهما الدوائر ، فخرجوا من البصرة بزحوف وجنود في اسيافهم يلمع الحتوف ، والمقدم عليهم محمد علي خان وهو في قومه من البسالة في مكان))). لقد كان تأثير قتل سكان بلدة الزبير وبلدة كويبدة كبيرا على حكام مملكة المنتفق ، لذلك قرروا تلقين الفرس درسا قاسيا وأخذوا بتجهيز خطة عسكرية للأيقاع بالجيش الفارسي الذي كان على وشك التحرك تجاههم ، وكانت الخطة أن يقوم الأمير ثامر بن سعدون بقيادة ألفين من الفرسان والظهور أمام أسوار البصرة ثم الإنسحاب شمالا وذلك لسحب الفرس الى كمين كان معد مسبقا ، حيث ينتظرهم أكثر من 15 ألف مقاتل من المنتفق بقيادة الأمير ثويني بن عبدالله في أرض محاطه بالماء من ثلاث جهات والجهة الرابعة مفتوحه لدخولهم .. بالإضافة الى أن أرض المعركة تم رشها بالماء مسبقا حتى تعيق تحرك المدافع الفارسية، وفعلا نحجت الخطة وتحرك الجيش الفارسي (قوامه 15 ألف مقاتل) متتبعا للقوات التي يقودها الأمير ثامر بن سعدون وذلك لإعتقاد الفرس أن قوات الأمير ثامر كانت عائده لمعسكرها وبالتالي أرادوا مباغتتها ، وما ان دخل الفرس الكمين حتى اغلق فرسان المنتفق بقيادة الأمير ثامر بن سعدون المدخل وهجموا عليهم منه ومن الجهات الأخرى هجمت عليهم قوات الأمير ثويني بن عبدالله (كلها من المشاة) ، فتم ابادة الجيش الفارسي بالكامل بما في ذلك أخوان حاكم الدولة الفارسية أبناء الأسرة الزندية في معركة عرفت بمعركة أبي حلانة ، يذكر ج.ج. لوريمر في كتابه دليل الخليج , القسم التاريخي ، متحدثا عن خطة المنتفق العسكرية في معركة أبي حلانة مع الدولة الفارسية , ج4 , ص: 1874 ((( وبعدها نجح الشيخ ثامر شيخ المنتفق في استدراج قوة ايرانية كبيرة من البصرة الى مساحة من الأرض , يحدها مجرى الماء من الشمال , وشط العرب من الشرق وخليج من الجنوب وهي تبعد حوالي 17 ميلا عن المدينة , وهناك كان عدد ضخم من عرب المنتفق بانتظار وصول القوة الايرانية , حيث أعملوا فيها القتل حتى أبادوها عن أخرها , وكان من بين القتلى علي محمد خان نفسه ومن هذه الحوادث نستطيع أن نفهم أن الأيرانيين لم تكن لهم أي سيطرة خارج أسوار مدينة البصرة ))). ويقدر الرحالة الإنجليزي كابر المعاصر للأحداث والذي زار البصرة في نهاية عام 1778م عدد قوات الحملة الفارسية بـ 15 ألف مقاتل، يذكر د. طارق نافع الحمداني ، في كتابه الخليج والجزيرة العربية بين القرن السادس عشر والقرن العشرين، ( Capper, op.cit, P.84)، ص: 183 ((( ويقدر كابر القوة الفارسية ضد قبائل المنتفق بحوالي (15 ) ألف رجل))). لقد كانت الغنائم التي غنمتها قوات مملكة المنتفق كبيرة جدا ، ووفدت الشعراء على حكام مملكة المنتفق الأمير ثامر والأمير ثويني فأعطوهم الجواهر في مقابل قصائدهم ، وفرح سكان بغداد والبصرة بهذا النصر وبقتل أخوان حاكم الدولة الفارسية (أبناء الأسرة الزندية) وبزوال خطر الإحتلال الفارسي الذي كان يعيش أخر أيامه على يد أبطال قبائل المنتفق وحكامها، يذكر المؤرخ العثماني الشيخ عثمان بن سند الوائلي البصري (المعاصر للأحداث) ، في كتابه مطالع السعود بطيب أخبار الوالي داود ، ص: 93 ((( وتقاسمت بالكيل الدراهم، واوتدوا البيوت بالصوارم، ووفدت الشعراء على ثويني وثامر، فأجيزوا عن القصائد بالجواهر، واستبشر أهل بغداد والبصرة، بعظيم هذه الدولة والنصرة، وقتل محمد علي خان وسر بقتله أهل الايمان، وممن حضر ذلك اليوم وشكر مشهده من اولئك القوم حمود بن ثامر وهو شب فاوقد الوطيس بصارمه وشب، ومحمد بن عبدالعزيز ابن مغامس، فكر كرة الأسد الدماحس وشبان وشيب من المنتفق والشبيب))). ونذكر هنا أبيات من قصيدة المؤرخ العثماني الشيخ عثمان بن سند البصري (المعاصر للأحداث) والتي قالها على لسان حكام مملكة المنتفق الأمير ثامر بن سعدون و الأمير ثويني بن عبدالله بعد هزيمتهم للفرس ، في كتابه مطالع السعود بطيب أخبار الوالي داود ، ص:90 : إذا لم ترض إلا السيف منّا فإنّا المانعون لما حمينا حماة الجار كم باغٍ لوينا وكم ضمٍّ بمرهفةٍ أبينا أترضى أن يغشمرنا معادٍ ويسقينا ببيض الهند حينا وفينا العزّ نجنيه ببيضً وسمرٍ ينحنين وكم حنينا وغمرة معمعٍ خضنا بخيلٍ رياحٌ لا تسابق إن جرينا وكم من كيخمٍ أردت ظبانا وعزٍّ بالصوارم قد بنينا سقينا من نحاربه بسجلٍ إلى أن عاد منقاداً إلينا وما إن فاتنا ملكٌ بثأرٍ وما عن سعي مأثرةٍ ونينا وما إن سامنا الأمراء خسفاً فإن راموا بنا خسفاً عصينا أسرّة عزّنا صهوات كمتٍ تطير بنا متى نحن اشتهينا تطير بنا إلى أبطال حربٍ كعقبانٍ على صيدٍ هوينا فيا علج الأعاجم إنّ بيضاً نضوناها بقتلك قد وأينا ورثناهنّ عن آباء صدقٍ نضوها قبل ما نحن انتضينا وأوصونا ونوصي وارثينا بتلك البيض ما حرباً جنينا ستندم إن تكن لقيتك منّا فوارس لا يرون القتل شينا (شبيبيّون) أنجبهم نزارٌ يرون عليهم الغارات دينا سنقريك السيوف قرىً جميلاً ونسقيك الحتوف إذا التقينا حتى قال: ولا عذرٌ لنا عن قتل قومٍ سباب الصحب جرّهمو إلينا إذا لم نقرهم بالبيض ضرباً يذيقهم المنون فلا اهتدينا إذا لم نحم من عجمٍ ذماراً بسبّهم الصحاب فلا اتقينا فصبراً يا عدوّ الله صبراً لأسيافٍ بها العليا ارتقينا فعنك يضيق رحب الأرض عمّا قريبٍ، والعلوج تقول إينا بعد خسارة الفرس الضخمة و إبادة القوات الفارسية في معركة أبي حلانة أصاب الذعر والي البصرة الفارسي لذلك ما ان وصل صادق خان الزندي الى البصرة ومعه قوات اضافية (أربع آلاف مقاتل) لدعم الوالي الفارسي فيها ، حتى أرسل رسولا للتفاوض مع حكام المنتفق في محاولة منه للبقاء في البصرة دون اصطدام مع المنتفق، الا انه تم رفض التفاوض من قبل الأمير ثامر، وحاصرت قوات كبيرة من مملكة المنتفق مدينة البصرة ، يذكر د. طارق نافع الحمداني ، في كتابه الخليج والجزيرة العربية بين القرن السادس عشر والقرن العشرين، ص: 185 ((( فعلى الرغم من التعزيزات الفارسية الجديدة التي وصلت الى البصرة بعد هذه الهزيمة والتي تقدر بأربعة آلاف رجل ، الا ان صادق خان ، حاول فور وصوله الى المدينة الاتصال بالشيخ ثامر لمفاوضته وعقد الصلح معه ، الا ان الأخير رفض العروض الفارسية رفضا قاطعا))). لذلك انهارت معنويات الفرس بشكل كبير و اضطر قادة الجيش الفارسي الى التفاوض حول خروج الفرس من البصرة فقط ، يذكر د. طارق نافع الحمداني ، في كتابه الخليج والجزيرة العربية بين القرن السادس عشر والقرن العشرين، وصف الفرس بعد خسارة 15 ألف مقاتل في معركة أبي حلانة ورفض التفاوض مع الجانب الفارسي من قبل مملكة المنتفق، ص: 186 ((( حيث انهارت قواهم العسكرية والمعنوية معا ، ولم يعد لهم خيار غير مغادرة المدينة ، وهذا ماقاموا به حالما ترامت الى مسامعهم وفاة كريم خان الزند عام 1779م. وهكذا تنتهي هذه الصفحة من تاريخ البصرة ، بعد أن شهدت من الأحداث الجسام مالم تشهده من قبل))). وقد تم الإتفاق بين الطرفين بإخلاء سبيل أعيان البصرة الأسرى لدى الفرس مقابل تأمين انسحاب الفرس من المدينة ، وعلى أن تسلم البصرة لحكام مملكة المنتفق ، وقد تم تبادل بعض الأعيان بين الطرفين حتى لايقوم أي طرف بمهاجمة الطرف الأخر أثناء عملية الإنسحاب على أن يطلق كل طرف ماعنده من الأعيان بعد اتمام عملية الانسحاب. وقد كانت معركة أبي حلانة سببا رئيسيا في ايقاف الفرس عن التوغل في العراق ، يذكر العالم الشيخ محمد بن العلامة الشيخ خليفة بن حمد بن موسى النبهاني الطائي (كان هو ووالده مدرسين بالمسجد الحرام.. وهو معاصر للحرب العالمية الأولى وسبق له تولي قضاء البصرة)، في كتابه التحفة النبهانية في تاريخ الجزيرة العربية ، قسم البصرة ، ص: 322 (((وكانت وقعة أبي حلانة هي السبب في تقصير همة العجم عن التوغل في العراق. بل أنها الجأتهم الى الانسحاب من البصرة))). يلخص المعركتين المؤرخ جعفر الخياط ، في كتابه صور من تاريخ العراق في العصور المظلمة, ج : 1 , ص: 209 ((( وكانت الشخصية العربية الأخرى التي يشار لها بالبنان في العراق حينذاك ثويني العبدالله شيخ مشايخ المنتفك , من آل شبيب , الذي أبلى بلاء حسنا , بالاشتراك مع ابن عمه ثامر المحمد المانع , في قتال الفرس حينما جردوا على عشائر المنتفك من البصرة ( وكانوا قد احتلوها في عهد كريم خان زند) حملات قوية استطاع المنتفكيون تدميرها عن بكرة أبيها في موقعتي الفضلية وأبي حلانة))). ويلخص تفاصيل الاحتلال والمعركتين ونتيجتهما المؤرخ والمستشرق الألماني البارون ماكس فرايهير فون أوبنهايم ، وذلك في كتابه البدو , ج 3 , ص: 599 (((صحيح أن المنتفق كانوا قد فوتوا فرصة منع الفرس من عبور شط العرب , لكنهم شاركوا بشجاعة في الدفاع عن المدينة التي قاومت الحصار سنة ونصف السنة والتي كان المنتفق وبني خالد يزودونها بالمؤن . بعد سقوط البصرة تابع المنتفق الحرب . ونصبوا كمينا للفرس المتقدمين على الفرات عند الفضلية , قرب عرقة , وهزموا عند أبو حلانه جيشا ثانيا يقوده أخو كريم خان.ولذلك حصل المنتفق , بعد انسحاب الفرس عام 1779م ,على السلطة في البصرة))). وهكذا استطاع هذان الحاكمان (ثويني وثامر) العبور بدولتهم (مملكة المنتفق) الى بر الآمان في واحدة من أخطر الأحداث التي هددت وجودها تهديدا فعليا .. واستطاعا أيضا حماية شرق وشمال الجزيرة العربية من هذا الخطر الفارسي وخصوصا دول الساحل العربية (دولة بني خالد ودولة عمان). ولقد كانت خسائر معركة أبي حلانة هي أكبر خسارة في عدد القتلى يتلقاه الفرس في القرون المتأخره من عرب العراق دون تدخل عثماني سواء كان هذا التدخل عسكريا او ماديا أو حتى معنويا (بل أن موقف العثمانيين من التحرك العسكري الفارسي وإحتلال البصرة أثر بشكل سلبي معنويا على العرب في العراق وخارجه) ، ويليها في حجم الخسائر إبادة القوات الفارسية في معركة الفضلية السابقة لها ، وهي صفحة مشرقة استطاعت مملكة المنتفق (بحكامها آل سعدون الأشراف وقبائلها وعشائرها وحواضرها وبواديها) أن ترسمها كحدث فريد في تاريخ العراق وكدرس قاسي جدا في تاريخ الفرس الذين فقدوا 24 ألف مقاتل وأخوان حاكمهم من الأسرة الزندية. 7- البصرة تعود لحكام مملكة المنتفق: بعد تحرير البصرة أصبحت المدينة بيد آل سعدون الأشراف حكام مملكة المنتفق ، وقد رفض الأمير ثامر عودة سليمان الكبير (والي البصرة - قبل احتلالها من الفرس) الى البصرة ، وقد كان سليمان يراسل الدولة العثمانية طالبا منهم أن يكون واليا لمدينة البصرة مرة أخرى ، الا أن العثمانيين كانوا غير قادرين على تغيير واقع الحال في المدينة التي كانت تحت سيطرة مملكة المنتفق ، وفي نفس الفترة اندلع خلاف بين مملكة المنتفق وبين قبائل الخزاعل يرى بعض المؤرخين انه بسبب فتنة من ولاة الدولة العثمانية بين الطرفين بسبب موقف حكام مملكة المنتفق من عودة المدينة للحكم العثماني ويرى البعض الأخر أنه بسبب قطع قبائل الخزاعل لحركة السفن التجارية في نهر الفرات بسبب ميل الخزاعل لطرف الدولة الفارسية . أيا كان السبب فقد تحرك جيش يقوده الأمير ثامر بن سعدون الى شمال السماوة في عام 1779م ، واندلعت معركة كبيرة بين قوات مملكة المنتفق وقبائل الخزاعل استمرت ثلاث أيام وانتهت بانتصار قبائل الخزاعل ومقتل الأمير ثامر بسهم اصابه في رقبته ، ثم تم قطع رأسه والذي قدم كهدية لشيخ الخزاعل (الشيخ حمد الحمود) .. وقد تم أسر ابنه الأمير حمود بن ثامر وكان وقتها شابا صغيرا . وقد كان أكثر من فرح بقتل الأمير ثامر هو سليمان باشا والي البصرة السابق لكون الأمير ثامر رفض اعادته للبصرة ، يذكر المؤرخ العثماني الشيخ عثمان بن سند الوائلي البصري (المعاصر للأحداث) ، في كتابه مطالع السعود بطيب أخبار الوالي داود ،عند حديثه عن سليمان باشا، ص: 141 ((( فلم يلبث الا قليلا حتى اناه الفرج، جاءته البشائر فاستيشر وابتهج، وذلك ان ثامرا لما منعه دخوله، وقطع من البصرة مأموله وسوله، غزا عقب المنع الخزاعل، فأصاب سهم المنية منه المقاتل))). وبعد المعركة قدم الخزاعل للأسرى من المنتفق مائدة عشاء وضعوا عليها رأس الأمير ثامر وقد جزع الأسرى من هول المنظر الا ابنه الأمير حمود الذي أخذ رأس والده ووضعه في حجره وأكل من الطعام وطلب من بقية الأسرى الأكل ، وقد أدرك الخزاعل أن الخطر عليهم من حمود لاحقا ان هو أمتلك الحكم والقوة سوف يكون كبيرا ( وهو ماحصل فعلا ) وكادوا أن يقتلوه الا أن شيمتهم العربية الأصيلة أبت ذلك، وقد كان هذا الحدث له التأثير الأكبر على مجرى الأحداث لاحقا ، وبعد ذلك قام الخزاعل بإطلاق سراح الأسرى ، يذكر المؤرخ الشيخ علي الشرقي، في كتابه ذكرى السعدون (الصادر عام 1929م) ، ص:38 ((( وكانت خزاعة ترهب الشيخ حمود لانها قد شاهدت منهم منظرا رهيبا في حداثة سنه وهو انه في مصادمتهم مع ابيه ثامر تلك المعركة الكبرى التي قتل بها الشيخ ثامر اسروا جماعة من صبية آل سعدون وفي جملتهم الشيخ حمود وقد بالغ الخزاعل في ارضاء حقدهم وشفاء غليلهم من آل سعدون فقدموا لهم عشاء وهو شيء كثير من الارز المطبوخ وعليه رأس الشيخ ثامر وقد لوث بدمائه الرز فكزت نفوس الأسرى من تلك المعاملة الجافية وجزعوا من هول المنظر الا حمود وهو ولد القتيل الشيخ ثامر فانه تقدم الى الطعام برباطة جأش وتعمد فجعل ينحي الرأس ويأكل من الطعام الملوث بالدم فهال الخزاعل امر تلك النفس القوية وتخوفوا من مغبة امر حمود اذا رجع لقومه وناجز الخزاعل باخذ الثار وارادوا قتله فورا وتخلصا من شره في المستقبل ولكن استعصت عاداتهم وابت عليهم تقاليدهم ان يقتل الاسير))). يذكر الدكتور حميد بن حمد السعدون ، في كتابه امارة المنتفق وأثرها في تاريخ العراق و المنطقة الأقليمية 1546م – 1918م ، ص: 133 (((والغريب في هذه المعاملة السيئة للأمير القتيل وللأسرى، أنها جاءت بوجود " حمد الحمود " الشخصية الرزينة والشجاعة، والذي لم يجد من يأويه هو وأبيه بعد تدمير الوالي - عمر باشا - لمدينتهم " لملوم " عام 1769م، وطلبه اياهم في كل مكان ، الا أهل المنتفق بعد أن هربا اليهم ، طالبين منهم الحماية والعون ، وقد حصلا عليها ، وجرى أكرامهما وحمايتهما ))) . بعد مقتل الأمير ثامر المفاجىء وهزيمة قوات المنتفق رأى الأمير ثويني بن عبدالله أنه يجب عليه أن لا يفتح ثلاث جبهات ويواجه ثلاث أطراف في نفس الوقت (قبائل الخزاعل والدولة الفارسية والدولة العثمانية ) وأنه من الحكمه دعم سليمان باشا وكسبه الى جانبه سياسيا ، وذلك لمابينها من صداقه نشأت عندما اشتركا في الدفاع عن البصرة أثناء حصارها من الفرس لمدة سنة ونصف ، لذلك قام بإعادة مدينة البصرة لدولة العثمانية ولكن فقط من خلال تسليم حكمها لسليمان باشا كدعم من الأمير ثويني لسليمان باشا وبذلك سجل موقف سياسي يحتاج له بمثل هذه الظروف السياسيه التي تمر بها مملكته وهي محاطه بدولتين قويتين (الدولة العثمانية والدولة الفارسية) كلاهما يملكان نفس الطموح للأستيلاء على دولته. يذكر المؤرخ جعفر الخياط ، في كتابه صور من تاريخ العراق في العصور المظلمة ، وذلك عند حديثه عن الأمير ثويني بن عبدالله ، ص: 209 ((( وقد ظلت عيونه ترنو الى البصرة والاستقلال بها في كل الفرص والمناسبات . وتعرف على سليمان الكبير حينما كان متسلما في البصرة , فساعده في الدفاع عنها ضد الأيرانيين خلال مراحل الحصار كلها . وحينما استولى ثويني على البصرة بعد انسحاب الايرانيين منها . كان هو الذي سمح لسليمان الكبير بعد عودته من الأسر بالعودة الى منصبه بعد أن كان ثامر ابن عمه قد رفض اعادته من قبل . ولذلك نشأت بين الشخصيتين مودة خالصة وعلاقة حسنة ))). 8- دور الأمير ثويني في وصول سليمان باشا للحكم في بغداد: بعد دخول سليمان آغا (سليمان باشا لاحقا) الى البصرة راسل الدولة العثمانية طالبا منها ولاية بغداد وشهرزور بالاضافة لمدينة البصرة مستندا في ذلك الى دعم صديقه الأمير ثويني بن عبدالله حاكم مملكة المنتفق (الذي سلمه المدينة ودعمه عسكريا وسياسيا) والى دعم المستر لاتوش (Latouche) المقيم البريطاني في البصرة. ونتيجة لهذا الدعم الذي يضمن له المحافظة على استقرار الأوضاع في مناطق العراق العثمانية (ولاية بغداد وشهرزور ومدينة البصرة ) فقد وافقت الدولة العثمانية على تعيينه. يذكر المؤرخ والمستشرق الألماني البارون ماكس فرايهير فون أوبنهايم ، في كتابه البدو ، ج:3 ، ص: 284 ((( وعندما عاد سليمان آغا من الأسر وجد البصرة في يد المنتفق. لكن الشيخ ثامر السعدون قتل في حرب قبلية وقام خليفته ثويني بفتح أبواب المدينة له أي لسليمان آغا. وبعد وقت قصير أصبح سليمان الكبير واليا على بغداد وشهرزور(وكانت البصرة قد سلمت له قبل ذلك).))). وقد خرج سليمان باشا من مدينة البصرة لتسلم منصبه كوالي لبغداد ومعه صديقه حاكم مملكة المنتفق الأمير ثويني بن عبدالله الذي صحبه برفقة رجاله من قبائل المنتفق ومن جنود بلدة الزبير التابعين للأمير ثويني ، وذلك للشد من ازر سليمان باشا ودعمه ، يذكر المؤرخ العثماني الشيخ عثمان بن سند الوائلي البصري (المعاصر للأحداث) ، في كتابه مطالع السعود بطيب أخبار الوالي داود ، عند حديثه عن سليمان باشا، ص: 147 ((( ازمع السفر، ليبلغ لخلافته المستقر في خميس لامع السنور، صاهل الشياظم الضمر، وقد صاحبه وساعده وشد عضده وساعده، ثويني بن عبدالله بعشائره))). وعند وصولهم الى بلدة العرجا في مملكة المنتفق وجدوا اسماعيل بيك قادما لاستقبالهم ، وعلى الفور أمر سليمان باشا رجاله بقطع رأس اسماعيل بيك لوجود أمور ينقمها عليه ، يذكر العالم الشيخ محمد بن العلامة الشيخ خليفة بن حمد بن موسى النبهاني الطائي (كان هو ووالده مدرسين بالمسجد الحرام.. وهو معاصر للحرب العالمية الأولى وسبق له تولي قضاء البصرة)، في كتابه التحفة النبهانية في تاريخ الجزيرة العربية ، قسم البصرة ، ص: 324 (((فتوجه سليمان باشا المذكور من البصرة نحو بغداد وصحبه (ثويني بن عبدالله) مع عشائره وجملة من عسكر (بلدة الزبير) النجديين. فلما وصلوا الى (العرجاء) من أرض المنتفق لاقاهم (اسماعيل بيك كتخدا) مع عسكره ليشد عضدهم فأمر سليمان باشا بقطع رأسه لأمور ينقمها عليه قديما))). ثم بعد ذلك قام سليمان باشا بالإصلاح مابين شيخ قبائل الخزاعل (في ولاية بغداد) وحاكم مملكة المنتفق الأمير ثويني بن عبدالله ، وذلك رغبة منه في استقرار الأوضاع في داخل ولاية بغداد ، وهو الاجراء الذي رفضه أبناء الأمير ثامر الذي قتل في معركة مع الخزاعل ، يذكر الدكتور حميد بن حمد السعدون ، في كتابه امارة المنتفق وأثرها في تاريخ العراق و المنطقة الأقليمية 1546م – 1918م ، عند حديثه عن الأمير ثويني بن عبدالله وموافقته على المصالحة مع قبائل الخزاعل ، ص: 138 (((كان اجراء سليما يستجيب لما يطمح به في ابعاد الأجنبي عن أرض العرب ، هذا غير أنه جنب الطرفين دماء هما بحاجة اليها في المواجهات ضد الأجانب والغرباء))). وبوصول سليمان باشا الى الحكم في بغداد عادت مدينة البصرة لنفوذ حاكم مملكة المنتفق الأمير ثويني بن عبدالله ، حيث أصبح هو من يعيين ولاتها عليها في الفترة مابين ( 1780م – 1787م ) ، حيث يذكر المؤرخ العثماني الشيخ عثمان بن سند الوائلي البصري (المعاصر للأحداث ) وذلك عند حديثه عن صديقه السيد محمود الرديني الهاشمي (والي البصرة المعين من قبل الأمير ثويني بن عبدالله ) ، في كتابه سبائك العسجد في اخبار نجل رزق الاسعد ، ص : 67 ((( قد نشأ في البصرة الرعنا فتسامى الى المعالي فنا ففنا ، وارتفع متون الشرف متنا فمتنا ، وانثالت اليه المحامد من هنا وهنا ، وردت اليه الرياسة فزادها حسنا ، وفتحت به السياسة عينا واذنا ، وحنت اليه السيادة حنين قيس الى لبنى ، ورمقته النجاره اذا صار لها ابنا ، جرت له في بلده احوال لايصبر لها الجبال بل لا الرجال ، فثبت لها ومااضطرب ، حتى انجلت ولله الحمد كما طلب ، وذلك عندما ولاه ثويني بن عبدالله زمام امرها واخدمه عنق عبدها وحرها ، فسار بها اعدل السير ، وبورك له فيها بالورد والصدر ... فهو لازال حاكما بالسويه ، محمودا كاسمه في الرعية ، راجعا اليه امر ذلك المقدم ماضيا حكمه في المؤخر والمقدم ، حاميا لها عن بني كعب بالعزم والحزم والعضب ))). ويظهر أن اتفاق مملكة المنتفق مع العثمانيين لعودة مدينة البصرة الى نفوذ الأمير ثويني بن عبدالله وأن يعين هو ولاتها ، يرجع لكون مملكة المنتفق هي من قامت بتحريرها من الفرس ، ويشمل هذا الاتفاق حماية المدينة بشكل رسمي من قبل مملكة المنتفق ، وذلك مقابل تقاسم النفوذ بين الدولتين في المدينة ، لذلك أقامت مملكة المنتفق معسكر حربي دائم قريب من البصرة وكان على رأس المعسكر الأمير صقر بن عبدالله (أخو الأمير ثويني) وسوف يأتي الحديث عن هذا المعسكر في فصل لاحق من هذا البحث لتعلقه بأحد الأحداث المهمه بالمنطقة عام 1784م. 9- تأسيس مدينة سوق الشيوخ للسيطرة على تجارة المنطقة: بعد أستقرار الأوضاع للأمير ثويني بن عبدالله بزوال الخطر الفارسي عن العراق وأستقرار حكمه على نصف العراق والصحراء الممتدة على جانب الفرات من شمال السماوة و حتى حدود الأحساء ونجد الشمالية وحدود بادية الشام بالأضافة الى وصول صديقه وحليفه سليمان باشا للحكم في بغداد .. وبعد الوصول الى صيغة تفاهم بين العثمانييين وبين دولته حول مدينة البصرة . فقد بدا التجهيز لبدء عصر جديد في دولته وذلك بإنشاء عاصمة لها (بدلا من عاصمتها القديمة) وأرادها أن تكون مركزا تجاريا يتيح له ولأسرته (آل سعدون ) التحكم في تجارة المنطقة . حيث شهد عام 1780م تأسيس أهم مدينة لمملكة المنتفق على مدى تاريخها وهي مدينة سوق الشيوخ ، يذكر العالم الشيخ محمد بن العلامة الشيخ خليفة بن حمد بن موسى النبهاني الطائي (كان هو ووالده مدرسين بالمسجد الحرام.. وهو معاصر للحرب العالمية الأولى وسبق له تولي قضاء البصرة)، في كتابه التحفة النبهانية في تاريخ الجزيرة العربية ، قسم المنتفق ، ص: 401 (((وكان لما تولى ثويني بن عبد الله رئاسة المنتفق كما تولاها من قبله أبوه وجده وأبو جده. وجه في بادئ الأمر سطوته ونفوذه نحو الأعراب المنبثين من جنوبي بغداد إلى حدود الكويت. وكان يعد من أجود العرب في زمانه وأسخاهم. فاستتب له الأمر كما أراد))). وقد أسس الأمير ثويني بن عبدالله مدينة سوق الشيوخ لسببين رئيسيين: 1. لكي تكون عاصمة جديدة لمملكة المنتفق بدلا عن مدينة العرجاء التي فقدت أهميتها منذ مده. 2. لكي تكون مركزا تجاريا يتيح لأسرته السيطرة على تجارة القبائل في المنطقة ( داخل وخارج مناطق حكمهم). يذكر المؤرخ والصحفي سليمان بن صالح الدخيل النجدي ، في بحثه الخاص بمدينة سوق الشيوخ ، المنشور في مجلة لغة العرب عام 1912م (قبل الحرب العالمية الأولى) ، وذلك عند حديثه عن مؤسس مدينة سوق الشيوخ (((هو الشيخ ثويني المحمد جد الأسرة السعدونية. وذلك أنه لما كان حاكما كبيرا في العراق، يمتد حكمه من الغراف والبصرة إلى ماقارب الكويت من جهة، ومن الجزيرة إلى ماحواليها من جهة أخرى أصبح نفوذا عظيما على كثير من عشائر العراق ونجد وقبائلهما. وكان معه في غزواته وفتوحاته سوق متنقلة وهي عبارة خيام تجار وباعة... ثم أن أعراب ثويني رغبوا في أن تقام سوق دائمة قريبة من الفرات في الصقع الذي ترى فيه اليوم سوق الشيوخ لطيب مائه وحسن هوائه وكثرة مرعاه فاذن بذلك))). ولكي تكون المدينة مركز تجاريا مؤثرا فقد قام الأمير ثويني بن عبدالله بسياسة مهمه لتحقيق هذا الهدف وذلك بإعطاء التجار في المدينة القروض الكبيرة دعما لهم وتشجيعا للتجار من خارجها أيضا على السكن فيها والإستفادة من هذه القروض ، يذكر المؤرخ والصحفي سليمان بن صالح الدخيل النجدي ، في بحثه الخاص بمدينة سوق الشيوخ ، المنشور في مجلة لغة العرب عام 1912م (قبل الحرب العالمية الأولى) ، وذلك عند حديثه عن الأمير ثويني بن عبدالله (((وكان الشيخ ثويني يعطي تجار الشيوخ مئات من نقود الفضة والذهب بمنزلة قرض يستفيدون من نفعها ويردونها اليه وقت الحاجة حينما يطلبها منهم أو يطلب عوضا منها))). وقد كانت مدينة سوق الشيوخ أول مدينة أسست لهدف تجاري في المنطقة في القرون المتأخرة ، وهي توضح التطور في الفكر الإقتصادي والسياسي الذي وصل له حكام مملكة المنتفق في تلك الفترة ، بالإضافة الى توضيح امتلاكهم للقدرة السياسية والإقتصادية لإنجاح مثل تلك المدينة. وقد انشأ الأمير ثويني بن عبدالله في المدينة الأسواق والمخازن الكبيرة وجلب لها البضائع من مختلف المناطق من خارج العراق ، ونتيجة لهذه السياسية المالية بالإضافة الى الثقل السياسي والعددي الكبير لمملكة المنتفق ولتميز موقع المدينة، فقد أصبحت مركزا تجاريا كبيرا لقبائل البادية في العراق وشرق وشمال ووسط الجزيرة العربية بالأضافة الى القوافل التجارية لسكان المدن والقرى في هذه المناطق أيضا، وهو ماأدى الى ازدهار التجارة في المدينة بشكل كبير جدا لم تبلغه أي مدينة في جنوب أو وسط العراق في تلك الفترة، يذكر عبدالكريم محمد علي ، في كتابه تاريخ مدينة سوق الشيوخ , ص: 28 ((( ولما كانت المدينة على حافة نجد الشرقية , فقد اصبح سوقها مركزا تجاريا وتموينيا لعرب نجد. فأزدهرت التجارة والتبادل والمقايضة في هذه المدينة ازدهارا عظيما لم تبلغه اية مدينة اخرى في جنوب العراق او وسطه , وبنيت في وسط المدينة الأسواق المسقفة الطويلة المزدحمة بمئات الدكاكين السلعية والحرفية , كما شيدت مباني الخزن والتوزيع الكبيرة الواسعة ( الخانات التجارية) في وسط الأسواق وأطرافها , التي تمتلأ بالخزين من البضائع المستوردة من اسواق البصرة , ومن الهند وتركيا والشام والخليج العربي وايران ))).
|
||
|
27-06-2012, 03:46 AM | #3 | |||
|
رد: آل سعدون الأشراف وأول إعلان تاريخي ومحاولة لإستقلال العراق بأكمله عام 1787م.
|
|||
|
27-06-2012, 04:02 AM | #4 | ||
|
رد: آل سعدون الأشراف وأول إعلان تاريخي ومحاولة لإستقلال العراق بأكمله عام 1787م.
هذا النجاح الكبير والسريع لمدينة سوق الشيوخ أدى الى توافد التجار والحرفيون والسكان بشكل كثيف لها والتي مثلت في وقتها أول نموذج في المنطقة لتأسيس مدينة تجارية تحمل اسما يدل على الهدف من انشائها ، يذكر عبدالكريم محمد علي ، في كتابه تاريخ مدينة سوق الشيوخ , عند حديثه عن فترة تأسيس المدينة , ص: 27 ((( توافد التجار والكسبه والحرفيون على المدينة بشكل كثيف. واتخذت كل فئة من هذه الفئات مساكن لها في جانب المدينة ، لا على اساس مهني (نقابي) ولكن على اساس قبلي ، فالذين هاجروا من الأحواز وماجاورها من جنوب العراق وبينهم رابطة عشائرية ، اتخذوا مساكنهم على الفرات من شرق المدينة (السوق) فعرفت بعدئذ محلتهم بأسم (محلة الحويزة) ، والذين جاءوا كتجار ومقاولين من بغداد وبلد والحلة والموصل وماجاورها ، اتخذوا لهم مساكن جوار محلة الحويزة (شمالها) فعرفت محلتهم بأسم ( محلة البغادة ) .. والذين جاءوا من نجد والحجاز واطراف الجزيرة العربية ، اتخذوا لهم مساكن غرب المدينة ، فعرفت محلتهم بأسم (محلة النجادة) والذين جاءوا من مدن او جهات أخرى متفرقة ، اتخذوا لهم مساكن مجاورة لمحلة النجادة (جنوبها ) سميت محلتهم بأسم (محلة الحضر) ، كانت هذه المحلات الأربعة قائمة على التل الذي عليه المدينة ، وثمة منخفض من الارض في غرب المدينة (التل) كان يسكنها خليط من الفقراء المهاجرين اليها و أغلبهم من الزنوج الأفارقة ، العبيد المعتقين ، الذين ليس لهم رأس مال سوى جهدهم العضلي ، يقومون بالعمال الخدمية لسكان المدينة كالحمالة والحراسة ، ورعاية الحيوانات – كساسة الخيل – والخدمة في البيوت والمحلات التجارية وغيرها . وقد شيدوا اكواخهم من الطين والقصب والحصران في ذلك المنخفض ، الذي سمي فيما بعد بـ ( محلة الاسماعيلية ) ومن جملة من هاجر الى المنطقة جماعة من الصابئة من اصحاب الصناعات والحرف – بحكم حاجة المجتمع الى نشاطها – كصياغة الحلي ، والحدادة ، جاء اغلب هؤلاء من مراكز التجمعات الدينية التاريخية لهذه الطائفة ، من محافظة ميسان ، واتخذوا لهم مساكن على الجانب الشرقي من المدينة على الفرات ، وعرفت محلتهم بأسم ( محلة الصابئة ) .))). وقد تم تشجيع قبائل مملكة المنتفق على زراعة المناطق القريبة للمدينة التي أصبحت تضخ الكثير من المحاصيل الزراعية الى أسواقها ، يذكر عبدالكريم محمد علي ، في كتابه تاريخ مدينة سوق الشيوخ , ص: 29 (((ولقد كانت الأراضي والبساتين المحيطة للمدينة , والأخرى المتاخمة لها , تضخ المحاصيل الزراعية الوفيرة لها , حيث يقوم التجار من اهالي المدينة أو الوافدون من تجار المدن الأخرى , بشراءها وخزنها وتصديرها الى البصرة – للتصدير الخارجي – او الى المدن العراقية الأخرى ))). ولم تقتصر سياسة دعم الزراعة على قبائل وعشائر المنتفق بل اتسعت لتشمل تشجيع عشائر وقبائل من الجزيرة العربية ومن أنحاء العراق الأخرى الى الهجرة الى مملكة المنتفق مقابل إعطائهم أراضي على ضفتي الفرات وذلك لكي يزرعونها ، وبذلك ازدهرت الزراعة والصادرات الزراعية للدولة وانتعش اقتصادها من الضرائب المفروضة على المنتجات الزراعية من هذه الأراضي. يذكر عبدالكريم محمد علي في كتابه تاريخ مدينة سوق الشيوخ , وذلك عند حديثه عن التطورات السياسية والأجتماعية التي حدثت في عموم جنوب العراق ، في الفترة مابين البدء بسياسة الأمير محمد بن مانع لتشجيع الهجرة الى مملكة المنتفق وحتى تأسيس سوق الشيوخ من قبل حفيده الأمير ثويني بن عبدالله واستمراره في سياسة تشجيع الهجرة الى مملكة المنتفق , ص: 26 ((( حدوث هجرات متتالية , من القبائل العربية من نجد ومن عموم الجزيرة العربية الى هذه المنطقة الوافرة المياه , والترحيب بهم من قبل شيوخ المنتفك (آل سـعدون ) واحلالهم بما يليق بكرامة العربي , واقطاعهم الاراضي على ضفتي الفرات , للزراعة الموسمية والبستنه , ومن بينهم من كان يحسن زراعة النخيل , ممن جاء من جنوب الجزيرة العربية – من الأحساء والقطيف – وهكذا نشأت بساتين النخيل على الضفتين وازدهرت الزراعة ))). ولم تقتصر هذه السياسة في التشجيع على الهجرة الى مملكة المنتفق على القبائل والعشائر البدوية أو التي تمارس الزراعة ( التي كانت تنضم الى اتحاد المنتفق القبلي) بل اتسعت لتشمل سكان المدن من الحاضرة (التي كانت تنضم الى مملكة المنتفق خارج اطار اتحاد المنتفق القبلي) وتتضح آثار هذه السياسة في عهد حاكم مملكة المنتفق الأمير ثويني بن عبدالله بن محمد بن مانع آل شبيب ( حفيد الأمير محمد بن مانع وابن أخ الأمير سعدون بن محمد الذي عرفت باسمه الأسرة لاحقا) والذي يعد أبرز من دعم هذه السياسة وشجع عليها ، حيث كان يتواجد معظم المهاجرين الى العراق من حواضر نجد في المناطق التابعة لمملكة المنتفق في عهده ( اما في العاصمة مدينة سوق الشيوخ أو بلدة الزبير)، يذكر أهل نجد المقيمون في العراق في فترة حكم الأمير ثويني بن عبدالله ، المؤرخ والشاعر خالد الفرج المعاصر للملك عبدالعزيز (مؤسس الدولة السعودية الثالثة) ، وذلك عند حديثه عن سليمان باشا والي بغداد (في القرن الثامن عشر) وعن المساعدة التي قدمها له حاكم مملكة المنتفق الأمير الشريف ثويني بن عبدالله ، ويذكر المؤرخ بعض القبائل والحواضر التابعه للأمير ثويني بن عبدالله وهم عرب المنتفق وشمر العراق وأهل نجد المقيمون في العراق والزبير ، كتاب الخبر والعيان في تاريخ نجد ، ص: 203 ((( وساعده على ذلك عرب المنتفق وشمر العراق ، وأهل نجد المقيمون في العراق والزبير ومتولي كبرهم ثويني بن عبدالله بن محمد بن مانع الشبيبي ، وهو هاشمي النسب ، ورئاسة قبائل المنتفق ترجع الى بيتهم من قديم ، لأن المنتفق خليط من قبائل شتى تجمعهم رابطة التحالف والمجاورة والمصاهرات الى أن كونوا قبيلة كبيرة تحكمت في نواحي العراق ، وكادت تستقل بحكمه))). واستمر حكام مملكة المنتفق آل سعدون الأشراف في دعم هذه السياسة للتشجيع على الهجرة حتى أنه في عام 1850م كان معظم سكان عاصمة مملكة المنتفق (مدينة سوق الشيوخ) من المهاجرين من القصيم أو نجد ، كما أن معظم سكان عاصمة مملكة المنتفق منذ عام 1892م (مدينة الخميسية) كانوا من أهل نجد ، يذكر مدن مملكة المنتفق الرئيسية مبتدئا بمدينة سوق الشيوخ ثم الخميسية ثم المدن الأخرى ، المؤرخ والمستشرق الألماني البارون ماكس فرايهير فون أوبنهايم ، في كتابه البدو ، ج: 3 ، قسم المنتفق، ص: 610 ((( وفي عام 1850م كان معظم سكانها يتألفون من مهاجرين جاؤوا من شبه الجزيرة العربية (قصمان ، ونجادة). أما الخميسية الواقعة جنوب سوق الشيوخ فقد نشأت في حوالي عام 1886م ويتألف معظم سكانها من النجديين أيضا))). ان التطور في الفكر الاقتصادي والسياسي لحكام مملكة المنتفق لم يكن يقتصر على تأسيس هذه المدينة التجارية والإكتفاء بذلك ، بل أنهم استخدموا خط تجاري جديد للبضائع القادمة للمدينة بحريا وهذا الخط لايمر بميناء العراق الرئيسي مدينة البصرة (التي كانت تحت السيطرة العثمانية تجاريا) ، بحيث أصبحت البضائع القادمة من الهند الى سوق الشيوخ أو المصدره لها من سوق الشيوخ تمر من خلال ميناء مدينة الكويت ثم تنقل بريا مابين مدينة الكويت ومدينة سوق الشيوخ ، وهذه صورة توضح الخط التجاري الجديد: يذكر أ.د. عماد محمد العتيقي، في ذو القعدة 1430 الموافق نوفمبر 2009 ، عند حديثه عن وثيقة تاريخية ( تم كتابتها قبل عام 1820م ) تتعلق بالشركة التجارية التي كانت تملكها أسرة العتيقي الكريمة وفروع هذه الشركة في الهند والكويت وسوق الشيوخ ، مكتبة الموسوعة الفقهية بالكويت، مخطوط رقم خ 991(((وفي نص الرسالة ذكرٌ لنوعين من الأقمشة الأول "مرود جبر أسود". المرود: هو قماش يستخدم لصناعة العباءات وأغطية الرأس النسائية، وجبر تعني السميك. الثاني "مرود دوني". بمعنى أقل في السماكة. وعيّنت الرسالة وحدة البضاعة وهي "الربطة"، وتحتوي على كرتونة يلف عليها القماش عدة طبقات ويربط بعد استيفاء عدد من اللفات يعطي الربطة طولها الذي يمكن أن يقص منه لاحقا حسب الطلب. والعملة المستخدمة هي "الربية الهندية" وسعر الربطة المتفق عليه للبيع مائة ربية وهو مبلغ كبير في ذلك الوقت يدل على أن الربطة من الحجم الكبير ذي النوعية الجيدة. ويبدو واضحاً من التعليمات أن الإخوة "سيف وعبدالرحمن" شركاء في التجارة وأنهما من تجار الجملة. كما يتضح أن البضاعة موجهة إلى بلد (سوق الشيوخ) في جنوب العراق قرب الناصرية. وكان سوق الشيوخ مركزاً تجارياً هاماً بين تجار الكويت ونجد والعراق وقد استوطنه عدد غير قليل من الأسر النجدية والكويتية. توضح الوثيقة وكيل العتيقي التجاري في سوق الشيوخ، وهو عبدالعزيز بن منصور العتيقي وهو ابن أخي سيف وعبدالرحمن الذي كان على ما يبدو مستقرا في سوق الشيوخ فترة من الوقت. ويستفاد من الرسالة أن المرسل سيف كان وكيلاً لهم في الهند فاكتمل الحضور التجاري لهذا الفرع من الأسرة على طول الطريق التجاري ... الوثيقة شاهد نادر في وقته على التعاملات التجارية بين الهند والكويت وسوق الشيوخ عن طريق سفن النقل التجاري البحري، وقد سجل المرسل السفن الكويتية التي شحنت فيها البضائع. فالأولى (سفينة ابن عمران) وهي سفينة شراعية لم يحدد نوعها للنوخذة خليفة بن عمران، وهذا أول نص يرد فيه اسم هذا النوخذه فيما علمناه.والثانية هي بغلة للسيد محمد. والبغلة من أكبر السفن الشراعية التجارية التي استخدمها الكويتيون للنقل في أسفارهم البعيدة))). ويذكر أيضا أ.د. عماد محمد العتيقي ، عند حديثه عن الشيخ عبدالرحمن بن عبدالله بن سيف بن أحمد بن محمد العتيقي ، مقالة عبدالرحمن بن عبدالله بن سيف العتيقي – صاحب الختمة العتيقية (((كان المترجم كما ذكر أعلاه يمتهن التجارة ويدير نشاط أسرته من الكويت. وكان أخوه سيف يدير فرع الشركة في الهند وابن أخيهما عبدالعزيز بن منصور يدير فرع الشركة في سوق الشيوخ وهي مركز تجارة أهل الكويت ونجد في العراق))). وللتعرف على الحالة العامة لمملكة المنتفق في تلك الفترة – عهد الأمير ثويني بن عبدالله - نذكر مقتطفات من رحلة الرحالة الإنجليزي المعروف جاكسون للعراق ومروره في أراضي مملكة المنتفق وعاصمتها مدينة سوق الشيوخ عام 1797م وذلك بعد 16 عام من تأسيس المدينة ، يذكر مدينة سوق الشيوخ الرحالة الإنجليزي المعروف جاكسون في رحلته للعراق عام 1797م وذلك بعد مروره بها قادما من البصرة ومتجها لبغداد عن طريق الفرات، كتاب مشاهدات بريطاني عن العراق سنة 1797: 1- عند حديثه عن يوم الثلاثاء 27 حزيران وذلك بعد مغادرتهم للقرنة ودخولهم لنهر الفرات ، ص: 48 ((( ما ان انبلج صباح يوم الثلاثاء 27 حزيران حتى استأنفنا رحلتنا ساحبين زوارقنا على الضفة اليمنى من النهر. الريف هنا ذو منظر بهيج وذلك لوفرة بساتين النخيل وحقول القمح فيه وفي الساعة الثانية مررنا بخيام بعض العرب وقد أحاطت بها أعداد كبيرة من الماشية ، من أبقار ونعاج ومعز))). 2- عند حديثه عن يوم الأربعاء الموافق 28 حزيران ، ص: 50 ((( وقد اجتزنا عددا من القنوات في ضفة النهر كانت مياهها تغطي الأرياف المجاورة وتحول دون اقدام السكان على زراعتها بالقمح وماشاكله. ومررنا بعدد كبير من خيام الأعراب تحيط بها المواشي الوفيرة .. وعند حلول المساء بلغنا مدينة كبيرة جدا على الضفة اليمنى من النهر تدعى (سوق الشيوخ) وهنا اشتريت أنا والمستر ستنفس والرئيس ريد ناموسيات وجدناها ذات فائدة ملموسة لأنها أعانتنا على الظفر بقليل من النوم كنا في أمس الحاجة اليه))). يوضح النص حجم عاصمة مملكة المنتفق في تلك الفترة حيث أن الرحالة خرج من البصرة ذات الأكثر من 100 ألف نسمة ثم وصف مدينة سوق الشيوخ بالكبيرة جدا مما يدل على كبر حجمها . 3- عند حديثه عن يوم الخميس الموافق 29 حزيران ، ص: 50 ((( ولذلك اضطر دليلنا أن يصرف الزورق وملاحيه ويستأجر آخر بدلا عنه وكان طبيعيا أن تنقل مهماتنا الى الزورق الجديد وأن يبنى فيه مكان للمطبخ وهيأ لنا دليلنا وجبة غداء على الطريقة العربية وكان هذا الغداء يتألف من عشرين سمكة مقلية بالسمن واثني عشر دجاجة مسلوقة وأقراص من خبز الشعير وكميات وفيرة من اللبن. وقد جلسنا على الأرض حسب عادة أهل الريف في حديقة تقع على ضفة النهر وتحت ظلال أشجار التمر والعنب. كان السمك والدجاج والخبز لذيذا جدا وممتازا ولكن اللبن كان رائبا غير مستساغ بالنسبة للأوربي ولم نستخدم السكاكين والشوكات كما هو الأمر في أوروبا وانما كنا نتناول الطعام بأصابعنا مثلما يفعل العرب ذلك))). يوضح النص الرخاء الأقتصادي في مملكة المنتفق في تلك الفترة وتوفر أنواع مختلفة من الطعام قد تعتبر من الكماليات في بلدان مجاوره. عند حديثه أيضا عن يوم الخميس الموافق 29 حزيران ، ص: 52 ((( وسوق الشيوخ مدينة واسعة ومأهولة جدا بالسكان وهي مقر (الشيخ ثويني) وهو من أمراء العرب الأقوياء الذي تخضع لحكمه الضفة اليمنى من نهر الفرات من الحلة حتى البصرة. ولقد ثار في احدى المرات علانية ضد الحكومة العثمانية واستولى على مدينة البصرة ذاتها))). عند حديثه أيضا عن يوم الخميس الموافق 29 حزيران ، ص: 53 ((( تجولت مع دليلنا في المدينة وذهبت الى السوق الذي يمتد طوله نحو ميل وهذا السوق يفتتح عند شروق الشمس ويظل مفتوحا حتى الساعة التاسعة صباحا ثم يغلق ليفتح ثانية في الساعه الثالثة بعد الظهر ويستمر حتى المغيب. وأخذني الدليل أيضا الى أحد المقاهي حيث تناولت القهوة على عادة سكان المنطقة. كما أجبرت على تدخين التبغ حيث قدموا لي غليونا طوله نحو يارد ونصف اليارد وقد جلست على حصير طاويا ساقي بشكل متقاطع مثل بقية الجماعة وكانوا يقدمون القهوة في أقداح زجاجية من صنع الصين لايزيد حجم الواحد منها عن حجم نصف قشرة بيضة ولم أعط حليبا ولا سكرا وبدونها كان اللبن غير مستساغ الى أن أعتدت عليه))). 4- عند حديثه عن يوم الجمعه الموافق 30 حزيران - حديثه عن مقابلته لوزير حاكم مملكة المنتفق الأمير ثويني بن عبدالله .. حيث أن الأمير ثويني كان في الأحساء وقت الزيارة وسوف نذكر التفاصيل في أحداث سنة 1797م من هذا البحث ، ص: 54 ((( في هذا الصباح قام الشيخ الذي يتكلم عند غياب الشيخ ثويني بزيارة لنا وجلب معه ابنته التي كانت في حوالي الثانية عشرة من عمرها وكان كل شخص مجبرا على أن يقف عند حضوره ماعدانا نحن ودليلنا. وقد تهيأت لي هنا فرصة الاطلاع على الاحترام الذي يوليه العرب لرؤسائهم. كان أحد الأعراب يحمل رسالة الى الشيخ قدمها اليه بأن وضعها على ركبتيه ثم عاد فتسلمها بذات الوضع وبعد أن قرأ السكرتير تلك الرسالة وضع ختم الشيخ على ظهرها. ويضع الشيوخ والاناس المبرزون في أياديهم اليسرى حلقة من الفضة أو الذهب الخالصين فيها فص من حجر حفر عليه اسم الشيخ. وهم يغطسون هذه الحلقة في الحبر ثم يوقعون بها الرسائل وهذا يعوض عن توقيعاتهم. وبعض هذه الأحجار حمراء اللون وبعضها الآخر من العقيق الأبيض))). يوضح النص بعض مظاهر الحكم المدني في مملكة المنتفق في تلك الفترة وهي المظاهر اللي قام الكثير من المؤرخين الاتراك بتجاهلها عند حديثهم عن الدول العربية في تلك الفترات مما يوحي للقارىء بأن هذه الدول كانت فقط مجموعة من الخيام. عند حديثه أيضا عن يوم الجمعة الموافق 30 حزيران ، ص: 54 ((( لقد انهمك دليلنا الآن في اصطحاب زورق آخر معه الى بغداد ويضم هذا الزورق عددا من بالات الأقمشة المستوردة من (البنغال) كما يضم امرأة أمريكية معها ولدها البالغ من العمر ستة عشر سنة وابنتاها احداهما في الرابعة عشر والثانية في الثالثة عشر من العمر. غادرنا سوق الشيوخ في الساعة الحادية عشرة وتركنا أحد الزوارق وراءنا فعبرنا النهر وشرعنا نسير بمحاذاة الضفة اليسرى حتى الساعه الثالثة حيث أعدنا عبور النهر وأسرعنا بزوارقنا نحو قرية تدعى (غمكريك) نصبنا خيامنا عندها ))). يوضح النص تنوع زوار المدينة والبضائع القادمة لها من جميع أنحاء العالم ... بالإضافة لكثافة الحركة الملاحية التي تمر بها ، وهو دليل على الآمان والرخاء الإقتصادي . كما يوضح النص نقطة الجمارك الخاصة بمملكة المنتفق والذكاء في اختيار موقعها ، ويتضح ان سبب وضع نقطة الجمارك في تلك المنطقة لكي تكون البضائع القادمة من ميناء العراق (البصرة) التي تباع في المدينة أرخص لكونها بدون جمارك ، أما في حال تجاوز البضائع للمدينة لكي تباع في مناطق العراق العثمانية مثل بغداد فانها تصبح أغلى كون أسرة السعدون تأخذ عليها جمارك ، ولو كان موقعها قبل المدينة للبضائع القادمة من البصرة لدل على الرغبة فقط بالحصول على الجمارك أما كونه بعدها فهو يدل على الرغبة في ازدهار المدينة واعطائها أفضلية من قبل آل سعدون حكام مملكة المنتفق ، علما بأن أسرة السعدون أيضا كانت تملك نقطة جمارك على دجلة شمال القرنة وبذلك كانت تسيطر على الحركة الملاحية التجارية في أنهار دجلة والفرات ، يذكر المؤرخ والمستشرق الألماني البارون ماكس فرايهير فون أوبنهايم ، في كتابه البدو ،عند حديثه عن اقتصاد مملكة المنتفق ,ج3, ص: 624 (((يضاف إلى ذلك عائدات ضخمة من الجمارك. كان يوجد على الفرات في القرن الثامن عشر نقطة جمركية مقابل نهر عنتر وأخرى في عرجة. وكانت هذه تابعة لفرع الصالح من عائلة الشيوخ. وفي القرن التاسع عشر أصبحت جمارك الفرات تجبى في سوق الشيوخ، وكانت تؤجر إلى جانب ضرائب أخرى في الناحية بمبلغ 50000 شامي. وكان جمرك دجلة، الذي كان مركزه موجودا في زكية فوق القرنة، يؤجر بمبلغ 12000 شامي، وكانت الضريبة العقارية في ناحية زكية تجلب مبلغا مماثلا))). وقد كانت السيطرة على الحركة التجارية في نهر الفرات ونهر دجلة هي جزء من حالة عامة تتمثل بسيطرة أسرة آل سعدون الأشراف على مقدرات العراق تاريخيا وتسخيرها لهذا الجانب في النضال ضد محتلين العراق من فرس وعثمانيين ، وهو يوضح أحد أسباب قدرتهم على الصمود في وجه الدولة العثمانية وحملاتها عليهم لمدة تقارب الـ 400 سنة ، يذكر المؤرخ جعفر الخياط ، عند حديثه عن تفرد أسرة السعدون الأشراف في تاريخ العراق وتحكمها في مقدرات العراق ومصائره لعدة قرون ، وذلك في كتابه صور من تاريخ العراق في العصور المظلمة، ص: 29 (((لم تظهر على مسرح الحوادث في تاريخ العراق الحديث أسرة نبيلة تولت الامارة، وتحكمت في مقدرات العراق ومصائره دهرا طويلا من الزمن مثل أسره السعدون المعروفة.فقد بسطت نفوذها على القسم الأعظم من العراق الجنوبي مدة تناهز الأربع مئة سنة، وتولى شيخة قبائل المنتفك وإمارتها ما يزيد على العشرين شيخا من أبنائها البارزين ... وقد كان العثمانيون يشعرون بثقل العبء الملقي على عاتقهم في هذا الشان، ولذلك كان تصرفاتهم وخططهم التي رسمت خلال مدة حكمهم كلها ،ولا سيما في عهودهم الأخيرة ،تستهدف ضعضعة الأسرة السعدونية القوية والقضاء عليها بالحركات العسكرية والتدابير الإدارية ،والعمل على انقسامها فيما بينها))). ان ابرز الأحداث التي أثرت على مدينة سوق الشيوخ هو الطاعون الذي ضرب المنطقة ككل عام 1831م والذي قضى على الكثير من سكانها ، يذكر الكسندر أداموف ، القنصل الروسي في البصرة في نهاية القرن التاسع عشر ، في كتابه ولاية البصرة في ماضيها وحاضرها ، وذلك عند حديثه عن مدينة سوق الشيوخ والطاعون الذي اجتاحها ، ص: 55 ((( وعندما اجتاح الطاعون في 1831 العراق بأجمعه وجه أول ضربة لرفاهية هذا المركز التجاري العربي الصرف))). ويكفي لتقييم آثار الطاعون على عدد سكانها أن ننظر الى مقارنة بين من زارها من الرحالة قبل الطاعون وبعده ، حيث زارها قبل الطاعون بعشر سنوات الرحالة الفارسي محمد آغا وذكر أن عدد بيوت المدينة والقرى المحيطة بها 20 ألف منزل وذكر أن معظمهم من قبائل اتحاد المنتفق القبلي بينما ذكر خورشيد باشا في تقريره الذي أعده للدولة العثمانية وهو الذي اشترك بلجنة الحدود العثمانية الفارسية ما بين 1848م - 1852م وأصبح واليا لأنقرة لاحقا ، في كتاب ولاية البصرة - من كتاب (سياحة نامة حدود) جولة بالمناطق الحدودية بين الامبراطورية العثمانية وفارس ، وهو الذي زارها بعد 18 عام من الطاعون ، أن عدد بيوت المدينة نفسها في تلك الفترة كان 800 منزل (أي ان سكانها بحدود الأربعة آلاف نسمة بعد الطاعون). يذكر الرحالة الفارسي محمد آغا ، عاصمة مملكة المنتفق مدينة سوق الشيوخ قبل العام 1820م ، حيث مر بها ووصف من كان يقيم فيها وحولها وهم عشرون ألف بيت معظمهم من قبائل اتحاد المنتفق ، يذكر السيد محمد آغا الفارسي ، كتاب رحلة المنشي البغدادي الى العراق ، رحلته عام 1820م ، ص: 146 (((ومن السماوة الى سوق الشيوخ ثمانية عشر فرسخا وفي هذه البلدة عشائر المنتفق، يسكنون السوق وفي أنحائه، وعدتهم عشرون ألف بيت وهم في جانبي الفرات ، ومذهبهم مذهب أحمد بن حنبل ، وبعضهم شيعة ))). ويذكر القنصل الروسي في البصرة أهمية سوق الشيوخ تجاريا وذلك عند مقارنته بين سوق الشيوخ في الماضي وبين سوق الشيوخ في أواخر القرن التاسع عشر أي بعد أكثر من مائة سنة من تأسيسها و بعد أن ضربها الطاعون وبعد ان ازدهرت مدينة الناصرية عاصمة مملكة المنتفق الجديدة التي أسسها الأمير ناصر السعدون عام 1869م ، حيث يذكر الكسندر أداموف القنصل الروسي في البصرة في نهاية القرن التاسع عشر , في كتابة ولاية البصرة في ماضيها وحاضرها ، ص: 55 ((( وماسوق الشيوخ حاليا الا شبيه تافه للسوق المزدهر السابق الذي كان البدوي يستطيع أن يجد فيه كل ماهو ضروري ابتداء من السلاح الأبيض والأسلحة النارية والبارود والسروج وانتهاء بالأرز والشعير والدخن والمصنوعات الأوربية والبن ومختلف الأواني البسيطة وماشابه ذلك من البضائع. وكانت التجارة هناك تجري عن طريق المقايضة أي ان البدو كانوا ، في مقابل البضائع التي يحتاجونها ، يقدمون الماشية والخيل والمنتجات الحيوانية كالصوف والجبن والجلود وماأشبه. وكان شراء المسروقات والأشياء التي تقع في أيدي البدو عند سلبهم للقوافل التجارية أوللمسافرين الانفراديين بشكل عام فرعا مزدهرا من فروع التجارة المحلية بحيث ان أي أوروبي يسلبه العرب في الصحراء كان يستطيع وبشكل مؤكد أن يعيد شراء أغلبية أشيائه التي فقدها في دكاكين سوق الشيوخ))). 10- توتر الأوضاع بين الدولة العثمانية والدولة الفارسية – هجوم بني كعب: بعد إسترداد مملكة المنتفق لمدينة البصرة (عام 1779م) وإعادة المدينة من قبل الأمير ثويني بن عبدالله للعثمانيين كدعم منه لسليمان باشا و بعد إبادة القوات الفارسية (في معركة الفضلية ومعركة أبي حلانة التي قتل بها قادة الجيش – أخوان حاكم الدولة الفارسية أبناء الأسرة الزندية ) ساد التوتر في العلاقة بين الدولة العثمانية والدولة الفارسية بسبب هذه الأحداث وبالتالي توترت العلاقة بين مملكة المنتفق (التي وقفت بالجانب العثماني) وبين دولة بني كعب التي وقفت بجانب الدولة الفارسية . وبعد أن أصبحت البصرة تحت نفوذ حاكم مملكة المنتفق الأمير ثويني بن عبدالله ، فقد رأى حاكم دولة بني كعب الأمير غضبان بن محمد الكعبي أن تزايد نفوذ مملكة المنتفق المجاورة له وخصوصا سيطرتها على ميناء البصرة يضر بمصالح دولته لذلك قرر القيام بتحرك عسكري ضد معسكر مملكة المنتفق القريب للبصرة والمكلف بحمايتها ، وفي عام 1784م شنت قوات كبيرة من بني كعب هجوما مفاجئا على معسكر للأمير صقر بن عبدالله (أخو الأمير ثويني) يقع قرب مدينة البصرة ومخصص لحمايتها وانتصرت عليه ، وقد كان هذا التحرك العسكري جزء من حالة عامة تعيشها المنطقة في تلك الفترة بين العثمانيين ومن يحالفهم وبين الفرس ومن يحالفهم . وقد كان بنو كعب يتوقعون الرد من الأمير ثويني بن عبدالله ولكنهم كانوا يعلمون أنه على موعد لاجتماع مع المستر لاتوش (الوكيل البريطاني في مقيمية البصرة) ، لذلك لم يتوقعوا تحركه الا بعد الأجتماع بمدة ، ولكن خطة الأمير ثويني بن عبدالله العسكرية فاجأتهم .. حيث وضع معسكر يتكون من عدد قليل من المقاتلين ( 1200 مقاتل) في مكان الإجتماع وكأنهم قوات لحمايته فقط ، وبعد الإجتماع تحركت القوات وأجتازت النهر سباحة وتحركت بسرعة مسافة تقارب 100 كيلومتر خلال يوم ونصف وباغتت معسكر قوات بني كعب (التي هاجمت معسكر أخيه) وأبادته بشكل كامل وغنمت كل مافيه ورجعت ، يذكر ج.ج. لوريمر ، في كتابه دليل الخليج ، وصف لاتوش للغزوة , القسم التاريخي , ج4 , ص:1883 ((( وقد شهد لاتوش وهارفورد جونز من مقيمية البصرة حادثة غريبة من هذه الحملة , وكان الأول في طريقه لأوربا مرورا ببغداد وحلب , فرتب لقاء مع الشيخ ثويني الذي كان معسكره على الضفة اليمنى لشط العرب فوق البصرة . وعقب انتهاء الزيارة في الغروب مباشرة , أمر ثويني رجاله وكان عددهم يتراوح بين 1000 و 1200 رجل بعبور النهر الكبير سباحة الى الضفة الأخرى , وخلال الليل والصباح التالي كان رجال المنتفق قد سارو مسافة تتجاوز 65 ميلا في الأرض الى جانب عبورهم خليجين كبيرين , وفي التاسعة من مساء اليوم التالي استطاعوا أن يباغتوا العدو في معسكره ويبيدوا رجاله عن آخرهم , وكان بنو كعب على علم بموعد ثويني مع مستر لاتوش , وعلى هذا لم يكونوا يتوقعون أن يباغتوهم بهذه السرعة))). هذه المعركة توضح جانب من شخصية الأمير ثويني بن عبدالله وشجاعته وإقدامه حيث انطلق مع رجاله (فيما يبدو من وصف لاتوش أنه انطلقوا هروله ) الى معسكر العدو والذي لو علم بتحركهم لقضى عليهم بسهولة كونهم وصلوا المعسكر بعد أن قطعوا مسافة طويلة في مدة قصيرة وبدون أسلحة ثقيلة ، وتمكنت قوات المنتفق من مباغتت المعسكر والإنتصار على كل من فيه وغنمت كل مافيه وعادت قوات المنتفق على خيول معسكر العدو بسرعة وبدون أي خسائر بشرية في جنوده ، وهي عملية نوعية جريئة وفريدة من نوعها خلف خطوط العدو جاءت كرد قوي وقاسي على هجوم بني كعب المباغت لمعسكر مملكة المنتفق قرب البصرة. يذكر المؤرخ العثماني الشيخ عثمان بن سند الوائلي البصري (المعاصر للأحداث ) ، وذلك عند حديثه عن حاكم مملكة المنتفق الأمير ثويني بن عبدالله وانتصاره على بني كعب ، في كتابه مطالع السعود بطيب أخبار الوالي داود ، ص: 213 ((( وكان أحد أجواد العرب مااناخ في بابه احد الا بلغ الارب ، وكان له في حكومته الأولى ايام ، شاهدة بانه الصارم الضرغام . ومن ايامه المحجلة بالصوارم ، ووقائعه المنورة باللهاذم ، اليوم المعروف بيوم دبى – الموضع القريب من البصرة كربى – وذلك ان كعبا غزو اخاه صقرا بجيش عرمرم فصبر لهم صبرا ، وقراهم بيضا وسمرا ، وكر عليهم بنفسه فكانوا كشياء ابصرت هزبرا ، فولوا الأدبار واغتربوا الفرار.... ومن ذلك اليوم لانت من كعب الشكائم ، ووهت منهم العرائك والعزائم ))). وللمؤرخ العثماني الشيخ عثمان بن سند الوائلي البصري (المعاصر للأحداث) قصيدة في مدح الأمير ثويني بن عبد الله حاكم مملكة المنتفق بمناسبة انتصاره على قوات دولة بني كعب وعدد فيها أسماء أخوان الأمير ثويني وكناه بأبي فرحان ، في كتابه مطالع السعود بطيب أخبار الوالي داود ، ص: 214 : همو ألّبوا مستنصرين برجلهم فكانوا بغاثاً خرَّ من فوقها صقرُ لقوا فتيةً هزّوا القنا بأكفّهم فكاد بذاك الهزّ يزهو ويخضرُّ وهم أصلتوا البيض الرقاق كأنّها بروقٌ لها تامور من حاربوا قطر فأصبح (غضبان) الروافض كاسمه ولا أسد لا بيضٌ لديه ولا سمر وما لبني كعبٍ وحرب فوارسٍ سيوفٌ إذا قدّوا.. ليوثٌ إذا كرّوا إذا ما دعوا باعوا النفوس على الوغى وجوههمُ بيضٌ، وبيضهمُ حمر هم يشترون الحمد بالسُّمر والظبا فلولاهمُ لم يغل حمدٌ ولا فخر إذا مات منهم سيّدٌ قام سيّدٌ وإن غاب بدرٌ شعّ من بعده بدر فسل عنهمُ سود الوقائع إنّها تخبّر أن القوم أفعالهم غرُّ فلولاهمُ ما راق بدوٌ ولم يرق وحقّ العلى لولا تصدّرهم صدر ولولاهمُ لم تغش معمعةٌ ولا تجشّم نار الحرب ليثٌ ولا مهر بهم تضحك الدنيا حتى كأنّها رياضٌ لها من بيض أفعالهم زهر إذا افتخروا فالفخر منهم وفيهمُ ولو أنهم ما شان أخلاقهم كبر وحقّهمُ لولاهمُ ما تحمّلت ليالٍ ولم يضحك لمكرمةٍ ثغر ولم ير ناراً طارقٌ في دجنّةٍ ولا أرقلت عيشٌ ولا أطرب القفر (ثويني) (حبيبٌ) (ناصرٌ) و(مغامسٌ) جميعهمُ أسدٌ، وصالحهم (صقر) هم النفر الأخيار والسادة الألى إذا سالموا سرّوا، وإن حاربوا ضرّوا وإن فاخروا فاقوا، وإن سابقوا شأوا وإن طاعنوا أردوا، وإن نسكوا برّوا مصابيح إن يهدوا.. مساميح إن جدوا جحاجيح إن ساموا. مصاليت إن جرّوا وحسبهمُ فخراً بأنّ أباهم إذا فاخروا من فاخروه هو (النضر) بهاليل نالوا من نزارٍ وغالبٍ شناخيب مجدٍ دونها النسر والغفر صهاميم أسماهم (لؤيُّ وهاشمٌ) علىً لو سماها البدر لم يخسف البدر وناهيك منهم هامر الكفّ بارعٌ صبورٌ نمته سادةٌ قدمٌ صبر نماهم (شبيبٌ) للمعالي فأصبحوا وهم في سماء المجد أنجمها الزهر أبى الله أن يؤتى المعالي مثلهم ويحسن إلا منهم النهي والأمر وهل ك (أبي فرحان) يبرز عصره فإن يك منّى مثله كذب العصر عطاءٌ ولا منٌّ ونطقٌ ولا خنا وحلمٌ ولا جهلٌ ونفعٌ ولا ضرُّ نعم جهلت أسيافهم في عدوّهم وأعداءهم ضروّا وأحلامهم سرّوا لهم منهمُ فيهم تروق مدائحٌ ويرجو الندى راجٍ ويجتمع الفخر 11- دخول ثويني لشرق الجزيرة العربية عسكريا عام 1785م – 1200هـ: شهد العام 1785م إنشقاق في الأسرة الحاكمة في دولة بني خالد في الأحساء بين الأمير سعدون بن عريعر والأمراء عبدالمحسن بن سرداح ودويحس بن عريعر الذين فروا الى مملكة المنتفق وأستنجدوا بحاكمها الأمير ثويني بن عبدالله والذي قدم بجيش كبير الى الأحساء وبعد قتال عدة أيام هزم الأمير سعدون بن عريعر حاكم دولة بني خالد وأسقط حكمه وأستطاع الأمير ثويني بن عبدالله وضع حليفيه الأمير عبدالمحسن بن سرداح و الأمير دويحس بن عريعر على حكم الأحساء. و يعود سبب الإنشقاق الى انه بعد وفاة حاكم دولة بني خالد الأمير عريعر ، اندلع صراع وتنافس على حكم دولة بني خالد بين أبنائه الأمراء بطين ودجين وسعدون ، وهو ماأدى الى قتل الأمير بطين حاكم دولة بني خالد على يد أخويه، ثم الإشتباه بقتل الأمير سعدون لأخوه الأمير دجين الذي تولى الحكم بعد الأمير بطين ، هذه الأسباب أدت لاحقا الى قيام الأمير دويحس بن عريعر بإنقلاب على أخيه الأمير سعدون ، الا ان الإنقلاب فشل واضطر الأمير دويحس وخاله عبدالمحسن بن سرداح الى اللجوء لحاكم مملكة المنتفق الأمير ثويني بن عبدالله لإزاحت الأمير سعدون عن حكم دولة بني خالد ، يذكر عبدالكريم المنيف الوهبي في كتابه بنو خالد وعلاقتهم بنجد 1080 - 1208 هـ/ 1669 – 1794م ، ص: 349 ((( وبعد وفاة عريعر سنة 1188هـ/1774م يعود التنافس من جديد على زعامة بني خالد بين أبنائه بطين ودجين وسعدون اذ لم تمض مدة على ولاية بطين حتى قتله شقيقاه خنقا. وذكر أنه تولى بعده أخوه دجين الذي توفي بعد شهر من توليه السلطة. وتشير أصابع الاتهام الى أخيه سعدون الذي استمر في الحكم حتى سنة 1200هـ/ 1786م عندما فقد الزعامة اثر صراع على السلطة وذلك حين قام دويحس بن عريعر بمساندة من بعض أخوته بانقلاب فاشل على أخيه سعدون مماضطره للجوء الى خاله عبدالمحسن بن سرداح من آل عبيدالله أحد فروع آل حميد، فيستغل بن سرداح ما حدث لتحقيق طموحاته الشخصية في نقل الزعامة الى بيت آل عبيدالله. فيستعد عبدالمحسن لمواجهة سعدون ولما لم يجد في أتباعه من بني خالد القدرة على مواجهة قوات سعدون لجأ الى ثويني بن عبدالله آل شبيب زعيم قبائل المنتفق القوي في جنوب العراق وذو الطموح الكبير للتوسع والاستقلال بالبصرة والمناطق المجاورة. وطلب منه الدعم والمساندة ضد سعدون، فاستجاب ثويني وتعهد بالتأييد التام))). حاول حاكم دولة بني خالد الأمير سعدون بن عريعر أن يثني حاكم مملكة المنتفق الأمير ثويني بن عبدالله عن دعم الأمراء دويحس بن عريعر وعبدالمحسن بن سرداح ، الا انه فشل في ذلك ، لذالك أمر الأمير سعدون بن عريعر فرسانه بشن الغارات على قبائل بادية مملكة المنتفق طوال الشتاء ، يذكر عبدالكريم المنيف الوهبي في كتابه بنو خالد وعلاقتهم بنجد 1080 - 1208 هـ/ 1669 – 1794م ، ص: 350 ((( حاول سعدون اقناع ثويني بالتراجع عن تأييد دويحس وخاله عبدالمحسن ولكنه فشل رغم تحذيره المتكرر من عاقبة ذلك التصرف، قرر سعدون المواجهة نتيجة لذلك وأمر خيالته بشن الهجمات على عربان المنتفق طوال فصل الشتاء))). ولما حل الربيع كان حاكم مملكة المنتفق الأمير ثويني بن عبدالله قد أجتمعت لديه قبائله البدوية للتنقل معه طوال فصل الربيع ( كما هي عادة حكام مملكة المنتفق آل سعدون تاريخيا ) ، وعندها بدأ حاكم مملكة المنتفق الأمير ثويني بن عبدالله الزحف بقواته من البادية والحاضرة على أراضي دولة بني خالد ووقعت معركة فاصلة بين الطرفين انتهت بهزيمة كبيره للأمير سعدون بن عريعر وبوصول الأمراء دويحس بن عريعر وخاله عبدالمحسن بن سرداح الى الحكم ، يذكر عبدالكريم المنيف الوهبي في كتابه بنو خالد وعلاقتهم بنجد 1080 - 1208 هـ/ 1669 – 1794م ، ص: 350 ((( ولما حل الربيع التقى الفريقان في شمال أراضي بني خالد حيث جرت المصادمات والمناوشات بينهما حتى فصل الصيف وفي النهاية تدور بينهما معركة شرسة سميت ضجعة نسبة الى مكان وقوعها. وقد انتهت تلك المعركة بانهيار قوات سعدون وتكبدها هزيمة قاسية))). يذكر المؤرخ والمستشرق الألماني البارون ماكس فرايهير فون أوبنهايم ، في كتابه البدو ، عند حديثه عن الأسرة الحاكمة في مملكة المنتفق آل سعدون وعلاقتهم بقبائلهم البدوية ، قسم المنتفق ، ج:3 ، ص: 625 ((( على الرغم من هذا الإرتباط الوثيق بالأرض كان شيوخ الشبيب – سعدون يشعرون بأنهم أمراء بدو. فكان شيخ المشايخ يتجول في مارس/ آذار أو قبل ذلك مع البدو لمدة ثلاثة أشهر في الصحراء ))). يذكر المؤرخ الشيخ حسين بن غنام ، مؤرخ الدولة السعودية الأولى (المعاصر للأحداث ) ، في كتابه تاريخ نجد ( روضة الأفكار والأفهام) ، ص: 162 ((( وفي سنة 1200 دبت الفتن بين بني خالد في (الأحساء) واستحكت في قلوبهم الشحناء ، فأضاعوا صلة الأرحام ، وسفك بعضهم دماء بعض . فجرت وقعة ( جضعة ) وذلك أن المهاشير من بني خالد وآل صبيح اتفقوا مع عبدالمحسن ابن سرداح وثويني بن عبدالله رئيس المنتفق على محاربة سعدون بن عريعر رئيس بني خالد : فثارت الحرب بينهم أياما وقتل منهم قتلى كثيرون ، وانهزم سعدون ومن معهم . فترأس عبدالمحسن بن سرداح ودويحس بن عريعر على بني خالد والأحساء ))). ويذكر المؤرخ والشاعر خالد الفرج (المعاصر للملك عبدالعزيز مؤسس الدولة السعودية الثالثة ) ، عند حديثه عن الأمير ثويني بن عبدالله ، كتاب الخبر والعيان في تاريخ نجد ، ص: 204 ((( استعان به عبدالمحسن بن سرداح رئيس المهاشير من بني خالد على منافسه سعدون بن عريعر ، فجرت بينهم وقعة جضعة سنة 1200هـ في نقرة بني خالد ، انتصر فيها ثويني ، وفر سعدون الى خصومه آل سعود ))). وبينما يرى عبدالكريم المنيف الوهبي أن الأمير ثويني قام بمساعدة الأمير دويحس وخاله الأمير سرداح لأنه يرغب في إضعاف حكم بني خالد وتعيين قيادة موالية له ، الا ان هذا الرأي غير صحيح لأنه يخالف ماذكره المؤرخ العثماني عثمان بن سند الوائلي ( المعاصر للأحداث) والذي أشار الى ان الأمير ثويني بن عبدالله بعد أن أسقط حكم الأمير سعدون بن عريعر ، ترك لزعماء بني خالد حرية أختيار حاكمهم وتم اتفاقهم على من يحكمهم بعد وصول الأمير ثويني بن عبدالله لعاصمة دولته مدينة سوق الشيوخ ، ويضاف الى ذلك أن الأمير ثامر بن سعدون (أخو ثويني من أمه وولد عمه) كان متزوج من آل عريعر ( وهو ماسوف يتم توضيحه في قسم لاحق من هذا البحث). وهذا يوضح أن تحرك الأمير ثويني بن عبدالله كان موجها ضد الأمير سعدون بن عريعر والذي طلب أخوته وكبار بني خالد من الأمير ثويني ان يسقط حكمه لسبب يتعلق ربما بقتل الأمير سعدون بن عريعر لأخويه سابقا. يذكر عبدالكريم المنيف الوهبي في كتابه بنو خالد وعلاقتهم بنجد 1080 - 1208 هـ/ 1669 – 1794م ، عند حديثه عن الأمير ثويني بن عبدالله ، ص: 394 ((( الذي كان من مصلحته انهاك القوة الخالدية بالصراعات الداخلية وتنصيب زعامة جديدة موالية له وبحاجة للدعم مما يمكن من السيطرة عليها))). ويذكر المؤرخ العثماني الشيخ عثمان بن سند الوائلي البصري - المعاصر للأحداث - في كتابه مطالع السعود بطيب أخبار الوالي داود ، عند حديثه عن عودة حاكم مملكة المنتفق الأمير ثويني بن عبدالله لعاصمة دولته مدينة سوق الشيوخ بعد المعركة واتفاق بني خالد على أن يكون الأمير دويحس بن عريعر هو الحاكم لدولة بني خالد , ص: 217 ((( ولما رجع ثويني الى داره وموطن حكومته ومطمع انظاره ، اجمع اكابر عشائر بني خالد على ان يؤمر فيهم داحس ابن عرعر اذ هو من باقي اخوته اكبر))). 12- أول معاهدة تاريخيه للدولة السعودية الأولى مع دولة خارج الجزيرة العربية – مع مملكة المنتفق: وهنا تذكر مصادر الدولة السعودية الأولى وجود معاهدة بين الأمير ثويني بن عبدالله حاكم مملكة المنتفق وبين الإمام عبدالعزيز حاكم الدولة السعودية الأولى في نجد وهي أول معاهدة تاريخية للدولة السعودية الأولى مع دولة أخرى خارج الجزيرة العربية (حسب علمنا). بعد هزيمة قوات حاكم دولة بني خالد الأمير سعدون بن عريعر أمام قوات حاكم مملكة المنتفق الأمير ثويني بن عبدالله وسقوط حكم الأمير سعدون بن عريعر ، ذهب الأمير سعدون بن عريعر ومعه خاصته الى نجد وأرسل للأمام عبدالعزيز حاكم الدولة السعودية الأولى يطلب منه الأمان ودخول الدرعية (عاصمة الدولة السعودية الأولى ) ، الا أن الإمام عبدالعزيز رفض استقبالهم لوجود معاهده بينه وبين الأمير ثويني بن عبدالله وطلب منهم الإنتظار حتى يقف على حقيقة ماحصل ويراسل الأمير ثويني بن عبدالله ، ولكن الأمير سعدون بن عريعر تعجل ودخل الدرعية بدون آمان ، وقد استشار الإمام عبدالعزيز الشيخ محمد بن عبدالوهاب في قبول لجوء الأمير سعدون بن عريعر خاصة وأن الإمام عبدالعزيز تضايق مما حصل ، وقد أشار عليه الشيخ بقبوله ، وعندما علم الأمير ثويني بن عبدالله بذلك غضب وأعتبر ذلك خرقا للمعاهدة التي بين الطرفين ، وقد أرسل اليه الأمام عبدالعزيز يوضح له اضطراره لقبول لجوء الأمير سعدون بن عريعر وأنه لم ينقض العهد. يذكر المؤرخ الشيخ حسين بن غنام ، مؤرخ الدولة السعودية الأولى (المعاصر للأحداث ) ، في كتابه تاريخ نجد ( روضة الأفكار والأفهام) ، ص: 162 ((( فهرب سعدون وجماعته و أقبلوا على (الدرعية) وأرسلوا الى عبدالعزيز يطلبون منه الأمان . فنهاهم عبدالعزيز عن دخول البلد حتى يقف من ثويني على حقيقة الأمر – وكانت بين المسلمين وثويني معاهدة ومصالحة. ولكن سعدون تعجل الأمر فدخل البلد ، وكان عبدالعزيز خارجا من قصره لصلاة الجمعة ، فتقابلا عند باب القصر . فرجع معه وأمر بانزاله و اكرامه ثم رجع للصلاة ، وقد امتلاء غما وهما لتعجل سعدون . فلما قضى صلاته ذهب الى الشيخ محمد بن عبدالوهاب ، وكاشفه بما في نفسه ، فجلا عنه الامام جميع الشبه وتلا عليه قوله تعالى : -(( عسى الله أن يجعل بينكم وبين الذين عاديتم منهم مودة والله قدير والله غفور رحيم ))- . فاطمأنت نفس عبدالعزيز وسري عنه ماكان يحس به من الغم . فلما علم ثويني بذلك تعاظم وتجبر ، فأرسل اليه عبدالعزيز يلاطفه ويشرح له حقيقة ماجرى ، ويبين له أنه لم ينقض العهد ، وأنه اضطر الى قبول سعدون وجماعته . ولكن ذلك كله لم يجد شيئا مع ثويني وزاد في تعاظمه ، وجد في الاستعداد للحرب ))). ويذكر المؤرخ الشيخ عثمان بن بشر ، مؤرخ الدولة السعودية الأولى والثانية ، في كتابه عنوان المجد في تاريخ نجد، عند حديثه عن الأمير سعدون بن عريعر ، ج:1 ، ص: 157 ((( فلما لم يجد له ملجأ هرب الى الدرعية . فلما قرب منها أرسل الى عبدالعزيز يطلب الأمان , فأبى عبدالعزيز ذلك لأن بينه وبين ثويني هدنة . فعزم سعدون ودخل الدرعية بلا أمان . فشاور عبدالعزيز الشيخ فقال : عسى الله أن يجعل بينكم وبين الذين عاديتم منهم مودة والله قدير والله غفور رحيم . فأكرمه عبدالعزيز غاية الاكرام , فلما بلغ ثويني ذلك , تعاظم الأمر, فاستعطفه عبدالعزيز فلم ينجح فيه ))). 13- دخول ثويني لنجد عسكريا عام 1786م – 1201هـ: تسارعت الأحداث بشكل كبير حيث أن أمير القصيم التابع للدولة السعودية الأولى أغار على قافلة تجارية ضخمة خارجه من البصرة وسوق الشيوخ وقتل رجالها ونهبها عند وصولها الى منطقته (القصيم) وبذلك أشعل فتيل الحرب في المنطقة كلها . يذكر المؤرخ الشيخ حسين بن غنام ، مؤرخ الدولة السعودية الأولى (المعاصر للأحداث ) ، في كتابه تاريخ نجد ( روضة الأفكار والأفهام) ، ص: 163 ((( وغزا حجيلان بن حمد أمير (القصيم) بأهل بلده وانضمت اليه جماعة من عنزة ، فذكر له أن ثمة قافلة عظيمة خارجة من (البصرة) و (سوق الشيوخ) فرصدهم في الطريق ، الى أن أقبلوا عليه بما معهم من الأموال والأحمال ، فهجم عليهم ، فتقاتلوا حينا ثم انكشفت القافلة وانهزم رجالها . وغنم حجيلان وجماعته ماكان معها من الأموال ، واستاقوا ابلها و أغنامها ، وقتلوا عددا من رجالها ))). يذكر المؤرخ الشيخ عثمان بن بشر ، مؤرخ الدولة السعودية الأولى والثانية ، في كتابه عنوان المجد في تاريخ نجد ، حوادث سنة 1200هـ ،عند حديثه عن القافلة التي هاجمها أمير القصيم، ، ج : 1 ، ص: 157 ((( وفيها غزا حجيلان بن حمد أمير القصيم الى ناحية جبل شمر فذكر له قافلة خارجة من البصرة وسوق الشيوخ فأسرع حتى وصل الى بقعا، فرصد لهم فيها ، فوافقها ومعها كثير من اللباس والقماش لأهل الجبل وغيرهم فأخذها وقتل من الحدرة قتلى كثيرة))). يذكر هاري سانت جون فيلبي ، في كتابه العربية السعودية، ص: 149 ((( قام (حجيلان) بالاستيلاء على قافلة كبيرة محملة بالأقمشة والبضائع كانت قادمه من العراق وفي طريقها الى (حائل)، وسارع بالعودة الى ديرته محملا بالغنائم قبل أن تنظم أية جهة حمله لمطاردته. لكن الانتقام كان قادما على الطريق، ففي تشرين الأول من العام التالي قاد زعيم المنتفق والمدعو (ثويني) قوة عسكرية قوية وسار بها باتجاه القصيم))). كان نهب القافلة والإعتداء عليها وقتل رجالها من قبل أمير القصيم بمثابة إعلان حرب ، لذلك قام حاكم مملكة المنتفق الأمير ثويني بن عبدالله بجمع قوات ضخمه من القبائل والحواضر التابعه له ، حيث بلغ عدد الأبل التي حملت المدافع والبنادق في جيشه 700 بعير ، ولنا ان نتصور كم تكون حمولة الجيش كاملا اذا كان حمولة البنادق والمدافع والذخيره لوحدها 700 بعير ، وسار الأمير ثويني بن عبدالله بجيوشه هذه الى نجد متوجها الى أمير القصيم . يذكر المؤرخ الشيخ حسين بن غنام ، مؤرخ الدولة السعودية الأولى (المعاصر للأحداث ) ، في كتابه تاريخ نجد ( روضة الأفكار والأفهام) ، أحداث سنة 1201هـ ، ص: 164 ((( وفي أول هذه السنة ، سار ثويني بن عبدالله بجيوشه الكثيرة من (المنتفق) وأهل المجرة وجميع أهل (الزبير) وبوادي شمر وأغلب طيء وغيرهم ومعه من العدد والعدة مايفوق الحصر ، وتجهز بالمدافع والبنادق والقنابل التي تدك الحصون والأسوار))). يذكر المؤرخ الشيخ عثمان بن بشر ، مؤرخ الدولة السعودية الأولى والثانية ، في كتابه عنوان المجد في تاريخ نجد، أحداث سنة 1201هـ ، ج: 1 ، ص: 158 ((( وفي أول هذه السنة في المحرم ، سار ثويني بن عبدالله بن محمد بن مانع آل شبيب بالعساكر والجنود العظيمة من المنتفق وأهل المجرة وجميع أهل الزبير وعربان شمر وغالب طي وغيرهم ، ومعه من العدد والعدة مايفوق الحصر ، حتى أن أحمال زهبة البنادق والمدافع وآلاتها بلغت سبعماية حمل، فسار في أوطانه وقصد ناحية القصيم))). يذكر المؤرخ حمد بن لعبون ، مؤرخ الدولة السعودية الأولى والثانية (المعاصر للأحداث) ، ولد قبل عام 1768م وتوفي 1844م، كتاب تاريخ حمد بن محمد بن لعبون ، ص: 552 ((( وفي سنة 1201: في المحرم سار ثويني بن عبدالله آل محمد آل شبيب على نجد بالعساكر والجنود ومعه من القوة والعدد والعدة مايفوت الحصر ، حتى ان حمول زهبة المدافع والبنادق سبعمائة حمل ، ومعه جميع المنتفق ، وأهل الشط ، والمجرة ، والنجادى ، وشمر ، وغالب طيء ، وغيرهم من الخلق ))). ونتوقف هنا قليلا لنذكر تعريف بالحواضر والمناطق الحضرية التابعة لحاكم مملكة المنتفق الأمير ثويني بن عبدالله التي ذكرت بنصوص مؤرخين الدولة السعودية الأولى. حيث تنتشر قلاع مملكة المنتفق بشكل عام على هذه المناطق المذكورة وعلى غيرها من المناطق في مملكة المنتفق ، وتمتلك مملكة المنتفق عددا كبيرا من القلاع والتي تنتشر على ضفتي نهر الفرات من شمال مدينة السماوة وحتى القرنة (ملتقى دجلة والفرات) بطول أكثر من 300 كلم ثم على ضفتي شط العرب من القرنه وحتى الخليج العربي بطول أكثر من 200 كلم ، يذكر خورشيد باشا في تقريره الذي أعده للدولة العثمانية ، قلاع مملكة المنتفق على امتداد ضفتي الفرات من شمال السماوة وحتى القرنه وعلى امتداد ضفتي شط العرب من القرنه وحتى مصب شط العرب في الخليج ، وذلك عند حديثه عن مدن وقرى مملكة المنتفق وعن حاكم مملكة المنتفق وشيخ مشايخ قبائلها في تلك الفترة (فترة اشتراكه في لجنة الحدود) ، وخورشيد باشا اشترك بلجنة الحدود العثمانية الفارسية ما بين 1848م - 1852م وأصبح واليا لأنقرة لاحقا ، كتاب ولاية البصرة - من كتاب (سياحة نامة حدود) جولة بالمناطق الحدودية بين الامبراطورية العثمانية وفارس- ، ص: 53 (((أما قرية السماوة فيبلغ عدد بيوتها اقل من نصف بيوت سوق الشيوخ ولكنها تسمى بالقصبة أيضا فلم نصل إليها ولكن قيل لنا يوجد فيها بعض الأماكن الجميلة كما يملك شيخ المشايخ قرى أخرى مثل الشطرة وطالبة وغليظة، والتي يمكن ملاحظة أهميتها من عدد سكانها كما ذكرت في القائمة. يضاف إلى ذلك فهم يملكون اعداد كبيرة من القلاع المسماة بالكوت والممتدة من السماوة وحتى مقاطعة الدواسر الواقعة بالقرب من خليج البصرة والمنتشرة على جانبي الفرات وشط العرب))). ونبدأ أولا بمنطقة المجرة وهي المنطقة عالية الكثافة السكانية على نهر الفرات والتي تقع بين عاصمة مملكة المنتفق مدينة سوق الشيوخ وهور الحمار ، يذكر هارولد ديكسون ، الوكيل السياسي البريطاني والذي عمل كسياسي بالعراق بعد الحرب العالمية الأولى ، في كتابه الكويت وجاراتها ، ج:1 ، ص: 159 ((( المجرة: اسم عام يطلق على قبائل منطقة سوق الشيوخ التي تسكن على الضفة اليمنى من الفرات بين سوق الشيوخ وبحيرة الحمار))). ثانيا منطقة شط العرب الممتدة على جانبي شط العرب بطول 218 كلم ، يذكر السيد عبدالرزاق الحسني ، في كتابه العراق قديما وحديثا، ص: 72 ((( يبدا (شط العرب) في (قصبة القرنه) الواقعه على مسافة (75 ) كيلومترا من البصرة شمالا ، وينتهي الى الخليج العربي جنوبي (قرية الفاو) فيبلغ طوله (218) كيلومترا ، ويتراوح عرضه من 400 مترالى 1200متر ))). وقد كانت الفاو عند نهاية شط العرب من ملحقات أرض كبيرة اسمها المعامر ، والمعامر مقاطعة زراعية شمالي الفاو كانت تسمى الدكاك، وعمرها الأمير راشد بن ثامر السعدون، وأطلق عليها هذا الاسم، وقد أُرخ تعميرها بعبارة (تعامير راشد)، سنة 1226هـ، وكانت الفاو من ملحقات المعامر إلى أن أهداها الامير راشد السعدون إلى شيخ الكويت الشيخ جابر الصباح. يذكر مؤرخ الكويت الأول الشيخ عبد العزيز الرشيد ، في كتابه تاريخ الكويت ، وذلك عند حديثه عن العرض الذي عرضه الأمير راشد بن ثامر السعدون على الشيخ جابر شيخ الكويت كمكافأة له، وذلك لكرمهم مع الأمير راشد بن ثامر السعدون، ص: 120 (((فعرض عليه بعد أن رجع إلى مقره (المعامر) بأسرها أو (ثلاثة حواز من الفاو) مكافأة له على افضاله فاختار الثلاثة الاحواز وضرب باختيار ابنائه (المعامر) الحائط وانما اختار مااختار على قلته وترك ماهو أكثر منه واعمر لان للفاو مستقبلا لايتسنى للمعامر نظرا لكون الفاو على شاطيء البحر والجهات التي تكون كذلك يطرد اتساع اراضها وزيادتها لتقدم الشاطيء في البحر بسبب مايرميه النهر هناك من الطين وغيره. ويقال في سبب المكافأة ان راشدا نزل خارج الكويت في أحد اسفاره ولم يكن جابر فيها فقامت اخته (مريم) مقامه في اكرام الزائر وتقديم الضيافة اللازمة له، فأكبر راشد نباهة تلك المرأة وكرمها الحاتمي الذي أخجلته به فرأى من الواجب عليه أمام ذلك الاكرام ان يقوم بأمر يقابل ذلك الفضل والعطف ففعل مافعل))). وتقع بين منطقة المجرة ومنطقة شط العرب منطقة الجزائر وبحيرة هور الحمار (أكبر بحيرة في العراق) ، يذكر السيد عبدالرزاق الحسني ، في كتابه العراق قديما وحديثا، ص: 9 ((( بحيرة الحمار التي تبلغ مساحتها (2500) كيلومتر مربع ، وتقع جنوبي العراق بين البصرة والناصرية ))) ، ويذكر هذه الثلاث مناطق الواقعة في مملكة المنتفق (المجرة والجزائر وشط العرب) المؤرخ النجدي عبدالله بن محمد البسام التميمي (المولود عام 1858م والمتوفى بعنيزة عام 1927م ) ، عند حديثه عن قبائل المنتفق في البصرة ، وعند حديثه عن المنطقة الواقعه في وسط مملكة المنتفق (مابين البصرة وسوق الشيوخ) ، كما يذكر الأسرة الحاكمة في مملكة المنتفق ( آل سعدون الأشراف) ، في كتابه تحفة المشتاق في أخبار نجد والحجاز والعراق , ص: 338(((وصار كل قبيلة منهم لهم نخيل معروفة وقرى معلومة من البصرة وأيديهم عليها . واستمرت بعدهم في أيدي أولادهم ثم أولاد أولادهم , وجعلوها ملكا لهم وعجز عنهم صاحب بغداد , وكانت الرئاسة على المنتفق لآل سعدون من آل شبيب وصاروا ملوكا وملكوا البصرة وسوق الشيوخ ومابينهما من باد وحاضر فهو تحت ايديهم))). وهذه صورة توضح هذه المناطق: أخيرا النجادى ، وهو مصطلح كان يطلق على أهل نجد من الحاضرة الساكنين في العراق ، حيث كان معظم المهاجرين الى العراق من حواضر نجد يتواجدون في المناطق التابعة لمملكة المنتفق ( اما في العاصمة مدينة سوق الشيوخ أو بلدة الزبير) ، يذكر أهل نجد المقيمون في العراق في فترة حكم الأمير ثويني بن عبدالله ، المؤرخ والشاعر خالد الفرج المعاصر للملك عبدالعزيز (مؤسس الدولة السعودية الثالثة) ، وذلك عند حديثه عن سليمان باشا والي بغداد (في القرن الثامن عشر) وعن المساعدة التي قدمها له حاكم مملكة المنتفق الأمير الشريف ثويني بن عبدالله ، ويذكر المؤرخ بعض القبائل والحواضر التابعه للأمير ثويني بن عبدالله وهم عرب المنتفق وشمر العراق وأهل نجد المقيمون في العراق والزبير ، كتاب الخبر والعيان في تاريخ نجد ، ص: 203 ((( وساعده على ذلك عرب المنتفق وشمر العراق ، وأهل نجد المقيمون في العراق والزبير ومتولي كبرهم ثويني بن عبدالله بن محمد بن مانع الشبيبي ، وهو هاشمي النسب ، ورئاسة قبائل المنتفق ترجع الى بيتهم من قديم ، لأن المنتفق خليط من قبائل شتى تجمعهم رابطة التحالف والمجاورة والمصاهرات الى أن كونوا قبيلة كبيرة تحكمت في نواحي العراق ، وكادت تستقل بحكمه))). ويضاف لهذه المناطق التابعة لمملكة المنتفق أيضا: منطقة الجزيرة السفلية (مابين دجلة والفرات) والتي يمر بها نهر الغراف ، ومنطقة نهر دجلة من القرنه والى شمال العمارة ، ومنطقة البادية العراقية الممتدة من شمال الأحساء وشمال نجد وحتى شمال السماوة. نعود للأحداث ومسار جيش حاكم مملكة المنتفق ، حيث حاصر جيش الأمير ثويني بن عبدالله بلدة التنومة أول بلدة تابعه لأمير القصيم وصلها الجيش في طريقه الى بريدة وتم دكها بالمدافع وأقتحمها الجيش ، وقتل من رجالها في أثناء اقتحامها 170 رجلا وتم بعد ذلك طرد سكانها بشكل كامل. ويذكر ابن بشر مؤرخ الدولة السعودية الأولى والثانية في كتابه عنوان المجد في تاريخ نجد أن الجنود دخلوا البلدة بخدعة الآمان بينما يذكر المؤرخ العثماني الشيخ عثمان بن سند الوائلي البصري بأن الجنود اقتحموها بعد ان استطاعوا تسلق أسوارها. ثم أتجه جيش الأمير ثويني بن عبدالله لمدينة بريده وحاصرها وضربها بالمدافع محاولا إقتحامها وفي هذه الأثناء قدم من العراق الشيخ سليمان الشاوي (شيخ قبيلة العبيد قرب بغداد) هاربا من العثمانيين (الذين كانوا يطاردونه) وطالبا اللجوء من الأمير ثويني بن عبدالله الذي وعده بالحماية الكاملة من العثمانيين، يذكر الحملة العثمانية التي طاردت شيخ قبيلة العبيد سليمان الشاوي وانسحاب هذا الشيخ والتجاؤه الى حاكم مملكة المنتفق الأمير ثويني بن عبدالله - الذي كان وقتها محاصرا لمدينة بريدة ، المؤرخ العثماني التركي الشيخ رسول الكركوكلي ، في كتابه دوحة الوزراء في تاريخ وقائع بغداد الزوراء ، ص: 186 ((( بينا آنفا ان الحملة التي تشكلت بقيادة احمد كيهة، كانت قد واصلت سيرها حتى بلغت المكان الذي تحصن فيه الحاج سليمان وهو المسمى ابيرة، ووقع بينهما صدام خفيف فر على أثره الحاج ومن معه نحو المنتفك والتجأ الى شيخ ثويني، وعلى العادة العربية قبله هذا وتعهد بمساعدته والدفاع عنه، وتكاتبوا مع شيخ الخزاعل حمد الحمود يسألونه ان ينضم اليهم فوافق على ذلك))). وقد أدرك الأمير ثويني بن عبدالله أن الوقت قد حان لطرد العثمانيين من العراق بشكل كامل ، وأن يوحد العراق كله تحت حكمه ، لذلك أمر الأمير ثويني بن عبدالله الجيش بالعودة للعراق ، وطلب من الشيخ سليمان الشاوي مراسلة الشيخ حمد الحمود (شيخ قبائل الخزاعل) للإنضمام اليهم فيما كانوا يخططون له ، وقد وافق على ذلك الشيخ حمد الحمود . يذكر مؤرخ العراق الكبير عباس العزاوي ، في موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين ، المجلد السادس ، ص 119 ((( ثم أن الحاج سليمان الشاوي ذهب الى ثويني شيخ المنتفق فناصره وكتب الى حمد الحمود شيخ الخزاعل أن يتفق معهما فوافق . ولذا أمر ثويني أن تتجمع العشائر وتتأهب للحرب فأعدوا للأمر عدته ))). يذكر المؤرخ الشيخ عثمان بن بشر ، مؤرخ الدولة السعودية الأولى والثانية ، في كتابه عنوان المجد في تاريخ نجد ، عند حديثه عن تحرك جيش الأمير ثويني بن عبدالله من التنومة الى بريدة ثم وصول الأخبار بالاضطراب الذي حدث في العراق عند محاولة العثمانيين الفتك بشيخ قبيلة العبيد ومن ثم مطاردته ، ج:1 ، ص: 159 ((( ثم ارتحل منها بجنوده، وقصد بلد بريدة ونزلها وحصل بينه وبين أهلها بعض القتال، فبينما هو محاصرها بجنوده أتاه الخبر بأنه وقع في أوطانه اختلاف وخلل، فارتحل منها راجعا))). ويذكر المؤرخ الشيخ حسين بن غنام ، مؤرخ الدولة السعودية الأولى (المعاصر للأحداث ) ، في كتابه تاريخ نجد ( روضة الأفكار والأفهام) ، ص: 164 ((( واتجه منها الى بلدة (بريدة) وناوش أهلها الحرب ، وهم بأن ينزل بأهلها بطشه لولا ماأتاه من أن اضطرابا قد حدث في بلاده بعد خروجه منها ، فاضطر الى أن يرجع اليها ويفك حصاره عن بريدة))). ويذكر العالم الشيخ محمد بن العلامة الشيخ خليفة بن حمد بن موسى النبهاني الطائي (كان هو ووالده مدرسين بالمسجد الحرام.. وهو معاصر للحرب العالمية الأولى وسبق له تولي قضاء البصرة)، في كتابه التحفة النبهانية في تاريخ الجزيرة العربية ، قسم المنتفق، عند حديثه عن حاكم مملكة المنتفق الأمير ثويني بن عبدالله، ص: 405 (((وكاد أن يخضع بتلك الجموع سائر أنحاء نجد لتوفر قوته ولكن بينما هو يحتل الأراضي النجدية، وإذا بمخبر يخبره بحدوث خلل في العراق))). وبينما كان جيش الأمير ثويني بن عبدالله يتحرك عائدا للعراق ، هاجمه مجموعة صغيرة من سكان بريدة الا انهم قتلوا اثناء محاولته العودة الى داخل أسوار البلدة ، يذكر المؤرخ الشيخ حسين بن غنام ، مؤرخ الدولة السعودية الأولى (المعاصر للأحداث ) ، في كتابه تاريخ نجد ( روضة الأفكار والأفهام) ، ، ص: 165 ((( فلما عزم على الرجوع خرج من أهل (بريدة) نحو سبعة رجال أرادوا أن ينتقموا من مؤخرة الجيش فيقتلوا من يستطيعو قتله ، فانثنى عليهم بعض فرسان الجيش ولحقوهم قبل أن يدخلوا في أسوار البلدة وقتلوهم))). ويلخص المؤرخ والمستشرق الألماني البارون ماكس فرايهير فون أوبنهايم الأحداث منذ حدوث الإنشقاق بالأسرة الحاكمة في دولة بني خالد وحتى عودة الأمير ثويني بن عبدالله للعراق بعد رفعه الحصار عن مدينة بريدة ، في كتابه البدو , ج 3 , ص: 200 (((بعد وقت قصير حدث نزاع جديد في عائله الأمراء. فقد فر عبدالمحسن بن سرداح إلى شيخ المنتفق ثويني ، لأنه شعر بأن سعدون يهدده. وعندما دخل ثويني إلى شرقي الجزيرة العربية ومعه عبدالمحسن انتقل اليه فرعان من قبائل بني خالد, هما المهاشير و الصبيح . ففر سعدون إلى الدرعيه. في بادئ الأمر تردد عبد العزيز آل سعود لأنه لم يكن يريد حدوث قطيعه بينه وبين ثويني ، ولكنه قرر في النهايه تحت إلحاح محمد بن عبد الوهاب قبول اللاجى سعدون (1785م). وبالفعل فقد أعلن ثويني إنهاء صداقته مع الوهابيين. وفي خريف 1786م دخل إلى القصيم على رأس جيش قوي ، ولكنه تخلى عن حصاره لبريده لأن هدفا أكبر كان يلوح له في بلده ))) . والهدف الأكبر هنا هو مايدور حوله هذا البحث. في هذه الأثناء كان الأمير عبدالمحسن السرداح قد بلغه أن ثويني قد قام بحملة على القصيم لذلك تحرك الأمير عبدالمحسن السرداح بجنود دولة بني خالد عبر الدهناء لمساندة حليفه الأمير ثويني بن عبدالله والذي ساعده هو والأمير دويحس بن عريعر على الوصول لحكم دولة بني خالد في السنة السابقه ، ولكنه عندما قطع الدهناء بلغه رجوع الأمير ثويني بن عبدالله للعراق لذلك رجع بجنوده للأحساء ، يذكر المؤرخ حمد بن لعبون ، مؤرخ الدولة السعودية الأولى والثانية (المعاصر للأحداث) ، ولد قبل عام 1768م وتوفي عام 1844م، كتاب تاريخ ابن لعبون ، المقتطع من خزانة التواريخ النجدية , ص: 197 ((( وكان عبدالمحسن بن سرداح قد سار ببني خالد يريد مساعدة ثويني على أهل نجد ، فلما وصل ومعه جميع بني خالد وأهل الأحساء ، وقطع الدهناء ، بلغه رجوع ثويني فرجع))). وبعد رجوع قوات الأمير ثويني بن عبدالله الى العراق قام أمير بلدة عنيزه بهدم الجناح بسبب مكاتبة أهل الجناح للأمير ثويني بن عبدالله قبل تحركه الى القصيم ، يذكر العالم والمؤرخ والنسابة النجدي إبراهيم بن صالح بن عيسى (مؤرخ الدول السعودية الثلاثة) ، ولد عام 1854م وتوفي عام 1925م، وهو أحد أبرز مؤرخين نجد والجزيرة العربية ، في كتابه تاريخ ابن عيسى ، المقتطع من خزانة التواريخ النجدية ، حوادث سنة 1201هـ ، ص: 83 ((( وفي هذه السنة هدم الجناح المعروف في عنيزة , هدمه عبدالله بن رشيد أمير بلد عنيزة تجملا مع ابن سعود بسبب مكاتبة أهل الجناح لثويني))). ويشير المستشرق والرحالة الإنجليزي تشارلز م . دوتي ، الى أن الجناح كانت في تلك الفترة تحت نفوذ حاكم مملكة المنتفق الأمير ثويني بن عبدالله ، وذلك في كتابه ترحال في صحراء الجزيرة العربية ، الجزء الثاني – المجلد الثاني ، ص: 42 ((( كانت جناح , مع بداية القوة الوهابية , محكومة بواسطة ثويني Thueyny المنتفق el- Muntefik وهو كبير شيوخ بلاد النهر بالشمال , ولكن عنيزة كانت متحالفة مع الوهابي . وجرى هزيمة سكان جناح من بني خالد في الاضطرابات التي تلت ذلك , الأمر الذي اضطرهم للتخلي عن المكان ))). ويصف الرحالة هنا حاكم مملكة المنتفق الأمير الشريف ثويني بن عبدالله بأنه كبير شيوخ قبائل العراق. 14- ثويني يطرد الأتراك من البصرة تمهيدا لإعلان إستقلال العراق: وصل جيش الأمير ثويني بن عبدالله الى العراق وتوقف الجيش قرب بلدة الزبير التابعة للأمير ثويني بن عبدالله وخرج متسلم مدينة البصرة للقائه وتهنئته بسلامة الوصول والإستفسار عن سبب قدوم الجيش لقرب البصرة ، فأمر الأمير ثويني بن عبدالله بإعتقاله وأخبره بأنه جرى عزله هو وكل الموظفين العثمانيين الأتراك ، ثم أرسل قسما من خيالة المنتفق لإحتلال المدينة وتشتيت الحامية العثمانية في المدينة وفي المباني الحكومية تمهيدا لدخول الأمير ثويني بن عبدالله للمدينة وإستلام حكمها . وبعد ذلك دخل الأمير ثويني بن عبدالله المدينة يرافقه خمسة آلاف من جنوده ، وقام بإستبدال كل الموظفين الأتراك بموظفين عرب تمهيد لطرد الأتراك من العراق وشمل الإستبدال حتى البحارة الأتراك حيث قام بتسليم السفن لعرب من قبله. تبع ذلك قيام الأمير ثويني بن عبدالله بترحيل كل الموظفين الأتراك للهند عبر البحر ونفيه لمتسلم البصرة ابراهيم أفندي الى مسقط. يذكر المؤرخ الإنجليزي ستيفن هيمسلي لونكريك ، في كتابه أربعة قرون من تاريخ العراق الحديث , ص: 244 ((( وارسل ثويني في اليوم التالي قسما من خيالة المنتفك , فدخلت البصرة واستولت على السراي ثم فرقت الحامية وشتت شملها . ومع ذلك كله بقي البلد سالما من الاضطراب الى ان دخل ثويني مع خمسة آلاف من رجاله في اليوم الثالث. فعادت حكومة البصرة عربية قبيلية))). يذكر ج.ج. لوريمير , في كتابه دليل الخليج , القسم التاريخي , ج: 4 , ص: 1884 ((( وفي 6 مايو دخل الشيخ ثويني المدينة بنفسه وسط 5000 عربي من أنصاره وتولى حكم البصرة مستوليا في الوقت نفسه على الاسطول الأيراني. ولم تحدث أية حوادث عنف ، واحترمت الملكية الاحترام الكامل ، لكن المسئولين المدنيين عزلوا من مناصبهم وعين آخرون بدلهم ، كذلك تولى بعض العرب قيادة سفن الأسطول ، ونفي المتسلم ، وكبار أنصاره ، أو لعلهم اختاروا المنفى بارادتهم ، فنقلوا بحرا الى الهند ))). يذكر د. عماد عبدالسلام رؤوف ، في كتاب رحلة القائد العثماني سيدي علي التركي ، وهو الكتاب المتضمن لعدة أبحاث أخرى عن الجزيرة العربية والعراق في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر ، ص: 102 ((( وتكشف الأحداث التالية عن أن نفي ابراهيم أفندي الى مسقط لم يكن وليد اختيار طارئ ، وانما كان ثمرة تنسيق بين آل السعدون أمراء اتحاد قبائل المنتفق والزعماء البوسعيديين في عمان ، وهو تنسيق استمر بين الزعامتين أربعة عقود تالية من السنين في أقل تقدير))). ونستعرض هنا إنجازات الأمير ثويني بن عبدالله في البصرة ، فقد كان أول ما بدأ به الأمير ثويني بن عبدالله هو إنذاره لجنوده بالقتل اذ ماأعتدوا على أحد من السكان أو على ماله ، واتصل بالشركات والتجار الأجانب في مدينة البصرة ، وهو ماساهم بإزدهار التجارة التي كانت كاسدة قبل احتلاله لها ، ويعود سبب ازدهار التجارة في البصرة الى خبرة الأمير ثويني السابقة عندما انشأ مدينة سوق الشيوخ كمركز تجاري في المنطقة وبسبب تخلصه من فساد الولاة والموظفين الأتراك في مدينة البصرة ، يذكر المؤرخ حامد البازي ، في كتابه البصرة في الفترة المظلمه , ص : 40 (((فلما دخلها بجيشه اصدر امرا شديدا لرجاله انذرهم فيه بالقتل اذا ماتعرضوا لاحد من السكان او اموالهم ))) ويكمل أيضا عند حديثه عن الأمير ثويني بن عبدالله ، ص: 40 ((( اتصل بالتجار العالميين كما اتصل بالحكومات والشركات لتزدهر التجارة وذلك لأن تجارة البصرة بعد ايام من احتلاله لها زادت اضعافا مع انها كانت قبل الاحتلال كاسدة ))). ثم قام الأمير ثويني بن عبدالله بتأسيس مجلس استشاري يساعد على الحكم يكون فيه كبار وجهاء العراق وعلى رأسهم شيخ قبائل الخزاعل وشيخ قبيلة العبيد الذين ساندوه فيما يعتزم القيام به، وهي حالة متقدمه سياسيا تبين تميز هذا الحدث في تاريخ العراق وتدل على أن الأمير ثويني بن عبدالله كان يعي جيدا ماهو مقبل عليه ويعرف اختلاف مكونات سكان العراق ، لذلك أنشأ هذا المجلس هو وحلفائه ليكون خير داعم للمرحلة المقبلة التي ينوي البدء بها، وهي من الأمور التي تحسب لحاكم مملكة المنتفق في تلك الفترة التاريخية ، يذكر المؤرخ حامد البازي ، في كتابه البصرة في الفترة المظلمه ، ص:120 ((( وكان قبلا الشيخ ثويني وحمد الحمود شيخ الخزاعل وسليمان الشاوي قد أقاموا في البصرة مجلسا استشاريا يساعد على الحكم))). بعد ذلك قام الأمير ثويني بن عبدالله بتعيين الشيخ عبدالوهاب بن محمد بن فيروز التميمي قاضيا للبصرة ، وهو ابن عالم الأحساء الكبير الشيخ محمد بن فيروز التميمي ، يذكر المؤرخ العثماني الشيخ عثمان بن سند الوائلي البصري ( المعاصر للأحداث ) ، عند حديثه عن الشيخ عبدالوهاب بن محمد بن فيروز التميمي ، في كتابه سبائك العسجد في اخبار نجل رزق الاسعد ، ص : 96 ((( ورحل الى البصرة وحصل له فيها اتم الشهره وولاه ثويني بن عبدالله زمام احكامها وعرى حلها وابرامها حين تولى عليها ونزع سوار ملك حاكمها من يديها))). و يذكر الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن آل بسام ، ترجمة للشيخ عبدالوهاب بن محمد بن فيروز ، في كتابه علماء نجد خلال ثمانية قرون ، ج : 5 ، ص: 60 ((( الشيخ عبدالوهاب بن محمد بن عبدالله بن محمد بن عبدالوهاب ابن عبدالله بن فيروز بن محمد بن بسام بن عقبة بن ريس بن زاخر بن محمد بن علوي بن وهيب الوهيبي التميمي النجدي ثم الأحسائي بلدا ))). ويمكن الأطلاع على معلومات أكثر عنه في نفس الكتاب في الصفحات مابين ( 60 – 65 ) . ومن أبرز الأمور التي قام بها حاكم مملكة المنتفق أيضا هو محافظته على الأمن والنظام في مدينة البصرة حيث فتحت المحلات التجارية بعد نصف ساعه من دخوله للمدينة عسكريا وهو مايعني تأييد سكانها لتحركه العسكري واحترامهم لما يعتزم تنفيذه ، وقام بشق الطرق وتخصيص حرس في خارج المدينة لحماية التجارة والقوافل وشكل قوات بحرية لحماية شط العرب وذلك للمحافظة على الإستقرار أثناء عملية انتقال السلطة والتصدي لكل محاولة لزعزعة الإستقرار من قبل العثمانيين أو الفرس، يذكر المؤرخ حامد البازي ، في كتابه البصرة في الفترة المظلمه , ص : 40 ((( والحقيقة أن ثويني قام بعمل عجيب في احتلاله للبصرة حتى تذكر التواريخ بأن الحياة التجارية عادت الى المدينة وفتحت الحوانيت والمحلات التجارية بعد ساعة من احتلال المدينة وكان روح النظام العسكري العربي قد تجسم في ارواح الجند الفاتحين حتى انهم قاموا بشق الطرق وتوسيع الشوارع وخصص حرس في خارج المدينة لتامين التجارة والقوافل كما خصصت قوات في سفن تجوب مياه شط العرب وفم الخليج لتأمين التجارة البحرية ))). لقد قام الأمير ثويني بن عبدالله بحفظ الآمان في المدينة بكل حزم ، وأعدم المحتكرين للسلع بالمدينة ، وأمر رجاله بشراء المواد الغذائية من خارج المدينة وعرضها بقيمة رخيصة للسكان لمكافحة الجوع الذي تفشى بالمدينة قبل احتلاله لها ، ونتيجة لذلك عم الآمان بالمدينة وارتفعت أجرة العامل اليومي الى الضعف وأزدهرت تجارة المدينة بعد أن كانت كاسده قبل دخوله لها. يذكر المؤرخ حامد البازي ، في كتابه البصرة في الفترة المظلمه , عند حديثه عن القحط ومرض خصباك , ص : 118 ((( وكانت أهم منجزات ثويني هي حفظ الأمن فقد نصب المشانق للسراق وقطاعي الطرق حتى يقال انه نصب في محلة المشراق خمس مشانق وفي محلة السبخة ثلاث وفي باب القبلة اثنتين وفي محلة السيمر ثلاث مشانق . ثم أرسل الموظفين الى القرى ليشتروا الحبوب والفواكه والسمن لعرضها في الاسواق بقيمة رخيصة كما وانه قبض على رجال البحرية التركية الذين كانوا يساعدون على القرصنة في شط العرب ليقاسموهم الاموال .. ثم حبس بعض هؤلاء الاتراك كما جلد آخرين منهم امام الناس حيث كان يجري الجلد أمام دار الوالي وبحضور أهل المدينة جميعا ... كما صاح المنادي بالسكك والشوارع ان لايغلق أحد بيته ليلا وان من يقبض عليه بعد الساعة التاسعة ليلا يعدم وان السارق يقطع بالسيف ويرمى لحمه للكلاب فكان ان استتب الأمن والاطمئنان فارتفعت اجرة العامل اليومية من قرش الى قرشين وزادت حاصلات البصرة من الحبوب بمقدار مائة طغار على السنين السابقة. ثم وقف رجاله على حدود منطقة البصرة ليأخذوا رسوم الكمارك عن البضائع الداخلة وشدد على رسوم التبغ والمواد غير الضرورية بينما خفض رسوم المواد الضرورية. وأحصيت السفن الشراعية الداخلة للبصرة في كل يوم فبلغت 100 سفينة و 60 بلم نصاري و 80 مهيلة تعمل على استيراد وتصدير الحبوب والسلع للبصرة ))). وقد واجهت الأمير ثويني بن عبدالله مشكلتين في داخل مدينة البصرة وهما : الجوع الذي أصاب المدينة قبل دخوله لها بفتره ومرض خصباك الذي كان قد بدأ التفشي فيها ، وقد تعامل الأمير ثويني بن عبدالله مع ذلك بأن نظم التموين وقضى على الإحتكار للمواد الغذائية بالمدينة وأعدم المحتكرين (كما ذكرنا سابقا) ، ثم ضرب حصار صحي على المرض ووضع المصابين في مخيمات خاصة وتواصل مع الممثل الفرنسي في المدينة طالبا منه قيام البعثه الصحية الفرنسية بمعالجة المصابين . يذكر المؤرخ حامد البازي ، في كتابه البصرة في الفترة المظلمه , عند حديثه عن القحط ومرض خصباك , ص : 78 ((( وكان الشيخ ثويني قد احتل البصرة وعمل على القضاء على هذا الجوع ... فقد نظم التموين وقضى على الاحتكار فكان كل محتكر يشنق حتى شنق من المحتكرين ثلاثين شخصا ثم أصبحت المدينة في أمان من شرهم . وكذلك ضرب حصارا حكوميا على محلات المرض ثم عزل المرضى في مخيمات خاصة وتفاوض مع الممثل السياسي الفرنسي فقدمت بعثة صحية فرنسية عملت على اسعاف الاهلين وكان هو قبل ذلك قد حسن العلاقات التجارية مع الدول الأجنبية فتخلصت البلدة من شر الجوع ))) . يذكر الدكتور عماد عبدالسلام رؤوف وسهيلة عبدالمجيد القيسي ، في هامش كتاب مطالع السعود بطيب أخبار الوالي داود ، عند حديثهم عن الأمير ثويني بن عبدالله وعن عدل حكومته التي أقامها في البصرة، ص: 82 ((( ويعد من اقوى أمراء هذه القبائل واكثرهم كفاءة، وتجلت كفاءته الإدارية حين انتزع البصرة من حكم العثمانيين سنة 1202هـ / 1787 ليقيم فيها حكومة عربية وصفها المعاصرون بالعدل))). وننقل هنا وصف هذه الفترة لأجنبي معاصر لها ، ينقل المؤرخ جعفر الخياط ، في كتابه صور من تاريخ العراق في العصور المظلمة ، عن المستر توماس هاويل ( Thomas Howell) المعاصر للأحداث عند مروره بالبصرة وحديثه عنها وتعجبه مما قام به الأمير ثويني بن عبدالله والإنضباط لجنود حاكم مملكة المنتفق ، ص: 214 ((( وكان الشيخ ثويني – الشيخ العربي القدير – قد استولى عليها في سنة 1787 بتدابيره الصائبة ففاجأ حاميتها واحتل المدينة من دون مقاومة . والأمر الذي يجب ان يلفت النظر اليه أنه لم يصب أذ ذاك أحد من سكانها بأهانة , ولم يتجاوز أحد على مال لأحدهم . ولم يطلب الشيخ من سكانها غرامة حربية. وبعد أن استولت جيوش الشيخ بنصف ساعة عادت شؤون الناس تجري بانتظام لايشوبه مايخل به , فكأنه لم يقع هناك حادث غير عادي ... ان الشعوب الممعنة في المدنية والعلم لتغبط هذه الحالة الداعية الى الشرف وهي ترينا أنه مع ماعليه الاعراب من ميل الى السلب والنهب فان لهم أنظمة ودساتير تبعث بهم حب السلام ويكون رائدها الطاعة القصوى لرئيسهم , وهو روح النظام العسكري ... اما الشيخ فهو كهل شجاع باسل ذو اقدام على العمل , قل من يفوقه أحد . وهو عزيز على مواطنيه لحسن تدبيره في الأمور وتوقد ذهنيته , وجنوحه الى جانب الحق , ولاعتداله الذي يتمشى عليه في شؤون امارته , وقد جعلته هذه الصفات محترما عند الناس كافة ))). ويوضح هذا النص عدة أمور : 1- منها تعجب توماس هاويل بين الصورة النمطية التي لديه عن العرب (التي يلعب الاتراك دورا كبيرا في رسمها عند الأجانب حتى يضعفون من شأن العرب) وبين ماحصل فعلا واعتبره توماس شي تغبطه الشعوب الممعنة بالمدنية وقارنه بالصورة النمطية لديه عن العرب ، وهو ماعبر عنه توماس بقوله ((( والأمر الذي يجب ان يلفت النظر اليه . أنه لم يصب أذ ذاك أحد من سكانها بأهانة , ولم يتجاوز أحد على مال لأحدهم . ولم يطلب الشيخ من سكانها غرامة حربية. وبعد أن استولت جيوش الشيخ بنصف ساعة عادت شؤون الناس تجري بانتظام لايشوبه مايخل به , فكأنه لم يقع هناك حادث غير عادي ... ان الشعوب الممعنة في المدنية والعلم لتغبط هذه الحالة الداعية الى الشرف وهي ترينا أنه مع ماعليه الاعراب من ميل الى السلب والنهب فان لهم أنظمة ودساتير تبعث بهم حب السلام ويكون رائدها الطاعة القصوى لرئيسهم , وهو روح النظام العسكري))). 2- وضح النص صفات حاكم مملكة المنتفق الأمير ثويني بن عبدالله وكيف أنه تتوفر فيه كل الصفات الإيجابية للقيام بالدور الذي سعى اليه وهو حكم العراق بأكمله. يذكر أ.م.د. رياض الأسدي (رئيس قسم الدراسات السياسية والاستراتيجية في مركز دراسات الخليج العربي ـ جامعة البصرة) ، في بحثه جذور الفكر السياسي في العراق الحديث ـ1ـ ، محاولات الاستقلال المحلّي في العراق 1750ـ 1817 (((ووصف الرحالة البريطانيون أمير المنتفق وحاكم البصرة العراقي العربي ثويني بن عبد الله بأنه رجل في منتصف العمر ، شجاع وكريم ، وسريع التفهّم ، معتدل في أحكامه وإدارته للمناطق الخاضعة له . ولا شكّ بأن تلك الصفات المتأتية من أجنبي لا مصلحة له في إضفائها تعكس قدرة القيادات القبلية السياسية آنذاك في إدارة شؤون الإمارات المحلّية . كما أن تلك الصفات على العموم مما يفتقر له الحكام المماليك الأجانب))) . 15- أول إعلان لإستقلال العراق في العهد العثماني : بعد خضوع البصرة للأمير ثويني بن عبدالله وترتيبه لأوضاعها اقتصاديا وسياسيا وعسكريا وأمنيا ، وبعد أن انشأ المجلس الإستشاري للحكم ، بدأ الأمير ثويني بن عبدالله بصناعة التاريخ بأول إعلان لإستقلال العراق بأكمله في الحقبة العثمانية، يذكر المؤرخ العثماني الشيخ عثمان بن سند الوائلي البصري (المعاصر للأحداث) ، عند حديثه عن الأمير ثويني بن عبدالله ، في كتابه مطالع السعود بطيب أخبار الوالي داود , القسم المقتطع من خزانة التواريخ النجدية ، مختصر الشيخ أمين الحلواني , ص: 281 ((( فوصل البصرة , فأخذه الغرور وحدثته نفسه أن يملك العراق أجمع , فحاصر البصرة حتى ملكها))). وقد كان العمل العسكري هو المرحلة الأولى في مخطط الأمير ثويني بن عبدالله تلاه المرحلة الثانية حيث لم يغفل الأمير ثويني بن عبدالله الجانب السياسي وبدأ بإستخدام السياسه لتحقيق هدفه بأقل الخسائر حيث أرسل عرض سياسي للخليفة العثماني (حمله قاضي البصرة) ، يذكر المؤرخ الإنجليزي ستيفن هيمسلي لونكريك ، في كتابه أربعة قرون من تاريخ العراق الحديث , ص: 245((( وبينما كان الشيخ معدا سيفه للكفاح كان قلمه مشغولا أيضا))). ويتضمن عرض الأمير ثويني بن عبدالله السياسي حفظ كرامة الدولة العثمانية بالإضافة الى وصول الأمير ثويني بن عبدالله الى هدفه بطرد العثمانين من العراق ، وهذا العرض يشمل قبوله بتبعية العراق الجديد الأسمية للدولة العثمانية مقابل أعترافها بحكمه للعراق رسميا وبدون تواجد عثماني فيه أو الحرب في سبيل طردهم منه ، هذا العرض السياسي المصحوب بتحرك سياسي وعسكري كبير وضع الدولة العثمانية أمام خيارين : 1- إما الأعتراف به كحاكم على العراق بأكمله ويكون العراق تابعا اسميا لهم وبذلك ينهي الأمير ثويني بن عبدالله حكم المماليك (لولاية بغداد وشمال العراق بالاضافة لمدينة البصرة) ويستبدله بحكومة عربية خالصه تتبع له ولأسرته (ال سعدون) وتضم باقي مناطق العراق التابعه لهم أصلا (وكان الأمير ثويني قد أوصل للدولة العثمانية رساله بأن تواجد رجالها في العراق أصبح أمرا غير مقبولا منذ هذه اللحظة وذلك عندما قام بترحيل الموظفين الأتراك لخارج العراق) . 2- أو الحرب والتي تعني خسارة العثمانيين لها إستقلال العراق تحت حكم الأمير ثويني بن عبدالله وطرد العثمانيين منه ( وقد جهز الأمير ثويني بن عبدالله جيشه خارج البصرة - بعد إرساله العرض السياسي للخليفة - وذلك لكونه يتوقع رفض العرض السياسي من قبل الخليفة ، وكان عدد جيش مملكة المنتفق المعد لملاقاة الدولة العثمانية يبلغ عشرين ألف مقاتل ومجهز بالمدافع وينقسم الى قسمين عشرة آلاف من الخيالة وعشرة آلاف من المشاة ، بينما تم ابقاء جيش أخر لمملكة المنتفق (بقيادة الأمير حبيب بن عبدالله) في مدينة البصرة ولم تذكر المراجع التاريخية عدده ، وقد أستعد حلفاؤه الخزاعل عسكريا في مناطقهم للإصطدام العسكري مع العثمانيين في حال رفضهم للعرض السياسي ). يذكر ج.ج. لوريمير ، عرض الأمير ثويني بن عبدالله السياسي في خطابه للخليفة العثماني , في كتابه دليل الخليج , القسم التاريخي , ج: 4 , ص: 1885 ((( ووعد بأن يكون خاضعا للسلطان بشرط تعيينه باشا على بغداد والبصرة معا ))). وقد كانت أول أعمال المجلس الاستشاري وأعضاؤه من وجهاء وشيوخ العراق في البصرة هو المصادقة على العرض السياسي المرسل للخليفة والذي حمله قاضي البصرة ، ينقل المؤرخ جعفر الخياط ، في كتابه صور من تاريخ العراق في العصور المظلمة ، عن المؤرخ العثماني المعاصر للأحداث الشيخ عثمان بن سند البصري ( من كتاب مختصر مطالع السعود) حديثه عن عرض الأمير ثويني بن عبدالله السياسي الموجه للخليفة والموقع من قبل وجهاء العراق بالبصرة ومشايخ القبائل ، ص: 216 ((( ونظموا (مضبطة) أصولية يطلبون فيها تأييد تعيين ثويني واليا للعراق بأجمعه وذكروا فيها ( أنه لايصلح لولاية العراق عموما ، ولوزارة بغداد ، وتأمين الطرق ، الا ثويني العبدالله ، فانه هو الأسد الذي يحميها من العجم ...) وقد بعث بها ثويني الى المراجع المختصة في الباب العالي ، بعد أن أشفعها بمقدمة قوية متواضعة في الوقت نفسه ))). يذكر المؤرخ الشيخ عثمان بن بشر ، مؤرخ الدولة السعودية الأولى والثانية ، في كتابه عنوان المجد في تاريخ نجد ، عند حديثه عن عرض الأمير ثويني بن عبدالله السياسي الذي حمله قاضي البصرة ، ج:1 ، ص: 159((( فلما أستقر فيها أرسل الى روساء أهل البصرة وأعيانهم ووعدهم ومناهم وقال لهم : أكتبوا الى السلطان واطلبوني أميرا عليكم وأكون باشا في بغداد . وتكون البصرة من تحت يدي، فكتبوا الى السلطان وأرسلوها مع مفتي البصرة))). يناقش العرض السياسي لحاكم مملكة المنتفق الأمير ثويني بن عبدالله والموجه للخليفة العثماني أ.م.د. رياض الأسدي (رئيس قسم الدراسات السياسية والاستراتيجية في مركز دراسات الخليج العربي ـ جامعة البصرة) ، في بحثه جذور الفكر السياسي في العراق الحديث ـ1ـ ، محاولات الاستقلال المحلّي في العراق 1750ـ 1817((( ومن المناسب التوقف قليلا أمام العرض السياسي الذي أطلقه الأمير ثويني بن عبد الله ؛ حيث أكد على ما يأتي : 1ـ عدّ نفسه حاكما على البصرة وبغداد ؛ وذلك يعني رغبته في توحيد أكبر قسم من العراق العثماني . 2ـ اشترط إتباع السلطان العثماني في حالة موافقته على حكم ثويني بن عبد الله ، ومن الضمني إن عدم موافقة السلطان على ذلك يجعل من ثويني في حلّ من هذه التابعية ؛ وهو أفضل ما يمكن من تعبير في الرغبة في الاستقلال عن الدولة العثمانية . 3ـ أعلن ثويني بن عبد الله حاكميته على بغداد والبصرة في آن ؛ وذلك يعني إلغاء صريحا للحكم المملوكي في العراق ، وقيام حكم عربي في جنوبه ووسطه . 4ـ عدّ ثويني التحالفات القبلية في وسط العراق كالخزاعل والعبيد وغيرها من التحالفات الأخرى امتدادا لسلطته مما أخرج العملية على العموم من إطارها القبلي إلى حالة أكثر شمولية تعدّ الجذور الأساسية في قيام حكم ( وطني ) بعد ذلك ))). يذكر المؤرخ الشيخ علي الشرقي ، في كتابه ذكرى السعدون (الصادر عام 1929م) ، عند حديثه عن المخلفات الثمينة لفترة حكم آل سعدون وعن أول من سعى لإستقلال وحكم العراق بأكمله وهو الأمير الشريف ثويني بن عبدالله حاكم مملكة المنتفق ، ص: 31 ((( ايجاد الفكرة العربية وبعث القضية من مرقدها ومحاولة استرجاع الدولة العربية التي كانت معرسه في هذا القطر ، فان اول من استفز للقضية بعد ان دثرت ومزقتها اعمال المغول والتاتار والاتراك والفرس هم آل سعدون ، فأول ساع للبعث و أول دماغ حمل الفكرة الصالحة هو دماغ الشيخ ثويني العبدالله ، فسعى لعقد حلف عربي يتكون من اضلاع ثلاثة عقيل وخزاعة والمنتفق ، تكون غايته طرد الأتراك من العراق و تأسيس دولة عربية ))). 16- موقف الدولة الفارسية وبريطانيا العظمى من إعلان ثويني لإستقلال العراق: لم يكن موقف الدولة الفارسية غريبا تجاه إعلان إستقلال العراق من قبل حاكم مملكة المنتفق الأمير ثويني بن عبدالله ، بل يعتبر امتداد لما كانت تقوم به تجاه العراق تاريخيا، حيث قامت بالهجوم بحريا على شط العرب التابع للأمير ثويني بن عبدالله وحاولت تهديد مدينة البصرة بقوتها البحرية لإحباط إعلان إستقلال العراق ، الا ان قوات مملكة المنتفق المتواجدة حولها اجبرتهم على عدم الدخول بريا للعراق خصوصا وان ذكريات معارك أبي حلانة والفضلية قبل 9 سنوات مازالت ماثله للعيان والتي قادهما حاكم مملكة المنتفق الأمير ثويني بن عبدالله وتسببت في خسارة الدولة الفارسية لـ 24 ألف مقاتل بالأضافة الى مقتل أخوان حاكم الدولة الفارسية في المعركة الثانية. يناقش موقف الدولة الفارسية من إعلان حاكم مملكة المنتفق الأمير ثويني بن عبدالله لإستقلال العراق ودخوله للبصرة عسكريا ، أ.م.د. رياض الأسدي (رئيس قسم الدراسات السياسية والاستراتيجية في مركز دراسات الخليج العربي ـ جامعة البصرة) ، في بحثه جذور الفكر السياسي في العراق الحديث ـ1ـ ، محاولات الاستقلال المحلّي في العراق 1750ـ 1817 ، وذلك عند حديثه عن استقرار الأمير ثويني بن عبدالله في البصرة (((وبعد استقراره عمل على تغيير موظفي المدينة الأتراك الحكوميين السابقين وعيّن بدلا عنهم موظفين عراقيين محلّيين من قبله. وتظهر تلك العملية مدى الرغبة القوية لدى الحاكم العراقي الجديد في الانفصال عن الحكومة التركية المركزية .اهتبل الفرس فرصة التغيير الإداري المحلّي في جنوب العراق للقيام بأعمال عدوانية ضدّ البصرة من جديد ، بعد أن ظنوا بان السلطة الجديدة أضعف عن مواجهة جيشهم الكبير . وهي حالة طالما دأب الفرس عليها كلما اهتزت السلطة في العراق أو ضعفت السيطرة عليه حيث يكونوا من المتربّصين دائما. وقام الأسطول الفارسي ( معظمه من البحارة العرب) في المنطقة بمهاجمة شط العرب تمهيدا لتهديد المدينة ومينائها . لكن الفرس لم يستطيعوا دخول المدينة بسبب تخوفهم من وجود قوة عراقية قوية من فرسان المنتفق. كما أن قوات الانتفاضة القبلية المحلّية بدأت بالتوافد إلى المدينة على نحو مستمر لتعزيز سلطة الشيخ ثويني بن عبد الله الجديدة))) . أما بريطانيا العظمى فقد تجنب حاكم مملكة المنتفق المساس بمصالحهم داخل مدينة البصرة لضمان عدم تدخلهم في شؤون تحركه العسكري والسياسي لإستقلال العراق الا انهم كانوا يرون في استقلال العراق تحديا لمصالحهم في البصرة والخليج العربي وذلك لكون السلطة الجديدة لن تكون ملتزمة بأي سلطة أعلى منها ، وهذا الخوف عبر عنه صموئيل مانيستي (samuel manesty) 1786 ـ 1795 في مذكرته التي رفعها إلى حكومة الهند " بان الموقف في البصرة لا يدعو على الاطمئنان على الإطلاق ". ويبدو انه بالاضافة الى هذه الأسباب أيضا أن هنالك سبب أخر يعود الى الفترة التي حكم فيها الأمير مغامس بن مانع البصرة مابين عام 1704م – 1708م والتي أخرجه العثمانيين منها بعد مواجهته للدولة لعثمانية بأكبر جيش واجهها في العراق والجزيرة العربية وقوامه 100 ألف مقاتل (والأمير مغامس بن مانع عم مباشر للأمير عبدالله بن محمد - والد الأمير ثويني) ، حيث قام الأمير مغامس في بداية حكمه للبصرة كعاصمة لمملكة المنتفق بـإلغاء الإمتيازات التجارية لبريطانيا العظمى في البصرة (والمعطاه لهم من قبل العثمانيين ) ثم قام بتوقيع اتفاقية تجارية مع الهولنديين أدت لطرد البضائع الإنجليزية من البصرة ، وهو ماجعل البريطانيين يخشون تكرار ماحدث سابقا كونهم حلفاء للعثمانيين. يناقش موقف بريطانيا العظمى من إعلان حاكم مملكة المنتفق الأمير ثويني بن عبدالله لإستقلال العراق ودخوله للبصرة عسكريا ، أ.م.د. رياض الأسدي (رئيس قسم الدراسات السياسية والاستراتيجية في مركز دراسات الخليج العربي ـ جامعة البصرة) ، في بحثه جذور الفكر السياسي في العراق الحديث ـ1ـ ، محاولات الاستقلال المحلّي في العراق 1750ـ 1817 ، وذلك عند حديثه عن استقرار الأمير ثويني بن عبدالله في البصرة (((ومن المناسب أن نذكر أن القوات المنتفقية التي دخلت البصرة بعد تحريرها من الأتراك لم تقم بأية أعمال نهب آو سلب كما هو عليه الحال في تلك الحقبة من تاريخ العراق في العهد العثماني ، فاحترمت الملكية العامة والخاصة في المدينة ، وأمّن الناس على حياتهم . كما إن المصالح البريطانية لم تمس من الثوار القبليين . ويعود تفسير ذلك إلى أن حاكم المدينة الجديد هو من السكان المحلّيين وله العديد من الروابط القبلية والأسرية مع السكان كما أن لثويني بن عبد الله بعد نظر في ضرورة قيام علاقات طيبة مع بريطانيا لضمان عدم تدخلها في شؤون الانتفاضة . لكن تلك الأوضاع لم ترق للمقيمية البريطانية في البصرة التي اتخذت موقفا مناوئا للتغيرات الحاصلة في البصرة ، وما يمكن أن يؤثر على علاقتها بالباب العالي حيث ستكون السلطة الجديدة غير ملتزمة بأية سلطة أعلى منها ، فضلا من تخوفها من تقويض نفوذها التقليدي في منطقة الخليج العربي عموما. واحتمالات توسّع الانتفاضة لتشمل مناطق أخرى في خليج البصرة مما يهدد تجارتها ، ويعطّل الطريق الموصل بين الخليج العربي والبحر المتوسط. وكان الشيخ حمد الحمود زعيم حلف الخزاعل قد انضمّ إلى حركة الانتفاضة ، وعمل على التحكّم بطريق التجارة المارّ في اراضي إمارته عبر الفرات ملغيا الصراعات القبلية القديمة المستحكمة بين المنتفق والخزاعل . وفي الوقت نفسه فإن الشيخ الحاج سليمان الشاوي زعيم العبيد أعلن انضمامه إلى الانتفاضة المحلية المسلّحة ، وقام بتحريض السكان المحلّيين للوثوب على بغداد ، وإسقاط الحكم المملوكي فيها. رأى البريطانيون وحكومة الهند على وجه التحديد في الانتفاضة تهديدا جديا لمصالحهم التجارية والسياسية . ووجدوا في سلسلة التحالفات القبلية عاملا يصعب التعامل معه . وعبّر عن ذلك الموقف بوضوح تام المقيم البريطاني في البصرة صموئيل مانيستي samuel manesty1786 ـ 1795 في مذكرته التي رفعها إلى حكومة الهند " بان الموقف في البصرة لا يدعو على الاطمئنان على الإطلاق "))). 17- رد فعل الخليفة العثماني: توجه مفتي البصرة حاملا الخطاب السياسي لحاكم مملكة المنتفق الأمير ثويني بن عبدالله والموقع من ثويني ووجهاء العراق وشيوخ القبائل ، وبعد عرضه للخطاب على الخليفة العثماني استشار الخليفة مستشاريه الأتراك والذين ردوا بإزدراء بأنه اعرابي متغلب وان الموافقة على عرضه السياسي تعتبر اهانة للدولة العثمانية وخطرا عليها، بالإضافة الى اتهامهم للأمير ثويني بأنه عاث بالبصرة فسادا وهو عكس ماحصل ولكن تتضح هنا العنصرية ضد العرب ، لذلك أراد الخليفة أن يفتك بالمفتي الا ان من حول الخليفة قاموا بتهريبه بالليل حتى لايقتل وذلك احتراما لكونه شيخ وعالم دين. يذكر المؤرخ حسين خلف الشيخ خزعل ، في كتابه تاريخ الكويت السياسي ، ج: 1 ،ص: 61 ((( فلما وصل المفتي وعرض ذلك الكتاب على انظار السلطان دعى السطان اليه كافة وزرائه واستشارهم في الامر واشاروا عليه بعدم الاخذ بماجاء في ذلك الكتاب وافهموه بأن ثويني رجل اعرابي قد تغلب على البصرة واغتصبها من يد الدولة العثمانية وعاث فيها فسادا فسمع السلطان لرأيهم وعزم على قتل المفتي ففر المفتي من اسطنبول ليلا))). يذكر المؤرخ الشيخ عثمان بن بشر ، مؤرخ الدولة السعودية الأولى والثانية ، في كتابه عنوان المجد في تاريخ نجد ، عند حديثه عن رد فعل الخليفة العثماني من عرض الأمير ثويني بن عبدالله السياسي الذي حمله قاضي البصرة وذلك بعد استشارة الخليفة لوزرائه ، ج:1 ، ص: 159((( فلما وصل المفتي الى اسطنبول وعرض على السلطان ماجاء به، أطلع وزراه على ذلك فأخبروه أن هذا أعرابي متغلب، فغضب وأراد أن يفتك بالمفتي فهرب من اسطنبول بالليل))). يذكر العالم الشيخ محمد بن العلامة الشيخ خليفة بن حمد بن موسى النبهاني الطائي (كان هو ووالده مدرسين بالمسجد الحرام.. وهو معاصر للحرب العالمية الأولى وسبق له تولي قضاء البصرة)، في كتابه التحفة النبهانية في تاريخ الجزيرة العربية ، قسم المنتفق ، ص: 406 ((( فلما وصل (الآستانه) عرضها على أعتاب السلطنة فغضبت غضبا شديدا وكادت أن تأمر بصلب المفتي لولا تدارك بعض العلماء ذلك اكراما للعلم))). وعلى الطرف الأخر كان سليمان باشا (والي بغداد) يبعث رسل متتابعه للخليفة العثماني يخوفه فيها ويحذره من ان قبول العرض السياسي للأمير ثويني بن عبدالله سوف يؤدي الى استقلال العراق بأكمله عن العثمانيين ، يذكر الدكتور حميد بن حمد السعدون ، في كتابه امارة المنتفق وأثرها في تاريخ العراق و المنطقة الأقليمية 1546م – 1918م , ص: 142((( لقد رأى سليمان باشا ، ومماليكه ، آثار خطورة اتساع واستمرار هذه الثورة لأنه قدر – وكان تقديره سليما – انه لو تمكنت هذه الثورة من النجاح ، فمعنى ذلك ليس ضياع حكم المماليك لوحده ، انما هو استقلال العراق عن الحكم العثماني بالكامل ، وعليه فقد كانت أوامره لمماليكه ولجيشه بضرورة الاستعداد والتأهب لحسم هذه الثورة عن طريق القوة العسكرية ، في حين كانت رسائله لاستنبول توضح مدى خطورة هذه الثورة على الدولة والآثار المترتبة في حالة نجاحها))). وقد كان سليمان باشا والي بغداد يترقب بخوف رد فعل الخليفة العثماني على عرض الأمير ثويني بن عبدالله السياسي والتي كانت الموافقه عليه تعني نهاية حكمه وحكم المماليك كحكومة ممثلة للعثمانيين لذلك ما ان وصله الرد العثماني حتى تنفس الصعداء وبدأ التحضير للمعركة الفاصلة بين العرب والعثمانيين في العراق ، يذكر رد الخليفة العثماني ج.ج. لوريمر , في كتابه دليل الخليج , القسم التاريخي , ج: 4 , ص: 1885 ((( وفي أوائل أكتوبر .. ارسل الباب العالي يقول , أنه انما يكون مسرورا لو أرسل رأس ذلك المتمرد الى القسطنطينية , وبعدها خرج سليمان باشا من بغداد))). تلا ذلك دعم والي بغداد بالقوات والمعدات العسكرية الكثيرة لإدراك العثمانيين أن ماكان ينتظرهم هو معركة فاصلة لعموم وجودهم بالعراق ، يذكر الدكتور حميد بن حمد السعدون ، في كتابه امارة المنتفق وأثرها في تاريخ العراق و المنطقة الأقليمية 1546م – 1918م , ص: 143((( وطلب من استنبول ارسال الكثير من العتاد الذي يحتاجه ، لأنه رأى أن ماينتظره ليس معركة عادية ضد متمردين ، بقدر ما رآها معركة مصير له ولعموم الوجود المملوكي والعثماني في العراق))). و يتفق المؤرخون الذين عللوا سبب رفض الخليفة العثماني للعرض السياسي للأمير ثويني بن عبدالله وتفضيله لخيار الحرب لكون الأمير ثويني بن عبدالله عربي والدولة العثمانية كان يخيفها تحرك العرب سياسيا وعسكريا بالاضافة الى عنصريتها تجاه العرب . يذكر المؤرخ جعفر الخياط ، في كتابه صور من تاريخ العراق في العصور المظلمة ، عند حديثه عن والي بغداد سليمان باشا , ص: 216 ((( كما يعلم أن بدعة القيام بحركة عربية موحدة في تلك الأيام كانت شيئا يهدد كيان المماليك بأسره ، ويقوض الوجود التركي في هذه الديار برمته عند الحاجة))). ويعلل المؤرخ خالد الفرج سبب رفض الدولة العثمانية للعرض السياسي من الأمير ثويني بن عبدالله بسبب كون الأمير ثويني عربي ، حيث يذكر المؤرخ والشاعر خالد الفرج المعاصر للملك عبدالعزيز (مؤسس الدولة السعودية الثالثة) ، وذلك عند حديثه عن سليمان باشا والي بغداد (في القرن الثامن عشر) وعن المساعدة التي قدمها له حاكم مملكة المنتفق الأمير الشريف ثويني بن عبدالله ، وعند حديثه عن بعض القبائل والحواضر التابعه للأمير ثويني بن عبدالله وهم عرب المنتفق وشمر العراق وأهل نجد المقيمون في العراق والزبير ، في كتابه الخبر والعيان في تاريخ نجد ، ص: 203 ((( وساعده على ذلك عرب المنتفق وشمر العراق ، وأهل نجد المقيمون في العراق والزبير ومتولي كبرهم ثويني بن عبدالله بن محمد بن مانع الشبيبي ، وهو هاشمي النسب ، ورئاسة قبائل المنتفق ترجع الى بيتهم من قديم ، لأن المنتفق خليط من قبائل شتى تجمعهم رابطة التحالف والمجاورة والمصاهرات الى أن كونوا قبيلة كبيرة تحكمت في نواحي العراق ، وكادت تستقل بحكمه حتى انهم كسروا جيوش العجم الدين استولوا على البصرة في وقعتي الفضلية وأبي حلانة شر كسرة ، وأوقفوهم عن التوغل في العراق ، وبلغ بثويني نفسه أن استولى على البصرة سنة 1201 ، وخطب ولاية بغداد من الآستانة بطلب من أهالي العراق وسفارة مفتي البصرة ، ولولا أنه عربي لصدر له الفرمان الشاهاني ، لأن الفرمانات كانت تصدر بأقل من ذلك من الوسائل ))).
|
||
|
27-06-2012, 04:20 AM | #5 | ||
|
رد: آل سعدون الأشراف وأول إعلان تاريخي ومحاولة لإستقلال العراق بأكمله عام 1787م.
18- أول ملحمة تاريخيا في سبيل إستقلال العراق بأكمله – معركة أم الحنطة: كانت كل تحركات آل سعدون الأشراف حكام مملكة المنتفق العسكرية ضد العثمانيين سابقا تتمحور بشكل عام حول سببين ، السبب الأول انتزاع مدينة البصرة وجعلها عاصمه لمملكتهم لكونهم يرون أحقيتهم بالمدينة تاريخيا وحتى قبليا وعشائريا ، يذكر المؤرخ والمستشرق الألماني البارون ماكس فرايهير فون أوبنهايم ، في كتابه البدو ، عند حديثه عن الرغبة الدائمة لدى حكام مملكة المنتفق آل سعدون الأشراف في أن تكون البصرة عاصمة دولتهم وأن ينتزعوها من ولاية بغداد العثمانية المرتبطه بها ، ج:3 , ص: 598 ((( كانوا يحلمون، ان لم يكن بامبراطورية واسعة فبدولة للمنتفق مستقلة عن بغداد وتكون عاصمتها البصرة))). والسبب الثاني الدفاع عن مناطق حكمهم في نصف العراق الأسفل من حملات التوسع العثمانية القادمة من بغداد ، يذكر المؤرخ والمستشرق الألماني البارون ماكس فرايهير فون أوبنهايم ، في كتابه البدو ، وذلك عند حديثه عن الأسرة الحاكمة في مملكة المنتفق – نصف العراق الأسفل - أسرة آل شبيب الأشراف (والتي عرفت لاحقا بآل سعدون ) وعند حديثه عن قبائلهم في القرن السادس عشر الميلادي , ج 3 ، قسم المنتفق , ص :592 (((أصبحوا الآن يسعون بصورة متواصلة إلى السلطة مما جعلهم يصبحون في النهاية سادة العراق الأسفل . لقد كانت الظروف مؤاتية لهم لكنهم ماكانوا يستطيعون استغلالها لو ظلوا محتفظين بالعقلية التقليدية لقبيلة بدوية عادية . وبالفعل يبدو انه قد تم في نهاية القرن السادس عشر أعادة تشكيل المنتفق من الرأس إلى القاعده بأن قامت عائلة شبيب بتوحيد المنتفق وقبائل أخرى في اتحاد واحد موال لها وحدها))). لذلك فإن ماسعى اليه حاكم مملكة المنتفق الأمير ثويني بن عبدالله كان ظاهرة جديدة بالنسبة للعثمانيين ، وهو سعيه لحكم كامل العراق وطرد العثمانيين منه وبالتالي رأى الأتراك أعظم الخطر بنقل الصراع بإتجاه نفوذ الأتراك في ولاية بغداد وشمال العراق من قبل حاكم مملكة المنتفق ، يذكر أ.م.د. رياض الأسدي (رئيس قسم الدراسات السياسية والاستراتيجية في مركز دراسات الخليج العربي ـ جامعة البصرة) ، في بحثه جذور الفكر السياسي في العراق الحديث ـ1ـ ، محاولات الاستقلال المحلّي في العراق 1750ـ 1817 (((ولذلك فقد لجأت السلطة العثمانية إلى استخدام أقصى ما لديها من قوة عسكرية لكبح جماح تلك الظاهرة الجديدة ))). وقد أدرك سليمان باشا خطورة المعركة وأنها معركة فاصله بين العرب والعثمانيين في العراق لذلك بدأ باللعب بالسياسه حتى يمزق تحالف عرب العراق بقيادة حاكم مملكة المنتفق الأمير ثويني بن عبدالله ضد العثمانيين ، حيث قام بإستمالة الأمير حمود بن ثامر ضد عمه الأمير ثويني بن عبدالله ( ثويني هو أخو ثامر- والد حمود - من أمه وولد عمه المباشر) والذي كان يدرك أن بينه وبين عمه عدم ود نشأ بعد ماقام سليمان باشا بنفسه بالصلح بين الخزاعل والمنتفق ، وكون سليمان باشا كان صديق مقربا لثويني فهو يدرك آثار هذا الصلح على ابن أخيه الأمير حمود بن ثامر، يذكر العالم الشيخ محمد بن العلامة الشيخ خليفة بن حمد بن موسى النبهاني الطائي (كان هو ووالده مدرسين بالمسجد الحرام.. وهو معاصر للحرب العالمية الأولى وسبق له تولي قضاء البصرة)، في كتابه التحفة النبهانية في تاريخ الجزيرة العربية ، قسم البصرة ، ص: 326 ((( وكان الوزير قبل خروجه من بغداد راسل (حمود بن ثامر بن سعدون) فوفد على الوزير منابذا عمه لعمه ثويني))). وكان الأمير حمود بن ثامر قد انشق على عمه بسبب رفضه التحالف مع الخزاعل (حيث كان تركيز حمود على الثأر لوالده من الخزاعل أكبر من تركيزه على الحدث الأعظم في تاريخ العراق في الحقبة العثمانية وهو تحقيق إستقلال العراق بأكمله وضم قسميه لبعض ، القسم العثماني ( ولاية بغداد وشمال العراق) ، والقسم العربي - مملكة المنتفق- التي تشمل معظم مناطق نصفه الأسفل) ، يذكر أ.م.د. رياض الأسدي (رئيس قسم الدراسات السياسية والاستراتيجية في مركز دراسات الخليج العربي ـ جامعة البصرة) ، في بحثه جذور الفكر السياسي في العراق الحديث ـ1ـ ، محاولات الاستقلال المحلّي في العراق 1750ـ 1817 ، عند حديثه عن الأمير حمود بن ثامر (((حيث قام الأخير بالسفر على بغداد لعرض خدماته السياسية والعسكرية على السلطة المملوكية مقابل دعمه ماليا وعسكريا ، فاستقبل في الباشوية بحفاوة بالغة. وكانت تلك الحالة من اكثر المخاطر التي حالت دون تطور العمل المحلّي وتناميه إلى وضع يتّسم بالشمولية والنظر البعيد))). وعلى الجهة الأخرى كان سليمان باشا قد راسل دولة بني كعب طالبا منها دعمه ضد مملكة المنتفق على الرغم من أن دولة بني كعب حليف للدولة الفارسية (عدوة العثمانيين) ، ثم قام بعزل حمد الحمود شيخ الخزاعل في الفرات الأوسط وتعيين محسن الحمد في مكانة ، يذكر المؤرخ جعفر الخياط ، في كتابه صور من تاريخ العراق في العصور المظلمة ، عند حديثه عن والي بغداد سليمان باشا وسياساته , ص: 216 ((( ثم عمد الى الدس المقصود , وراح يعمل على الاستفادة من نقطة الضعف العربية الممية التي كثيرا ما استفاد منها أعداء العرب , ومايزالون , في تفريق صفوف العرب وضرب بعضهم ببعض . وبذلك مارس جوهر السياسة التركية في حكم العراق خلال العهود المختلفة , فنجح فيه الى حد بعيد ونال مبتغاه . فقد كتب الى شيخ بني كعب القريب من البصرة طالبا معونته ضد المنتفكيين خصوم كعب ومنازعيهم على النفوذ في منطقة البصرة . واستمال حمود الثامر السعدون قريب ثويني ومنافسه في زعامة تلك القبائل . كما قرر عزل حمد الحمود شيخ الخزاعل في الفرات الأوسط وتعيين محسن الحمد في مكانة))). وبعد أن اطمئن سليمان باشا لماقام به سياسيا وتأثيره على عرب العراق المتحالفين ضده بقيادة الأمير ثويني بن عبدالله ، بدأ الإستعداد للتحرك عسكريا وذلك بتجميع قواته ، يقدر عدد قوات الدولة العثمانية في العراق (ولاية بغداد وشمال العراق) في تلك الفترة ، أ.م.د. رياض الأسدي (رئيس قسم الدراسات السياسية والاستراتيجية في مركز دراسات الخليج العربي ـ جامعة البصرة) ، في بحثه جذور الفكر السياسي في العراق الحديث ـ1ـ ، محاولات الاستقلال المحلّي في العراق 1750ـ 1817 (((وبعد إضافة قوات الإسناد من منطقة كردستان في الشمال فتقدّر قوات باشوية بغداد بـ ( 40 ـ 50) ألف رجل . ويمكن لباشا بغداد في الواقع أن يجمعها دون أن تتكبّد خزانته نفقات مهمة في هذا المجال. ويعود تفسير ذلك على طبيعة المجتمع الإقطاعي وما يحتمل في حروبه من (غنائم) يمكن أن تستحصل من المهزومين غالبا))). وقد راسل سليمان باشا (والي بغداد) أمرء الأكراد للإلتحاق بقواته ، الا أن قادتهم أعلنوا عن وجود مشاكل داخلية لديهم في محاولة لعدم المشاركة في قتال العرب ، لذلك أمر سليمان باشا بعزلهم واستبدالهم بغيرهم ، يذكر أ.م.د. رياض الأسدي (رئيس قسم الدراسات السياسية والاستراتيجية في مركز دراسات الخليج العربي ـ جامعة البصرة) ، في بحثه جذور الفكر السياسي في العراق الحديث ـ1ـ ، محاولات الاستقلال المحلّي في العراق 1750ـ 1817 (((بدأت باشوية بغداد ـ كما هي عادتها ـ بالإيعاز إلى أغوات الشمال من الكرد في التحشّد ، والسير لقتال الأحلاف العربية القبلية المنتفضة في وسط وجنوب العراق . وعلى الرغم من أن بعضهم قد اعتذر عن السير لقتال القبائل المنتفضة كإبراهيم باشا وعبد الفتاح باشا وهما من أكابر الاغوات الكرد في الشمال ، و أعلنا بوجود مشكلات داخلية لديهم في كردستان ، أو في الطرق الموصلة بين بغداد وشمال العراق إلا أن ذلك يعكس على نحو واضح عدم رغبتهما في المشاركة بسبب تقديرهما لحجم المخاطر التي ستلحق بهما أمام تلك القوى المحلية المنتفضة . واستاء حاكم بغداد سليمان باشا الكبير 1780ـ 1802من قرار الاغوات الكرد بعدم المشاركة في القتال ،وأمر بعزلهما عن منصبيهما . كما أمر بوضع عثمان باشا آل محمود كوال لشهرزور بدلا عن إبراهيم باشا . ووضع عبد القادر باشا بديلا عن عبد الفتاح باشا وهو ابن عم له . تعكس سياسات الاستبدال التي اتبعتها باشوية بغداد ضدّ الرافضين لقتال القبائل العراقية المنتفضة في الجنوب نوعا آخر من التمرّد على السلطة المركزية في بغداد ))). وبعد أن تجمعت قوات الدولة العثمانية في بغداد ، قاد هذا الجيش الكبير والي بغداد بنفسه ادراكا منه لخطورة المعركة القادمة وأنه لو خسرها فسوف تكون الأخيرة للعثمانيين في العراق ، وتحرك هذا الجيش الضخم الى قبائل الخزاعل أولا ، يذكر أ.م.د. رياض الأسدي (رئيس قسم الدراسات السياسية والاستراتيجية في مركز دراسات الخليج العربي ـ جامعة البصرة) ، في بحثه جذور الفكر السياسي في العراق الحديث ـ1ـ ، محاولات الاستقلال المحلّي في العراق 1750ـ 1817 (((وهكذا فقد قدم عثمان باشا آل محمود إلى بغداد وعسكر فيها استعدادا لقتال أهل الوسط والجنوب من العراق وبعد أن جمع أكبر أعداد ممكنة من رجال القبائل الكرد و بالاستعانة بأخيه عبد الرحمن بك في تكوين قوة قبلية مهمة . قام سليمان باشا الكبير بقيادة الحشود العسكرية بنفسه، وكانت المهمة الأولى له هي ضرب الحلف القبلي للخزاعل في منطقة الفرات الأوسط تمهيدا لفتح الطريق أمام زحف قواته نحو الجنوب حيث المعقل الرئيس للأمير ثويني بن عبد الله السعدون))). وصل الجيش العثماني لمنطقة الخزاعل واندلعت بين الطرفين معركة كبيرة ، بذل فيها قبائل الخزاعل وشيوخهم كل طاقتهم الا ان استخدام المدافع من العثمانيين رجح كفة الجيش العثماني الذي انزل بهم هزيمة كبرى ، وانسحب بعدها شيخ الخزاعل ومعه بعض أتباعه الى مملكة المنتفق لدى حاكمها الأمير ثويني بن عبدالله وهم عازمين على قتال العثمانيين حتى الموت . يذكر المؤرخ جعفر الخياط ، في كتابه صور من تاريخ العراق في العصور المظلمة ، عند حديثه عن والي بغداد سليمان باشا وسياساته , ص: 217((( ثم سار على رأس الجيش الجرار الذي جمعه من كل مكان في الوقت نفسه نحو الجنوب ودخل منطقة الخزاعل في أواخر صيف 1787 , فوجد حمدا متأهبا للنضال والقتال فيها . وقد أبدى مقاومة باسلة , بعد أن تحصن في قلاعه المعروفة بال (سيباية). لكن قواته لم تستطع الصمود طويلا تجاه أسلحة الجيش الحديثة فتشتت شملها وتراجع حمود مع قسم من أتباعه الى حليفيه في ديار المنتفك ))). بعد انتصار الجيش العثماني على قبائل الخزاعل اتجه سليمان باشا الكبير بحشوده الكبيره الى البصرة لقتال صديقه القديم الأمير ثويني بن عبدالله الذي سمح له يوما بحكم البصرة (عام 1779م) والذي دعمه للحصول على ولاية بغداد ، حيث تتقاطع مصالح أمتين في المعركة القادمة وهم العرب ويقودهم الأمير ثويني بن عبدالله والمماليك الممثلين للعثمانيين ويقودهم سليمان باشا الكبير. وقد كان الأمير ثويني بن عبدالله يعسكر قرب البصرة بجيش مملكة المنتفق النظامي والمكون من 20 ألف مقاتل (عشرة آلاف من المشاة وعشرة آلاف من الخيالة) والمجهز بسلاح المدفعية . يذكر أ.م.د. رياض الأسدي (رئيس قسم الدراسات السياسية والاستراتيجية في مركز دراسات الخليج العربي ـ جامعة البصرة) ، في بحثه جذور الفكر السياسي في العراق الحديث ـ1ـ ، محاولات الاستقلال المحلّي في العراق 1750ـ 1817 (((وحينما بلغت الأخبار في التحشّد والسير على الأمير ثويني عمل على التهيئة لمواجهة باشا بغداد المملوكي ، ومقابلة الجيش القادم من بغداد. وكانت قوات ثويني قد بلغت حوالي عشرين ألف بين فارس وراجل . وتجمّع الجيش في منطقة تدعى نهر عمر على الفرات لمدة ثلاثة أيام ))). ولقد كان بالإمكان أن يكون تعداد جيش مملكة المنتفق ضعف هذا الرقم على أقل تقدير خصوصا وانه سبق للمنتفق ان واجهة الدولة العثمانية بـ 100 ألف مقاتل (نصفهم من القبائل الخاضعة لحكام مملكة المنتفق مباشرة) وذلك قبل 80 سنة ، الا ان هنالك سببين حالت دون ذلك: 1. انشقاق الأمير حمود بن ثامر ، وهو ماجعل الأمير ثويني يضطر الى القتال بجيشه النظامي والذي كان يعرفه ويضمن ولاؤه له لذلك لم يرغب بالمخاطره بإضافة قوات يتم جمعها بأسلوب النفير العام ويمكن أن تبدل ولاؤها منه والى الأمير حمود بن ثامر في حالة اشتداد المعركة. ينقل أحمد الحجامي عن الرحالة أبو طالب خان (المعاصر للأمير ثويني) تعداد القوات التي يستطيع جمعها حاكم مملكة المنتفق الأمير ثويني بن عبدالله ، وذلك في رسالته للماجستير بعنوان: ســوق الشيوخ مركز إمارة المنتفق ( 1761 – 1869 م) دراسة في أوضاعها السياسية والاقتصادية والاجتماعية ، وهو نص من كتاب رحلة أبي طالب خان إلى العراق وأوربا سنة 1213هـ /1799م (((أن الأمير ثويني العبدالله يستطيع أن يجيش جيشاً عدته بين الاربعين والخمسين الفاً))). 2. أراد الأمير ثويني القتال بأسلوب الحرب النظامية وبإستخدام المدافع وليس اسلوب الكر والفر. لذلك يجب أن تكون الجنود في الميدان في معظمها تتكون ممن يجيد هذا النوع من القتال حتى لا يتحول الميدان الى فوضى. وبالإضافة الى تميز معركة أم الحنطة في هدفها فهي تتميز أيضا بأنها كانت بين جيشين نظاميين أستخدموا فيها المدافع واصطفت بها الجنود بشكل منظم واستمرت لمدة أربعة أيام ، وذلك على عكس معارك الكر والفر التي كانت تتم بين القبائل والعثمانيين في الحملات التي كانت تجردها ولاية بغداد عليهم ، هذا بالإضافة الى أنها شهدت نزول حكام العراق الفعليين في تلك الفترة الى أرض القتال مباشرة ومشاركتهم فيه ( سليمان باشا والي بغداد وشمال العراق (حاكم نصف العراق الأعلى) ، والأمير ثويني بن عبدالله حاكم مملكة المنتفق التي تغطي نصف العراق الأسفل) وهذا يبين أهمية المعركة وكونها كانت فاصله تاريخا . يصف جيش حاكم مملكة المنتفق وإصطفافه بصفوف عديدة وإستخدامه للمدافع ( الأطواب) ، المؤرخ العثماني الشيخ عثمان بن سند الوائلي البصري (المعاصر للأحداث) ، في كتابه مطالع السعود بطيب أخبار الوالي داود, ص: 177 ((( ظهر عسكر ثويني بن عبدالله صفوفا عديدة ولكن لاناصر لمن خذله الله فاخذ يضرب الاطواب ويكر بالخيل العراب))). و ما ان تكاملت القوات في ميدان القتال حتى اندلعت أهم معركة بتاريخ العراق في الحقبة العثمانية (معركة أم الحنطة) ، يذكر أ.م.د. رياض الأسدي (رئيس قسم الدراسات السياسية والاستراتيجية في مركز دراسات الخليج العربي ـ جامعة البصرة) ، في بحثه جذور الفكر السياسي في العراق الحديث ـ1ـ ، محاولات الاستقلال المحلّي في العراق 1750ـ 1817 ((( وفي اليوم الرابع من غرة محرم عام 1202هج الموافق تشرين الأول من عام 1787 بدأت معركة كبيرة بين الطرفين))) ، يذكر الدكتور علي الوردي , في كتابه لمحات إجتماعية من تاريخ العراق الحديث , ج1 , ص:177 ((( في شهر آذار من عام 1787 توجه سليمان باشا على رأس جيش كبير نحو البصرة عن طريق الفرات . وفي 13 تشرين الأول وقعت المعركة الفاصلة بين الفريقين في موقع "أم الحنطة" قرب البصرة , وقد أستخدمت العشائر فيها المدافع وأبدى فيها سليمان باشا من الشجاعة والأقدام شيئا كثيرا اذ سل سيفه وأخذ يصول ويجول بين الصفوف ))). واشتبك الطرفين في مذبحة رهيبة كما وصفها البريطانيين الذي زاروا أرض المعركة ، يذكر المؤرخ جعفر الخياط ، في كتابه صور من تاريخ العراق في العصور المظلمة ، عند حديثه عن أهمية المعركة حيث كان يترتب على نتيجتها بقاء أو فناء الوجود العثماني في كل العراق كله ،ص: 217 ((( فالتحم الجمعان في موقع يقال له (أم الحنطة) . وهناك وقعت معركة عنيفة اشترك فيها سليمان باشا بنفسه , ونزل الى الميدان منتضيا سيفه , فأخذ يقاتل قتال المستميت , لأن الموقعة كانت من المواقع الحاسمة التي يتقرر فيها مصير المماليك , ويحجز فيها بين بقاء حكومتهم وزوالها من الوجود نفس واحد لاغير. واستقتلت القوات العربية في النضال والطعان ، وهي تعرف انها كانت تقاتل من أجل شرف أمتها وعروبتها في عقر دارها))). استمرت المعركة أربعة أيام ثبت خلالها تفوق المدفعية العثمانية الأحدث على المدفعية الخاصة بمملكة المنتفق وتساقط الآلاف من أبناء قبائل المنتفق قتلى في أرض المعركة رافضين الإنسحاب من ميدان القتال الى ان شاهدوا حاكم مملكة المنتفق الأمير ثويني بن عبدالله يسقط مصابا في ساحة المعركة ، يذكر الدكتور حميد بن حمد السعدون ، في كتابه امارة المنتفق وأثرها في تاريخ العراق و المنطقة الأقليمية 1546م – 1918م , ص: 144((( وقد استمرت المعركة أربعة أيام ، قاتل فيها الطرفان بشدة وبتصميم عال أبدى كلاهما ضروبا من الشجاعة والاستبسال . لكن في ضحى اليوم الرابع ، بان النصر واضحا لقوات المماليك ... حيث كان الشيخ ثويني ، جريحا من أثر المعركة))). ووقتها بدأ الإنسحاب تحت تأثير الخسائر البشرية وتحت تأثير المدفعية العثمانية وتحت تأثير رؤية سقوط حاكمهم (الذي يبدو انهم اعتقدوا وقتها وفاته) وقد قام حرسه الخاص بنقله بخيولهم جريحا وبسرعة الى صحراء منطقة الجهراء (في دولة الكويت حاليا) وذلك لكون رأسه كان مطلوبا من الخليفة العثماني. يذكر مؤرخ العراق الكبير عباس العزاوي ، في موسوعة تاريخ العراق بين أحتلالين , أهمية المعركة حيث كان يترتب على نتيجتها بقاء أو فناء الوجود العثماني في كل العراق كله , ج:6 , ص:121((( وفي هذه الأثناء هاجمتهم العشائر بعشرة آلاف من المشاة ومثلها من الخيالة. أما جيش الوزير فقد صد هجماتهم وأبدى دفاعا خارقا اذ لو خذل في هذه الحرب فلم يبق وزير ولاحكومة مماليك فكانت هذه الواقعة خطرا كبيرا عليه , فكان الهول فيها عظيما حتى تبين أن جيش الوزير هو الغالب وقتل من خيالة العرب نحو ثلاثة آلاف أو أكثر ومن المشاة ما لايحصى واستولت الجيوش على الغنائم وفر العرب , وحينئذ فرح الوزير وناله ما لامزيد عليه من السرور))). خسرت مملكة المنتفق 3 آلاف فارس و أكثر من 3 آلاف من المشاة في هذه الملحمة وقد نقل حاكم مملكة المنتفق الأمير ثويني بن عبدالله جريحا من أرض المعركة ووصل الى الجهراء قرب مدينة الكويت. وتتجنب المصادر العثمانية ذكر خسائر القوات العثمانية في هذه المعركة الكبيرة الا انه يمكن تقديرها بأنها نصف خسائر جيش مملكة المنتفق وذلك مقارنه بالخسائر العثمانية في المعركة التي تبعت معركة أم الحنطه في السنة التالية عندما نهض من جديد الأمير ثويني بن عبدالله محاولا الإستقلال بالعراق مره أخرى ومتحالفا مع الأكراد . ينقل ج.ج. لوريمر وصف المعركة عن الدكتور هاول , في كتابه دليل الخليج , القسم التاريخي , ج:4 , ص: 1886 ((( وقد فحص دكتور هاول بنفسه آثار معركة 25 أكتوبر وكتب عنها يقول (انها لابد كانت مذبحة رهيبة .. فالميدان كله مغطى بعظام الرجال والخيول).))). وننقل هنا وصف الرحالة الأجانب لساحة المعركة حيث استماتت قبائل مملكة المنتفق وحاكمها الأمير ثويني بن عبدالله في القتال في سبيل تحقيق إستقلال العراق بأكمله ، يذكر أ.م.د. رياض الأسدي (رئيس قسم الدراسات السياسية والاستراتيجية في مركز دراسات الخليج العربي ـ جامعة البصرة) ، وصف الرحالة الأجانب للمعركة وساحتها وكيف أنها كانت مذبحة أكثر من كونها معركة ، وذلك في بحثه جذور الفكر السياسي في العراق الحديث ـ1ـ ، محاولات الاستقلال المحلّي في العراق 1750ـ 1817 (((ووصف اثنان من الرحالة الإنكليز المعركة التي جرت بين القوات الباشوية وقوات المنتفق وهما وليم فرنكلين E .W .Frankline وتوماس هاول Thomas Howel بأنه كانت مذبحة بين الطرفين اكثر من كونها معركة عسكرية حيث كانا قد تفقدا ساحة القتال بنفسيهما فوجدا بأن مساحة كبيرة من الأرض مغطاة بعظام البشر والخيول))). ويتحسر المؤرخ جعفر الخياط على خسارة عرب العراق بقيادة الأمير ثويني بن عبدالله لأول محاولة وملحمة لإستقلالهم بحكم العراق بأكمله تاريخيا وطرد العثمانييين منه ، والذين كانوا في تلك الفترة يسيطرون على شمال العراق وولاية بغداد بالأضافة الى تقاسمهم للسيطرة على ميناء العراق (مدينة البصرة) مع مملكة المنتفق ، وذلك في كتابه صور من تاريخ العراق في العصور المظلمة ، ص: 217 ((( وهكذا تم القضاء على ثورة عربية جريئة رائدة , وتبدد الحلم الذي كان يعد محاولة أولى من محاولات العرب في هذه البلاد للحصول على الحكم الذاتي في العصر الحديث , ابان التسلط العثماني التركي الذي استقام قرونا أربعة ))). بعد المعركة قام سليمان باشا (والي بغداد) ببناء ثلاث منارات من روؤس أبناء قبائل المنتفق القتلى في المعركة كعلامة على انتصاره بعد أن كاد العثمانيون أن يخسروا العراق بأكمله ، ثم قام بفرض الأمير حمود بن ثامر كحاكم على مملكة المنتفق ، ثم اتجه جيش سليمان باشا الضخم الى مدينة البصرة والتي انسحب منها جيش مملكة المنتفق الذي ابقي فيها بقيادة الأمير حبيب بن عبدالله وذلك بعد وصول أنباء الخسارة الكبيرة واصابة الأمير ثويني بالمعركة ، وقام سليمان باشا بدخول البصرة وتولية مصطفى آغا الكردي (خازندار سليمان باشا في بغداد) متسلما على البصرة ، وجعل خلفه قوات من اللاوند ، يذكر المؤرخ العثماني الشيخ عثمان بن سند الوائلي البصري (المعاصر للأحداث) ، في كتابه مطالع السعود بطيب أخبار الوالي داود , ص: 177 ((( فأمر الوزير عسكره بالكر ، وحذرهم سوء غب الغر ، وحرض الفرسان ، على المناهدة ، والمصابرة في المطاعنة والمجالدة ، فلما كر الفرسان ، وحمي وطيس الضرب والطعان ، لاحت على عسكر الوزير علامات النصر ، وادبر عسكر ثويني فكانوا عرضة للقتل والأسر ، وطار السالمون بالأرواح ، وضحكت للوزير ثغور الافراح ، وبنى من روؤس المنتفق ثلاث منارات ، وصيرها على نصره للناظر امارات ، وحكم على المنتفق حمود بن ثامر ، وعلى البصرة ولى مسلما من امن له السرائر مصطفى اغا الكردي ، وكان خازنداره ، ورجع بعد ذلك الى مقر الخلافة والوزارة ، وذلك بعدما نظم عقود اوامره وارجف الاعداء بقنابله ، وجعل في البصرة من جنده زمرة يقال لهم اللاوند كبيرهم اسماعيل))). وقد كان أبرز ماقام به سليمان باشا في البصرة هو إلغاء المجلس الإستشاري الخاص بالحكم والمؤسس من قبل الأمير ثويني بن عبدالله وحليفيه وهو المجلس الذي شكل سابقه في تاريخ العراق سياسيا ، يذكر المؤرخ حامد البازي ، في كتابه البصرة في الفترة المظلمه ، ص:120 ((( وكان قبلا الشيخ ثويني وحمد الحمود شيخ الخزاعل وسليمان الشاوي قد أقاموا في البصرة مجلسا استشاريا يساعد على الحكم ولكن العثمانيين ألغوا هذا المجلس وباتوا يحكمون حكما استبداديا حتى فقدت المواد الضرورية من الأسواق وأخذ البعض يخزن المؤن والطعام لبيعه في السوق السوداء خوفا من المجاعه التي حدثت فعلا))). وبعد ذلك بدأ العثمانيون الإنتقام من أهالي البصرة لتأييدهم لحاكم مملكة المنتفق الأمير ثويني بن عبدالله ، يذكر المؤرخ حامد البازي ، في كتابه البصرة في الفترة المظلمه ، ص:119 ((( وفرضت الغرامات على أهالي البصرة جمعت منهم بالاكراه والحبس والتعذيب حتى يقال ان بعض النسوة بعن حليهن ولوازم بيوتهن ليدفعن الغرامة وكان شاهد عيان قد روى ان امرأة أرادت أن تبيع طفلتها بمقدار (2) تومان لتدفع ماعليها من غرامة كما وان هناك من أغلق حانوته ليفر من الحكم الجائر. ثم ضاعف سليمان باشا رسوم الكمارك على المواد الضرورية وترك جيشا من – اللاوند – غير النظاميين الذين أخذوا يفتكون بالناس ويعتدون على الأعراض وفي منطقة جسر العبيد – الخليلية حاليا – حيث الرجال العرب الابطال وقعت معركة بين اللاوند وأهالي المنطقة وذلك عندما هاجم هؤلاء اللاوند بيوت المحلة ليلا للاعتداء على النساء وقد بقيت جثث اللاوند مطروحة في شوارع المحلة حيث لم تجرأ الحكومة على دخول المنطقة لحمل جثث موتاها))). ويمكن تلخيص أسباب خسارة معركة أم الحنطة بالأسباب التالية : 1. التأثير المعنوي الكبير بعد إعلان الدولة العثمانية إعترافها رسميا بالأمير حمود بن ثامر حاكما لمملكة المنتفق والذي كان قد انشق على عمه الأمير ثويني بن عبدالله ، يذكر مؤرخ العراق الكبير عباس العزاوي ، في موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين , المجلد السادس , ص:121 ((( انعزل قبل مدة عن ثويني بن عبدالله (الشيخ حمود بن ثامر السعدون) والتجأ الى الوزير فكان العامل المهم في ربح الحرب فمنحه عندما انتصر مشيخة المنتفق))). 2. إستخدام الدولة العثمانية لأقصى قدرتها العسكرية وتفوق مدفعيتها الحديثة على مدفعية مملكة المنتفق. يذكر الدكتور حميد بن حمد السعدون ، في كتابه امارة المنتفق وأثرها في تاريخ العراق و المنطقة الأقليمية 1546م – 1918م , عند حديثه عن أحد أسباب خسارة الحرب ،ص: 146((( عدم تكافؤ عدة وتسليح الطرفين ، والتي تميل لصالح الجيش المملوكي))). 3. التأثير المعنوي لعزل العثمانيين لشيوخ الخزاعل والعبيد المشاركين بالثورة والقيام بتعيين شيخين آخرين على الخزاعل والعبيد. 4. الإحباط المترتب على وصول الأخبار عن أن الخليفة كاد أن يعدم مفتي البصرة وهو ماجعل عرب العراق يدركون أن الطريق لما كانوا يسعون اليه لن يكون مفروشا بالورود. 5. الهزيمة الكبيرة التي تلقاها تحالف الخزاعل أولا وكان ينبغي أن يتم القتال مع العثمانيين في مكان واحد ولكن يبدو أن حاكم مملكة المنتفق الأمير ثويني بن عبدالله وشيخ قبائل الخزاعل الشيخ حمد الحمود كانا مضطرين لهذا الشيء بسب وجود معارك سابقه بين الطرفين لم يرغبوا في أن تؤدي الى تفكيك الجيش في حال قتاله كوحدة واحدة . 6. الخطأ العسكري بتقسيم قوات مملكة المنتفق بين ميدان المعركة في أم الحنطة وبين مدينة البصرة التي ابقي فيها جيش بقيادة الأمير حبيب بن عبدالله أخو الأمير ثويني ولم يستفاد من هذا الجيش حيث انسحب بعد وصول أنباء الخسارة الكبيرة . وابقاء جيش بالبصرة يدل على عدم توقع حاكم مملكة المنتفق (الأمير ثويني) لخسارة المعركة . 7. عدم طلب حاكم مملكة المنتفق الأمير ثويني بن عبدالله و حليفيه للدعم الخارجي وذلك حتى لا يتهموا بموالاة غير المسلمين، يذكر الدكتور حميد بن حمد السعدون ، في كتابه امارة المنتفق وأثرها في تاريخ العراق و المنطقة الأقليمية 1546م – 1918م , عند حديثه عن أحد أسباب خسارة الحرب ،ص: 145((( ان الثوار في مشروعهم ، لم يبحثوا – كما فعلت شعوب الامبراطورية العثمانية الأخرى – عن مظلة دولية للدعم والاسناد السياسي والعسكري ، أو لوضع الكوابح في عجلة الماكنة العسكرية المتجهة نحوهم . وكما أظن أنه حتى لو تطوعت قوة دولية كبرى آنذاك ، وفاوضت الثوار على دعمهم ، لرفضوا دعمها خشية أن يتهموا بمولاة الأجنبي – الكافر – على أبناء دينهم))). 8. تمسكهم بسياسة المعركة وتخليهم عن سياسة الحرب وذلك بعدم التحالف مع امارة بابان في شمال العراق). وهذه النقطة بالذات انتبه لها الأمير ثويني بن عبدالله بتحركه اللاحق ضد العثمانيين. يذكر الدكتور حميد بن حمد السعدون ، في كتابه امارة المنتفق وأثرها في تاريخ العراق و المنطقة الأقليمية 1546م – 1918م , عند حديثه عن أحد أسباب خسارة الحرب ، ص: 146(((قصور نظر الثوار في اجراء تحالف مع امارة البابانيين في شمال العراق ، لغرض تشتيت الجهد والحشد العسكري المواجه لهم))). أخيرا تعتبر معركة أم الحنطة ثاني أكبر معركة بين العرب والعثمانيين في العراق من حيث حجم الخسائر البشرية للعرب . حيث سبقها بـ بتسعه وسبعين عاما معركة أكبر منها حجما وخسائر الا أنها كانت معركة دفاعية عن البصرة عاصمة مملكة المنتفق في ذلك الحين وهي معركة الأمير الشريف مغامس بن مانع (العم المباشر لوالد الأمير ثويني بن عبدالله ) حينما واجه الدولة العثمانية بأكبر جيش يواجههم تاريخيا في العراق والجزيرة العربية وعدده 100 ألف مقاتل وكانت خسارتها 10 آلاف رجل من العرب ، وهذه المعركة وغيرها الكثير من المعارك تبرز نضال آل سعدون تاريخيا مع قبائلهم وعشائرهم حيث كانت مملكة المنتفق وقبائلها وعشائرها وحكامها آل سعدون الأشراف هم أبرز وأكثر من دافع وناضل المحتلين للعراق تاريخيا وخصوصا (العثمانيين والفرس والأنجليز) ، حيث كانت مملكة المنتفق وحكامها وقبائلها وعشائرها اللاعب الرئيسي في تاريخ العراق ومعظم أحداث العراق مما يخصها، ، يذكر مؤرخ العراق الكبير عباس العزاوي ، في كتابه عشائر العراق، ج4، قسم امارة المنتفق، وذلك عند حديثه عن مملكة المنتفق (امارة المنتفق) وعن عشائرها وقبائلها ، ص27 (((كانت بينها وحدة عظيمة يرجع الفضل فيها إلى أمراء المنتفق، ومواهب القدرة والجدارة فيهم بادية وغالب وقائع العراق مما يخصها))). ويذكر أيضا مؤرخ العراق الكبير عباس العزاوي ، في كتابه عشائر العراق، ج4، قسم امارة المنتفق، وذلك عند حديثه عن مملكة المنتفق (امارة المنتفق) ومحاولات الدولة العثمانية التي لاتحصى للقضاء عليها ، ص: 122 ((( وقائع المنتفق كثيرة ، والتدابير المتخذة للقضاء على الامارة لاتحصى))). يذكر د. طارق نافع الحمداني، في كتابه الخليج والجزيرة العربية بين القرن السادس عشر والقرن العشرين، ص: 176 ((( كان لقبائل المنتفق أهمية كبرى في شؤون العراق خلال العصور الحديثة ، بخاصة في مقارعة قوى الاحتلال والتسلط الأجنبي))). ويذكر نضال قبائل المنتفق أمام العثمانيين ، مؤرخ العراق الكبير عباس العزاوي ، في كتابه عشائر العراق ، ج 4، قسم امارة المنتفق، ص: 27 (((وحالة المنتفق المشهودة في مختلف ايام حياتها خير مثال تاريخي يعين الاوضاع والنفسيات في حب الاستقلال والنضال عنه ، والذب عن حريمه. والمهم أن المنتفق ناضلوا نضالا باهرا طوال العهد العثماني. ولو كانوا تسلحوا بالأسلحة الجديدة لحالوا دون آمال الدولة. بل أكسبتها الحوادث المتوالية خبرة ، والظروف القاسية تجربة فكم وال خذل، ورجع بالخيبة ،وكانت تعقد عليه الآمال. وتاريخ المنتفق صفحة كاشفة لسياسة العشائر في العراق، تجلت بأظهر أوضاعها. وفيها دراسة عميقة وافية لنفسيات هذه العشائر. ومابلغته))). يذكر نضال قبائل المنتفق في النصف الأول من القرن الثامن عشر ، المؤرخ العثماني الشيخ الأديب عبد الرحمن السويدي البغدادي (المولود عام 1721م)، في كتابه حديقة الزوراء في سيرة الوزراء (((فإن هؤلاء المنتفق، العرب مضرة، عجزت الولاة عن كسر شوكتهم وذلت الوزراء عن درء أذاهم))). 19- محاولة ثويني لإستقلال العراق مره أخرى والتحالف مع الأكراد: إن شخصية ثويني العنيدة القوية والتي لايحدها طموح لم تكن لتقنع بالخسارة من أول مرة ، لذلك جرت مراسلات بين ثويني ومصطفى آغا الكردي (متسلم البصرة المعين من قبل والي بغداد) وهنا اكتسبت الثورة بعدا جديدا بإدخال الأمير ثويني بن عبدالله للأكراد في محاولته للإستقلال العراق بأكمله. يذكر العالم الشيخ محمد بن العلامة الشيخ خليفة بن حمد بن موسى النبهاني الطائي (كان هو ووالده مدرسين بالمسجد الحرام.. وهو معاصر للحرب العالمية الأولى وسبق له تولي قضاء البصرة)، في كتابه التحفة النبهانية في تاريخ الجزيرة العربية ، قسم المنتفق، ص:407 (((وفي تلك السنة (1203) أيضاً شق عصا الطاعة متسلم البصرة (مصطفى آغا) المذكور. وأرسل إلى الشيخ ثويني بن عبد الله يذاكره في الأمر))). وبعد الأتفاق بين مصطفى آغا الكردي والأمير ثويني بن عبدالله قام مصطفى آغا بإرسال خطاب الى والي بغداد سليمان باشا يخبره فيه بقيام ثورة كبيرة في ديار المنتفق ضد فرض الأمير حمود بن ثامر من قبل سليمان باشا (وهو ما وقع فعلا , ولكن يبدو ان مصطفى قام بتضخيم الأمر لسليمان باشا حتى يتحقق له ماأراد) وأن الأمير ثويني قد رجع للحكم فعلا ، وهو ماجعله مضطرا للتصرف دون الرجوع الى ولاية بغداد ، حيث قام بسحب الإعتراف العثماني بحكم الأمير حمود بن ثامر (قبل أن تقوم قبائل المنتفق بطرده) وقام بإستدعاء الأمير ثويني بن عبدالله واعلن انه تم الإعتراف به كحاكم للمنتفق معترف به من قبل الدولة العثمانية ، وقد برر مصطفى اغا تصرفه هذا بأنه ايثارا للتعقل وخوفا من تأثير الثورة القبلية الكبيرة في بلاد المنتفق على العثمانيين بمدينة البصرة ، وأن ذلك يهدف أيضا الى اظهار ان عودة ثويني بن عبدالله للحكم كانت بإعتراف عثماني وليس بثورة من قبل قبائله وعشائره ، الا أن سليمان باشا احس بالمؤامره في خطاب مصطفى آغا وعلى الرغم من ذلك قام بإرسال مصادقه على قرار متسلم البصرة الذي اطمئن وظن أنه نجح في الخطوة الأولى فيما تم الاتفاق عليه مع حاكم مملكة المنتفق الأمير ثويني بن عبدالله ، وهكذا تم ازاحة الأمير حمود بن ثامر (الموالي للدولة العثمانية تلك الفترة) عن الحكم ، وقد اتجه الأمير حمود الى بغداد وبقي بجانب سليمان باشا ، يذكر العالم الشيخ محمد بن العلامة الشيخ خليفة بن حمد بن موسى النبهاني الطائي (كان هو ووالده مدرسين بالمسجد الحرام.. وهو معاصر للحرب العالمية الأولى وسبق له تولي قضاء البصرة)، في كتابه التحفة النبهانية في تاريخ الجزيرة العربية ، قسم المنتفق، ص: 407 (((فاطمأن خاطر المتسلم بتعيين ثويني (ظناً منه بأنه نجح في مكيدته) وظل يقوي مركزه لتتميم ما عزم عليه، وكاتب كل من وافقه العصيان إلى ضبط أموره وأيدها))) ، ثم راسل صديقه حاكم امارة بابان عثمان باشا (المعين من قبل والي بغداد) وطلب منه الانضمام الى اليه والى الأمير ثويني ، يذكر العالم الشيخ محمد بن العلامة الشيخ خليفة بن حمد بن موسى النبهاني الطائي (كان هو ووالده مدرسين بالمسجد الحرام.. وهو معاصر للحرب العالمية الأولى وسبق له تولي قضاء البصرة)، في كتابه التحفة النبهانية في تاريخ الجزيرة العربية ، قسم البصرة ،عند حديثه عن مصطفى الآغا الكردي ، ص: 327 ((( راسل متصرف بابان وأغراه على شق عصا الطاعة على الوزير واتفقا على ان يساعد احدهما الآخر ويكونان مستقلين كل شخص في جهته وكذلك وافقت عساكر اللاوند المقيمون في البصرة رأي المتسلم على العصيان لكونهم اكراد من جنسه))). وهنا يتضح أن الأتفاق بين الثلاث أطراف كان على أن يبقى مصطفى آغا حاكما بالبصرة ويبقى حاكم بابان حاكما في امارته ويصعد ثويني لحكم العراق من بغداد بالإضافة لحكمه لمملكة المنتفق وذلك بعد أن يتم طرد العثمانيين من العراق. وهذا يوضح قوة نفوذ حاكم مملكة المنتفق الأمير ثويني بن عبدالله في العراق ، حيث ان عثمان (حاكم بابان) ومصطفى الكردي ( متسلم البصرة) كلهم تم تعينهم من قبل سليمان باشا بسبب تحرك ثويني الأخير ، ومع ذلك اتفقوا ضد سليمان باشا (والي بغداد) ومع الأمير ثويني بن عبدالله في هدفه لإستقلال العراق بمجرد وصولهم لمناصبهم ، وهذا يوضح بجلاء ان مصطفى الكردي (متسلم البصرة) كان يدعم فكرة الأمير ثويني بن عبدالله بطرد الأتراك من العراق وأن يحكم العراق من قبل القوى المحلية فيه ( وأكبرها العرب ثم الأكراد) لذلك كان يطمح ان يبقى واليا على مدينة البصرة فقط وان يبقى عثمان باشا الكردي واليا لولاية بابان (كردستان) بينما يصبح ثويني حاكما للعراق من مدينة بغداد بالإضافة لكونه حاكما لمملكة المنتفق ، لذلك قام بمراسلة ثويني بن عبدالله لدعمه فيما سعى اليه في السنة السابقه. بدأ سليمان باشا (والي بغداد) يحس بمحاولة التمرد من قبل والي البصرة ، الا انه لم يعلم بعد بإنضمام حاكم بابان في كردستان لهم ، لذلك قام سليمان باشا (والي بغداد) بالتحضير لعملية تصفية لمتسلم البصرة مصطفى الكردي ، وفي تلك الفترة تحول العراق بأكمله لميدان للتحركات والمرسلات السرية من شماله الى جنوبه ، ونظرا لإحساس سليمان باشا بالخطر قام بإرسال رسالتين مع أحد مشايخ قبيلة العبيد (محمد الشاوي) ، كانت أحد الرسائل موجهه لمتسلم البصرة مصطفى الكردي تحثه على الطاعة وعلى عدم العصيان بينما الرسالة الأخرى كانت موجه الى مصطفى حجازي رئيس البوارج العثمانية تأمره بالقبض على متسلم البصرة مصطفى الكردي وفي حالة عدم تمكنه من ذلك تأمره بإغتياله ، وأكتشف متسلم البصرة أوامر والي بغداد لذلك قام بقتل رئيس البوارج العثمانية ، يذكر العالم الشيخ محمد بن العلامة الشيخ خليفة بن حمد بن موسى النبهاني الطائي (كان هو ووالده مدرسين بالمسجد الحرام.. وهو معاصر للحرب العالمية الأولى وسبق له تولي قضاء البصرة)، في كتابه التحفة النبهانية في تاريخ الجزيرة العربية ، قسم البصرة ، ص: 327 ((( ثم ان الوزير وجه (محمد بن شاوي) الى متسلم البصرة ينصحه ويحذره عاقبة العصيان وأرسل معه (مكاتيب) الى مصطفى آغا بن حجازي رئيس البوارج العثمانية الراسية في نهر البصرة يأمره فيها بالقبض على متسلم مصطفى أغا بصفة سلمية أو بقتله اغتيالا. فشعر المتسلم بالمكيدة وتحذر على نفسه ثم احتال على قتل رئيس البوارج المذكور حتى قتله))). ويتضح أن محمد الشاوي (أحد مشايخ قبيلة العبيد) الذي أرسله الوزير كان في الطرف المعادي للعثمانيين (طرف الأمير ثويني بن عبدالله) لذلك أطلع متسلم البصرة على الرسالة الموجهه لرئيس البوارج وذلك لتنبيه بمحاولة الاغتيال ، وعندما قام متسلم البصرة بقتل رئيس البوارج أصبحت الأمور واضحة أمام جميع الأطراف وانتهت كل التحركات السرية بين الطرفين ، فقرر الأمير ثويني بن عبدالله أن يتم تعيين محمد الشاوي (أخو سليمان الشاوي – شيخ قبيلة العبيد) في منصب قائد الأسطول العثماني في البصرة ، وأن يبدأوا التحضير للمعركة القادمة والتي لم يكونوا قد أستعدوا لها بعد ، وقد بدأ سليمان باشا (والي بغداد) بالإستعداد للتحرك من بغداد و الى البصرة، يذكر المؤرخ العثماني التركي الشيخ رسول الكركوكلي ، في كتابه دوحة الوزراء في تاريخ وقائع بغداد الزوراء ، ، عند ديثه عن متسلم البصرة ، ص: 189 ((( وقام بتصرفات كشفت نواياه السيئة كقيامه بقتل القبودان (مدير الميناء) حجازي زاده مصطفى آغا وعين مكانه محمد بيك الشاوي. وعلى هذا صمم الوزير ان يتحرك على رأس قوة نحو البصرة لمقاومة الخارجين على السلطة))). وقد كانت الخطة بين الثلاث أطراف (الأمير ثويني وعثمان باشا ومصطفى آغا) هي أن يعتذر عثمان باشا عن مرافقة والي بغداد (سليمان باشا) ، وبعد أن يتحرك والي بغداد خارجها يعقبه عثمان باشا (حاكم بابان) ويحتلها ، بينما يتجه الأمير ثويني بن عبدالله بقواته شمالا ويدخل في معركة مع جيش سليمان باشا ، وهو الجيش الذي سوف يكون مشتتا بسبب إحتلال بغداد من قبل عثمان باشا ، وبذلك سوف يسهل الإطاحة بالحكم العثماني ووالي بغداد وجيشه ، والذين حتى لو انتصروا في الجولة الأولى من المعركة مع جيش مملكة المنتفق ، فلن يجدوا مكان يرجعون اليه ، لكون بغداد سوف يغلق ابوابها في وجههم عثمان باشا ولكون البصرة سوف يغلق أبوابها في وجههم مصطفى آغا ، بينما سوف تطاردهم قوات مملكة المنتفق بقيادة حاكمها الأمير ثويني بن عبدالله حتى تشتتهم، يذكر الدكتور عماد عبدالسلام رؤوف وسهيلة عبدالمجيد القيسي ، في هامش كتاب مطالع السعود بطيب أخبار الوالي داود ، ص: 180 ((( في المختصر 45 اضافة توضح بعض تفاصيل هذه الخطة ، وهي "فلربما لو خرج الوزير بنفسه من بغداد يعقبه فيها عثمان باشا ثم يكون اخراجه منها عسرا جدا"))). ولم يكن سليمان باشا حتى تلك اللحظة قد علم بمشاركة حاكم بابان مع الأمير ثويني ومتسلم البصرة ، لذلك تفاجأ عندما وقع بيده مراسلات كانت تجري بين جنوب العراق وشماله ، حيث كان والي بغداد قد طلب من حاكم بابان أن يرافقه في حملته العسكرية ، وهذا جعله يتريث في السفر الى البصرة بصحبة قواته ، يذكر المؤرخ العثماني التركي الشيخ رسول الكركوكلي ، في كتابه دوحة الوزراء في تاريخ وقائع بغداد الزوراء ، ص: 189 ((( ولما لم يكن الوزير على علم بالاتفاق الذي تم بين عثمان باشا ومتسلم البصرة فقد أصدر اليه أمرا بلزوم الاستعداد هو واتباعه للسفر بصحبته الى البصرة. ثم وقعت بيده مراسلات بين عثمان باشا والحاج سليمان بيك ومعتمد احمد كيهة سليمان آغا واتفاق وجهة نظرهم فيما يتعلق بميلهم نحو متسلم البصرة، واطلع على مايبيتونه، ولكنه تجاهل تلك الأمور، وتريث في الاستعداد للسفر))). نتيجة لذلك وقع والي بغداد بحيره من أمره وأراد أن يحل هذه المعضلة حيث لم يعد يثق في من حوله ، ثم قرر أن ينفذ خطه تضمن له وضع عثمان باشا الكردي (حاكم بابان) وجنوده تحت تصرفه ، لذلك أرسل لعثمان يطلبه لمناقشة بعض الأمور في بغداد ، وعندما حضر عرض عليه الزواج من أخت نائب والي بغداد ، وتقرر أن يكون الزواج بعد فترة قصيرة عند بداية فصل الربيع ، وعندما حل الموعد المتفق عليه ، حضر عثمان باشا (حاكم بابان) الى بغداد وبصحبته أهله وجنوده ، الا انه وجد والي بغداد قد جهز الجيش للسفر الى البصرة ، مماجعل حاكم بابان لا يجد أي عذر لعدم مرافقته ويضطر لذلك رغما عنه ، يذكر العالم الشيخ محمد بن العلامة الشيخ خليفة بن حمد بن موسى النبهاني الطائي (كان هو ووالده مدرسين بالمسجد الحرام.. وهو معاصر للحرب العالمية الأولى وسبق له تولي قضاء البصرة)، في كتابه التحفة النبهانية في تاريخ الجزيرة العربية ، قسم البصرة ، بعد حديثه عن معرفة والي بغداد سليمان باشا بالاتفاق على مهاجة بغداد ، ص: 328 ((( فتحذر الوزير وتأخر عن السير الى البصرة الى ان يتمكن من حل هذه المشكلة وأرسل في الحال الى عثمان باشا الكردي يستقدمه الى بغداد للمشاورة معه في أمور سرية فانخدع عثمان باشا وتوجه الى بغداد . وتفاوض معه الوزير على أن يزوجه أخت الكتخدا فقبل عثمان باشا التزوج وتقرر وقت الزواج في فصل الربيع وعاد عثمان باشا الى مقره فرحا مسرورا . فلما أقبل فصل الربيع قدم عثمان باشا بعشيرته وأكراده الى بغداد على الميعاد . فلما وصلها انحلت عرى كل من عاهد المتسلم فلما دخل عثمان باشا بغداد رأى الوزير متأهبا لحرب البصرة فما وسعه الا السير معه نحو البصرة))). تحركت قوات والي بغداد الضخمه (مصحوبه بحاكم بابان عثمان باشا وقواته) باتجاه البصرة ، وكما كان متفقا عليه فقد ظهر الأمير ثويني بن عبدالله وجيشه لإعتراض جيش سليمان باشا المتجه للبصرة ، واندلعت معركة كبيرة بين الطرفين ، الا انه وأثناء القتال اكتشف الأمير ثويني بن عبدالله ان عثمان باشا الكردي مع جيش الوزير وانه لم ينفذ ماتم الاتفاق عليه لذلك قرر ثويني عدم جدوى اكمال القتال (حفاظا على قبائله وعشائره واعتقادا منه بخيانة عثمان باشا لهم) ، وقد أدى ذلك الى خسارة المنتفق للمعركة بعد أن ضعفت معنوياتهم واحبطت آمالهم ، وكانت نتيجة المعركة خسارة قوات مملكة المنتفق لـ 1000 مقاتل ، بينما خسر فيها جيش الوزير 500 مقاتل. وقد قام الأمير ثويني بن عبدالله بعد خسارته بالإنسحاب الى الصحراء جنوب العراق بعد أن طلب من جنوده الرجوع لديارهم وقبائلهم وترك حكم المنتفق للأمير حمود بن ثامر وبقي هناك مع خاصته وبعض أقاربه منتظرا ماتسفر عنه الأحداث. يذكر المؤرخ حسين خلف الشيخ خزعل ، في كتابه تاريخ الكويت السياسي ، ج: 1 ،ص: 54 ((( فلما بلغ سليمان باشا مقتل مصطفى حجازي وعصيان المتسلم سار من بغداد بجموع كثيرة واتجه بها نحو البصرة وبطريقه قام بتأديب عشائر المنتفق فجرت بينه وبينهم معركة أسفرت عن مقتل الف رجل من عشائر المنتفق وخمسمائة رجل من عساكر سليمان باشا))). وعلى الجانب الأخر كان مصطفى آغا الكردي في البصرة قد وصلته أنباء المعركة وتواجد عثمان باشا الكردي مع سليمان باشا (والي بغداد) لذلك أدرك خطورة موقفه ، خصوصا وأن مصطفى الكردي لم يكن يملك نفوذا في أي منطقة بالعراق سوى منصبه كمتسلم لمدينة البصرة والتي ولاه عليها والي بغداد سليمان باشا (بعد معركة أم الحنطة) ولم يكن معه عدد كبير من الجنود موالين له ، لذلك قرر الهرب لأن أقل حكم كان سوف يحصل عليه من والي بغداد هو إعدامه ، وقد قام مصطفى آغا الكردي بجمع مااستطاع جمعه من أموال من مدينة البصرة وهرب بها عن طريق البحر الى مدينة الكويت واستجار بشيخها الشيخ عبدالله الصباح ، يذكر المؤرخ حسين خلف الشيخ خزعل ، في كتابه تاريخ الكويت السياسي ، ج: 1 ،ص: 54 ((( فلما علم متسلم البصرة (مصطفى آغا ) بقرب وصول سليمان باشا بتلك القوة لم يجد له مخرجا الا ان يستقل السفن ويحمل معه مايمكن حمله من الاموال ويفر من وجهه الى الكويت محتميا بشيخها الشيخ عبدالله الصباح ))). يذكر العالم الشيخ محمد بن العلامة الشيخ خليفة بن حمد بن موسى النبهاني الطائي (كان هو ووالده مدرسين بالمسجد الحرام.. وهو معاصر للحرب العالمية الأولى وسبق له تولي قضاء البصرة)، في كتابه التحفة النبهانية في تاريخ الجزيرة العربية ، قسم البصرة ، ص: 328 ((( فلما بلغ مصطفى أغا متسلم البصرة انضمام عثمان باشا الى الوزير ماوسعه الا الفرار الى الكويت))). ولما علم والي بغداد سليمان باشا بفرار متسلم البصرة مصطفى آغا الكردي ، اتجه مباشرة اليها ودخلها واعادها لحكمه ، ثم قام بإرسال طلب لشيخ الكويت بتسليم متسلم البصرة مع كامل الأموال التي أخذها ، يذكر المؤرخ حسين خلف الشيخ خزعل ، في كتابه تاريخ الكويت السياسي ، ج: 1 ،ص: 54 ((( ولما علم سليمان باشا بفرار متسلم البصرة سار اليها مسرعا واسند اعمالها الى نعمان افندي ( الدفتردار). ثم كتب كتابا الى الشيخ عبدالله صاحب الكويت وبعثه اليه مع احد وجوه البصرة يطلب فيه تسليم مصطفى آغا اللاجيء الى بلده مع كافة الاموال التي حملها معه))). وجرت مراسلات بين شيخ الكويت ووالي بغداد حول اعفائه من تسليم مصطفى الكردي ، الا ان والي بغداد لوح بالخيار العسكري في حال عدم تسليمه اليه ، مما اجبر شيخ الكويت الى أن يقترح خطة على مصطفى الكردي تقتضي بأن يغادر مع امواله الى نجد هربا من سليمان باشا وأن يترك قسما من هذه الأموال حتى يرسلها شيخ الكويت لوالي بغداد ويخبره أن مصطفى فر من الكويت وتركها خلفه ، وقد نجحت الخطة ورجع سليمان باشا الى بغداد ، يذكر المؤرخ حسين خلف الشيخ خزعل ، في كتابه تاريخ الكويت السياسي ، عند حديثه عن شيخ الكويت عبدالله الصباح ، ج: 1 ،ص: 55 ((( واشار على مصطفى آغا من طرف خفي ينصحه بالسفر الى نجد مع امواله ، ويسير مع قافلة كانت تعتزم الرحيل الى هناك تفاديا من تسليمه الى سليمان باشا ، على ان يترك قسما يسيرا من امواله لتسليمها الى سليمان باشا ترضية له ، فوافقه مصطفى آغا على ذلك. فكتب الشيخ عبدالله الصباح كتابا الى سليمان باشا ، يخبره فيه بمغادرة مصطفى آغا الكويت بدون علم منه ، وقد أرسل له مع ذلك الكتاب ماتركه مصطفى آغا من الأموال))). أما الأمير ثويني بن عبدالله فأنه بعد إنعزاله بعدد قليل من أتباعه وأقاربه ، صادفهم غزو من قبل الأمير سعود بن عبدالعزيز (أحد حكام الدولة السعودية الأولى) الذي كان يقوم بتحرك ضد قبائل دولة بني خالد وعثر صدفه على معسكر الأمير ثويني بن عبدالله شمال دولة بني خالد ، وقام الأمير سعود بمهاجمة المعسكر وأخذ محلتهم وأثاثهم ، وهو مااضطر الأمير ثويني بن عبدالله الى الإتجاه شمالا ، حيث كان والي بغداد قد رجع الى بغداد ، ومن هناك بدأ الأمير ثويني بن عبدالله بمراسلة قبائله وعشائره من بادية مملكة المنتفق للتجمع لديه ، وهو ماسوف يتم تفصيله بالقسم التالي . يذكر المؤرخ الشيخ عثمان بن بشر ، مؤرخ الدولة السعودية الأولى والثانية ، في كتابه عنوان المجد في تاريخ نجد ، ج: 1 ، حوادث سنة 1203هـ ، ص: 167 ((( وفيها سار سعود بن عبدالعزيز بالجيوش المؤيدة المنصورة من حاضرة نجد وباديتها ، وقصد جهة الشمال فوافق ثويني في ديرة بني خالد من أرض الصمان وذلك بعدما خرج من البصرة كما ذكرنا ، ومعه قطعة من المنتفق وآل شبيب فنازلهم سعود ، وأخذ محلتهم وأثاثهم ))). وبينما يذكر ابن بشر أنها معركة واحدة وانها كانت موجهه لدولة بني خالد والتقت بالأمير ثويني بن عبدالله في طريقها ، يذكر ابن غنام انها معركتين وانها كانت موجهه لثويني ، يذكر المؤرخ الشيخ حسين بن غنام ، مؤرخ الدولة السعودية الأولى (المعاصر للأحداث ) ، في كتابه تاريخ نجد ( روضة الأفكار والأفهام) ،حوادث سنة 1203هـ، بعد حديثه عن غزو الإمام سعود بن عبدالعزيز لبني خالد ، ص: 171((( ثم سار سعود بالمسلمين يريد غزو ثويني، فلما وصل الى (حمض) كان الأعداء كلهم مجتمعين فيها. فأقبلت فرسان المسلمين فنازلهم بنو المنتفق، فهزموا المسلمين ))). ثم يذكر ابن غنام عودة سعود مرة أخرى بعد أن حث جنوده على أن يوطنوا أنفسهم على القتال ، وانتصاره كما ذكر ذلك ابن بشر. وأما عثمان باشا (حاكم بابان) ، فلم يظهر له سليمان باشا (والي بغداد) معرفته بما قام به ، وعندما عاد الجيش العثماني الى بغداد ، قام سليمان باشا (والي بغداد) بإظهار المراسلات له ، بعد أن سجنه ، وعين بدلا عنه ابراهيم باشا ، وأدى ذلك الى مرض عثمان باشا ومن ثم وفاته ، يذكر المؤرخ العثماني التركي الشيخ رسول الكركوكلي ، في كتابه دوحة الوزراء في تاريخ وقائع بغداد الزوراء ، ص: 190 ((( وعند وصوله الى المسعودي عبر من هناك نحو الباب الشرقي من بغداد، وأمر بالقاء القبض على عثمان باشا والقاه في السجن ، وعين ابراهيم باشا بدلا عنه لمتصرفية بابان))) ثم يكمل ((( سبق ان بينا ان الوزير قد أصدر أوامره بحبس عثمان باشا وعزله، ثم قدمت له النسخ الخطيه لمراسلاته ليعلم ان حبسه وعزله لم يكن دون سبب ، فلما رآها لم يتمالك اعصابه من الانهيار، وعلى أثرها سقط مريضا ولما اشتد عليه المرض نقل رأفة به من السجن الى دار الحاج محمد سعيد بك الكائنة قرب كهيه سراي ، واهتموا بمعالجته من قبل اطباء اخصائيين، الا ان مرضه كان يشتد عليه يوما بعد يوم، واخيرا قضى نحبه واودع مرقده الأخير في الأعظمية بكل حفاوة واكرام وسار تحت نعشه معظم الوجوه والاعيان))). لقد كان الاتراك محظوظين جدا بوجود قائد مثل سليمان باشا الذي استطاع ان يلعب بالسياسة والحرب معا في وضع متشابك ومعقد مما منع خروج العراق بالكامل من العثمانيين فيما لو سارت الأمور على ماكان مخططا لها من قبل (الأمير ثويني وعثمان باشا ومصطفى آغا) ، وعلى الرغم من كون التحرك السياسي والإصطدام العسكري لم يكن بقوة ماحدث في السنة السابقة ، وذلك لكون المعركة فرضت عليهم في وقت لم يكونوا مستعدين لها بشكل كامل ، بالإضافة الى قيام سليمان باشا (والي بغداد) بالسيطرة على حاكم بابان عثمان باشا ، الا أن ماقام به الأمير ثويني بن عبدالله شكل سابقتين في تاريخ العراق وذلك عندما قام أولا بإعلان إستقلال العراق بأكمله ومخاطبة الخليفة العثماني بذلك ، بعد جمعه لمعظم عرب العراق في وجه العثمانيين ، ثم ماقام به ثانيا من توحيد العرب والأكراد في توجه موحد لإستقلال العراق بأكمله ، مضحيا بحكمه مرتين في سبيل ماسعى اليه ، على الرغم من كونه كان يستطيع أن يبقي الوضع على ماهو عليه من حكمه لنصف العراق وتقاسمه للنفوذ على مدينة البصرة مع العثمانيين. 20- خروج ثويني من العراق: نعود للأحداث حيث أن الأمير ثويني بن عبدالله بعد مهاجمة معسكره ، اتجه شمالا الى صفوان وبدأ بمراسلة قبائل بادية مملكة المنتفق حتى تتجمع لديه ، الا أن الأمير حمود بن ثامر حاكم مملكة المنتفق ، قام بتوجيه ضربة استباقية لعمه الأمير ثويني وقبل أن تتجمع لديه قوة كافية ، حيث سار اليه بجيش كبير ، وانزل به هزيمة قوية وشتت القبائل والعشائر القليلة من بادية مملكة المنتفق التي تجمعت لدى عمه الأمير ثويني بن عبدالله بعد وصوله لصفوان ، يذكر المؤرخ الشيخ عثمان بن بشر ، مؤرخ الدولة السعودية الأولى والثانية ، في كتابه عنوان المجد في تاريخ نجد، عند حديثه عن الأمير ثويني بن عبدالله ، ج:1 ، ص:218 ((( قصد البصرة ونزل سفوان الماء المعروف قرب البصرة فاجتمع اليه قبائل من عربان المنتفق ، فسار اليه حمود بن ثامر بمن تبعه من المنتفق وأهل الزبير وغيرهم ، فنازله وحصل بينهم قتال شديد ، فانهزم ثويني فأخذ حمود ومن تبعه محله وامتاعه وخيامه وقتل عليه عدة قتلى ))). يذكر الدكتور حميد بن حمد السعدون ، في كتابه امارة المنتفق وأثرها في تاريخ العراق و المنطقة الأقليمية 1546م – 1918م ، ص: 147 ((( هذه المعركة ، هي أولى المشاهد التي وقفت فيها قوات المنتفق تقاتل بعضها، رغم أن ماكان لدى الشيخ ثويني ، من قوة كان صغيرا ومحصورا باتباعه وأعوانه وأشقائه ، الا أن ماحدث كان جديرا بالتسجيل والملاحظة. هذه الوقعة رغم عدم أهميتها في تثبيت سلم القيادات في امارة المنتفق ، الا اني أراها تجربة مريرة تذوقتها المنتفق بمرارة أشد ، ونبهت المماليك ومن خلفهم في الولاية الى الطريقة الأسلم لتمزيق المنتفق))). بعد المعركة أدرك الأمير ثويني بن عبدالله صعوبة موقفه ، لذلك قرر الذهاب لحاكم دولة بن كعب وشيخ مشائخ قبائلها الأمير غضبان بن محمد الكعبي والإستجارة به ، وقد قام الأمير غضبان بالترحيب به ، وانزله المكان اللائق به ، بل ولاه شكليا على أحد المقاطعات في دولة بني كعب ، يذكر المؤرخ حسين خلف الشيخ خزعل ، في كتابه تاريخ الكويت السياسي ، ج: 1 ،ص: 62 ((( فترك الشيخ ثويني تلك الديار وذهب الى الدورق مستجيرا بأمير بني كعب (الشيخ غضبان بن محمد) فأكرم وفادته واحله المحل اللائق وبقي الشيخ ثويني هناك مده حتى هدأت الأحوال ))). وبعد مدة من إقامة الأمير ثويني في دولة بني كعب غادرها الى دولة بني خالد ، وطلب من حاكمها الأمير زيد بن عريعر مساندته عسكريا ضد ابن أخيه الأمير حمود بن ثامر ، الا ان الأمير زيد بن عريعر اعتذر منه لكونه لايستطيع الدخول في حرب مع قوات الأمير حمود وقوات الدولة العثمانية معا ، وذلك لكون الأمير حمود كان يحكم مملكة المنتفق بتأييد عثماني ، يذكر المؤرخ حسين خلف الشيخ خزعل ، في كتابه تاريخ الكويت السياسي ، ج: 1 ، ص: 62 ((( ثم عزم بعدئذ على ترك الدورق والسفر الى الأحساء ليستنفر زعيم بني خالد (زيد بن عريعر) لمحاربة ابن اخيه الشيخ حمود فلما وصل الى الأحساء واوقف (زيد بن عريعر) على عزمه اعتذر اليه زيد وابدى له عجزه عن مد يد المساعدة اليه وعدم تمكنه من القيام بأي عمل لأن الشيخ حمود مؤيد من قبل الدولة العثمانية وان الحرب معه تعتبر حربا على الدولة نفسها وليس في استطاعته مقابلة قوات الشيخ حمود وقوات الدولة العثمانية في آن واحد))). يلخص الأحداث من وصول الأمير حمود بن ثامر للحكم في مملكة المنتفق والى ذهاب الأمير ثويني بن عبدالله الى دولة بني خالد ، العالم الشيخ محمد بن العلامة الشيخ خليفة بن حمد بن موسى النبهاني الطائي (كان هو ووالده مدرسين بالمسجد الحرام.. وهو معاصر للحرب العالمية الأولى وسبق له تولي قضاء البصرة)، في كتابه التحفة النبهانية في تاريخ الجزيرة العربية ، قسم المنتفق ، ص: 408 (((لما أخذ حمود بن ثامر بزمام الحكم عام (1204هـ 1788م) جمع جموعه من المنتفق وأهل الزبير، ومشى بهم يقودهم نحو عمه الشيخ ثويني وتصادم معه عند (جبل صفوان) حتى اضطره إلى التقهقر فغنم حمود خيامه وبعض عتاده وذهب ثويني إلى (الدورق) من بلاد بني كعب (جنوب البصرة) ومن ثم توجه نحو الأحساء حتى نزل عند رئيس بني خالد (زيد بن عريعر) واستنصره على ابن أخيه فاعتذر له بعدم التمكن على الغزو بقوله إن حموداً هو منصب من قبل الدولة العثمانية والحرب معه تعد حرباً مع الدولة))). ثم قام الأمير ثويني بن عبدالله بزيارة لحاكم الدولة السعودية الأولى في الدرعية الإمام عبدالعزيز بن محمد بن سعود ، حيث قام بإكرامه وأعطاه خيلا وأبلا وأموالا ، وبقي هناك مدة سنة ، قبل أن تراسله الدولة العثمانية عن طريق شيخ الكويت ويعود الى الكويت أولا ومن ثم الى بغداد وهو ماسوف يتم تفصيله في فصل لاحق ، يذكر المؤرخ الشيخ عثمان بن بشر ، مؤرخ الدولة السعودية الأولى والثانية ، في كتابه عنوان المجد في تاريخ نجد ، ج:1 ، ص:218 ((( فسار الى الدرعية وألفى على عبدالعزيز فأكرمه غاية الأكرام وأعطاه خيلا وأبلا ودراهم ثم رجع الى الكويت))). 21- صعود حمود بن ثامر للحكم و اخراج الخزاعل من السماوة: كان حاكم مملكة المنتفق الأمير حمود بن ثامر السعدون يلقب بـ (حمود العمى) وذلك لإصابته بالعمى في أخر عشرين سنة من حكمه وتحديدا من عام 1807م (1222هـ) . يذكر العالم الشيخ محمد بن العلامة الشيخ خليفة بن حمد بن موسى النبهاني الطائي (كان هو ووالده مدرسين بالمسجد الحرام.. وهو معاصر للحرب العالمية الأولى وسبق له تولي قضاء البصرة) ، عند حديثه عن حكم الأمير حمود بن ثامر لمملكة المنتفق ومشيخته لاتحاد قبائل المنتفق ، في كتابه التحفة النبهانية في تاريخ الجزيرة العربية ، قسم المنتفق ، ص: 412 (((ولما كف بصره آخر عمره ازداد هيبة ووقاراً. وعظم ملكه وسلطانه واستمرت مشيخته الأخيرة إلى سنة 1242هـ 1825م))). وقد كان يلقب أيضا بــ (سلطان البر ) وهو أول من حمل هذا اللقب بالعراق ، وهذا تسلسل نسبه : الأمير حمود (حاكم مملكة المنتفق وشيخ مشائخ قبائلها) بن الأمير ثامر (حاكم مملكة المنتفق وشيخ مشائخ قبائلها) بن الأمير سعدون (حاكم مملكة المنتفق وشيخ مشائخ قبائلها والذي سميت الاسرة به) بن الأمير محمد (حاكم مملكة المنتفق وشيخ مشائخ قبائلها) بن الأمير مانع الثاني (حاكم مملكة المنتفق وشيخ مشائخ قبائلها) بن الأمير شبيب الثاني(حاكم مملكة المنتفق وشيخ مشائخ قبائلها) بن الأمير مانع الصخا (حاكم مملكة المنتفق وشيخ مشائخ قبائلها) بن الأمير شبيب الأول (حاكم مملكة المنتفق وشيخ مشائخ قبائلها) بن الشريف حسن(مؤسس مملكة المنتفق واتحاد قبائل المنتفق) بن الشريف مانع بن مالك بن سعدون الأول بن إبراهيم (أحمر العينين) بن الأمير كبش (امير المدينة المنورة) بن الأمير منصور (امير المدينة المنورة) بن الأمير جماز (أمير المدينة المنورة + أمير مكة المكرمة 687هـ + أول من سك عمله باسمه في مكة من أمراء المدينة المنورة) بن الأمير شيحة (أمير المدينة المنورة+أمير مكة المكرمة عام 637هـ) بن الأمير هاشم (أمير المدينة المنورة) بن الأمير قاسم (أبو فليته) (امير المدينة المنورة+ امير مكة عام 571هـ) بن الأمير مهنا الاعرج (أمير المدينة المنورة) بن الأمير الحسين (شهاب الدين) (امير المدينة المنورة) بن الأمير مهنا الأكبر (أبو عمارة) (أمير المدينة المنورة) بن الأمير داود (أبو هاشم) (امير المدينة المنورة) بن الأمير القاسم (امير المدينة المنورة) بن الأمير عبيد الله (امير المدينة المنورة+ امير العقيق) بن طاهر بن يحي النسابة بن الحسن بن جعفر بن عبيد الله (الاعرج) بن الحسين (الأصغر) بن علي (زين العابدين) بن الحسين – رضي الله عنه - ابن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب – رضي الله عنه. يذكر ترجمه له المؤرخ خير الدين الزِّرِكْلي المولود عام 1893م، في كتابه الأعلام وهو قاموس تراجم لأشهر الرجال والنساء من العرب والمستعربين والمستشرقين يقع في ثمانية مجلدات ، المجلد الثاني ، ص:281 ((( حمود بن ثامر بن سعدون بن محمد بن مانع الشبيبي الحسيني أمير المنتفق (في العراق) وأحد من اشتهروا بالفروسية. كانت أيام حروبه تعدّ كأيام العرب في الجاهلية))) ، ثم يكمل المؤرخ حديثه عن الفترة التي تبعت هزيمة حمود للدولة العثمانية ودخوله بغداد عسكريا عام 1813م بعد أسره ثم قتله لوالي بغداد وتمزيقه لجيشه الكبير ثم فرضه لنفوذه ونفوذ أسرته آل سعدون الأشراف على كل العراق مابين 1813م – 1817م ، وهو ماسوف يتم التطرق له في هذا البحث بشكل موجز وسوف يتم تفصيله في بحث لاحق عن فترة حكم الأمير حمود بن ثامر ((( فكانت جوائزه حديث الناس، أو كما يقول المؤرخ ابن سند: كجوائز بني العباس))). وننقل هنا عرض موجز لبعض ماذكر في كتاب مطالع السعود بطيب أخبار الوالي داوود عن الأمير حمود بن ثامر من وجهة نظر المؤرخ العثماني المعاصر له الشيخ عثمان بن سند الوائلي البصري (مع ملاحظة تحامل ابن سند عليه كونه حارب داوود باشا والي بغداد الذي ألف ابن سند كتابه في سيرته) ، كتاب مطالع السعود بطيب أخبار الوالي داود، ص: 221 (((حمود بن ثامر بن سعدون ابن محمد بن مانع الشبيبي ابن اخي ثويني لأمه، لكون ثامر اخا لثويني من امه، وهو ابن عم له كما هو معلوم. وحمود هذا من فرسان العرب المعدودين ومن اهل الذكاء والدهاء والفضل منهم ... كان يتأنى في رسائله ومكاتباته فربما اقام في الكتاب الموجز أياما بل شهورا... ومن مثالبه انه لايرضى الا برأيه ومنها ان كاتبه من رشاه قرأ كتابه على حمود، ومن لا فلا ، فكم فاضل علما وعملا كاتبه في شكاية فما اطلعه الكاتب على مافيه ... ومن محاسنه الشجاعة التي لاتوجد في أمثاله فأنه في ذلك الفرد الكامل وله ايام ومشاهد وملاحم برز فيها شجاعة))). ومن أبرز ماينسب الى فترة حكم الأمير حمود بن ثامر لمملكة المنتفق ، هو تطويره لجيش مملكة المنتفق وذلك بتأسيسه للقوات الخاصة التي كانت تعرف بالمنقيه (المنتقاة) والتي كانت تجهز بأفضل الأسلحة وأحسن الخيول وتكون مهمتها فقط ملاحقة قوات العدو الهاربة في حالة الإنتصار لجيش مملكة المنتفق أو الدفاع عن جيش مملكة المنتفق في حالة الخسارة وتغطية انسحابه ، يذكر الدكتور حميد بن حمد السعدون ، في كتابه امارة المنتفق وأثرها في تاريخ العراق و المنطقة الأقليمية 1546م – 1918م , ص: 273 ((( وقد اضيفت قوات أخرى لجيش المنتفق ، ابتداء منذ أيام امارة – حمود الثامر- تسمى بقوات "المنجية" وهي مايطلق عليها حاليا بالقوات الخاصة . وكانت تعطى اليها ، أجود الأسلحة وأحسن الخيول ، بحيث توافق ومهمتهم الخاصة بملاحقة القوات الهاربة أمامهم ، أو البقاء في أخر الرتل للمدافعة عن الجيش أثناء انسحابه ، وكان يختار لهذه القوات رجال أغلبهم من الشباب الذين يبحثون عن مغامرة الحرب))). نعود للأحداث ، حيث أنه بعد تشتيت الأمير حمود بن ثامر لقوات عمه الأمير ثويني بن عبدالله ، أراد الإنتقام من قبائل الخزاعل ثأرا لوالده الذي قتل على يدهم ، وثأرا لماقاموا به عام 1779م عندما وضعوا رأس والده على الطعام امامه عندما كان في بداية شبابه أسيرا لديهم بعد المعركة (كما ذكرنا في فصل سابق) ، وقد وضع الأمير حمود النزاع على أرض في السماوة بينه وبين شيخ الخزاعل سببا للحرب ، حيث تقابل الأمير حمود مع شيخ الخزاعل واتفقا أن يأتي كل شخص منهما بشهود تثبت تبعية الأرض المختلف عليها له ، وفي اليوم التالي جاء شيخ الخزاعل بشهوده بينما أتى الأمير حمود بقوات لا قبل لخصمه بها، وقال بشكل أهزوجي (الحق حق السيف، والعاجز يدور شهود) ، وهي العبارة التي أصبحت مثلا يضرب للإعتماد على القوة في استرجاع الحقوق ، وبعدها اندلعت معركة كبيرة بين الطرفين انتصرت فيها قوات مملكة المنتفق وأخرجت الخزاعل من السماوة بشكل نهائي ، يذكر العالم الشيخ محمد بن العلامة الشيخ خليفة بن حمد بن موسى النبهاني الطائي (كان هو ووالده مدرسين بالمسجد الحرام.. وهو معاصر للحرب العالمية الأولى وسبق له تولي قضاء البصرة)، في كتابه التحفة النبهانية في تاريخ الجزيرة العربية ، قسم المنتفق، ص: 407 (((وفي عام (1203هـ 1787م) دخلت أراضي (السماوة) تحت حكم حمود ابن ثامر بعد حرب دموية وقعت بينه وبين خزاعة))). وقد كان من بين القتلى في هذه المعركة ابن كايم ، وهو قاتل الأمير ثامر بن سعدون (والد الأمير حمود) والذي قتل بيد الشيخ الفارس محمد بن معيوف السعيدي الذي قدم رأسه وفرسه لحاكم مملكة المنتفق الأمير حمود بن ثامر ، يذكر الدكتور حميد بن حمد السعدون ، في كتابه امارة المنتفق وأثرها في تاريخ العراق و المنطقة الأقليمية 1546م – 1918م , ص:148 ((( وكان أكثر ماأسعد – حمود الثامر- مقتل "ابن كايم" قاتل والده الأمير – ثامر بن سعدون- بيد " محمد بن معيوف السعيدي"صاحب الفرس الحمراء ، والذي قدم رأس ابن كايم وفرسه الأبيض هديه لأميره))). وقد كافأ حاكم مملكة المنتفق الأمير حمود بن ثامر، الشيخ محمد المعيوف بأن منحه مشيخة كل ثلث بني سعيد والذي يضم الكثير من القبائل والعشائر، يذكر الدكتور حميد بن حمد السعدون ، في كتابه امارة المنتفق وأثرها في تاريخ العراق و المنطقة الأقليمية 1546م – 1918م ,ص: 148 ((( هو من ثلث "بني سعيد" وعرفت عائلته فيما بعد بعائلة " البوحمره" توصيفا لفرسه الحمراء التي كان يمتطيها اثناء المعركة . ومنذ ذلك الوقت منح – محمد المعيوف – مشيخة ثلث بني سعيد عامة))). 22- تعيين ثويني بمجلس الحكم العثماني في بغداد وإبقاؤه قيد الاقامة الجبرية: سعى والي بغداد الى إبقاء مملكة المنتفق موالية للعثمانيين في تلك الفترة ، وهي الفترة التي بدأت تشهد تحركات عسكرية قوية من قبل الدولة السعودية الأولى ضد دولة بني خالد ، لذلك كان يقلقه تواجد الأمير ثويني بن عبدالله في الدرعية ، خوفا من إجتماع كلمتهم في عمل عسكري مشترك ضد العثمانيين ، وكون سليمان باشا أيضا يرغب في إبقاء الأمير ثويني بن عبدالله بعيدا عن الحكم ، لذلك قرر أن يعرض عليه إظهار الندم والعودة للعراق مقابل تعيينه في مجلس الحكم العثماني في بغداد ، وذلك حتى يقتنع بالبقاء في بغداد تحت نظر الدولة العثمانية ، يذكر المؤرخ حسين خلف الشيخ خزعل ، في كتابه تاريخ الجزيرة العربية , ج1 , ص: 332 ((( استشف سليمان باشا والي العراق وجود ثويني في الدرعية ومايترتب على ذلك من نتائج اذا مااجتمعت كلمة الدرعية مع ثويني , فاشار الى بعض اخصائه ان يتصلوا بثويني وان ينصحوه ويحسنوا له طلب العفو من الدولة العثمانية واظهار الندم والعودة الى العراق . ففعل ثويني بهذه النصيحة فعفت عنه الدولة وقدم الى بغداد فشمله سليمان باشا برعاية خاصة ليدخره لحوادث المستقبل ))). يذكر الرحالة الإنجليزي المعروف جاكسون (المعاصر للأحداث) في رحلته للعراق عام 1797م ، كتاب مشاهدات بريطاني عن العراق سنة 1797، عند حديثه عن الأمير ثويني بن عبدالله ، ص:52 ((( غير أنه لم يلبث ان عاد بعد مده ملتمسا صدور العفو عنه. ولما كان العرب التفوا حوله وأكرموا وفادته، وبرهن على أنه خصم عنيد للحكومة، فقد ظن باشا بغداد أن من الصواب اعلان العفو عنه واشراكه في حكومته))). لذلك قرر الأمير ثويني بن عبدالله الذهاب لبغداد وقبول عرض واليها له للبقاء فيها مقابل اشراكه في مجلس الحكم العثماني ، وفي طريق عودته مر بالكويت وقد اشار عليه شيخها (الشيخ عبدالله الصباح) بالذهاب لبغداد وطلب العفو من الدولة العثمانية ، يذكر المؤرخ حسين خلف الشيخ خزعل ، في كتابه تاريخ الكويت السياسي ، ج: 1 ،ص: 62 ((( فاشار عليه الشيخ عبدالله الصباح بالذهاب الى بغداد لطلب العفو من الوزير سليمان باشا))). 23- ماقبل سقوط دولة بني خالد ومابعده من أحداث سياسيه وهجرات: نذكر في هذا القسم بشكل موجز بعض أبرز الأحداث التي أثرت في الفترة التاريخية التالية والتي يغطيها الفصل التالي من البحث ، وسوف يكون التركيز الأكبر في هذا الفصل على الحدث الأهم والذي أثر في تاريخ المنطقة وهو سقوط دولة بني خالد ، وفي الفصل التالي سوف نتحدث على ماترتب على هذا الحدث. أولا: شمر الجربا شاركت بادية قبيلة شمر وقبيلة مطير في حملة حاكم الحجاز الشريف غالب على نجد عام 1205هـ ، وبعد عودته الى مكة اتفقت قبيلة مطير مع بادية شمر على مهاجمة بعض القرى في جبل شمر ، وقد قام أهل تلك القرى بمراسلة حاكم الدولة السعودية الأولى الإمام عبدالعزيز بن سعود ، يذكر مؤلف كتاب لمع الشهاب في سيرة محمد بن عبد الوهاب (مؤلف مجهول) ، ص: 99 ((( ثم ان عرب الشريف ، الذين كانوا ملتجئين به من بداة نجد ، تفرقوا عنه راجعين الى أطراف نجد. فقحطان احتازوا الى تثليث ، وعتيبه الى برية مكة ، ، كركبه ومايليها . أما مطير فاحتازوا الى أرض شمر ، واتفقوا مع مطلق الجربى ، وبادية شمر جميعها ، التي في الجبل . وصار بينهم وبين أهل القرى التي في الجبل حرب . فأرسل أهل الجبل الى عبدالعزيز بن سعود أن هذا مطلق الجربى نكث والتجأت اليه مطير ، فهذا اليوم نحاربه))). وقد قام حاكم الدولة السعودية الأولى الامام عبدالعزيز بن سعود بإرسال ابنه سعود بجيش لمهاجمة شمر ومطير ، واستطاع الإمام سعود أن يهزم القبيلتين ، ولكن بينما هو في ميدان المعركة وصلته منهم رسل يدعونه للمنازلة ، لذلك ثبت لهم وحصلت معركة عنيفة (معركة العدوة) قتل بها الشيخ مسلط بن مطلق الجربا يذكر المؤرخ الشيخ عثمان بن بشر ، مؤرخ الدولة السعودية الأولى والثانية ، في كتابه عنوان المجد في تاريخ نجد، أحداث سنة 1205هـ ، ج:1 ، ص: 176 ((( وفيها وقعة العدوة ، وذلك أن كثير من البوادي الذين ساروا مع الشريف ، انفردوا عندما رجع الى مكة وأكثرهم من قبائل مطير وقبائل شمر . ماغاب من هاتين القبيلتين الا القليل ورئيسهم يومئذ حصان ابليس وانحازوا إلى الماء المعروف بالعدوة وهو مزروع لشمر قرب حائل فنهض إليهم سعود واستنفر أهل نجد البادي والحاضر ، فسار بالجنود المنصورة والخيل العتاق المشهورة وقصدهم في تلك الناحية ، فنازلهم ووقع بينهم قتال شديد ، فأنهزمت تلك البوادي وقتل منهم قتلى كثيرة من فرسانهم منهم: مسعود الملقب حصان إبليس ، وسمرة المشهور رئيس العبيات ، وأبو هليبة من مطير، وعدد كثير غيرهم ، وغنم المسلمون منهم غنائم كثيرة من الابل والغنم والأثاث والأمتعة ، وأخذ جميع محلتهم ، وهذه الوقعة في أخر ذي الحجة ، فلما انهزم هؤلاء البوادي ، وأخذ المسلمون أموالهم استنفروا مايليهم من قبائلهم وغيرهم ممن لم يحضر الوقعة ، وأرسلوا الى سعود يدعونه للمنازلة ، وأنهم يريدون المسير عليه ، فثبت لهم واقبلوا أليه مقرنين الإبل ، وهو على العدوة يقسم الغنائم فساقوها على المسلمين فثبتوا لهم واوقدوا فيهم وفي ابلهم بالبارود والرصاص ، وكان مقدم البوادي مسلط بن مطلق الجرباء ، وكان قد نذر ان يجشم فرسه صيوان سعود ، فأراد أن يتم نذره وأرخى عنان فرسه ، فاختطفه المسلمون وضربه رجل بعود يشوى به القرص ، فطرحه عن جواده فقتل ، وانهزم تلك البوادي لايلوي أحد على أحد ، ولا والد على ماولد، وترجوا الابل مقرنة في الحبال ، وتبعهم المسلمون وأخذوا جميع أموالهم من الابل والغنم والأمتعه ، وقاموا في في أثرهم يومين يأخذون الأموال ويقتلون الرجال ، وحاز سعود جميع الغنائم ، الابل أحد عشر ألف بعير ، والغنم أكثر من مائة ألف ، وعزل الخمس وقسم باقيها في المسلمين للراجل سهم وللفارس سهمان))). بعد الخسارة الكبيرة في المعركة قرر الشيخ مطلق الجربا شيخ شمر الهجرة مع الكثير من بادية شمر الى العراق عام 1205هـ ، يذكر مؤلف كتاب لمع الشهاب في سيرة محمد بن عبد الوهاب (مؤلف مجهول) ، ص: 100 ((( فجلا مطلق الجربى الى العراق منذ ذلك اليوم))). واستقر هنالك مؤقتا في منطقة السماوة حتى العام 1212هـ ، حيث هاجمهم الإمام سعود بن عبدالعزيز وهزمهم مع عدة قبائل كانت معهم قرب السماوة ، وقتل في هذه المعركة شيخ شمر مطلق الجربا ، يذكر المؤرخ الشيخ عثمان بن بشر ، مؤرخ الدولة السعودية الأولى والثانية ، في كتابه عنوان المجد في تاريخ نجد، عند حديثه عن الإمام سعود بن عبدالعزيز، أحداث سنة 1212هـ ، ج:1 ، ص: 240 ((( ثم سار وقصد جهه السماوة فأتاه عيونه وأخبروه بعربان كثيره مجتمعين في الأبيض الماء المعروف قرب السماوه ، فوجه الرايات اليهم ونازلهم على مائهم ذلك ، وكانت تلك العربان كثيره من عربان شمر ، ورئيسهم مطلق بن محمد الجربا الفارس المشهور ومعه عدة من قبائل الظفير وعربان أل بعيج والزقاريط وغيرهم ، فدخل عليهم سعود في وادي الابيض المذكور ونازلهم ، فحصل بينهم قتال شديد وطراد خيل ، فساعة يهزمون بعض جنود المسلمين ، وساعة يهزمونهم وقتل من المسلمين عدة رجال في تلك المجاولات ، نحو خمسة عشر رجلا منهم : براك بن عبدالمحسن رئيس بني خالد ومحمد آل علي رئيس المهاشير ، ثم حمل عليهم المسلمون فدهموهم في منازلهم وبيوتهم ، فقتل عدة رجال من فرسان شمر وأل ظفير وغيرهم ، وكان مطلق الجربا على جواد سابق يطارد خيل المسلمين ، فعثر جواده في نعجه ، فأدركه خزيم بن لحيان رئيس السهول وفارسهم ، فقتله فأنهزمت تلك القبائل وغنم المسلمون أكثر محلتهم وابلهم وامتاعهم ))). وجدت قبيلة شمر نفسها مضطره بعد مقتل شيخها الى الهجرة الى ولاية بغداد وعبور النهر ، وهو الإجراء الذي تم بطلب من ولاية بغداد ، يذكر المؤرخ والمستشرق الألماني البارون ماكس فرايهير فون أوبنهايم ، في كتابه البدو ، عند حديثه عن هجرة شمر الى الجزيرة ، ج1، ص:220 (((فانه كان تدبيرا حكوميا بالدرجة الأولى، كما يقول روسو عميل فرنسا في بغداد، في واحدة من ملاحظاته:"انفصلت شمر الجرباء قبل حوالي عام عن الوهابيين، هربا من ضرائبهم المجحفة، وخضعت لحكومة بغداد، التي اذنت لها بعبور الفرات، كي تضمن انصياعها التام لها، وتقلع عن استفزازالوهابييين"))). ثانيا: بني خالد بدأت الدولة السعودية الأولى ومنذ العام 1203هـ ، بالإنتقال من مرحلة الدفاع الى مرحلة الهجوم وذلك في صراعها مع دولة بني خالد ، حيث أدركت الدولة السعودية الأولى ان سقوط دولة بني خالد أصبح مسألة وقت فقط ، يذكر عبدالكريم المنيف الوهبي في كتابه بنو خالد وعلاقتهم بنجد 1080 - 1208 هـ/ 1669 – 1794م ، ص: 319 ((( وهكذا فلم يحل عام 1203هـ / 1789م حتى أدركت الدرعية أن سقوط الأحساء واخضاع بني خالد لم يعد الا مسألة وقت ، خصوصا بعد أن شعرت بتفوقها العسكري الواضح على المعارضين من بني خالد ، فشرعت ولأول مرة بمهاجمة بني خالد في عقر دارهم متخلية عن استراتيجيتها الدفاعية في صراعها معهم))). وتعرضت دولة بني خالد منذ عام 1203هـ الى هجمات عسكرية قوية تكبدت على أثرها خسائر مادية وبشرية كبيرة ، يذكر المؤرخ الشيخ حسين بن غنام ، مؤرخ الدولة السعودية الأولى (المعاصر للأحداث ) ، في كتابه تاريخ نجد ( روضة الأفكار والأفهام) ، ص: 171 ((( ثم ورد سعود بالمسلمين ماء (الوفرا) فلما رحل منها صادف في طريقه ركبا من آل سحبان – من بني خالد – كبيرهم ابن مغجل ، وكانوا نحو تسعين رجلا ، فقتلهم جميعا. وسار سعود بالمسلمين يريد (الأحساء) ، فوصل (المبرز) فنازل أهلها وتراموا من بعيد. ثم رأى أن يتركهم فانصرف عنهم وسار الى (الهفوف) ، ولكنه لم يتوقف عندها ، بل واصل سيره الى قرية (الفضول) – في شرقي الأحساء – فشد المسلمون على القرية ، فانهزم أهلها ولم يستطيعوا الفرار لأن المسلمين ملكوا عليهم جميع الطرق. فالتجأوا الى بيوتهم وتحصنوا فيها ، فدخل المسلمون عليهم تلك البيوت وقتلوهم قتل النعم ، وكانوا ثلاثمائة رجل قتلوا جميعا. وأخذ المسلمون جميع مافي القرية مماينقل من المال وأنواع السلاح والحيوان والأمتعة والطعام – وكان شيئا كثيرا))). وبدأت الكفة تميل لصالح الدولة السعودية الأولى في مقابل عجز حكام دولة بني خالد عن السيطرة على أراضيهم ، يذكر عبدالكريم المنيف الوهبي في كتابه بنو خالد وعلاقتهم بنجد 1080 - 1208 هـ/ 1669 – 1794م ، ص: 322 ((( وهكذا أصبحت قوات الدرعية تنتقل في مناطق بني خالد دون معارضة من قوات دويحس وابن سرداح التي آثرت الابتعاد عن المواجهة ممادفع بلدان بني خالد الى التقوقع داخل الأسوار بخطة دفاعية محضة))). وفي عام 1204هـ كان الأمير زيد بن عريعر ومعه بعض عشائره قد طلبوا المساعدة من الدولة السعودية الأولى ضد الأمير عبدالمحسن بن سرداح و الأمير دويحس بن عريعر ، ووقعت بين الطرفين معركة كبيرة ( معركة غريميل) ، وخسرت فيها قوات دولة بني خالد خسائر كبيرة ، وهرب الأمير عبدالمحسن بن سرداح ومن معه الى مملكة المنتفق ، وتولى حكم بني خالد الأمير زيد بن عريعر ، يذكر المؤرخ الشيخ عثمان بن بشر ، مؤرخ الدولة السعودية الأولى والثانية ، في كتابه عنوان المجد في تاريخ نجد, أحداث سنة 1204هـ ، ج:1 , ص: 169 ((( ثم دخلت السنة الرابعة بعد المائتين والألف وفيها سار سعود بجنوده المنصورة ، والخيل العتاق المشهورة واستلحق معه عربان الظفير ، وعربان العارض ومعه زيد بن عريعر وجلوية بني خالد ، وقصد بني خالد ورئيسهم يومئذ عبدالمحسن بن سرداح وابن أخيه ودويحس بن عريعر وهم نازلون عند غريميل المعروف عند الأحساء فعدى عليهم ونازلهم ووقع القتال بينهم ثلاثة أيام ، ثم انهزم بنو خالد واتباعهم فكر المسلمون في ساقتهم يقتلون ويغنمون وحاز سعود من الابل والغنم والأمتعة والأثاث مالايعد ولايحصى ، وقتل عليهم قتلى كثيرة ، وأخذ خمس الغنيمة ، وقسم باقيها في المسلمين للراجل سهم وللفارس سهمان ، وهرب عبدالمحسن ومن معه الى المنتفق وأكثر العربان قصدوا الأحساء وبايعوا سعودا على دين الله ورسوله والسمع والطاعة ، واستعمل سعود أميرا في بني خالد زيد بن عريعر واجتمعوا عليه))). وقد كان الامام سعود بن عبدالعزيز يرغب بالإستيلاء مباشرة على دولة بني خالد بعد المعركة ، الا ان قدر أنه في تلك الفترة لازال يحتاج الى الأمير زيد بن عريعر وقواته للسيطرة على الأحساء ، وعندها صرف النظر عن ذلك لمعارضة الأمير زيد بن عريعر لأي تحرك في هذا الاتجاه ، يذكر عبدالكريم المنيف الوهبي في كتابه بنو خالد وعلاقتهم بنجد 1080 - 1208 هـ/ 1669 – 1794م ، ص: 324 ((( وماذكره ابن غنام من أن سعودا أراد الاستيلاء على الأحساء بعد ذلك مباشرة ولكن عدم تجاوب زيد معه واختلاقه للأعذار جعله يتراجع في النهاية ، يدل دلالة واضحة على أهمية وجود زيد وأتباعه من بني خالد عسكريا بالنسبة للدرعية اضافة الى أهمية انضمامه اليها ماديا ومعنويا وسياسيا. أدت معركة غريميل الى زيادة تسارع العد التنازلي للحكم الخالدي في المنطقة. ولولا مواجهة الدرعية لخصم جديد في الغرب وهو الشريف غالب ، لتمكنت من حسم الأمر نهائيا مع بني خالد كنتيجة لمعركة غريميل))). انشغلت الدولة السعودية الأولى عن دولة بني خالد حتى العام 1206هـ ، وذلك لإضطرارها التصدي لحملات حاكم الحجاز الشريف غالب ، ثم بعد ذلك هاجمت دولة بني خالد بحملة عسكرية قوية واحتلت عدة بلدات وحصلت على غنائم مادية كبيرة ، وكبدت دولة بني خالد خسائر بشرية كبيرة خصوصا في بلدة سيهات والتي قتل فيها ألف وخمسمائة رجل ، يذكر المؤرخ الشيخ حسين بن غنام ، مؤرخ الدولة السعودية الأولى (المعاصر للأحداث ) ، في كتابه تاريخ نجد ( روضة الأفكار والأفهام) ، ص: 179 ((( وفي سنة 1206سار سعود بالمسلمين الى (القطيف) يريد أن يطهر بلدانها من الأصنام والأوثان. فأحاط المسلمون ببلدة (سيهات) وحاصروها ، ثم تسوروها ، وقتلوا من وجدوا فيها – وكانوا نحو ألف وخمسمائة قتيل – واستولوا على جميع مافيها من الأموال التي لاتعد ولاتوصف. ثم قصد المسلمون (القديح) ، فدهموا أهلها ، واستولوا كذلك على مافيها من الأموال. فأصاب حينئذ الذعر بلدان القطيف ، فتهاوت أمام المسلمين ، فاستولوا على (العوامية) و (عنك) وغيرهما))). وفي نفس السنة كان حاكم دولة بني خالد الأمير زيد بن عريعر وأخوانه قد أرسلوا للأمير عبدالمحسن بن سرداح يطلبون قدومه من مملكة المنتفق ويتعهدون له بالآمان ، ولما قدم اليهم قاموا بقتله ، يذكر المؤرخ الشيخ عثمان بن بشر ، مؤرخ الدولة السعودية الأولى والثانية ، في كتابه عنوان المجد في تاريخ نجد ، أحداث سنة 1206 هـ ، ج: 1 ، ص: 179 ((( وفيها قتل عبدالمحسن بن سرداح رئيس بني خالد بالقديم ، وذلك أن عبدالمحسن بعد وقعة غريميل المتقدمة هرب الى المنتفق ، وتولى في بني خالد زيد بن عريعر كما ذكرناه من قبل ، ثم ان زيد المذكور واخوانه أرسلوا الى عبدالمحسن وبذلوا له الصداقة والأمان، ووعدوه ومنوه ، حتى جاء اليهم واجتمع بهم فقتلوه في مجلسهم))). ونتيجة لذلك ثارت قبائل بني خالد وطردوا الأمير زيد بن عريعر وأخوانه وبايعوا الأمير براك بن عبدالمحسن السرداح ( ولد الأمير المقتول) ، وفي سنة 1207هـ ، هاجمت قوات الدولة السعودية الأولى قوات دولة بني خالد قرب الجهراء ، وانزلت بهم هزيمة كبرى (معركة الشيط) وكبدتهم خسارة أكثر من ألف مقاتل ، وفر حاكم دولة بني خالد الأمير براك بن عبدالمحسن وخيالته الى مملكة المنتفق ، يذكر المؤرخ الشيخ حسين بن غنام ، مؤرخ الدولة السعودية الأولى (المعاصر للأحداث ) ، في كتابه تاريخ نجد ( روضة الأفكار والأفهام) ، أحداث سنة 1207هـ ، ص: 180 ((( وسار سعود بالمسلمين يريد بني خالد ، فلما أقترب منهم وجد آثار الجيوش والخيل غازية ، ولم يكن يعلم بما أحدثه براك وجماعته . وذلك أن براك بن عبدالمحسن تولى رئاسة بني خالد والأحساء بعد مقتل أبيه عبدالمحسن بن سرداح رئيس بني خالد ، فنهض بهم غازيا وورد على ماء (اللصافة) وأغار على سبيع وأخذ منهم ابلا كثيرة. فلما علم بذلك سعود استشار من معه: هل يقتفي آثار براك وبني خالد ، أو يقصد أهلهم ومحالهم وليس عندهم من يحول دونهم ويدافع عنهم. فأشاروا عليه بأن يعمد الى أهلهم فيصبحهم ويعود منتصرا غانما. فأبى سعود عليهم ذلك ، ورأى أن الأولى ملاقاة هؤلاء الأشرار ومقاتلتهم. فسار حتى وصل ماء (اللصافة) وأقام يترصد بني خالد وينتظر عودتهم ، فلما بدت طلائعهم أسرعت اليهم بعض فرسان المسلمين يناوشونهم القتال ، فظنهم بنو خالد بعض الأعراب الغازين ، فطمعوا فيهم ووثقوا من النصر ، فلما تلاحم الفريقان ، هجم عليهم جيش المسلمين ، فلم يلبث أهل الضلال أن انهزموا وجد كل منهم يطلب النجاة لنفسه. فتبعهم المسلمون وأخذوا يقتلون فيهم قتلا ذريعا ، حتى قتلوا منهم ستمائة في يوم واحد غير من قتلوه وهم يقتفون أثرهم ، وأخذوا مامعهم من الخيل والأبل: وكانت الخيل مائتين مختلفة النوع واللون ... وتسمى الوقعة التي جرت بين سعود وبني خالد وقعة (الشيط) وهو موضع شرقي ماء اللصافة))). ويذكر سبب الخسارة الكبيرة عبدالكريم المنيف الوهبي في كتابه بنو خالد وعلاقتهم بنجد 1080 - 1208 هـ/ 1669 – 1794م ، ص: 328 ((( كانت محصلتها هزيمة بني خالد وفرار براك مع بعض خيالته الى قبائل المنتفق بعد وقت قصير من القتال الشرس. وترجع تلك الهزيمة القاسية وبتلك السرعة غير المتوقعه الى فقدان قوات براك لعنصري المفاجأة والتفوق العددي اللذين مكنا الدرعية من الامساك بزمام المبادرة وفرض موقع وطريقة القتال مماأدى الى احباط معنويات القوات الخالدية عند مواجهتها للأمر الواقع لاسيما أنها عائدة في شدة الصيف من غاراتها الخاطفة وقد أنهكها العطش والاعياء ولم تمكنها قوات الدرعية من الوصول الى الماء ... وقدرت خسائر بني خالد بألف مقاتل ومائتين من الخيل ، ثم يعلق ابن بشر على نتيجة تلك المعركه بقوله ( ولم تقم لبني خالد بعدها قائمة ) ، وهناك من قدرها بألفي مقاتل))). وكنتيجة للمعركة قام سكان الأحساء بمبايعة الإمام سعود بن عبدالعزيز والذي ترك لديهم مجموعة من الدعاة والعلماء ، الا ان أهل الأحساء وبمجرد ما غادرتهم قوات الدولة السعودية الأولى قاموا بقتل من تركهم الإمام سعود بن عبدالعزيز وكان عدد المقتولين 30 رجل من بينهم الأمير محمد الحملي المنصب من قبل الدولة السعودية أميرا على الأحساء ، يذكر المؤرخ الشيخ حسين بن غنام ، مؤرخ الدولة السعودية الأولى (المعاصر للأحداث ) ، في كتابه تاريخ نجد ( روضة الأفكار والأفهام) ، أحداث سنة 1207هـ ، ص: 183 ((( ثم ارتحل سعود بالمسلمين من (الأحساء) وقصد قرية (نطاع) ماء في (الطف) وأقام فيها نحو شهر. فأتته الأخبار أن أهل (الأحساء) نقضوا العهد ، وارتدوا عن الدين ، وقتلوا المسلمين الذين أقامهم سعود عندهم دعاة وهداة ومعلمين))). الا ان الامام سعود قرر التريث في مهاجمة الأحساء الى وقت لاحق. وقد كان الأمير زيد بن عريعر وأخوانه مقيمين قرب الكويت في تلك الفترة وما ان وصلهم خبر ماحصل بالأحساء ومقتل الأمير المعين من قبل الدولة السعودية الأولى حتى اتجهوا اليها واستعادوا حكمهم ، وفي عام 1208هـ اتجهت قوات الدولة السعودية الأولى الى الأحساء وبعد معارك متعددة استطاعت اسقاط دولة بني خالد بشكل نهائي ، ولكن الإمام سعود بن عبدالعزيز قام بتنصيب الأمير براك بن عبدالمحسن كحاكم على الأحساء اسميا ويبدو انه كان يهدف من هذه الخطوة الى ابعاد التدخل العثماني لكون دولة بني خالد دولة حليفه للعثمانيين لذلك لم يرغب الإمام سعود بإبعاد آل حميد عن الحكم بشكل نهائي ، يذكر المؤرخ الشيخ عثمان بن بشر ، مؤرخ الدولة السعودية الأولى والثانية ، في كتابه عنوان المجد في تاريخ نجد , أحداث سنة 1208هـ ، ج:1 , ص: 204 ((( وفيها سار سعود رحمه الله بالجموع المنصورة من جميع نواحي نجد وعربانها وقصد الأحساء ، وكان أهل الأحساء بعد نقضهم العهد أتى اليهم زيد بن عريعر واستولى عليهم واستوطن البلد هو واخوانه وذووه ، فأقبل اليهم سعود بجنود المسلمين وفرسانهم ومعهم براك بن عبدالمحسن بن سرداح آل حميد مهاجر، ونزل سعود بالمسلمين على قرية الشقيق المعروفة في الأحساء ، فحاصرها يومين وأخذها عنوه واستولى عليها ، وهرب أهلها وقتل منهم عدة رجال ، ثم أجتمع أهل القرى شمال الأحساء في قرية القرين (بضم القاف) فسار اليها سعود فنزلها وحاصرها أشد الحصار وحاصر أهل بلد المطيرفي المعروفة ، فصالحوه على نصف أموالهم ، وسار سعود بتلك الجنود الى المبرز ، فخرج عليهم زيد بن عريعر بما عنده من الخيل ، فحصل بينهم قتال ... وانهزم زيد ومن معه الى البلد. ثم بعد أيام سارت الجموع الى المبرز ، فكمنوا لهم ، فجرت وقعة المحيرس قتل فيها من أهل المبرز مقتلة عظيمة ، قيل ان القتلى ينيفون عن المائة رجل ، وسارت الجنود الى بلاد ابن بطال ، فوقع فيها قتال فأنهزم أهلها وقتل منهم عدد كثير ، وأخذ سعود مافيها من الأمتعة والطعام والحيوان والأموال ، ثم ساروا الى بلدان الشرق فحصل فيها قتال وجلاد وارتجف أهل الشرق ، هذا وجميع البوادي الذين مع سعود وغيرهم يدمرون في الاحساء ويصرمون النخيل ويأخذون من التمر ويبيعونه أحمالا ، ويأكلون ويطعمون رواحلهم من الحاضر والبادي واكتالوا جميع البوادي من الأحساء نهبا ، وأوقروا رواحلهم ، وأقاموا على ذلك أياما ، ثم أن براك بن عبدالمحسن أتى الى سعود وقال ان أهل الأحساء يريدون المبايعة والدخول في الاسلام ، ولكن لايقدرون على الجلوس بين يديك خوفا وفرقا وهيبة ... وقال: اذا رحلت عنهم أخرجوا عنهم زيد بن عريعر وأتباعه ، ووفدوا عليك وبايعوك ، فرحل سعود قافلا الى الدرعية ... وركب براك الى أهل الأحساء ، فلما وصل اليهم نابذوه ونقضوا مابينهم وبينه ، وقاتلوه واستمروا على أمرهم ، فأرسل اليه فريق السياسب وأدخلوه المبرز ، وكان أولاد عريعر في الجفر والجشة البلد المعروفة ، فحصل بينهم وبين السياسب وأتباعهم قتال شديد ، فهرب أولاد عريعر من الأحساء وقصدو البصرة والزبير وسكنوا فيه ، واستولى على الأحساء أميرا من جهة عبدالعزيز ، براك بن عبدالمحسن وبايعوه على السمع والطاعة))). يذكر سقوط دولة بني خالد ، المؤرخ الشيخ عثمان بن بشر ، مؤرخ الدولة السعودية الأولى والثانية ، في كتابه عنوان المجد في تاريخ نجد , ج:1 , ص: 206 ((( وبزوال ولاية زيد عن الأحساء , زالت ولاية آل حميد المستقلة لهم في الأحساء والقطيف ونواحيهما , لأن ولاية براك هذه كانت لعبدالعزيز بن محمد بن سعود ))). ثالثا: الظفير كانت قبيلة الظفير الكريمة أحد أبرز القبائل في نجد قبل قيام الدولة السعودية الأولى ، وعندما بدأت الدولة السعودية الأولى بالتوسع اصطدم الطرفين في عدة معارك كان حصيلتها النهائية هجرة قبيلة الظفير الى العراق ، وفي عام 1209هـ تلقت الظفير هزيمة كبيرة على يد قوات الدولة السعودية الأولى ، يذكر المؤرخ الشيخ عثمان بن بشر ، مؤرخ الدولة السعودية الأولى والثانية ، في كتابه عنوان المجد في تاريخ نجد ، ج:1 ، ص: 210 ((( ثم دخلت السنة التاسعة بعد المائتين والألف . وفيها سار سعود بالجنود المنصورة والخيل العتاق المشهورة من نواحي نجد وعربانها وقصد جهة الشمال فأغار على عربان كثيرة مجتمعة من آل ظفير وغيرهم وهم بالحجرة الأرض المعروفة ، فهزمهم وقتل منهم رجالا كثيرة وأخذ منهم ألفا وخمسمائة بعير وجميع أغنامهم ومحلتهم وأثاثهم ، وذلك في شعبان ثم قفل راجعا بعدما قسم الغنائم))). هذه الهزيمة اضطرت قبيلة الظفير الى الهرب الى مملكة المنتفق والتي وفر حكامها لقبيلة الظفير الحماية وبتنسيق مع ولاية بغداد ، يذكر المؤرخ والمستشرق الألماني البارون ماكس فرايهير فون أوبنهايم ، في كتابه البدو , ج: 3 , ص: 93 ((( هاجمهم ولي العهد سعود في سنة (1795م) شمال لينة وكبدهم خسائر فادحة . اضطر الضفير بعد ذلك للهرب باتجاه الفرات الى المنتفق, الذين وفروا لهم الحماية بالاتفاق مع باشا بغداد ))). ومنذ تلك الفترة بدأت قبيلة الظفير تظهر في كتب التاريخ كقبيلة حليفه لمملكة المنتفق ولقبائل اتحاد المنتفق ولحكام مملكة المنتفق آل سعدون الأشراف ، والذين شجعوا قبيلة الظفير على الهجرة الى العراق . يذكر مؤرخ العراق الكبير عباس الغزاوي ، في كتابه عشائر العراق، قسم الظفير، نقلا عن المؤرخ العثماني الشهير سليمان فائق والذي عمل في بغداد وهو عدو للمنتفق و أحد كبار الموظفين العثمانيين في العراق في القرن التاسع عشر (((وقال المؤرخ الشهير سليمان فائق ابن الحاج طالب كهية في تاريخ المماليك عن هذه القبيلة بعد ورودها العراق ما نصه: "هذه القبيلة من القبائل النجدية العظمى، أرادت ألا تنقاد الى آل سعود بأداء الزكاة عن أنعامها، وألا يسيطر عليها أحد فيما ترتكبه من الجرائر والمفاسد ففروا من سلطة الوهابيين وجاءوا الى الخطة العراقية... وقد شوقهم على المجيء أمراء المنتفق كسائر من تمكنوا من جلبه لجانبهم بقصد التقليل من سورة الوهابيين وتقوية جهتهم واعزازها بأمثال هؤلاء مبدين لولاة بغداد صلاح ذلك وأنهم قاموا بخدمة مهمة في تزييد قوتهم ومكنتهم واعتزاز عشائرهم...أظهروا ذلك وحسنوه للوزراء والحال ان هؤلاء انما رحبوا بهم وقبلوا دخالتهم لأغراض أخرى غير هذه وذلك أنهم أضمروا أيضاً أن يستخدموهم على حكومة بغداد فأمنوا صولة الوهابيين في الظاهر وعادية الوزراء في الباطن إلا أن الوزراء لم يطلعوا على هذه الجهة فعدوا ذلك منهم مفخرة، وخدمة جلى))). ويبدو أن سليمان فائق يرى أن تحركات الظفير اللاحقه داخل ولاية بغداد كانت بتأييد ودعم من حكام مملكة المنتفق آل سعدون الأشراف. يذكر قبيلة الظفير وعلاقتها بحكام مملكة المنتفق في أخر النصف الأول من القرن التاسع عشر .. خورشيد باشا في تقريره الذي أعده للدولة العثمانية واستمر اعداده 4 سنوات وذلك خلال اشتراكه بلجنة الحدود العثمانية الفارسية مابين 1848م – 1852م و قد أصبح واليا لأنقرة لاحقا - ، كتاب ولاية البصرة – من كتاب ( سياحة نامة حدود) جولة بالمناطق الحدودية بين الامبراطورية العثمانية وفارس- ص: 62 ((( يمكن لعشيرة الظفير من تجهيز ثلاثة الاف مقاتل ، تتجول صيفا في مناطق مراعي الشامية ... اما في الشتاء فيرعون في مناطق رعي قبائل المنتفق ... ولم يحدث في حالة من الحالات أن سرق ابناؤها شيئا من سكان القرى والعشائر ، وهم ليست لديهم مساكن دائمية ... تتجول هذه القبيلة في اماكن متعددة وتنتقل من مكان الى آخر ، ولكي تتخلص من المضايقات التي تحيط بها من ظلم القبائل القوية وخصوصا قبائل المنتفق اضطرت الى الاتفاق مع زعامة المنتفق وبموجب هذا الاتفاق يمنحها شيخ المنتفق سنويا كمية من الحبوب والتمور والخلع والملابس مقابل اعترافها بنفوذه وتساعده في المهمات حيث يستدعيها لمساعدته عند الحاجة ويساعدها ضد عدوهم المشترك))). 24- عودة ثويني للحكم وإستعادته للأحساء عسكريا - الحملة العثمانية الأولى داخل الجزيرة العربية: قبل الحديث عن فترة عودة ثويني للحكم ينبغي الحديث عن الأسباب التي أدت الى اجبار الدولة العثمانية على اعادته للحكم على الرغم من خطورة هذه الخطوة عليها ، ويمكن اجمال هذه الأسباب والتي ذكر بعضها في الفصل السابق ، الآثار المترتبه على هجرة قبيلة شمر الجربا الى العراق بعد خسارتها الكبيرة أمام قوات الدولة السعودية الأولى عام 1205هـ ، الآثار المترتبه على هجرة قبيلة الظفير الى العراق طالبة الحماية بعد خسارتها الثقيلة أمام الدول السعودية الأولى عام 1209هـ ، والسبب الرئيسي وهو الهجمات العسكرية القوية على دولة بني خالد ثم الحدث الأهم وهو إسقاط الدولة السعودية الأولى لدولة بني خالد الحليفة للعثمانيين ، وإستنجاد حكامها (آل عريعر) ووجهاؤها وعلماؤها (وأبرزهم عالم الأحساء الكبير محمد بن فيروز التميمي ، وهو واحد من العلماء المعدودين الذي كانوا يستطيعون مخاطبة الخليفة العثماني مباشرة) بالدولة العثمانية ، والتي شكلت عوامل ضغط على والي بغداد أمام الخليفة العثماني ، يذكر المؤرخ الشيخ عثمان بن بشر ، مؤرخ الدولة السعودية الأولى والثانية ، في كتابه عنوان المجد في تاريخ نجد ، ج: 1 ، ص: 218 ((( وسعى في ذلك كثير من أهل نجد في الزبير والبحرين والكويت وغيرهم ، وكاتبوا باشا بغداد وحرضوه وزينوا له ذلك ، وكاتبه كثير من الرؤساء والعلماء سيما محمد بن فيروز ، فانه الذي يحكم ذلك ويبذل جهده ، وذكروا لباشا بغداد أنه لاينجع في هذا الأمر الخطير والخطب الكبير الا ثويني ، وكتبوا له كثيرا من الكذب والزور والبهتان في المسلمين))). وقد كان سليمان باشا غير متحمس لإتخاذ خطوة في هذا الإتجاه منذ سقوط دولة بني خالد 1208هـ خصوصا وان أحد أبناء آل حميد كان يحكم الأحساء اسميا ، الا انه في عام 1211هـ حصل هجوم على الأحساء من قبل الدولة السعودية الأولى بعد أن عمت الأحساء ثورة كبيرة هناك ، يذكر المؤرخ والمستشرق الألماني البارون ماكس فرايهير فون أوبنهايم ، في كتابه البدو , عند حديثه عن آل عريعر ، ج:3 , ص: 202 ((( ويبدو أنهم لم يشاركوا في تمرد الأحساء الذي أبقى على براك والوهابيين من آذار حتى حزيران 1796م في حالة استنفار، وانتهى باخضاع القطيف والعقير .ومرة أخرى لاح لعريعر الأمل , فمنذ زمن طويل كان المهاجرون الموجودون في البحرين والكويت والزبير والبصرة يطالبون سليمان باشا في بغداد باحتلال الأحساء واقترحوا عليه تسليم شيخ المنتفق ثويني قيادة الحملة))). يذكر عبدالكريم المنيف الوهبي ، في كتابه بنو خالد وعلاقتهم بنجد 1080 - 1208 هـ/ 1669 – 1794م ، ص: 336 ((( ويبدو أن لتلك الحملة علاقة بحملة سعود على الأحساء سنة 1210هـ / 1796م والمعروفة باسم الرقيقة والتي وقعت نتيجة لتمرد الأحساء المتكرر ولتقاعس براك وتنصله عن قمعه))). ويذكر سبب هذا التمرد ، المؤرخ الشيخ عثمان بن بشر ، مؤرخ الدولة السعودية الأولى والثانية ، في كتابه عنوان المجد في تاريخ نجد، أحداث سنة 1210هـ ، ج: 1 ، ص: 214 ((( وفي هذه السنة تمالأ صالح بن النجار وعلي بن سلطان ، وسلطان الجبيلي ورجال من رؤساء الأحساء ، فأجمعوا على نقض عهد الامام عبدالعزيز ومحاربة المسلمين وتبين أمرهم وأظهروه))). لذلك قامت الدولة السعودية الأولى بالتعامل بكل حزم وقوة مع المتمردين من رجال الأحساء ، ونقلت أيضا عددا من كبار رجال الأحساء ومن علمائها وقضاتها الى الدرعية ، يذكر المؤرخ الشيخ عثمان بن بشر ، مؤرخ الدولة السعودية الأولى والثانية ، في كتابه عنوان المجد في تاريخ نجد ، حوادث سنة 1211هـ ، ج:1 ، ص: 216 ((( وصار سعود في موضعه ذلك أياما حتى اجتمع عليه المسلمون البادية والحاضره ، فسار بالجيوش المنصورة والخيل والعتاق المشهورة ، وقصد ناحية الأحساء . فلما وصل اليه نزل قرب الرقيقة وهي مزارع معروفة لأهل الأحساء وبات تلك الليلة وأمر مناديه ينادي في المسلمين أن يوقد كل رجل نارا وأن يثوروا البنادق عند طلوع الشمس. فلما أصبح الصباح رحل سعود بعد صلاة الصباح . فلما كان قبل طلوع الشمس ثور المسلمون بنادقهم دفعة واحدة فارجفت الأرض وأظلمت السماء وثار عج الدخان في الجو وأسقط كثير من الحوامل في الأحساء . ثم نزل سعود في الرقيقة المذكورة فسلم له وظهر عليه جميع أهل الاحساء على احسانه واساءته وأمرهم بالخروج فخرجوا ، فأقام في ذلك المنزل مدة أشهر يقتل من أراد قتله ويجلي من أراد جلاءه ويحبس من أراد حبسه ويأخذ من الأموال ويهدم من المحال ويبني ثغورا ويهدم دورا ، وضرب عليهم ألوفا من الدراهم وقبضها منهم وذلك لأجل ماتكرر منهم من نقض العهد ومنابذة المسلمين وجرهم الأعداء عليهم ، وأكثر سعود فيهم القتل فكان مع ناجم بن دهينيم عدة من الرجال يتخطفون في الأسواق لأهل الفسوق ، ونقاض العهود وكان اكثر القتل ذلك اليوم التلنقية والسوادية المجتمعين على الفسوق ، اللذني كان فعلهم بهواهم كلما أرادوه فعلوه ، ولا يتجاسر أحد أن يأمرهم وينهاهم ، فكثر لذلك تعديهم واعتداءهم فهذا مقتول في البلد ، وهذا يخرجونه الى الخيام ، ويضرب عنقه عند خيمة سعود حتى أفناهم الا قليل ، وحاز سعود من الأموال في تلك الغزوة مالايعد ولايحصى ، فلما أراد سعود الرحيل من الأحساء أمسك عدة رجال من رؤساء أهله منهم علي بن حمد آل عمران ومبارك ومحمد العدساني القضاة ورجال كثير غيرهم ، وظهر بهم معه الى الدرعية ، وأسكنهم فيها واستعمل في الأحساء أميرا ناجم المذكور وهو رجل من عامتهم. وسميت هذه الوقعة وقعة الرقيقة))). وقد كان أبرز الاجراءات التي اتخذتها الدولة السعودية الأولى في الأحساء بعد هذا التمرد هي الغاء حكم آل عريعر وأبناء عمهم آل حميد بشكل كامل ونهائي ، حيث انها بعد عام 1208هـ عندما اسقطت حكمهم المستقل ابقت أحدهم (الأمير براك بن عبدالمحسن) كحاكم اسمي تابع لها ، يذكر عبدالكريم المنيف الوهبي ، في كتابه بنو خالد وعلاقتهم بنجد 1080 - 1208 هـ/ 1669 – 1794م ، ص: 339 ((( اذ يرد تولي ناجم بن دهينيم بعد براك بن عبدالمحسن أثر الرقيقة ثم بعده سليمان بن ماجد حتى سنة 1219هـ / 1804م حيث عزل وعين بدلا منه ابراهيم بن عفيصان على امارة الأحساء وذلك في عهد سعود))). وكانت هذه الإجراءات قد أغضبت الأمير ثويني بن عبدالله في بغداد والذي طلب تجهيز حملة يقودها لإستعادة حكم آل عريعر لدولتهم في الأحساء ، يذكر المؤرخ العثماني التركي الشيخ رسول الكركوكلي ، في كتابه دوحة الوزراء في تاريخ وقائع بغداد الزوراء ، ص: 204 ((( عند حلول سنة احدى عشرة ومائيتين والف كان رئيس الوهابيين عبدالعزيز قد هجم على الاحساء بكل مامعه من قوات واحتلها عنوة، بعد ان قتل من أهلها أكثر من مائتي شخص، ثم الحق بها القطيف وعجيرة وماجاورهما واقتطعهما لاتباعه وعشائره. وكانت هذه الحركة قد ازعجت الشيخ ثويني واغضبته، فاستأذن للخروج واسترداد هذه المرفأ من أيدي الوهابيين. وقد وافقت الحكومة على ذلك واوعزت الى متسلم البصرة ان يسنده بما عنده من العساكر النظامية ومن الرماة البلوج والمدفعية، وكذلك أرسلت له أحد أغوات بيروت المسمى أحمد آغا حجازي زاده لمعاونته))). وقد وجد سليمان باشا نفسه مجبرا على إعادة الأمير ثويني بن عبدالله للحكم وذلك لتحرج موقف العثمانيين أمام هجمات الدولة السعودية الأولى على الأحساء والتي أصبحت تصل شمال الأحساء وجنوب البصرة ، يذكر المؤرخ خير الدين الزِّرِكْلي المولود عام 1893م، في كتابه الأعلام وهو قاموس تراجم لأشهر الرجال والنساء من العرب والمستعربين والمستشرقين يقع في ثمانية مجلدات، وذلك عند حديثه سبب اعادة العثمانيين لحاكم مملكة المنتفق وشيخ مشائخ قبائلها الأمير ثويني بن عبدالله الى حكمه ، المجلد الثاني ، ص: 102 (((وتحرج موقف الترك (العثمانيين) أمام غزاة نجد، فأعاده سليمان باشا (والي بغداد) إلى منصبه في المنتفق، وانتدبه لقتالهم))).
|
||
|
27-06-2012, 04:36 AM | #6 | ||
|
رد: آل سعدون الأشراف وأول إعلان تاريخي ومحاولة لإستقلال العراق بأكمله عام 1787م.
وأما سبب تحرك الأمير ثويني بن عبدالله لإستعادة حكم آل عريعر على الأحساء فهو لأن العلاقة بين آل سعدون الأشراف حكام مملكة المنتفق وآل عريعر حكام دولة بني خالد كانت أكبر من تحالف عسكري ، حيث ان هنالك علاقة مصاهرة تاريخيا ، فالأمير ثامر بن سعدون آل شبيب (أخو الأمير ثويني من أمه وولد عمه) كان متزوج من آل عريعر وهم أخوال ابنه منصور , يذكر المؤرخ والمستشرق الألماني البارون ماكس فرايهير فون أوبنهايم ، في كتابه البدو، أحداث هذه الفترة , ج 3 , ص: 598 ((( وكان هناك خطر أكبر بدأ يهدد العراق منذ عام 1790م من جهة حدوده الصحراوية وهو الخطر الوهابي . وهنا أيضا كان كل شي يتوقف على موقف المنتفق , اذ ان بيت سعدون , الفرع الحاكم من آل شبيب , كانوا متصاهرين مع عريعر وهم الأمراء الوحيدين الذين كانوا أو مازالوا يقاومون الوهابيين في داخل شبه الجزيرة العربية ))). و يذكر المؤرخ والمستشرق الألماني البارون ماكس فرايهير فون أوبنهايم ، في كتابه البدو ،عند حديثه عن الأسرة الحاكمة في مملكة المنتفق آل سعدون الأشراف , ج 3 , ص: 622 ((( وكان أبناء العائلة يزوجون بناتهم دوما فيما بينهم وكانوا يختارون زوجاتهم فيما عدا ذلك فقط من ربيعة , باوية (شيوخ بني خيقان ) , أو عريعر , أو شمر ))). وبعد سقوط دولة بني خالد عاش مجموعة من عشائر بني خالد وحكامهم (آل حميد) في مملكة المنتفق كضيوف على آل سعدون الأشراف ، يذكر عبدالكريم المنيف الوهبي ، في كتابه بنو خالد وعلاقتهم بنجد 1080 - 1208 هـ/ 1669 – 1794م ، ص: 395 ((( ارتبط الفريقين بعلاقة قوية ، اذ عاشت بعض العشائر الخالدية ومن ضمنها بعض آل حميد أنفسهم مع المنتفق وارتبطوا بهم الى عهد قريب ))). وقد قام والي بغداد بإعطاء الأمير ثويني بن عبدالله خمسين ألف قرش ومائة فرس وغيرها ، ولم يخرج الأمير ثويني من بغداد الا بعد أن وزع كل ماأعطي له على المحتاجين ، يذكر المؤرخ حسين خلف الشيخ خزعل ، في كتابه تاريخ الكويت السياسي ، ج:1 ، ص: 63 ((( اعطاه خمسين الف قرشا ومائة ناقة ومائة فرسا ومائة خلعة فما خرج ثويني من بغداد الا بعد ان فرق جميع مااعطاه الوزير الى من يستحق ذلك))). وتحرك الأمير ثويني بن عبدالله محاطا بموكب من بغداد الى البصرة ، حيث فرح به المهاجرين من الأحساء ومن نجد ، واتته القصائد منهم تحثه على التقدم للأحساء ، يذكر المؤرخ الشيخ عثمان بن بشر ، مؤرخ الدولة السعودية الأولى والثانية ، في كتابه عنوان المجد في تاريخ نجد ، ج:1 ، ص: 219 ((( فحين قدم البصرة فرح به أهل تلك الأوطان فرحا شديدا ، وقالوا هذا الذي يأخذ الثار ويخرب ذلك الديار ، وأتته منهم القصائد يحضونه ويحرضونه ويعجلونه بالمسير))). وما ان وصل الأمير ثويني بن عبدالله الى البصرة واستعاد حكمه لمملكة المنتفق حتى بدأ بإستنفار رعاياه وقواته من حواضر وبوادي مملكة المنتفق فحشد عشرين ألف مقاتل عربي بالإضافة الى العشرة آلاف جندي التركي المرسلين من قبل والي بغداد ومتسلم البصرة ، ثم اتجه بهم الى الجهراء التي عسكر فيها ثلاثة أشهر وبدأت قبائل بني خالد والظفير وغيرها من البوادي بالتجمع لديه لدعم الحملة ، ثم اتجه الى القطيف بقواته البرية بينما كانت هناك قوات بحرية حملت على سفن أرسلت الى ميناء دولة بني خالد في القطيف ، يذكر المؤرخ الشيخ عثمان بن بشر ، مؤرخ الدولة السعودية الأولى والثانية ، في كتابه عنوان المجد في تاريخ نجد ، ج:1 ، ص: 225 ((( ولما استقر ثويني في المنتفق والبصرة واستنفر رعاياه فحشد معه عربان المنتفق وأهل الزبير وأهل البصرة ونواحيها ، وحشد جميع عربان الظفير ونزلوا عليه ثم حشد بنو خالد كلهم ماغاب منهم الا المهاشير ، ورئيسهم براك بن عبدالمحسن ، ونزلوا على ثويني وهو نازل على الجهراء ، فأقام عليها نحو ثلاثة أشهر وهو يجمع البوادي والعساكر والمدافع وجميع آلات الحرب من البارود والرصاص والطعام وغير ذلك مما يعجز عنه الحصر وأركب أيضا عساكر في السفن من البصرة ، ومعهم الميرة تباريه في البحر وقصدوا ناحية القطيف واتفق له قوة هائلة))). يذكر تعداد جيش هذه الحملة الخارج من البصرة بإتجاه الجهراء ، الرحالة الإنجليزي المعروف جاكسون في رحلته للعراق عام 1797م ، كتاب مشاهدات بريطاني عن العراق سنة 1797 ، وقد كان وقتها في عاصمة مملكة المنتفق مدينة سوق الشيوخ في نفس وقت تواجد حاكم مملكة المنتفق الأمير ثويني بن عبدالله في الأحساء (وقد ذكرنا في فصل سابق مقتطفات من رحلته) ، ص: 53 ((( كان جيش الشيخ يبلغ زهاء ثلاثين ألف مقاتل منهم عشرة آلاف جندي تركي وعشرون ألف مجند عربي))). وما ان تحرك الأمير ثويني بن عبدالله بإتجاه الأحساء حتى بدأ كبير علماء دولة بني خالد والأحساء الشيخ محمد بن عبد الله بن محمد فيروز آل بسام الوهبي التميمي الحنبلي (من العلماء المعروفين في نجد, وقد ولد سنة 1141هـ, وتوفي سنة 1216هـ ، وهو واحد من العلماء المعدودين الذي كانوا يستطيعون مخاطبة الخليفة العثماني مباشرة ) دعم الحملة والتمهيد لقدومها بقصيدة لحاكم مملكة المنتفق الأمير الشريف ثويني بن عبدالله ، نذكر منها هذه الأبيات: لك الطالع الميمون بالسعد قد وطا وأقلام أيدي النصر قد كتبت خطا وألوية الإقبال تخفق بالمنى وأعلام إعلام الأماني بكم نعطى تباهت بك الدنيا سروراً, وجندا قلادة مجدٍ أنت درّتها الوسطى يبشر بشر الوجه منه بنيل ما رجونا بكم, والظن بالله ما أخطا ويكمل فيها واصفا حاكم مملكة المنتفق الأمير ثويني بن عبدالله بتاج الملك وذاكرا لنسبه وطالبا منه أخذ الثأر لدولة بني خالد: وأملت الأرواح روح المنى وقد توالت لنا الأفراح وضدنا انحطا بمقدم تاج الملك (ثاني الذي ثنى) عناناً لأخذ الثأر أكرم به سبطا تأرّجت الأحساء طيباً بذكره وأسكرنا حتى حسبناه اسفنطا تباشر من ضاقت عليهم رحابها بنجح وفسح إذ بها جنده حطا بطلعته أرجو لها الأمن والمنى وتجديد أفراح بها ندرك البسطا لتأخذ فينا نخوةً هاشميةً فنعطف أرحام بتعجيل ما استبطا بدأت الحملة تدخل الأحساء وترافقها سفن التموين والذخيره ، يذكر المؤرخ والمستشرق الألماني البارون ماكس فرايهير فون أوبنهايم ، في كتابه البدو ، ج:3 ، ص: 203 ((( وفي هذه الأثناء كان ثويني قد بدأ زحفه ترافقه سفن التموين والذخيرة))). وبدأت الحملة الدخول في اشتباكات متقطعة وحققت غنائم تقدر بمائة ألف رأس من الغنم ، يذكر المؤرخ حسين خلف الشيخ خزعل ، في كتابه تاريخ الكويت السياسي ، ج:1 ، ص: 63 ((( واشتبك معهم في بعض المواقف اثناء الطريق وانتصر عليهم وغنم منهم نحو مائة ألف رأس من الغنم))). وقد أمر الأمير ثويني بن عبدالله بإرسالها لمدينة البصرة ، والتي فقد سكانها أغنامهم في الهجمات التي حصلت من قبل قوات الدولة السعودية الأولى على دولة بني خالد وقبائلها المنسحبين الى البصرة والتي أدت الى تعرض مراعي سكان البصرة للهجوم مع قبائل وعشائر بني خالد ، يذكر المؤرخ حامد البازي في كتابه البصرة في الفترة المظلمة ، ص: 120 ((( فجاء ونظم جيشه الممارس للحروب وفي أول هجوم له على الوهابيين غنم منهم مائة ألف رأس من الغنم بعث بها الى البصرة فاستقبلها الناس بالفرح وكانت النساء تزغردن ثم ذبحت الأغنام ليتذوق الناس طعم اللحم بعد أن حرموا منه مدة طويلة))). وقد كان الأمير براك بن عبدالمحسن المعين كحاكم اسمي للأحساء سابقا من قبل الدولة السعودية الأولى قد انضم للحملة ، ولكنه أرسل للدولة السعودية الأولى سرا بانه سوف يبدل ولاؤه لهم بمجرد ظهور قواتهم، وبذلك أصبحت الأحساء بأكملها تحت سيطرة الأمير ثويني بن عبدالله ، وبدأت قوات الدولة السعودية الأولى اتخاذ مواقع دفاعية عن نجد ، يذكر المؤرخ والمستشرق الألماني البارون ماكس فرايهير فون أوبنهايم ، في كتابه البدو ، ج:3 ، ص: 203 ((( وبعد تعرضه لتهديد قوي تحول براك حاكم الحسا وقائد قواتها اليه ايضا. وقد برر موقفه تجاه الوهابيين بأنه مجرد انحناء أمام العاصفة وأنه عند ظهور الجيش سينتقل فورا الى صفهم. ولم يبق في بني خالد مخلصا للوهابيين سوى المهاشير . وشكل هذا الوضع ضربة قوية لهم لأنهم اضطروا الآن الى جعل خططهم الحربية تقتصر على الدفاع عن المداخل المؤدية الى نجد: طلبوا من قبائل المطير ، وسبيع ، وسهول ، وقحطان ، وعجمان ، الذهاب مع قطعانهم ونسائهم وأطفالهم الى منطقة بني خالد الشتوية واحتلال مواقع المياه في الصمان . وتحت تغطية البدو تقدمت طلائع الجيش الوهابي الى الصمان ، بينما بقي سعود في حفر العتش))). ولم يكن إنضمام الأمير براك للحملة بالإضافة الى الخسائر الأولية هي الهاجس الأكبر للدولة السعودية الأولى ، بل ان الهاجس الأكبر كان انهيار المعنويات بشكل كبير وبدء بعض القبائل بمراسلة الجيش القادم سرا لأخذ الآمان والتعهد بدعم الحملة وبعدم محاولة التصدي فعليا لها. يذكر المؤرخ العثماني الشيخ عثمان بن سند الوائلي البصري (المعاصر للأحداث) ، عند حديثه عن حاكم مملكة المنتفق الأمير ثويني بن عبدالله ومراسلة بعض القبائل له سرا، في كتابه مطالع السعود بطيب أخبار الوالي داود , ص: 212 ((( فلما سار بما معه من العشائر والجنود الباسلة والعشائر اضطرب من نجد البادي والحاضر ، وانقاد له من عشائر ابن سعود ماتضيق به الاغوار والنجود ، وانحلت به من الاعداء العزائم وعاهدته من الاعراب الهامات والجرائم))). ويذكر مراسلة بعض القبائل سرا للحملة ، المؤرخ حمد بن لعبون (المعاصر للأحداث) ، مؤرخ الدولة السعودية الأولى والثانية ، ولد قبل عام 1768م وتوفي 1844م، كتاب تاريخ حمد بن محمد بن لعبون , ص: 586 ((( فانحازت البوادي حين بلغهم اقباله وضعنوا عن قرية . ثم: رحلوا عن الطف , وانحازوا على أم ربيعة وجودة واشتد عليهم الأمر, وساءت الظنون وكثر فيهم التحاور حين ورد ثويني الطف. ثم ظعن منه ونزل الشباك والعربان قد اشتد بهم الأمر ومعهم شوكة من الحضر محدرهم سعود قوة لهم , أميرهم حسن بن مشاري , وثويني متوجها للبلاد , وغالب بدو العارض قد كثر فيهم الخلل , ومنهم من كاتبه وأخذ أمانا خفي نسأل الله العافية))). يذكر المؤرخ الشيخ حسين بن غنام ، مؤرخ الدولة السعودية الأولى (المعاصر للأحداث ) ، في كتابه تاريخ نجد ( روضة الأفكار والأفهام) ، ص: 199 ((( وظل ثويني بن عبدالله يتحكم في (الأحساء) ويعلن أنه قريب يستولي على بلدان نجد فيتم له النصر))). وقد كانت قوات الدولة السعودية الأولى بقيادة حسن المشاري قد اقتربت كثيرا من قوات الحملة ، وأرسل حسن المشاري كتيبة لتحتك بالحملة في محاولة لإعطاء الفرصة للأمير بارك بن عبدالمحسن الحاكم الأسمي للأحساء سابقا لتنفيذ ماوعد به من تبديل ولاؤه للقوات السعودية ، الا ان الأمير براك لم يستجب لهذه المحاولة ، يذكر المؤرخ والمستشرق الألماني البارون ماكس فرايهير فون أوبنهايم ، في كتابه البدو ، ج:3 ، ص: 203 ((( أرسل كتيبة قوية بقيادة حسن المشاري الى الطف ووضع تحت قيادته القوة الطليعية المتقدمة التي كانت معنوياتها منخفضة الى درجة خطيرة. وما أن وصل مشاري الى الطف حتى تلقى أمرا بأن يتخذ مواقعه في مكان أبعد الى الجنوب قرب جودة وأم ربيعة. وعندما وصل الى هناك أرسل مجموعة قوية لكي تحتك بالعدو وتمكن براك من العودة الى الوهابيين. لكن براك لم يجد الفرصة المناسبة أو أنه لم يكن يريد ايجادها))). 25- إغتيال ثويني وقصائد رثاء قيلت فيه : وما ان بدأ الجيش حط الرحال في منطقة الشباك حتى توجه مملوك اسمه طعيس من عبيد بني خالد وتابع لقوات الدولة السعودية الأولى الى مكان الأمير ثويني بن عبدالله واتاه من الخلف واغتاله وذلك بعد ان رماه برمح في ظهره ، وعلى الفور جرد الأمير ثويني بن عبدالله سيفه وضرب به المملوك طعيس قبل أن يكمل من كان حوله عليه ، ثم سقط الأمير ثويني مغشيا عليه وحمل الى خيمته وتوفي بعد ذلك بعدة ساعات في واحدة من أقوى عمليات الإغتيال تأثيرا على مجرى الأحداث في تاريخ المنطقة في القرون المتأخرة ، وأجتمع الرأي على محاولة إخفاء خبر موته حتى لاتتأثر معنويات الجنود ، وقالوا بأنه مريض ، وتم تعيين أخوه الأمير ناصر بن عبدالله مكانه ، يذكر العالم الشيخ محمد بن العلامة الشيخ خليفة بن حمد بن موسى النبهاني الطائي (كان هو ووالده مدرسين بالمسجد الحرام.. وهو معاصر للحرب العالمية الأولى وسبق له تولي قضاء البصرة)، في كتابه التحفة النبهانية في تاريخ الجزيرة العربية ، قسم المنتفق، ص: 410 (((وعند حط الرحال قتل الشيخ ثويني غيلة وذلك أنه كان منفرداً عن حاشيته أثناء نصب الخيام فأتاه من خلفه خادم يسمى (طعيسا) وطعنه برمح بين كتفيه فخر شهيداً (فقتل ذلك الخادم في الحال ولم يستنطق عمن عمده على فعلته) وحمل الشيخ ثويني إلى داخل خيمته ميتاً. ثم دفن سراً في (جزيرة العماير) وأراد رؤساء قومه إخفاء موته لئلا تنفل جموعهم وأخبروا بأنه مريض وجعلوا يطلبون له القهوة والماء تظاهراً بأنه حي. وعينوا أخاه (ناصراً) وكيلاً عنه وذلك في 4 محرم عام (1212هـ 1796م))). يذكر المؤرخ خير الدين الزِّرِكْلي المولود عام 1893م، في كتابه الأعلام وهو قاموس تراجم لأشهر الرجال والنساء من العرب والمستعربين والمستشرقين يقع في ثمانية مجلدات، وذلك عند حديثه عن اغتيال حاكم مملكة المنتفق وشيخ مشائخ قبائلها الأمير ثويني بن عبدالله الملقب بأبو قريحة ، المجلد الثاني ، ص: 102 (((وتحرج موقف الترك (العثمانيين) أمام غزاة نجد، فأعاده سليمان باشا (والي بغداد) إلى منصبه في المنتفق، وانتدبه لقتالهم. وزحف أبو قريحة يريد نجدا، فلم يلبث أن أغتاله عبد اسمه (طعيس) من عبيد جبور بني خالد، من أتباع آل سعود، في مكان يسمى (الشباك) - بتخفيف الباء - من ديرة بني خالد))). أما كيفية وصول طعيس لمعسكر الحملة فتبدأ عند خروج الأمير براك بن عبدالمحسن مع بعض جنوده من بني خالد لحملة استطلاع حول المعسكر الرئيسي للحملة ، ومن ثم اصطدامهم مع قوات للدولة السعوية الأولى وأسرهم لعدة أسرى كان من بينهم المملوك طعيس ( وطعيس كان أصلا عبدا لبني خالد ومع قوات براك سابقا وانفصل عنه - عندما توجه الأمير براك للانضمام للحملة – ثم التحق طعيس بقوات الدولة السعودية الأولى ) ، وعند وصول الأمير براك بن عبدالمحسن الى معسكر الحملة قام بإطلاق طعيس هناك في تصرف مبهم، وعندها اتجه طعيس مباشرة بحثا عن ثويني حتى وجده واغتاله من خلفه غدرا ، يذكر المؤرخ حمد بن لعبون ، مؤرخ الدولة السعودية الأولى والثانية (المعاصر للأحداث) ، ولد قبل عام 1768م وتوفي 1844م، كتاب تاريخ ابن لعبون المقتطع من خزانة التواريخ النجدية ، عند حديثه عن طعيس، ص: 207 ((( وقد فارق براك يوم اقفا براك قاصدا ثويني ، وصار العبد عند المسلمين ثم غزا مع ركب وأخذوا الركب وصار مع الخوالد الحربيين ، فحين نزلوا الشباك وجلس ثويني عدا عليه معه رميح فيه حربيه رثه وطعنه بين كتفيه))). ويختلف المؤرخون حول من هو المسؤول عن عملية اغتيال الأمير ثويني بن عبدالله الى أربعة أراء ، الرأي الأول أن طعيس قد تصرف من قبل نفسه ويرى هذا الرأي بعض مؤرخين الدولة السعودية الأولى ، ويرى هذا الرأي أيضا المؤرخ والمستشرق الألماني البارون ماكس فرايهير فون أوبنهايم ، في كتابه البدو، ج3 ، ص: 203 ((( وهنا أنقذ الوهابيون بمعجرة من خطر أكيد. فقد قام عبد شبه مجنون من عبيد بني خالد بقتل ثويني (نهاية يونيو / حزيران) في شباك على بعد مسيرة 12 يوما جنوب البصرة، ويبدو أن الدافع الى ذلك كان حب الظهور))). الرأي الثاني أن الأمير براك بن عبدالمحسن هو المسؤول عن ذلك ويعلل أصحاب هذا الرأي ذلك ، بكون الأمير براك بن عبدالمحسن رأى أن الأمير ثويني بن عبدالله سوف يعطي حكم الأحساء للأمير محمد آل عريعر لذلك عزم على إفشال الحملة ، يذكر المؤرخ العثماني التركي الشيخ رسول الكركوكلي ، في كتابه دوحة الوزراء في تاريخ وقائع بغداد الزوراء ، ص: 204 ((( أما القاتل فقد تجمعوا عليه وقتلوه حالا، ولم يعرف هل هو من اتباع عبدالعزيز الوهابي او انه من جماعة شيوخ بني خالد. أما محمد العريعر والبراك فقد كان كل منهما يطمع بالاستيلاء على الاحساء وجعلها تحت حكمه. وكان الشيخ ثويني يميل الى محمد العريعر ويسانده ويعده باعطاء حاكمية الاحساء اليه، ولذلك اضمر البراك الغدر به ونفذ ما اضمره، هذا مااتجهت الظنون اليه في حينه))). الرأي الثالث أن طعيس مرسل من قبل الدولة السعودية الأولى لإغتيال الأمير ثويني بن عبدالله ، يذكرالمؤرخ حامد البازي ، في كتابه البصرة في الفترة المظلمة ، ص: 121 ((( وكان طعيس قد بايع على قتل ثويني وتبرع على اغتياله باي ثمن كان فضرب المثل المشهور في منطقة البصرة والكويت والزبير ونجد فقيل – باع بيعة اطعيس – ويراد بذلك لمن صمم على عمل شيء ولو كان مصيره الموت حيث قتل طعيس في حينه ))). الرأي الأخير يجمع بين الرأي الثاني والثالث وهو أن العملية نفذت بتنسيق بين الدولة السعودية الأولى والأمير براك بن عبدالمحسن والذي نقل العبد طعيس معه كأسير الى المعسكر ثم قام بإطلاق سراحه هناك لينفذ عملية الإغتيال ، يذكر الدكتور عماد عبدالسلام رؤوف وسهيلة عبدالمجيد القيسي ، هامش كتاب مطالع السعود بطيب أخبار الوالي داود ، ص: 212 ((( ومن المرجح ان قتله كان نتيجة لاتفاق جرى بين احد زعماء بني خالد ، وهو براك بن عبدالمحسن ، وعبدالعزيز آل سعود ، بسبب مابلغ الاول من عزم ثويني اسناد الاحساء الى منافسه من بني خالد أيضا ، هو محمد بن عريعر))). بعد اغتيال الأمير ثويني بن عبدالله قام الأمير براك بن عبدالمحسن بالإنسحاب بجنوده من الحملة والإنضمام الى قوات حسن بن مشاري ، وهو ماأدى الى إحداث فوضى بين قواتها ، يذكر المؤرخ الشيخ عثمان بن بشر ، مؤرخ الدولة السعودية الأولى والثانية ، في كتابه عنوان المجد في تاريخ نجد ، ج: 1 ، ص: 228 ((( وكان براك بن عبدالمحسن بينه وبين حسن بن مشاري مكاتبات ومراسلات لأنه ندم على المسير مع ثويني ، وذلك لأنه رأى وجهه واقباله لأولاد عريعر ، فعرف انه ان استولى على الأحساء لايؤثر عليهم أحدا ، فلما قتل ثويني انهزم براك الى حسن بن مشاري فوقع التخاذل والفشل في جنود ثويني))). يذكر العالم الشيخ محمد بن العلامة الشيخ خليفة بن حمد بن موسى النبهاني الطائي (كان هو ووالده مدرسين بالمسجد الحرام.. وهو معاصر للحرب العالمية الأولى وسبق له تولي قضاء البصرة)، في كتابه التحفة النبهانية في تاريخ الجزيرة العربية ، قسم المنتفق، ص:411 (((ولكن رغم ذلك التكتم فشا خبر موته فانسل (براك الخالدي) بقومه وانضم إلى حسن بن مشاري. فوقع التخاذل والفشل في بقية الجموع))). لذلك قرر حكام المنتفق الإنفصال عن الحملة بقبائلهم وعشائرهم ، وذلك بعد خيانة الأمير براك بن عبدالمحسن لهم وهم القادمون لإعادة الأحساء الى حكم بني خالد ، وبعد أن بدأت قوات الحملة بالتفكك بسبب ماقام به الأمير عبدالمحسن بن سرداح بدأوا بالإنسحاب وتركوا المدافع العثمانية والجنود العثمانيين حتى لاتبطيء تحركهم ، وقد تلقت القوات العثمانية هجمات قاسية في الصحراء وخسائر كبيرة خصوصا في الذخيرة والمدافع التي فقدت بكاملها تقريبا ، يذكر المؤرخ العثماني التركي الشيخ رسول الكركوكلي ، في كتابه دوحة الوزراء في تاريخ وقائع بغداد الزوراء ، ص: 205 (((أما اخوان الشيخ ثويني وعشائر المنتفك فقد القوا ما بأيديهم من المدافع ، واكتفوا بانقاذ عوائلهم وانفسهم وفروا الى ديارهم. وأما العسكر البلوجي فقد وقع الوهابيون به ضربا وأسرا، واستولوا على مامعه من مدافع وعتاد وغير ذلك وذهبوا به غنيمة باردة الى الدرعية))). وقد وصلت أخبار ماحصل الى بغداد وكان تأثيرها شديدا ، يذكر المؤرخ العثماني التركي الشيخ رسول الكركوكلي ، في كتابه دوحة الوزراء في تاريخ وقائع بغداد الزوراء ، ص: 205 ((( لقد وصلت أخبار هذه الحادثة الى بغداد سنة اثنتي عشرة ومائتين والف فكان وقعها شديدا))). يذكر عبدالكريم المنيف الوهبي ، في كتابه بنو خالد وعلاقتهم بنجد 1080 - 1208 هـ/ 1669 – 1794م ، عند حديثه عن تنافس حكام دولة بني خالد على الحكم والذي أفشل الحملة وقضى على أمل بني خالد بإستعادة الأحساء ، ص: 351 ((( استمر ذلك التنافس حتى بعد ذلك. إذ كان من أسباب فشل حملة ثويني سنة 1211هـ . أثر مقتله والتي كان يعول عليها بنوخالد بإستعادة الأحساء من الدرعية ))). وما أن وصل حكام مملكة المنتفق وقبائلهم الى صفوان حتى بدأوا تنظيم قواتهم من جديد ، وأرسل الأمير ناصر بن عبدالله الى والي بغداد يطلب منه أن يأمر الجنود العثمانيين أن يتجمعوا في محاولة من الأمير ناصر بن عبدالله العودة بالحملة من جديد ، ويبدو أنه من خلال هذا الطلب كان يرغب بأن يخلف أخوه الأمير ثويني بن عبدالله وأن لايعود الحكم لولد عمه الأمير حمود بن ثامر ، الا أن سليمان باشا والذي كان يعرف أن الأمير ناصر بن عبدالله يعتبر شخصية غير موالية للعثمانيين والذي كان أيضا قد غضب من ترك الجنود العثمانيين ومن خيانة الأمير براك بن عبدالمحسن الخالدي ، كان قد صرف النظر عن القيام بحمله عثمانية تكون قيادتها عربية ، لذلك قام سليمان باشا بالأعتراف رسميا بحكم الأمير حمود بن ثامر على مملكة المنتفق (الموالي للعثمانيين في تلك الفترة) وذلك كي يقطع الطريق على الأمير ناصر بن عبدالله . يذكر المؤرخ العثماني الشيخ عثمان بن سند الوائلي البصري (المعاصر للأحداث) ، في كتابه مطالع السعود بطيب أخبار الوالي داود , ص: 213 ((( حتى نزلوا سفوان وامل اخوانه الاطمئنان والسيادة بعد ذلك القتيل على ذلك القبيل ،فما تم لهم ذلك التأميل لكون الوزير لما حصل لثويني ماحصل ، ورجع ذلك الفل وانفتل ، انصرف عنهم الى حمود فنصبه حاكما على السائد والمسود))). ويرثي كبير علماء دولة بني خالد والأحساء الشيخ محمد بن عبد الله بن محمد فيروز آل بسام الوهبي التميمي الحنبلي (وهو من العلماء المعروفين في نجد, وقد ولد سنة 1141هـ, وتوفي سنة 1216هـ ، وهو واحد من العلماء المعدودين الذي كانوا يستطيعون مخاطبة الخليفة العثماني مباشرة ) حاكم مملكة المنتفق الأمير الشريف ثويني بن عبدالله ، بقصيدة نذكر منها هذه الأبيات: على ما جرى من ربنا يلزم الصبر وإن كان يبدو في مذاقته الصبر ولا حول في كل الأمور وقوة سوى بالذي في كل شيء له الأمر إلى الله أشكو فادح الكرب إنه جديرٌ بجبر الكسر إن عظم الكسر عليه اعتمادي، وهو ذخري وعدتي إذا ضاق بي عسر أتى منه لي يسر وكم حمل وزر أعجز الظهر حمله فحطّ بعفو منه عن وازر وزر فالله طود المدّ إذ هدّ ركنه عجبت لطود المجد إذ ضمه قبر ولله بحر الجود يقذف درّه فأصبح لا مدٌّ لديه، ولا جزر ولله شمس الفضل تسمو بأفقها فغادرها كشفٌ به عظم الأصر ولله بدر التم في برج سعده علاه سرار، فاختفى ذلك البدر ولله نجم في المعالي به الهدى وكوكب فضلٍ فيضه الجود والوفر ولله مقدام الكتائب في الوغى وقائدها في الروع قدامه النصر ولله جرّار المقانب معلم وفي الروع بسام، وأعلامه حمر ولله من لا ينثني عن مرامه بدون المنى إذ يشبع الذيب والنسر أيا فارس الأقران في حومة الوغى ستبكي عليك البيض، والضمر الشقر وتبكي ظباء من (شبيبٍ) بحرقة على من لها في الروع يوم الوغى ستر ستهمي عليك العين وابل دمعها فإن لم تفض دمعاً، فما إن لها عذر ستبكي عليك المكرمات بأسرها وراياتك الغرا وأندية خضر فسحقاً لقينٍ قد رقى منك مرتقىً علياً وكم قد صيد بالخرب الصقر ففي فعل وحشيٍ بحمزة أسوة كذا بأبي حفصٍ إمام التقى البر وقد أسقي الملعون من كفك الردى وسل الغوي النار منها لها سعر ويوم الجزا يصلى سعيراً بما اجترى له بلظاها مستقر به نسر ويصل فيها للقول: لئن غاب بدر التم منك فإن في شموس العلا أخوانك النصر والجبر كذا في (حمودٍ) ذي المحامد والعلا لنا خلف إذ أنه الماجد البر أبي تقي لوذعي مهذب شجاع مطاع فاتك باسل بحر و(آل شبيبٍ) ذو المفاخر والعلا ليوث الشرى أرجو بهم يدرك الثأر ستبكيك منهم عصبة هاشمية بسمر القنا والبيض أدمعها حمر وتشفى حزازات النفوس بوقعة بها يشبع السرحان والأسد والنمر فقوموا لأخذ الثأر قومة ماجدٍ بعيد عن العورا غيور ولا غر بصير بكر الخيل والفر في الوغى خبير بتدبير الأمور ولا غمر فأنتم أسود والعدى بقر الفلا فما إن لها عنكم محيص ولا فر فما أنتم عزل لدى حومة الوغى وما باعكم عن نيل ثأر به قصر ألستم كماة الروع بل أسد الشرى ليوث الوغى من فعلها الهتك والأسر ألا فانفروا وانحوا العدى وابذلوا القوى خفافاً ثقالاً ثبت في اللقا صبر ألا فاطلبوا ثأراً عزيزاً فإنه ببيض الظبى والسمر يستدفع الأمر وينعي حاكم مملكة المنتفق الأمير ثويني بن عبدالله ، المؤرخ العثماني الشيخ عثمان بن سند الوائلي البصري (المعاصر للأحداث) ، في كتابه مطالع السعود بطيب أخبار الوالي داود , ص: 218 ((( وقتله طعيس شلت في النار منه اليدان ، فقد هد بموته ركن من اركان الاسلام ، وكسفت به شموس السيادة والأعظام ، فبكاه كل شرف وجود ، وشق من جرائه للمروءة البرود ، وندب الناس به الكرم ، وندبت العوالي به معالي الهمم ، فابنه الاكابر ، وعظمت المراثي للمأثر ، وذلك في حكومته الثانية كما سلف قريب في عام أرخه (غريب) سقى الله ثراه من الرخى بشأبيب))). و يوافق مجموع حروف هذه الكلمة سنة ( 1212). ويرثي المؤرخ العثماني الشيخ عثمان بن سند الوائلي البصري الأمير ثويني بن عبدالله بقصيدة ، في كتابه مطالع السعود بطيب أخبار الوالي داود , ص: 219: هو الليث وافاه على غرّةٍ سهمُ فهدّ به للمجد آطامه الشمُّ فها كلّ قلبٍ فيه من رزئه لظى وها كلّ طرفٍ فيه من أدمعٍ يمّ فقدنا به غيثاِ مريعاً وسيّداً رفيعاً وبدراً نوره الفضل والحلم وذا راحةٍ يحيى بها الفضل والندى ويؤدى بها الإقتار والجدب والعدم فيا قبره واريت من لا سماحه يوارى ولا أخلاقه يقرب الذم ضممت شبيبياً نماه إلى العلى عليٌّ، ولم يوجد كأمٍّ له أم فحسبك ما أودعت من جسم ماجدٍ نعته لنا الأسياف والذبّل الصم بكيناه حتى أسعدتنا على البكا سيوفٌ بكى من نوحها الكمت والدهم وبيضٌ عذارى ما فجعن بمثله فأدمعها سحبٌ وأوجهها قتم لقد سرّها الدم الخدود لرزء من لدن مات مات الفضل والنائل الجم فقد كنّ في ظل الحجال نواعماً ولمّا هوى في اللحد أبرزها اليتم وحقّ كميت الخيل منع ظهورها لفقد فتى يبكيه منه له الحزم فقد كان خوّاضاً بها كلّ سورةٍ تقاعس عن دأماتها الباسل القرم وقد كان مطعاناً عليها ومطعماً لهنّ إذا ما قلّ في اللزب الطعم وحقّ لأقوامٍ متى ما تقلّبت بهم نوبٌ حمٌّ مكارمه أمّوا بكاءٌ عليه بالدماء فطالما تدفّق فيهم من مراهبه سلم فتى لا يمسّ الضيم حارة جاره ولا يتمشّى حول مخفوره ظلم حمى ما حماه بالصوارم وائلٌ وشاد فخاراً بالقنا دونه النجم معاليه قد أسمت مغازيه حبّذا معالٍ، وإن كانت بغاراته تسمو ويا حبّذا منه الندى وأواصرٌ إلى هاشمٍ تنمى وسؤدده الضخم وفصلٌ ولا جورٌ، وبذلٌ ولا رئا ومدٌّ ولا جزرٌ، وجذمٌ ولا وصم وحلمٌ ولا طيشٌ، وعقلٌ ولا هوى وقولٌ ولا فحشٌ، وعرضٌ ولا ثلم لتبك اليتامى والأيامى حلاحلاً أغرّ شبيبيّاً له أعرق الجذم تخبّرنا عن فضله الجمّ أعصرٌ هي الغرّ لولا أنها مذ قضى ذهم قضى فانقضى الجود الذي عنه حاتمٌ تقاصر بل معن السمّاح بل اليتم قضى فانقضت لذّات بدوٍ، وقوّضت قبابٌ بها للخائف الأمن والشكم قباب أناسٍ ما شكا قطّ جارهم ولا نطقوا لا قطّ بخلاً، ولا همّوا وما نزلوا قطّ الوهاد، وإنما بيوتهمو بالسمر فوق الربى الشم ولكنّهم سادوا وذادوا وأفضلوا إلى أن سموا ما لم يكن غيرهم يسمو سموا ب (ثويني) كلّ مجدٍ معمّدٍ ببيضٍ لها في كلّ ما ملكٍ رسم أميراً فقدناه، فمات الندى به فما هو إلا الروح والنائل الجسم فشلت يمينٌ من (طعيسٍ) سطت بمن تأثّف طلاب الجدى بعده اليتم فأضحوا ولا خالٌ بخال، ولا ندى بهالٌ، ولا أمرٌ يقام ولا حكم جدعت به، يا كلب، عرنين قومه وأشملهم بذلاً إذا كلح الأزم وأمضاهم عزماً، وأشهرهم علىً وأعظمهم صبراً إذا عظم الحطم فللت حساماً لا كهاماً وإنما هو الصيرم الأراء والفارس الشهم خسرتَ ، قتلت السامي القدر والذي سجيّته التقوى وديدنه الرحم ومن لا يعيب الناس إلاّ سماحه ومجداً على توصيفه عكف النظم قتلتَ (ابن عبد الله) والحاكم الذي قضاياه عن مشهورها يهرب العقم ومن هو للإسلام وجهٌ وقبلةٌ ومن حكمه لم يعر ساحته الظلم ومن بيته روضٌ، وساحته حمىً وهمّته عليا، ومظنونه علم عليه من الرضوان وبلٌ وديمةٌ يسجّان ما بدرٌ تلألأ أو نجم هذه صورة توضح التحركات العسكرية داخل الجزيرة العربية لحاكم مملكة المنتفق الأمير الشريف ثويني بن عبدالله وذلك انطلاقا من مملكة المنتفق و توضح أيضا تحركات حكام دولة بني خالد ( آل عريعر) العسكرية انطلاقا من الأحساء: 26- صعود حمود بن ثامر للحكم- وماواجهه في بداية حكمه: لقد كانت أبرز مشكلة واجهت حاكم مملكة المنتفق الأمير حمود بن ثامر بعد صعوده للحكم في تلك الفترة ، هي محاولة الدولة العثمانية فصل بلدة الزبير عن مملكة المنتفق ، حيث ذهب الى بغداد الشيخ يحيى الزهير ومعه اتباعه وقاضي الزبير ، طالبين دعم والي بغداد وجعل الزبير تابعه للعثمانيين ، وقد تم الترحيب بالوفد وأجابهم سليمان باشا لطلبهم وأعطى الشيخ يحيى الزهير أموالا طائلة ومدافع وأعترف به شيخا للزبير ، وقد كان سليمان باشا يترقب رد فعل حاكم مملكة المنتفق على هذه الخطوة التي كانت جس نبض من الدولة العثمانية لحكام مملكة المنتفق آل سعدون ، يذكر العالم الشيخ محمد بن العلامة الشيخ خليفة بن حمد بن موسى النبهاني الطائي (كان هو ووالده مدرسين بالمسجد الحرام.. وهو معاصر للحرب العالمية الأولى وسبق له تولي قضاء البصرة)، في كتابه التحفة النبهانية في تاريخ الجزيرة العربية ، قسم البصرة ، عند حديثه عن الشيخ يحيى آل زهير ، ص: 225 ((( ذهب الى بغداد وطلب من الحكومة العثمانية المساعدة فأعطته مايريد وبذلت له أموالا طائلة للمحافظة على قصبة الزبير وأمرته ببناء سور (بدن) على الزبير عرضه ستة أذرع. وأعطته أيضا مدافع نارية لتوضع على السور وجملة من الأسلحة))). يذكر يوسف بن حمد البسام ، في كتابه الزبير قبل خمسين عاما مع نبذة تاريخية عن نجد والكويت ، عند حديثه عن الشيخ يحيى بن محمد آل زهير ،ص: 103 ((( غادر الزبير متوجها الى بغداد وفدا من النجديين الذين انحدروا من نجد واستوطنوا الزبير وذلك لمقابلة والي بغداد (سليمان باشا) ، ويرأس هذا الوفد الشيخ ابراهيم بن محمد الجديد ، العالم المشهور في الزبير في ذلك الوقت . وشرح الوفد المذكور للوالي ماعليه الزبير من الأهمية اذا ما مدت لهم الدولة العثمانية يد العون والمساعدة. فأجاب الوالي سليمان باشا طلبهم وقرر تخصيص مبلغ من المال لتحصين المدينة وذلك للمحافظه على سلامة سكانها. واسند الى الشيخ ابراهيم الجديد رئيس الوفد مهمة الاشراف على انشاء سور لحمايتها من الغزو الخارجي وزوده بمدافع نارية ليضعها على السور كما اعطاه كمية كبيرة من الاسلحة لتوزيعها على الاهالي))). وعندما علم حاكم مملكة المنتفق الأمير حمود بن ثامر بما حصل كان رده حازما وحاسما للموقف ولم يساوم على أراضي دولته ، فقد اتجه الى الزبير وقام بتعيين الشيخ ابراهيم بن ثاقب آل وطبان كشيخا عليها ، ولم تعقب الدولة العثمانية على ذلك ، وأدركت أن الوقت لم يحن بعد لمثل هذه الخطوة ، يذكر يوسف بن حمد البسام ، في كتابه الزبير قبل خمسين عاما مع نبذة تاريخية عن نجد والكويت ، عند حديثه عن مشيخة ابراهيم الثاقب ،ص: 103 ((( في سنة 1213هـ تولى أمر الزبير ابراهيم بن ثاقب بن وطبان بن ربيعة بن مرخان بن ابراهيم بن موسى بن ربيعة بن مانع بن ربيعة ، بعد ان اسند اليه الشيخ حمود بن ثامر أمير المنتفق مشيخة الزبير ... ظل ابراهيم بن ثاقب شيخا على الزبير الى ان قتل سنة 1237هـ وهو أول قتيل من حكام الزبير))). ونتحدث هنا عن أسرة آل وطبان الكرام ، فأسرة آل وطبان هي أسرة كريمة النسب وترتبط في نسبها مع آل سعود الأسرة الحاكمة في المملكة العربية السعودية ، وقد هاجر جدهم (وطبان) الى مملكة المنتفق بعد قتله لابن عمه والتجأ لحاكم مملكة المنتفق الأمير مغامس بن مانع آل شبيب ، يذكر عبدالرزاق الصانع وعبدالعزيز العلي ، في كتاب امارة الزبير بين هجرتين بين سنتي 979هـ - 1400هـ ، الجزء الأول ،ص: 76 ((( الثاقب يرجعون الى جدهم وطبان بن ربيعة بن مرخان بن ابراهيم اخو مقرن بن ربيعة. قتل ابن عمه مرخان فهرب من نجد.... ومن ابناء هذه العائلة الذين كان لهم ذكر وتأسيس في تاريخ مشيخة الزبير ابراهيم الثاقب. فان وطبان حين هاجر للزبير التجأ الى امير المنتفق الشيخ مغامس بن مانع في جنوب العراق وبقي هناك حتى توفي فخلفه ابنه ثاقب ثم خلف ثاقب ابراهيم))). وقد تزوج منهم آل سعدون الأشراف حكام مملكة المنتفق ، لذلك حصلت أسرة الوطبان على الدعم في الظفر بمشيخة بلدة الزبير ، يذكر عبدالرزاق الصانع وعبدالعزيز العلي ، في كتاب امارة الزبير بين هجرتين بين سنتي 979هـ - 1400هـ ، الجزء الأول ،ص: 76 ((( وتصاهروا مع آل السعدون فحصل لهم التأييد في الظفر بمشيخة الزبير))). وقد استمرت مشيخة الزبير في آل وطبان بدعم من آل سعدون الأشراف حتى الفترة التي تمكنت فيها الدولة العثمانية من انتزاع بلدة الزبير من مملكة المنتفق ، وقد نافست أسرة الزهير (الممثلة للعثمانيين) آل وطبان لفترات مختلفة تاريخيا. ومن هذه الأسرة الكريمة (أسرة آل وطبان) أحد أشهر شعراء النبط في الجزيرة العربية في عصره ، الشاعر عبدالله بن ربيعة ، شاعر الأسرة الحاكمة في مملكة المنتفق آل سعدون الأشراف ، وله الكثير من القصائد في كثير من حكام مملكة المنتفق ، يذكر ترجمه له المؤرخ خير الدين الزِّرِكْلي المولود عام 1893م، في كتابه الأعلام ، وهو قاموس تراجم لأشهر الرجال والنساء من العرب والمستعربين والمستشرقين يقع في ثمانية مجلدات ، ج 4 ، ص: 86 (((عبد الله بن ربيعة بن عبد الله بن وطبان، ويقال له ابن ربيعة: من اشهر نظام الشعر النبطي (العامي) في عصره. أصله من نجد . رحل جده " وطبان " إلى بلدة " الزبير " في العراق . وبها ولد صاحب الترجمة وتوفي . وكان مختصا بآل السعدون أمراء المنتفق))). نذكر هنا بعض الأبيات من قصائده في الأسرة الحاكمة في مملكة المنتفق أسرة آل سعدون الأشراف. يمدح ابن ربيعة آل محمد من أسرة آل سعدون الأشراف من قصيدة طويلة : الراية البيضا لاهل نيّة الخير=ما دامت العينين ترعى السمارة بيت السلف بيت الخلف والمظاهير=بيتٍ عمار المنتفق من عماره بيت الرعايا و الهفايا المقاصير=بيتٍ سلاطين العرب من حراره بيتٍ بناشيهم علامة عن الغير=ما لجلجت عينيه بخدار جاره بيتٍ لهم ورد الرياسة بتصدير=حلوين، علقم للذي به مرارة بيت الندى بيت الغنى للمعاسير=بيت الرياسة والحكم والوزارة بيتٍ تقصّده الهلاكا من النير=الله يدمر من سعى في دماره بيت المحمد من تزبّنته صْغير=ما لي سواهم يعلم الله تجارة ويمدح ابن ربيعة حاكم مملكة المنتفق وشيخ مشائخ قبائلها (1855م - 1856م) الأمير الشريف صالح بن عيسى السعدون : با لله يا ركبٍ تقلل هميما=عوجوا رقاب الهجن يا ركب لمقيم لابن الكرام الهاشمي الكريما=يا ركب روحوا بالتحية وتسليم سلام من طي الخوافي سليما=ما خاشره نوع الريا التواهيم عين العديم اليا دهاه المظيما=حامي جوانب ساحته والملازيم قالوا حراش وقلت شايك صريما=علقم عسل مامون ضاري إلى ضيم للملتجي ظل ظليل ونعيما=وللمعتدي نيران حربه مضاريم هذا الفحل واجد افحول الحريما=الفحل من يلقح برايه معاقيم حتى قال (صالح) إلى لز الحقب للبريما=حامي جوانب دار (منشا) عن الضيم بيت الندى وبضاعتي من قديما=بيت الرجا بيت الغنا للمعاديم بيتٍ لعله للعرب مستقيما=آمين قولوها معي بالخواتيم ذا قول ضيفٍ بات قدره حشيما=في ضف سلطان العرب طيب الخيم لا وافدٍ والله بحالي عليما=ولا شاعر يبغي العطا بالمناظيم اثني على بيت المحمد قديما=سقاه من وبل الحيا هاتف الديم واهدي على خير البرايا الكريما=نبينا الهادي صلاةٍ وتسليم ويمدح ابن ربيعة حاكم مملكة المنتفق وشيخ مشائخ قبائلها ( 1826م -1832م) الأمير الشريف عقيل بن محمد السعدون وينسبه الى جده أمير المدينة المنورة في القرن الثامن الهجري (725هـ - 728هـ) الشريف كبش بن منصور آل مهنا: محيي ل (كبش الهاشمي) سالف رسوم=لا زال كسّاب المعالي بحينه المدح في غيره خسارة ومذموم=ونشر الثنا يهدى لمن هو يزينه تلقى على اللومان جثياهم رجوم=ومنداتهم تجذب عليها عطينه حامي جوانب ساحته من عنا الروم=حاوي خصال الحمد دنيا ودينه واسلم ودم ما قوطر الركب بيموم=عقب الحجيج لساكنٍ بالمدينة وسبب تحديد الأمير كبش من بين 12 أمير من أمراء المدينة المنورة من أجداد آل سعدون الأشراف هو القصيدة النبطية لحمزة العامري (حمزة العقيلي) المشهورة في الشريف الأمير كبش بن منصور. والأمير كبش هو: الأمير كبش (امير المدينة المنورة) بن الأمير منصور (امير المدينة المنورة) بن الأمير جماز (أمير المدينة المنورة + أمير مكة المكرمة 687هـ + أول من سك عمله باسمه في مكة من أمراء المدينة المنورة) بن الأمير شيحة (أمير المدينة المنورة+أمير مكة المكرمة عام 637هـ) بن الأمير هاشم (أمير المدينة المنورة) بن الأمير قاسم (أبو فليته) (امير المدينة المنورة+ امير مكة عام 571هـ) بن الأمير مهنا الاعرج (أمير المدينة المنورة) بن الأمير الحسين (شهاب الدين) (امير المدينة المنورة) بن الأمير مهنا الأكبر (أبو عمارة) (أمير المدينة المنورة) بن الأمير داود (أبو هاشم) (امير المدينة المنورة) بن الأمير القاسم (امير المدينة المنورة) بن الأمير عبيد الله (امير المدينة المنورة+ امير العقيق) بن طاهر بن يحي (النسابة) بن الحسن بن جعفر بن عبيد الله (الاعرج) بن الحسين (الأصغر) بن علي (زين العابدين) بن الحسين – رضي الله عنه - ابن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه . وأورد ضامن بن شدقم في (تحفة الأزهار) قصيدة عامية في مدح الشريف كبش بن منصور أمير المدينة المنورة كتبها الأمير حمزة العقيلي، ورجح الباحث سعد الصويان أن يكون هذا الشاعر هو نفس الشاعر النبطي القديم المعروف ب (أبي حمزة العامري)، ومنها: قلت الشريف ابن الشريف أزوره ابن الرسول، ابن البتول، ابن الولي فانحيتُ من حول (العيينة) ضمّراً يرقلن إرقال النعام الجفّلي (كبش بن منصور بن جماز) الذي حاش الثنا، وعذاره لم يكملي الفاطميّ الهاشميّ، ومن له شرفٌ أناف على السماك الأعزلي ذروة قريش كلّها، وخيارها وسنانها الصعب الذي ما ذلّلي يا كبش.. إنك والعروق ضواربٍ من (آل جمّازٍ) معاً، ونحوّلي أنت الحجا، نعم الحجا لمن التجا وانت الربيع لذي الزمان الممحلي وانت الذي تحمل سجايتك العدى نقم، ولا لسؤال غريب مسملي يا ابن من لقحت مطيّة ضيفه واسترّ تابعها، وهو لم يسألي مانا بأوّل سيّدٍ، وسعت به النضا إلى ملكٍ نبيل، ويجزلي يعفن من شدّ الرحال جزاً لما بلّغن فيك مع السعود المقبلي وأنا حليف ابصار وجهك راجياً إنّ النحوس بنور وجهك تنجلي يا كبش.. جيت بدرّةٍ مصيونةٍ عمّن سواك بها نشحّ، ونبخلي ما قلتها يا بن الشريف تحيّلاً في مالكم.. لو كان صعبه يسهلي ومن قضاة وعلماء مملكة المنتفق في عاصمتها سوق الشيوخ تلك الفترة ، عالم الأحساء الشيخ مبارك بن علي بن حمد آل مبارك التميمي ، الذي أرسل له حاكم مملكة المنتفق وشيخ مشائخ قبائلها الأمير حمود بن ثامر السعدون سنة 1213هـ (1798م) كتاباً يشكو فيه (فشوّ الجهل، وانتشار البدع بين البوادي في العراق، ويطلب منه الانتقال إليه لنشر العلم، والوقوف في وجه دعاة الضلال)، فقدم إليه الشيخ مبارك بصحبة أولاده، وحل محل الإجلال والتقدير ناشراً كتاب الله، وسنة نبيه، ومشتغلاً بالتأليف حتى توفي سنة 1230هـ (1815م)، ودفن في تل اللحم قرب السوق، وظل أبناؤه على علاقة وطيدة بالمنتفق وحكامها آل سعدون الأشراف وقتاً طويلاً. يذكر ترجمة له ، الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن بن صالح آل بسام ، في كتابه علماء نجد خلال ثمانية قرون ، ج: 5 ، ص: 427 ((( الشيخ مبارك بن علي بن حمد بن قاسم بن سلطان بن محمد الملقب (هميلان) بن سعود من بني جندب من بني عمرو أحد بطون بني تميم ، تلك القبيلة المشهورة ... حمل معه أهله وأولاده الى العراق ، وصار في ضيافة أمير المنتفق الشيخ حمود بن ثامر السعدون ، وكان كريما جوادا شجاعا ، صاحب علم ووقار ، والشيخ المترجم من العلماء الكبار ومن الدعاة الى الله تعالى ، وقد بقي عند آل سعدون حتى وفاته سنة 1230 هـ . رحمه الله تعالى ... له تلاميذ كثيرون في كل البلدان التي أقام فيها، ولكنهم لم يدونوا ، وهؤلاء بعض من عثرنا عليهم:1- الشيخ العلامة عثمان بن سند النجدي ثم البصري.2- غالب علماء الأحساء من تلاميذه.3- غالب علماء المبرز من تلاميذه ))). وخلفه بالقضاء الشيخ عبدالعزيز بن حمد بن مشرف التميمي ، الذي كان قاضيا في الدرعية في عهد حاكم الدولة السعودية الأولى الإمام سعود ثم ابنه عبدالله ، وبعد إستيلاء ابراهيم باشا عليها ، أصبح الشيخ قاضيا في عنيزه ثم انتقل الى عاصمة مملكة المنتفق مدينة سوق الشيوخ بطلب من حاكم مملكة المنتفق الأمير حمود بن ثامر السعدون ، وأصبح قاضيا فيها حتى وفاته سنة 1240هـ . يذكر ترجمة له ، الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن بن صالح آل بسام ، في كتابه علماء نجد خلال ثمانية قرون ، ج: 3 ، ص: 319 ((( الشيخ عبدالعزيز بن حمد بن ابراهيم بن حمد بن عبدالوهاب بن موسى بن عبدالقادر بن رشيد بن بريد بن بن مشرف بن عمر بن معضاد بن ريس بن زاخر بن محمد بن علوي بن وهيب ، فنسبه من الوهبة أحد أفخاذ بني حنظلة ، الذي هو البطن الكبير الشهير من قبيلة بني تميم المعروفة، والمترجم سبط مجدد الدعوة السلفية الشيخ محمد بن عبدالوهاب فهو ابن ابنته ... وكان مع هذا صاحب عقل راجح ، وفكر ثاقب ، ولسان بليغ ، وذكاء مفرط ، وقد تولى القضاء في الدرعية زمن الامام سعود وابنه عبدالله ، ولمكانته اختاره الامام سعود في سفارة الى امام صنعاء ، فكفى في مهمته ... وبعد هجوم ابراهيم باشا على الدرعية واستيلائه عليها ، ارتحل المترجم الى عنيزة فولي قضاءها ... ثم تحول الى سوق الشيوخ فولاه شيخ المنتفق قضاءها الى أن توفي بها بعد الأربعين والمائتين والألف ))). وفي عام 1809م احتل الأمير حمود بن ثامر مدينة البصرة وطرد متسلمها ، وذلك بعد طلب رسمي من الدولة العثمانية حيث ساءت العلاقة بين والي بغداد ومتسلم البصرة ، فطلب والي بغداد من الأمير حمود بن ثامر طرد المتسلم عسكريا ، يذكر لطفي جعفر فرج عبدالله ، في كتابه عبدالمحسن السعدون و دوره في تاريخ العراق السياسي المعاصر، ص:20 ((( لم يقتصر التعاون بين آل سعدون والسلطة العثمانية على صد القوى الخارجية بل تعداه أيضا الى أن تعتمد السلطة العثمانية على السعدونيين في القضاء على مشاكلها الداخلية، ففي سنة 1225هـ (1809م) حين ساءت العلاقة بين والي بغداد (سليمان باشا – الصغير) وبين (سليم بك) متسلم البصرة، أرسل والي بغداد الى الشيخ السعدوني (حمود بن ثامر) طالبا منه أن يخرج (سليما) من البصرة ، فكان له ماأراد))). ويذكر العالم الشيخ محمد بن العلامة الشيخ خليفة بن حمد بن موسى النبهاني الطائي (كان هو ووالده مدرسين بالمسجد الحرام.. وهو معاصر للحرب العالمية الأولى وسبق له تولي قضاء البصرة)، في كتابه التحفة النبهانية في تاريخ الجزيرة العربية ، عند حديثه عن الأمير حمود بن ثامر ، قسم المنتفق ، ص:414 (((فسار إليها وحاصرها وأتاه أهل الزبير مساعدين له فجعلهم في جهة معينة تحت قيادة ابنه (برغش ابن حمود) وظل الكل مثابرين على حصار البصرة حتى احتلوها))). 27- آل سعدون- بعد دخولهم بغداد عسكريا- يفرضون نفوذهم على كامل العراق مابين 1813م – 1817م: إن أهم حدث في تاريخ حاكم مملكة المنتفق الأمير حمود بن ثامر السعدون هو عندما استطاع أن يهزم والي بغداد (الذي قاد حمله عسكريه ضخمه ضد حمود) ، ويشتت جيشه ثم يأسره هو ونائبه ويقودهم الى السجن في عاصمة مملكة المنتفق مدينة سوق الشيوخ مكبلين بالسلاسل في واحدة من أعظم الإنكسارات العثمانية أمام العرب تاريخيا ان لم يكن أعظمها على الإطلاق ، ثم تم قتلهم من قبل أخوه الأمير راشد بن ثامر السعدون ، واتجه الأمير حمود بعدها لبغداد واحتلها عسكريا ، ونصب بالقوة العسكرية سعيد كوالي عليها في أكبر اهانة تلقتها الدولة العثمانية في العراق واضطرت الدولة العثمانية ان تبلع الاهانة وتعترف بسعيد رسميا (كان عمر سعيد وقتها 20 سنة فقط ولم يكن قد تسلم أي منصب رسمي في حياته قبلا وكان دخيلا لدى الأمير حمود) ، ووقتها قام الأمير حمود بن ثامر بفرض نفوذه ونفوذ أسرته آل سعدون الأشراف على كامل العراق في الفترة مابين 1813م وحتى عام 1817م عندما تمكنت الدولة العثمانية من إعدام سعيد باشا والتخلص منه. تبدأ الأحداث عندما أراد والي بغداد عبدالله باشا وأركان حكومته إعدام سعيد ، فقط لكونه ابن لسليمان باشا (والي بغداد السابق) ولانهم كان يتبعون والده سابقا وبالتالي خافوا أن ينازعهم الحكم لاحقا ، لذلك قرروا إعدام الشاب المسكين سعيد بن سليمان والذي لم يكن حتى لديه أي منصب سياسي أو نفوذ ، يذكر المؤرخ العثماني سليمان فائق بك (وهو عدو للمنتفق و أحد كبار الموظفين العثمانيين في العراق في القرن التاسع عشر) ، في كتابه عشائر المنتفق , ص:27 ((( فقر قرار عبدالله باشا وأعوانه على اعدام سعيد بك المسكين وهو بريء غافل غير أن أراجيف معاون الوالي طاهر أغا وسائر أركان معيته في الولاية حسنوا لعبدالله باشا تلك النية السيئة))). وما ان أحس سعيد بما يدور حوله حتى هرب الى حاكم مملكة المنتفق الأمير حمود بن ثامر (صديق والده) ، وقد لحقه أحد مشايخ قبيلة العبيد (قاسم الشاوي) وهرب الى الأمير حمود بن ثامر خوفا من بطش والي بغداد ، فاجار حمود الشخصين وتعهد بحمايتهم ، يذكر المؤرخ الشيخ عثمان بن بشر (المعاصر للأحداث) ، مؤرخ الدولة السعودية الأولى والثانية ، في كتابه عنوان المجد في تاريخ نجد ، ج:1 ، حوداث سنة 1228هـ ، ص: 336 ((( وفي هذه السنة وقع في بغداد اختلاف . وخاف سعيد ابن سليمان باشا من عبدالله باشا صاحب بغداد ، وهرب الى المنتفق عند حمود بن ثامر، وهرب معه قاسم بيك ))). وما ان علم والي بغداد بما حصل حتى جن جنونه ، وكتب خطابا يطلب تسليم سعيد وقاسم ، وشدد على تسليم سعيد بالذات حيث طلب بأن يرسل الى بغداد مغلول اليدين ، وأن الأمير حمود بن ثامر اذا لم يسلمه يعتبر ناقضا لما بين الدولتين من المعاهدات ، وعندما وصل الخطاب الى حاكم مملكة المنتفق الأمير حمود بن ثامر احتار في امره وفي صعوبة الموقف خاصة وان طبول الحرب قد بدأت تدق ، لذلك عقد مجلسا كبيرا لشيوخ القبائل والعشائر في مملكة المنتفق ولكبار شخصياتها وأخبرهم بمحتوى الخطاب ثم ألقى خطبة تاريخية بليغه ، يذكر المؤرخ العثماني سليمان فائق بك (وهو عدو للمنتفق و أحد كبار الموظفين العثمانيين في العراق في القرن التاسع عشر ) ، في كتابه عشائر المنتفق، عند حديثه عن والي بغداد عبدالله باشا , ص:28 ((( وعليه أصدر أوامره اللازمة بتسليمه مغلول اليدين واذا لم يسلمه حمود يعد ناقضا للعهود. أما حمود الثامر فانه حينما وصل الأمر القائل بتسليم سعيد بك اليه ، انشغل باله ، وتشتت أفكاره وفي الحال عقد مجلسا كبيرا يحتوي على الأمراء والروساء وعشائر آحاد العربان ، وباشر يقرأ عليهم الأمر الوارد من قبل الولاية . وكان الأمر محررا باللغة العربية ، وبعد أن ختم قراءة الكتاب نهض حمود الثامر بذاته وألقى خطبة بليغة))). يذكر خطاب حاكم مملكة المنتفق الأمير حمود بن ثامر الذي ألقاه على الروساء والأمراء وشيوخ القبائل في مملكة المنتفق ، المؤرخ العثماني سليمان فائق بك (وهو عدو للمنتفق و أحد كبار الموظفين العثمانيين في العراق في القرن التاسع عشر ) في كتابه عشائر المنتفق , ص:30 (((أيها الأمراء والرؤساء والمشايخ: أخاطبكم اليوم لعلمي أنكم الممثلون للعرب، وأعلم أيضاً أن قد تجسمت فيكم الشهامة والغيرة والحمية، وبما أنكم أمراء ورؤساء القبائل أخاطبكم بخطاب يليق بكم، فليكن معلومكم أيها الأجلاء العظام والسادة الكرام...أن دخيلنا (سعيد بك) لما علم أن حياته بخطر، وأن الداعي كنت المتفق الخاص لوالده التجأ إلينا كي يتمكن من المحافظة على حياته المهددة بالخطر، ووقع دخيلاً عندنا، وها هو هذا: تعرفونه وتعرفون أباه، وتعرفون منزلة أبيه وهو من ذوي البيوت لا من العتقاء والسوقة، وإني قد تعهدت وتكفلت بحمايته حماية مطلقة، وأنه الدخيل عندي، ولم تظهر له أدنى مظاهرة تشغل الحكومة بل ولم يتحرك بحركة مخالفة لرضاء الدولة، وكررت هذه الكيفية للولاية مراراً فلم تفد جميع مراجعاتي واسترحاماتي. ولذا لم يبق للحكومة حق إن خالفتها وعصيتها لأني قد اخترت جواب السلب، وأمرتنا الولاية بهذا الأمر الذي قرأته عليكم بتسليم الدخيل، فإن لم نسلمه تأخذه الحكومة من عندنا قسراً بقوة السلاح، وهذا تهديدهم كما سمعتموه. و قد حاكمت نفسي مراراً بكيفية تسليم الدخيل، فأبت نفسي وشيمتي العربية تسليم الدخيل كتسليم الشاة إلى القصاب، وجزمت وعزمت على أن أقاوم وأدافع الحكومة بكل مجهودي وقوتي لآخر نفس، فإن عجزت عن المقاومة أكون مجبوراً على ترك أولادي وعيالي وآخذ دخيلي، وأهرب به إلى الديار النجدية حفظاً لناموسي وشرفي،فمن كان منكم يكره هذه الحالة فليعتزل إلى جنب، واعتقدوا أني لا أجبر ولا أكره أحداً على أن يكون معي. فكل منكم مختار برأيه حيث أن هذه المسألة خاصة بنفسي، وعائدة علي، ولا شك أن هذا ناموسي وشرفي، ولا أقبل أن يدنس أو يكون فيه العار، وتسليم الدخيل هو أكبر عار علينا، ولهذا لا بد أن أهرق آخر قطرة من دمي للمحافظة على الناموس، واعلموا جميعاً أني لا أكلف أحداً منكم بتكليف لا يطيقه))). و بعد أن ألقى الأمير حمود خطابه ، وجد تأييدا كبيرا لما يعزم على تنفيذه وهو عدم تسليم دخيله ومواجهة الدولة العثمانية عسكريا ، لذلك بدأ التحضير عسكريا للمعركة ، وعلى الطرف الأخر كان والي بغداد عبدالله باشا قد وصله خبر التجهيزات العسكرية في مملكة المنتفق ورفضهم لتسليم الدخيل ، لذلك قرر التجهيز لحملة ضخمة ضد مملكة المنتفق وحاكمها الأمير حمود بن ثامر ، وقد جمع جيشا عثمانيا من ثلاثين ألف مقاتل وجهزه بالمدافع ، يذكر المؤرخ العثماني سليمان فائق بك (وهو عدو للمنتفق و أحد كبار الموظفين العثمانيين في العراق في القرن التاسع عشر ) ، في كتابه عشائر المنتفق، ص:31 ((( ولما وصل الخبر (عن) اعلان العصيان من قبل عشائر المنتفق الى بغداد ، اعتقد عبدالله باشا أنه لايمكنه أخذ سعيد بك كما يروم بسهولة ، ولهذا أمر بتجهيز فيلق من الجنود المعلمه (المدربة) وتمكن من جمع مايتجاوز ثلاثين ألفا من الجنود ، وأكمل مهماتهم وسيرهم ، ومعهم أضخم المدافع فتوجهوا عن طريق الحلة والسماوة))). ثم أرسل والي بغداد أمرا للقبائل العربية التابعة للعثمانيين في ولاية بغداد بمساندة الجيش العثماني ، يذكر المؤرخ الشيخ عثمان بن بشر (المعاصر لأحداث) ، مؤرخ الدولة السعودية الأولى والثانية ، في كتابه عنوان المجد في تاريخ نجد ، ج:1 ، عند حديثه عن والي بغداد عبدالله باشا وطلبه لسعيد وقاسم بيك ثم جمعه للقوات العثمانية والقبائل العربية التابعه له، حوداث سنة 1228هـ ، ص: 336 ((( فأرسل عبدالله المذكور الى حمود وطلب منه أن يبعث بهم اليه ، فأبى ذلك ومنعهم ، ثم ان عبدالله جمع العساكر من الروم وعقيل ، ومن بوادي شمر وغيرهم من أهل العراق ورئيس البوادي بنية بن قرينيس الجربا ، ثم جمع حمود بن ثامر جميع المنتفق وجميع أتباعه ))). ولكي يضفي والي بغداد الشرعية على حملته العسكرية وهدفها ضد مملكة المنتفق أرسل طلبا للأمير نجم بن عبدالله (ولد عم الأمير حمود بن ثامر) للحضور الى بغداد ، والأمير نجم بن عبدالله كان جاليا لدى قبيلة زبيد منذ مده ومعه عبيده وفداويته (حرسه الخاص) ، وقد كان الوالي يعرف بأن بينه وبين الأمير حمود بن ثامر خلاف، وعند وصوله الى بغداد أخبره بأن الدولة العثمانية اعترفت به كحاكم للمنتفق وأنه عليه الإستعداد للسفر مع الجيش حيث سوف يتم تنصيبه بالقوة العسكرية بدلا من ولد عمه الأمير حمود بن ثامر ، ولم يرفض هذا الأمر. يذكر الدكتور حميد بن حمد السعدون ، في كتابه امارة المنتفق وأثرها في تاريخ العراق و المنطقة الأقليمية 1546م – 1918م , ص: 160((( الغريب في هذه الحملة الموجهه نحو المنتفق ، أنها اسندت من جميع رؤساء القبائل المهمه في وسط العراق وشماله وبواديه ، فكان مع الجيش قوات عشائر ربيعة يتقدمها الأمير-مشكور- وقوات الخزاعل ومقدمتهم الشيخ – سبتي بن محسن المحمد- وقوات عقيل يتقدمهم شيخهم – ناصر محمد الشبلي- وقوات الجشعم , مضافا اليها قوات اللاوند وأغوات الأكراد والتركمان , هذا غير قوات - نجم العبدالله- المعين من قبل الوالي – التوتنجي - أميرا للمنتفق بدلا من أميرها حمود الثامر . بحيث كان حجم الجيش والعشائر المساندة له في مسيره نحو المنتفق , من أضخم الحملات العسكرية التي شهدها العراق ))). سار هذا الجيش الضخم الى أراضي مملكة المنتفق وعند دخول الجيش لمنطقة الجزيرة في أراضي مملكة المنتفق انضم اليه شيخ قبائل الربيعة الذي كانت العديد من قبائله تدين بالولاء لمملكة المنتفق ، وتحرك شيخ ربيعة (مشكور) بقواته كطليعة للجيش كونه يعرف المنطقة ، واصطدم مع قوات من خيالة المنتفق يقودها الأمير صالح بن ثامر السعدون والتي تمكنت من قتله وتفريق قواته بعد معركة عنيفة بين الطرفين، لذلك زحف والي بغداد بحشوده بشكل كامل باتجاه معسكر قوات مملكة المنتفق قرب عاصمة دولتهم مدينة سوق الشيوخ ، يذكر العالم الشيخ محمد بن العلامة الشيخ خليفة بن حمد بن موسى النبهاني الطائي (كان هو ووالده مدرسين بالمسجد الحرام.. وهو معاصر للحرب العالمية الأولى وسبق له تولي قضاء البصرة)، في كتابه التحفة النبهانية في تاريخ الجزيرة العربية ، قسم المنتفق ، ص:416 (((وعند وصوله أرض المنتفق عبر من غربي الفرات إلى الجزيرة فانضم إليه شيخ ربيعة (مشكور) وسار بقومه. وكان مشكور هو قائد أول طليعة للجيش فتصادم مع (صالح بن ثامر) وجرت بينهما معركة عنيفة أسفرت عن قتل مشكور وتفرق قومه. فزحف الوزير بالعساكر حتى نزل قريباً من عشائر المنتفق))). وما ان تقابل الجيشين حتى اندلعت معركة عنيفة قرب جدول يعرف بـ غليوين (سميت المعركه عليه) ، يذكر المؤرخ الشيخ عثمان بن بشر (المعاصر لأحداث) ، مؤرخ الدولة السعودية الأولى والثانية ، في كتابه عنوان المجد في تاريخ نجد ، ج:1 ، حوداث سنة 1228هـ ، ص: 336 ((( فالتقت الجموع والعساكر من الطرفين ، واقتتلوا قتالا شديدا وصبر الفريقان))). واشتد القتال بين الطرفين واصيب الأمير برغش بن حمود ( ولد حاكم مملكة المنتفق) بطعنه قوية سببت له اصابة بليغة ونقل على اثرها الى مخيم قوات المنتفق ، ثم استطاع الأمير علي بن ثامر قتل ولد عمه الأمير نجم بن عبدالله بعد مبارزة بين الطرفين ( والأمير نجم هو الذي كان والي بغداد يرغب في فرضه كحاكم على مملكة المنتفق بدلا للأمير حمود) ، وبعد قتل الأمير نجم بن عبدالله انسحبت قوات آل قشعم من الميدان بعد ان قتل مقدمهم أيضا ، واشتدت شوكة قوات مملكة المنتفق على قوات الدولة العثمانية ، يذكر العالم الشيخ محمد بن العلامة الشيخ خليفة بن حمد بن موسى النبهاني الطائي (كان هو ووالده مدرسين بالمسجد الحرام.. وهو معاصر للحرب العالمية الأولى وسبق له تولي قضاء البصرة)، في كتابه التحفة النبهانية في تاريخ الجزيرة العربية ، قسم المنتفق ، ص:416 (((ثم دارت رحى الحرب بين الفريقين. فطعن (برغش بن حمود بن ثامر) ونُقل جريحاً إلى مخيمة. ثم حمل علي بن ثامر علي نجم بن عبد الله (الرئيس الجديد للمنتفق) فقتله. فانخذل (آل قشعم) الموالون للوزير فقويت شوكة المنتفق))). واشتد القتال حتى استطاعت قوات مملكة المنتفق اقتحام خط المدفعية الخاص بالقوات العثمانية مما حول المعركة الى مذبحة بين الطرفين وبدأت قوات القبائل العربية المرافقة للعثمانيين بتبديل ولاؤها الى قوات مملكة المنتفق خوفا من القتل خصوصا بعد هروب شيوخها من أرض المعركة ، وبدأت القوات العثمانية بالهرب من القتل في ميدان المعركة بإتجاه معسكر مملكة المنتفق طالبة الدخالة من سعيد (وفي تلك الحظة تحول سعيد من طريد يحتاج الى من يجيره الى شخص يطلب منه من كانوا يرغبون قتله أن يجيرهم ، فسبحان من يعز من يشاء ويذل من يشاء) ، وقام والي بغداد ونائبه بالإستسلام بعد انهيار قواته ، يذكر العالم الشيخ محمد بن العلامة الشيخ خليفة بن حمد بن موسى النبهاني الطائي (كان هو ووالده مدرسين بالمسجد الحرام.. وهو معاصر للحرب العالمية الأولى وسبق له تولي قضاء البصرة)، في كتابه التحفة النبهانية في تاريخ الجزيرة العربية ، قسم المنتفق ، ص:415 (((ثم جعلت القبائل تلتحق بهم حتى انضم الى المنتفق غالب العشائر فحمى وطيس القتال على الوزير حتى طلب الآمان لنفسه ولطاهر بيك ولمن معهما من الخواص ))). يذكر المؤرخ الشيخ عثمان بن بشر (المعاصر للأحداث) ، مؤرخ الدولة السعودية الأولى والثانية ، في كتابه عنوان المجد في تاريخ نجد ، ج:1 ، حوداث سنة 1228هـ ، ص: 336 (((ثم ان بوادي شمر وناس من أمراء العسكر وغيرهم من الكرد خانوا لحمود فانهزمت العساكر العراقية وقتل منهم قتلى كثيرة ، وأسر عبدالله باشا المذكور وكيخياه طاهر وناصر الشبلي رئيس عقيل))). وقد طلب سعيد من الأمير حمود بن ثامر أن يعفي عن الجنود العثمانيين المستسلمين ويعطيهم الحماية ، وقد أعطاهم الأمير حمود الحماية على أرواحهم الا ان جنود مملكة المنتفق قاموا بنهب الجنود العثمانيين ولم يبقوا لهم حتى لباسهم ، يذكر العالم الشيخ محمد بن العلامة الشيخ خليفة بن حمد بن موسى النبهاني الطائي (كان هو ووالده مدرسين بالمسجد الحرام.. وهو معاصر للحرب العالمية الأولى وسبق له تولي قضاء البصرة)، في كتابه التحفة النبهانية في تاريخ الجزيرة العربية ، قسم المنتفق ، ص:416 ((( فأعطاهم حمود الآمان (ولكنه لم يف به) لأن أعراب حمود جعلوا ينهبون العساكر ولم يبقوا لأحد منهم مايستر به عورته ولا مايسد به رمقه ، ولامانع لهم))). لقد كان انتصار قوات مملكة المنتفق كبيرا جدا ، فقد شتت الجيش المقابل لها وأسرت والي بغداد ونائبه وشيخ عقيل ، بالإضافة الى قتل شيخ ربيعة وشيخ الخزاعل ومقدم القشعم ، مضافا الى ذلك هروب مشايخ القبائل الأخرى الموالين للعثمانيين وتركهم لجنودهم في ساحة القتال والذين هرب من استطاع الهرب منهم وقتل من قتل وأسر منهم من أسر وبعضهم بدل ولاؤه للنجاة من القتل ، وقد استسلمت كامل القوات العثمانية التي سلمت من القتل بعد ان سلموا كل اسلحتهم وعتادهم العسكري ، يذكر الدكتور حميد بن حمد السعدون ، في كتابه امارة المنتفق وأثرها في تاريخ العراق و المنطقة الأقليمية 1546م – 1918م , ص: 162((( لقد كان انتصار المنتفق في هذه المعركة كبيرا ، بحيث أنها لم تمكن أحدا من غزاتها من العودة لأرضه سالما ، فبالاضافة لمن قتلوا في المعركة ، فقد غرق شيخ الخزاعل أثناء مطاردة خيالة المنتفق له في نهر "المسرهد" وقتل مقدم القشعم ، واستسلم المتبقون طالبين "الدخالة ". أما بقية الجيش فقد حماهم سعيد بك ، بعد أن جردوا من أسلحتهم ومدافعهم وكافة عددهم))). لقد كانت معركة غليوين واحدة من أعظم الإنكسارات العثمانية أمام العرب تاريخيا ان لم يكن أعظمها على الاطلاق ، حيث تم اقتياد والي بغداد ونائبه مكبلين بالسلاسل الى السجن في عاصمة مملكة المنتفق مدينة سوق الشيوخ ، وبعد سجنهم توفي الأمير برغش بن حمود ، لذلك ذهب عمه الأمير راشد بن ثامر السعدون الى السجن وقتل والي بغداد ونائبه خنقا بالحبال وذلك انتقاما لوفاة ابن أخيه ، وبعد دفنهم رجع الأمير راشد بن ثامر السعدون وأخرجهم وعلق رؤوسهم أمام الناس ، يذكر العالم الشيخ محمد بن العلامة الشيخ خليفة بن حمد بن موسى النبهاني الطائي (كان هو ووالده مدرسين بالمسجد الحرام.. وهو معاصر للحرب العالمية الأولى وسبق له تولي قضاء البصرة)، في كتابه التحفة النبهانية في تاريخ الجزيرة العربية ، قسم المنتفق ، ص:416 (((ولما طلب الأمان الوزير لنفسه ولمن معه وسلم نفسه. أمر حمود باعتقال عبد الله باشا الوزير المذكور ومعه طاهر بيك وشخص ثالث معهما فكبلوا في الحديد. وأرسل بهم على (سوق الشيوخ) حيث سجنوا هناك. ولما مات برغش بن حمود من تلك الطعنة التي طعنها في ميدان القتال. ذهب عمه راشد بن ثامر إلى السجن وقتل الثلاثة المذكورين (عبد الله باشا وطاهر بيك وصاحبهما) خنقاً بالحبال. وبعد أن قبروا أعاد عليهم فنبشهم وقطع رؤوسهم وشهرها ثأراً لابن أخيه برغش))). ويرى ابن بشر المعاصر للأحداث أن سعيد هو من أشار على الأمير راشد بن ثامر السعدون بإعدام والي بغداد ونائبه ، وقد غضب حاكم مملكة المنتفق الأمير حمود بن ثامر السعدون (كان قد أصيب في العمى قبل تلك الفترة) على قتلهم بعد أن اعطاهم الآمان وسقط عن سريره عندما وصله الخبر ، الا انه لم يعقب على ذلك ، يذكر المؤرخ الشيخ عثمان بن بشر (المعاصر للأحداث) ، مؤرخ الدولة السعودية الأولى والثانية ، في كتابه عنوان المجد في تاريخ نجد ، ج:1 ، حوداث سنة 1228هـ ، ص: 337 ((( وكان برغش بن حمود قد جرح في تلك الوقعة جرحا شديدا ثم مات منه ، فأسر سعيد بن سليمان المذكور لراشد أخا حمود بن ثامر أن يقتل عبدالله وكيخياه فقتلهم ، فلما بلغ حمود الخبر غضب غضبا شديدا وسقط من سريره لقطع وجهه ولم يعقب ذلك بشيء))). وننقل هنا وصف لأكبر أبناء حاكم مملكة المنتفق وهو الأمير برغش بن حمود من قبل أحد معاصريه وهو التاجر الحلبي ميخائيل بن يوسف عبود ، هامش كتاب مطالع السعود بطيب أخبار الوالي داود ، ص: 279 ((( انه أكبر ابناء حمود ، وانه المشهور في صورته ومنظره العجيب وفروسيته))). وهذه قصيدة الأمير الشريف علي بن ثامر السعدون في رثاء أخيه الأمير الشريف عبدالمحسن بن ثامر السعدون, وذكر انتصارهم في معركة (غليوين) على والي بغداد عبدالله باشا سنة 1813م ، مصدر القصيدة (القاموس العشائري العراقي) ، للشيخ أحمد العامري الناصري، الجزء الأول ، ص:145 : الورق يلعي فوق عالي قصورها حمايمٍ، ويطربن الغنا من فجورها تغنّت بصافي النوح عندي, وانا الذي من البعد والفرقا أصالي مرورها أيا أيها الورق الذي أنت ساهر لك النوح شطرٍ من معالم شطورها آه وا عضيدي راح.. ما عاد يرجع باللحد ثاوي في مطاوي قبورها (أبا براك) زبن الجاذيات ابن ثامر وان همّلوا عصمان الأيدي سيورها أيا ليت (أبو براك) بالكون حاضر به صولةٍ جتنا. كفى الله شرورها لفتنا: ربيعة وابن جشعم ولامها معا.. عسكر الدولة، وجملة حضورها ومعهم عقيلٍ، والقبايل جميعها واللي بقلبه حسفةٍ.. جا.. يدورها واشاروا علينا بالقطيعة، وذبحنا والاطواب تكفي في ملاهي زمورها دعونا الصبح, واحنا نلملم جموعنا وحاروا، وداروا.. كيف حالٍ ندورها و(صالح) نهار الكون زيزوم حربنا عزنا، وزبن رجالنا عن عقورها وانا على قبّاً.. قحومٍ وعندلٍ رفوعٍ، وشعوى لى تمثنت وعورها ركضنا عليهم ركضةٍ (هاشميّة) وراحت تناحي بالعوالي صدورها غدا ذاك مذبوح, والاخر مخلاّ وهناك حقٍّ للحدا مع نسورها وليناهم, وطابت بهم نفس لابتي ليا عاد (ابو برغش) حماها، وسورها لمن خاب ذاك اليوم منّا، ومنهم رايات سودٍ تنتشر في نشورها ثم سار حاكم مملكة المنتفق الأمير حمود بن ثامر السعدون الى بغداد واحتلها عسكريا ، وقام بفرض تعيين دخيله سعيد كوالي لها ( كان عمر سعيد وقتها 20 سنة ) وبعد فترة وصل فرمان عثماني بالقبول بسعيد كوالي لبغداد وهي أكبر اهانة تلقتها الدولة العثمانية في العراق من العرب ، يذكر المؤرخ العثماني الشيخ عثمان بن سند الوائلي البصري (المعاصر للأحداث) ، في كتابه مطالع السعود بطيب أخبار الوالي داود , القسم المقتطع من خزانة التواريخ النجدية ، مختصر الشيخ أمين الحلواني ، عند حديثه عن دخول الأمير حمود بن ثامر السعدون ومعه سعيد الى بغداد , ص: 304 ((( ثم توجه حمود مع سعيد باشا الى بغداد , ودخلاها بالموكب والأبهة والجاه , وكاتب سعيد باشا الدولة فجاءه الفرمان بأنه والي بغداد والبصرة وشهرزور , فرجع حمود الى المنتفق , لكن سعيد باشا لايبرم صغيره ولا كبيره الا بمشورته))). يذكر المؤرخ والمستشرق الألماني البارون ماكس فرايهير فون أوبنهايم ، في كتابه البدو, ج3 , ص: 285 ((( فدخل حمود الى بغداد مع سعيد الذي كان في حمايته , وكان هذا نصرا لآل سعدون لا مثيل له . لم يكن سعيد مؤهلا لمنصبه , فلم يكن عمره سوى واحد وعشرين عاما ولم تكن لديه أي خبره في ادارة شؤون الدولة ))). يذكر المؤرخ العثماني الشيخ عثمان بن سند الوائلي البصري ، في كتابه مطالع السعود بطيب أخبار الوالي داود (المعاصر للأحداث) ، عند حديثه عن سعيد باشا في بغداد التابع لحاكم مملكة المنتفق الأمير حمود بن ثامر ، والمنصب من قبله كوالي على المناطق العثمانية في العراق ، ص: 281 ((( فلما انتظمت اموره رجع حمود منه منعما اليه معظما مع انه وان بعد عنه فهو قلبه ، بل مجنه ودرعه وسنانه وعضبه ، لايصدر امر الا وهو ناظم عقده ، ولاتوارى نار حرب الا بزنده ، ولايولى امير الا باستشارته ، ولايعقد صلح الا وهو المطلع على سفارته))). وقد فرض آل سعدون نفوذهم على كامل العراق منذ تعيينهم لسعيد باشا (عام 1813م) وحتى إعدام سعيد باشا من قبل العثمانيين (عام 1817م) ، وهو مالم تتمكن أي أسرة أو قبيلة أو امارة في العراق من فعله طوال الحقبة العثمانية ، يذكر فرض الأمير حمود بن ثامر لنفوذه على كامل العراق المؤرخ حمد بن لعبون (المعاصر للأحداث) ، مؤرخ الدولة السعودية الأولى والثانية ، ولد قبل عام 1768م وتوفي 1844م، كتاب تاريخ حمد بن محمد بن لعبون ، ص:660 ((( وجرح برغش بن حمود . ثم : أنه مات وقتلوا عبدالله باشا وسار حمود وجه اسعد لبغداد , وملك العراق ورجع ))). ويذكر كاظم فنجان الحمامي ، في مقاله : بين الناصريتين .. ناصرية العرب وناصرية العجم (((واستمرت المعركة لعدة أيام, انتهت بالنصر المؤزر لصالح المنتفك, الذين بسطوا نفوذهم السياسي والقومي على العراق كله, من شماله إلى جنوبه))). يذكر عبد الحليم احمد الحصيني ، في مقاله : الناصرية في أروقة الزمن (((والى ايام الفضلية وهي المعركة التي اندحر فيها الفرس عام 1777 عندما توغلوا في اراضي المنتفك وحصلت المواجهة في منطقة الفضلية الواقعة على نهر الفرات على بعد عدة اميال من العرجة وتكبدوا فيها خسائر فادحة من جراء غيهم بعد ان لقنوا درسا بليغا من اهالي المنتفك الذين كانوا لهم بالمرصاد والى ايام ابو حلانه يوم لم يروق للفرس هزيمتهم في معركة الفضلية تقدموا بقواتهم نحو المنتفك والتقو عند ( ابو حلانة) نهاية عام 1778 وعندها ابلى رجال المنتفك بلاء حسنا وابادوا القوات الفارسية ابادة تامة وغنمو خلالها العديد من الاسلحة والمعدات ومن ابو حلانة الى اغليوين (جدول يقع بين الناصرية وسوق الشيوخ) دارت عنده المعركة بين المنتفك والقوات العثمانية اوائل عام 1813م ودارت المعركة سجالا بين الطرفين حيث كانت الغلبة بادئ الامر لصالح قوات الوالي العثماني حيث يفوقون المنتفك عددا وسلاح . ولكن صلابة المنتفك وبسالتهم غيرت من نتائج المعركة واصبحت الكفة لصالح المنتفك وحوصرت قوات الوالي العثماني وقتل اغلبية القادة وهكذا تلقت القوات العثمانية ضربات موجعة لم ينج منها الا نفر قليل ولى هاربا رغم الاستعدادت الكبيرة وثقل القوات المهاجمة وسجلت المنتقك نصرا كبيرا . اثبتت المنتفك من خلاله انها صاحبة القرار بكل ماتريد او لاتريد وفي كل ارجاء العراق من شماله الى جنوبه))). يذكر تبعات هذا النصر الكبير لحكام مملكة المنتفق أسرة آل سعدون الأشراف ، المؤرخ العثماني الشيخ عثمان بن سند الوائلي البصري (المعاصر للأحداث) ، في كتابه مطالع السعود بطيب أخبار الوالي داود ، ص: 280 ((( ولما حصل لذلك العسكر ماذكرنا قوية شوكة حمود وصلبت قناته ، ولم يبق عنده لوزير ولا امير حرمة ، وحلف من رق دينه انه من اولياء الله ، وانه لاغالب يغلبه ، وصار امر سعيد بيده ، ولهذا أعطاه وأخوانه مافي جنوب البصرة من القرى فضحك لهم الزمان ، ودار بمايشتهون الجديدان ، واطاعهم الحاضر والبادي ، وسالمتهم قهرا الاعادي ، وصار لايضرب مثل شرف الا بهم ولايوجد التبختر الا في شيبهم وشبابهم ، ولاترحل مهرية الا لتناخ في رحابهم ، ولايتسامر في المحافل الا بمدائحهم ، ولا يتنافس الماثل الا بذكر صفائحهم))). ويذكر سليمان فائق بك (وهو عدو للمنتفق و أحد كبار الموظفين العثمانيين في العراق في القرن التاسع عشر ) ، في كتابه عشائر المنتفق , ص:35 ((( وبناء على هذه الوقعة الكبيرة نالت عشائر المنتفق الشهرة العظيمة , وانتشر خبر حمود الثامر في كل الأطراف , وهابته العشائر , ولقبته بسلطان البر . وبدأوا يسمونه سلطان حمود الثامر ))). يذكر المؤرخ خير الدين الزِّرِكْلي المولود عام 1893م، في كتابه الأعلام ، عند حديثه عن حاكم مملكة المنتفق وشيخ مشائخ قبائلها الأمير حمود بن ثامر بعد انتصاره وقتله لوالي بغداد وفرضه لسعيد بالقوة العسكرية كوالي لبغداد ، المجلد الثاني ، ص:281 (((وقصده الشعراء بالمدائح، فكانت جوائزه حديث الناس، أو كما يقول المؤرخ ابن سند: كجوائز بني العباس))). كان هذا عرض موجز لبعض أبرز الأحداث في فترة حكم الأمير حمود بن ثامر السعدون ، وسوف يكون هنالك ان شاء الله بحث مفصل لاحقا عن فترة حكمه. 28- أمثال شعبية أرتبطت بحاكم مملكة المنتفق الأمير ثويني بن عبدالله: نسلط الضوء هنا على بعض الأمثال الشعبية التي أرتبطت بحاكم مملكة المنتفق الأمير ثويني بن عبدالله، ونعرض شرح موجز عنها ، وكنا في هذا البحث قد تحدثنا عن جوانب من شخصية الأمير ثويني بن عبدالله كما ذكرها معاصروه وهي تتعلق بقوة حكمه وشجاعته وإقدامه وآثاره العمرانية وتخطيطه العسكري والإقتصادي وثقله السياسي في تاريخ العراق والمنطقة الإقليمية ، بالإضافة الى صناعته لأهم حدث في تاريخ العراق والذي يدور حوله هذا البحث ، الا اننا هنا سوف نتطرق للجانب الأخر من شخصيته وهو ماتعبر عنه بعض الامثال الشعبية التي ارتبطت به.. هذا الجانب يتعلق بكون هذا الحاكم على الرغم من قوة شخصيته وعلى الرغم من كل ماواجهه في حياته من أحداث و معارك كثيره وبعضها كان ضخما إلا انه كان شخصية مرحه تحب المزاح مع شعبه وأبناء القبائل التابعه له. 1-كره ثويني لغضبان: يضرب لشدة الكراهية التي تتحول لصداقة ، وذكره الرحالة الإنجليزي جيمس باكنغهام ، وقال باكنغهام أن ثويني بن عبد الله بعد هذه الكراهية لجأ إلى غريمه غضبان الكعبي حاكم الحويزة، فقام الأخير بإكرامه كما ولاه شكلياً على أحد المقاطعات التابعه له، وأهداه خاتمه دلالة على ذلك، فحوّل كرم الضيافة، ونبل الأخلاق العربية تلك الكراهية إلى نصرة وصداقة. 2-ردة أولاد واحد: يضرب لمن يتمادى في غيّه، فيأتي من يردعه، وأصله أن مجموعة صغيرة من قبيلة الشريفات - عزوتهم (أولاد واحد) - خرجوا ذات ليلة باردة للسرقة (الحنشلة)، فلم يوفقوا، فعبروا النهر سباحة، ونزلوا ضيوفاً على حاكم ملكة المنتفق الأمير ثويني بن عبد الله، وكان محباً للمزاح، فأدرك ماكان يقومون به فأحب أن يردعهم لكن بدون أن يبطش بهم، فطلب منهم أن يصوّروا عملية السباحة على أرضية المجلس، فخجلوا من ذلك، وقالوا: (لا تجوز السباحة إلا في النهر)، واستمراراً فيما بدأ به سار بهم إلى النهر، وأمرهم بالسباحة، ففعلوا، وظل يستزيدهم حتى قاربوا على الهلاك لبرودة المياه، فعبروا النهر إلى الضفة الأخرى، ولاذوا بالفرار، وثويني يناديهم: (ردّوا.. ردّوا.. أولاد واحد) ثم بعث من يأتي بهم، فجاءوه، وكافئهم. وهذا يعكس جانب من شخصية الأمير ثويني بن عبدالله حيث أنه مع إمكانية بطشه بهم لممارستهم السرقة ، الا أنه أراد ردعهم بطريقة أقل حدة. 3-حالف ماأفارق ضيف الله: يضرب لمن يعكف على مكان لا يفارقه، وقاله ضيف حل على حاكم مملكة المنتفق الأمير ثويني بن عبد الله ليلاً بعد فوات موعد العشاء، ولم يكن الضيف ذا قدر كبير، فاستأذنه الأمير ثويني في تقديم ما تبقى من وليمة العشاء له، فرفض الضيف، وطلب حق ضيافة الوجهاء كاملاً، وإن كان الوقت متأخراً، وعندها أمر الأمير ثويني بتحضير ضيافة الوجهاء بشكل كامل. وكان للأمير ثويني جفنة كبيرة تسمى (ضيف الله) تتسع لكيس رز كبير، وعندما قدم الطعام أصبح الأمير ثويني يقطع اللحم للضيف المتكبر، وقد سل جزءاً من سيفه، ويحث الضيف على الأكل حتى امتلأ، وأراد القيام لكن ثويني شدد عليه أن يستمر في الأكل حتى أوجس الضيف خيفة من هذه الحفاوة الزائدة، فـ (شد وسطه بكوفيته، ولف عباءته على كتفيه، وصار يدور حول الجفنة، ويردد بأسلوب حربي إيقاعي: حالف ما أفارق ضيف الله)، فضحك الأمير ثويني منه، وزاد في إكرامه. 4-بيعة طعيس: يضرب للرجل الذي يصر على فعل ما، ولو أيقن أن فيه هلاكه، وقيل تذكيراً بفعلة طعيس مملوك بني خالد الذي اغتال الأمير ثويني بن عبد الله عام (1797م) وذلك عندما ضربه بحربه في ظهره غدرا وهو في معسكره. 5-هذا والعذر ياثويني: مثل أصله كلمة قيلت في موقف بذل فيه المعتذر غاية مجهوده, وهي روحه العزيزة، وقد قالها الأمير نجم بن عبدالله لحظة مقتله في معركة غليوين سنة 1228هـ بعد مشاركته مع جيش والي بغداد عبد الله باشا لمهاجمة المنتفق. وكان الأمير نجم بن عبدالله جالياً مع أسرته وبناته لدى قبيلة زبيد مغاضباً لحاكم مملكة المنتفق الأمير حمود بن ثامر حمية منه لأخيه الأمير ثويني بن عبدالله. 29- خاتمه: سلط هذا البحث الضوء على أحداث تاريخية مهمه صاغتها أسرة آل سعدون الأشراف ، أبرز أسرة عربية ظهرت في تاريخ العراق في العصر الحديث (الأربع قرون التي سبقت الحرب العالمية الأولى) ، وهي الأسرة التي أسست دولة عربية (مملكة المنتفق) والتي لعبت الدور الأبرز في تاريخ العراق ، وكانت معظم وقائع العراق تاريخيا مما يتعلق بها ، وهي الأسرة التي أسست أيضا اتحاد قبائل المنتفق وهو أكبر اتحاد للقبائل والعشائر مختلفة الأصول شهده العراق تحت مشيخة شيخ مشائخ فعلي ، وهذه الأحداث التي شملها البحث هي أحداث فريدة تاريخيا ، وبعضها لم تتمكن أي أسرة في العراق من أن تسبقهم بها أو حتى تكررها ، وهذه بعض الأحداث التي شملها البحث بشكل موجز وهي: 1- تعاون الدولة العثمانية والفارسية (في سابقة تاريخية) ضد الأمير مانع بن شبيب آل شبيب بعد أن عجزت الدولة العثمانية عن هزيمته واخراجه من مدينة البصرة والتي اتخذها عاصمة لمملكة المنتفق. 2- طرد الأمير مغامس بن مانع آل شبيب للبضائع الإنجليزية من البصرة بعد توقيعه لإتفاقية تجارية مع الهولنديين. 3- مواجهة الأمير مغامس بن مانع آل شبيب للدولة العثمانية بأكبر جيش يواجهها تاريخيا في العراق والجزيرة العربية. 4- بدء آل سعدون بتشجيع القبائل والعشائر العربية للهجرة للعراق منذ عهد الأمير محمد بن مانع آل شبيب ، وذلك للمحافظة على عروبة العراق في وجه العثمانيين والفرس ومحاولاتهم لطمس هوية العراق العربية. 5- ثورة الأمير سعدون بن محمد آل شبيب وتلقبه بسلطان العرب. 6- مرحلة حكم الأمير عبدالله بن محمد وتعرض الدولة في عهده لغزو فارسي ضخم وإبادة القوات الفارسية في معركتين (24 ألف مقاتل فارسي) مع بعض أبناء الأسرة الزندية الحاكمة في الدولة الفارسية (أخوان حاكم الدولة الفارسية) ، ثم تحرير البصرة. 7- تأسيس مدينة سوق الشيوخ للسيطرة على تجارة المنطقة. 8- فرض أسرة آل سعدون الأشراف لنفوذهم على كامل العراق في الفترة مابين 1813م -1817م في عهد الأمير حمود بن ثامر. ولقد ناقش هذا البحث بشكل رئيسي أبرز الأحداث في فترة حكم حاكم مملكة المنتفق الأمير ثويني بن عبدالله وخصوصا أهم حدث في تاريخ العراق في الحقبة لعثمانية وذلك عندما قام الأمير ثويني بن عبدالله أولا بإعلان استقلال العراق بأكمله ومخاطبة الخليفة العثماني بذلك ، بعد جمعه لمعظم عرب العراق في وجه العثمانيين ، ثم ماقام به ثانيا من توحيد العرب والأكراد في توجه موحد لإستقلال العراق بأكمله ، مضحيا بحكمه مرتين في سبيل ماسعى اليه وهو ماشكل سابقتين في تاريخ العراق ، وعلى الرغم من كونه كان يستطيع أن يبقي الوضع على ماهو عليه من حكمه لنصف العراق وتقاسمه للنفوذ على مدينة البصرة مع العثمانيين ، الا انه أختار الطريق الأصعب وصناعة التاريخ بحدث لم يسبقه أحد اليه ولم يكرره أحد بعده. ولقد كان إنشقاق الأمير حمود قد فوت على عمه الأمير ثويني فرصة النجاح بشكل كامل في الإستقلال بالعراق وطرد الاتراك منه حيث انهم لو كانوا متحدين مثل ماحصل في معركة غليوين ، لكان العراق بأكمله عربيا منذ تلك اللحظة. والغريب أنه بعد كل المعارك التي خاضها الأمير ثويني بن عبدالله أمام امبراطوريات كبيرة مثل دولة الخلافة العثمانية والدولة الفارسية أو دول أقليمية أصغر مثل دولة بني خالد أو الدولة السعودية الأولى أو دولة بني كعب وسواء كان يقود قوات ضخمه من دولته أو كان يقود قسم صغير من اتباعه لم يكن مقدرا له أن يقتل في ميدان القتال بل كان قدره أن يتم اغتياله خارج ساحة المعركة. في الختام نذكر بشكل موجز وفاة بعض أبرز الشخصيات التي ذكرها هذا البحث مرتبه حسب تاريخ الوفاة ، أولا الإمام أحمد بن سعيد حاكم عمان توفي عام 1783م ، يذكر د. طارق نافع الحمداني ، في كتابه الخليج والجزيرة العربية بين القرن السادس عشر والقرن العشرين، عند حديثه عن حاكم عمان الامام أحمد بن سعيد ، ص: 130((( فهو لذلك كله يستحق أن ندرسه ضمن قادتنا البارزين ، الذين حققوا الوحدة لبلادهم ، ووقفوا بوجه الأخطار الأجنبية ، بخاصة الفارسية ، حتى وفاته عام 1783م))). ثانيا الأمير سعدون بن عريعر حاكم دولة بني خالد توفي عام 1791م (1205هـ) ، يذكر عبدالكريم المنيف الوهبي في كتابه بنو خالد وعلاقتهم بنجد 1080 - 1208 هـ/ 1669 – 1794م ، ص: 361 ((( ذكر أنه توفي في الدرعية بعد أكثر من خمس سنوات من لجوئه اليها))). ثالثا الأمير عبدالمحسن بن سرداح حاكم دولة بني خالد قتل عام 1792م (1206هـ) ، يذكر المؤرخ الشيخ عثمان بن بشر ، مؤرخ الدولة السعودية الأولى والثانية ، في كتابه عنوان المجد في تاريخ نجد ، أحداث سنة 1206 هـ ، ج: 1 ، ص: 179 ((( وفيها قتل عبدالمحسن بن سرداح رئيس بني خالد بالقديم ، وذلك أن عبدالمحسن بعد وقعة غزيميل المتقدمة هرب الى المنتفق ، وتولى في بني خالد زيد بن عريعر كما ذكرناه من قبل ، ثم ان زيد المذكور واخوانه أرسلوا الى عبدالمحسن وبذلوا له الصداقة والأمان، ووعدوه ومنوه ، حتى جاء اليهم واجتمع بهم فقتلوه في مجلسهم))). رابعا الأمير براك بن عبدالمحسن حاكم الأحساء الأسمي المعين من قبل الدولة السعودية الأولى قتل عام 1798م (1212هـ) ، يذكر عبدالكريم المنيف الوهبي في كتابه بنو خالد وعلاقتهم بنجد 1080 - 1208 هـ/ 1669 – 1794م ، ص: 364 ((( هو أخر حكام بني خالد ، خلف والده في زعامة المعارضين لأبناء عريعر ، وقد حاول مقاومة الدرعية ولكنه قنع في النهاية بعد هزيمة الشيط وماأعقبها من أحداث بزعامة الأحساء كأحد الأمراء المعينين من قبل الدرعية ، الا أنه كان متقلبا في ولائه للدرعية حتى قتل في احدى غزوات عبدالعزيز بن محمد على قبيلة شمر في العراق سنة 1212هـ / 1797 – 1798 ))). خامسا سليمان باشا والي بغداد توفي عام 1802م (1217هـ)، يذكر المؤرخ العثماني الشيخ عثمان بن سند الوائلي البصري ، في كتابه مطالع السعود بطيب أخبار الوالي داود ، ص: 242 ((( وفي السنة المتممة للثلاثين من ولادة المترجم الرشيد الامين والناصر لدين الله ... توفي الوزير سليمان ابو سعيد)))، هي السنة الثلاثين من ولادة داوود باشا. سادسا الإمام عبدالعزيز بن محمد بن سعود حاكم الدولة السعودية الأولى قتل عام 1803م ( 1218هـ) ، يذكر المؤرخ الشيخ عثمان بن بشر ، مؤرخ الدولة السعودية الأولى والثانية ، في كتابه عنوان المجد في تاريخ نجد ، ج: 1 ، ص: 264 ((( ثم دخلت السنة الثامنة عشر بعد المائتين والألف ، وفي هذه السنة في العشر الاواخر من رجب ، قتل الامام عبدالعزيز بن محمد بن سعود في مسجد الطريف المعروف في الدرعية ، وهو ساجد في أثناء صلاة العصر ، مضى عليه رجل قيل انه كردي من أهل العمادية بلد الاكراد المعروفة عند الموصل اسمه عثمان .... فوثب عليه من الصف الثالث والناس في السجود ، فطعنه في أبهره رحمه الله ، أو في خاصرته أسفل البطن ، بخنجر معه كان قد أخفاه وأعده لذلك))). سابعا سعيد باشا والي بغداد (المنصب من قبل حاكم مملكة المنتفق الأمير حمود بن ثامر) أعدم من قبل العثمانيين في عام 1817م ، يذكر مؤرخ العراق الكبير عباس العزاوي ، في موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين، المجلد السادس، ص: 277 ((( ثم قتله محمد آغا معتمد حالت داخل القلعة يوم الأربعاء 10 من شهر ربيع الآخر. وحكى صاحب تاريخ الكولات تفصيل مأساة قتلته بشكل روائي داع للألم. وبين قسوة داود باشا، وأن آغا الينكجريه وبعض الأعوان الآخرين قد عهد اليهم بقتله فقتلوه. أخذوه من حجر أمه... فانتهت المأساة))). أخيرا الأمير حمود بن ثامر حاكم مملكة المنتفق توفي بالطاعون عام 1831م (1247هـ)، يذكر الدكتور حميد بن حمد السعدون ، في كتابه امارة المنتفق وأثرها في تاريخ العراق و المنطقة الأقليمية 1546م – 1918م ، ص: 178 ((( أصيب بالطاعون ، فتوفى في 13 شعبان 1247هـ الموافق 1831م عن عمر يتجاوز السبعين))). رحمهم الله جميعا. 30-ملحق: السياسات العثمانية تجاه آل سعدون منذ القرن التاسع عشر وسقوط مملكة المنتفق في الحرب العالمية الأولى: تعاملت الدولة العثمانية مع مملكة المنتفق بعدة سياسات الهدف منها هو القضاء عليها ومن هذه السياسات الحملات العسكرية الضخمه والمتتابعه لعدة قرون والتي لم يتعرض لمثل عددها وحجمها اي امارة او قبيلة في العراق ، يذكر مؤرخ العراق الكبير عباس العزاوي في كتابه عشائر العراق، ج4، قسم امارة المنتفق، وذلك عند حديثه عن مملكة المنتفق (امارة المنتفق) ومحاولات الدولة العثمانية التي لاتحصى للقضاء عليها ، ص: 122 ((( وقائع المنتفق كثيرة ، والتدابير المتخذة للقضاء على الامارة لاتحصى))) ، يذكر مؤرخ العراق الكبير عباس العزاوي ، في كتابه كتاب عشائر العراق ، ج4 ، قسم امارة المنتفق ، ص: 26 ((( ولايهمل ماوقع من تدابير متخذة لامر فل القوة أو جعلها بحالة ضعيفة لاتستطيع مقاومة الحكومة أو الدولة في تدابير القضاء على امارتها باقتطاع أجزاء منها من جهة البصرة، ومن انحاء العمارة، ومن أطراف السماوة لفصل سلطة بعض العشائر. وحوداث ذلك تدعو الى ماينبه على السياسة المتبعه. أو ماتخذته هذه الامارة من تدابير لدرء الخطر الذي شعرت به، وفي كل هذه تدهشنا ناحية مهمة وهي ان العشائر لم تنفصل عن الامارة، وانما ناضلت معها نضال المستميت ودافعت دفاع الابطال))) ، وتخلل هذه المحاولات من الدولة العثمانية فترات توافق سياسي بين الطرفين ، ومنذ العام 1832م بدأت الدولة العثمانية تحرز تقدما بطيئا في التفوق على مملكة المنتفق ، وتنوعت سياساتها وأصبحت على شكل مراحل ، لكل مرحلة ملامح خاصه بها ومده زمنية ، أما العامل المشترك والذي بدأ العثمانيون فيه قديما واستمروا به في كل المراحل التالية هو اللعب على وتر الانشقاق بالأسرة الحاكمة في مملكة المنتفق ( آل شبيب سابقا وآل سعدون لاحقا ) ، تبدأ أول هذه المراحل عندما أستطاع العثمانيون ومنذ الربع الثاني من القرن التاسع عشر إجبار حكام مملكة المنتفق المتصارعين على الحكم على الإنتظام بدفع الضرائب للعثمانيين منذ عام 1832م – ماعرف بمرحلة الالتزام ، وبدأت هذه المرحلة بعد الطاعون الكبير الذي ضرب العراق والذي أضعف موقف آل سعدون أمام العثمانيين حيث فقدوا معظم السكان في عاصمتهم مدينة سوق الشيوخ والتي انخفض عدد المنازل فيها من 20 ألف منزل قبل الطاعون الى 800 منزل بعده ، والذي أدى الى خسائر اقتصادية أيضا لـ آل سعدون ، يذكر الكسندر أداموف ، القنصل الروسي في البصرة في نهاية القرن التاسع عشر، في كتابه ولاية البصرة في ماضيها وحاضرها ، وذلك عند حديثه عن مدينة سوق الشيوخ والطاعون الذي اجتاحها ، ص: 55 ((( وعندما اجتاح الطاعون في 1831 العراق بأجمعه وجه أول ضربة لرفاهية هذا المركز التجاري العربي الصرف))) ، وقد كانت أبرز ملامح هذه المرحلة هي إقتناع الدولة العثمانية بعدم جدوى محاولة القضاء على مملكة المنتفق بالحل العسكري فقط ، لذلك اتجهت الى سياسة أخرى بجانبه وهي دعم الطامحين بالحكم من ابناء الأسرة الحاكمه في مملكة المنتفق وإشاعة ذلك بينهم مما ترتب عليه ظهور العديد من المتنافسين من ابناء الأسرة وكل ماكان عليهم القيام به هو الذهاب لبغداد وطلب الدعم للوصول الى الحكم ضد الحاكم الفعلي وتقوم الدولة العثمانية بتوفير الدعم العسكري والمادي والسياسي لهم ، مقابل قيام المتنافسين بخلق انصار لهم بداخل دولتهم من قبائلهم وعشائرهم وتعهدهم بدفع الضرائب للدولة العثمانية. ثم تبع ذلك المرحلة الأخطر والأكثر تأثيرا وهي مرحلة الإفراز ، والتي بدأت منذ عام 1853م وحتى عام 1881م والتي تعني التنازل عن مناطق بكامل عشائرها وقبائلها للعثمانيين بموجوب وثائق يتم توقيعها وتم خلالها التنازل عن أكثر من نصف مساحة مملكة المنتفق للعثمانيين وتتلخص هذه المرحلة بدعم أحد أفراد الأسرة الحاكمة في مملكة المنتفق (آل سعدون) ضد الحاكم الفعلي من أبناء عمه, وهذا الدعم يكون بالقوات العسكرية العثمانية والسلاح والإعتراف السياسي بحكمه، وذلك مقابل تخلي الحاكم الجديد عن اراضي من دولته بكافة قبائلها وعشائرها للدولة العثمانية، وكان أول إفراز هو إفراز لواء السماوة كاملا بكل عشائره وقبائله والتنازل عنه للدولة العثمانية وذلك عام 1853م من قبل الأمير منصور السعدون. يذكر المؤرخ الشيخ علي الشرقي ، في كتابه ذكرى السعدون (الصادر عام 1929م ) ، مرحلة الإفراز وتدرج العثمانيين باقتطاع أراضي مملكة المنتفق.، ص: 29 (((وتم للعثمانيون ماارادوه في بلاد المنتفق وكانوا يعملون عليه منذ قرون فقد جاؤا على البنيان بالهدم حجارة حجارة حتى اتوا عليه وقد تدرج العثمانيون ينتقصون مملكة المنتفق من السماوة والعمارة ومن أنحاء البصرة))). يذكر العالم والمؤرخ والنسابة النجدي إبراهيم بن صالح بن عيسى ، آثار الصراع على الحكم في مملكة المنتفق ، في كتابه عقد الدرر فيما وقع في نجد من الحوادث في أواخر القرن الثالث عشر وأول القرن الرابع عشر ، ص: 23 ((( وحاصل الأمر ان حكم المنتفق مرج وتغلبت عليهم الدولة ، فكانوا يولون من أرادوا توليته ويعزلون من ارادوا عزله ، وذلك لكثرة خلافهم وتفرقهم )))، ومن السياسات التي بدأت الدولة العثمانية في هذه المرحلة تطبيقها في محاولة لإستمالة آل سعدون ، هي سياسة منحهم ألقاب رسمية عثمانية ، حيث كان الأمير منصور السعدون أول من حصل على لقب (باشا) من آل سعدون ، حيث منح سنة 1276هـ (1860م) رتبة (مدير الإسطبل العامر) مع لقب (بيك) ثم (باشا) بعد ذلك ، و استمرت الدولة العثمانية في هذه السياسه منذ ذلك الوقت ، وأصبح حكام مملكة المنتفق يظهرون بألقاب عثمانية. تخلل هذه المرحلة حدثين مهمين وهما تأسيس لواء المنتفق عام 1869م ثم تأسيس ولاية البصرة الكبرى عام 1874م ،حيث كان الأمير منصور بن راشد السعدون يقيم في بغداد وأحد أعضاء مجلس الحكم فيها وذلك بعد صراعه على الحكم مع أخيه الأمير ناصر السعدون وولد عمه الأمير فهد بن علي السعدون ، وقد أراد الأمير منصور السعدون الوصول للحكم بدعم عثماني و بنفس الوقت إيقاف سياسة الإفراز تجاه مملكة المنتفق لذلك عرض على العثمانيين ضم ماتبقى من مملكة المنتفق الى الدولة العثمانية في حال دعمهم له للوصل الى الحكم ، وان يصبح في منصب متصرف في أراضي المنتفق وبالتالي لايوجد مبرر لطلب التنازل عن أراضي من مملكة المنتفق الى العثمانيين ، يذكر مؤرخ العراق الكبير عباس العزاوي، موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين ، مجلد: 7 ،حوادث سنة 1280هـ - 1863م ،ص: 168 (((وكان الشيخ منصور من أعضاء المجلس الكبير ببغداد وهو منقاد لرأي الحكومة، فأبدى أن لاحاجة الى فصل بعض المواطن، وبين أنه اذا عينته الحكومة قائممقاما (متصرفا) جعل المنتفق كلها تابعة للدولة كسائر البلاد العثمانية))) ،ومنذ ذلك التاريخ بدأت المنتفق تفقد استقلالها ، وأصبحت مرتبطه جزئيا بالدولة العثمانية وبشكل رسمي ، يذكر هارولد ديكسون ، الوكيل السياسي البريطاني والذي عمل كسياسي بالعراق بعد الحرب العالمية الأولى ، عند حديثه عن الأسرة الحاكمة في مملكة المنتفق وأسرة المشيخة لقبائل المنتفق (أسرة السعدون الأشراف)، في كتابه الكويت وجاراتها، ج1، ص: 159 (((وقد هاجروا من الحجاز إلى بلاد ما بين النهرين في أوائل القرن السادس عشر. وفي ظل عائلة السعدون حافظ اتحاد المنتفق على استقلاله من الأتراك حتى سنة 1863))) ، وكان الأمير ناصر السعدون (منافسه على الحكم) قد أدرك خطورة هذه الخطوة في حال تطبيقها فعليا ، لذلك وبعد صراع سياسي بين العثمانيين وحكام المنتفق ، اتفق الأمير ناصر السعدون مع مدحت باشا والي بغداد على تحويل ماتبقى من مملكة المنتفق الى لواء يسمى باسم لواء المنتفق يحكم من قبل آل سعدون ويعترف بالتبعية الأسمية للعثمانيين ويكون حل وسط يرضي جميع الأطراف ويؤدي الى تهدئة المنطقة ، وقد رفع مدحت باشا ذلك للباب العالي وتم الموافقة عليه ولذلك تقرر أن يقوم الأمير ناصر السعدون ببناء عاصمة جديدة في عام 1869م تكون مركزا للواء المنتفق، وكان الأمير ناصر قد حصل سابقا في عام 1867م على رتبة "أمير الأمراء" ولقب "باشا" من قبل الدولة العثمانية . يذكر مؤرخ العراق الكبير عباس العزاوي ، في كتابه عشائر العراق، وذلك عند حديثه عن والي بغداد مدحت باشا، ج:4 ، ص: 119 ((( قرب ناصر باشا وارضاه واستغله لاموره الاخرى .. وان ناصر باشا لم ير بدا من تنفيذ رغبات الوالي فبنى بلد (الناصرية) باسمه سنة 1268هـ - 1869م. وبذلك ألغى فعلا امارة المنتفق بتأسيس هذه المدينة فصارت مركز اللواء ، وكانت مقدمة الاستيلاء على هذه الامارة))).
|
||
|
27-06-2012, 04:44 AM | #7 | ||
|
رد: آل سعدون الأشراف وأول إعلان تاريخي ومحاولة لإستقلال العراق بأكمله عام 1787م.
أدى تأسيس لواء المنتفق الى إستقرار المنطقة في الفترة التالية ، وكان مدحت باشا (والي بغداد) يطمح لضم الأحساء الى الدولة العثمانية ، ولم يكن ذلك ممكنا بدون استقرار المنتفق لذلك ماان تمت تهدئة المنطقة (بعد تأسيس لواء المنتفق) حتى جهز والي بغداد حملة عسكرية لضمها ، وقد دعم الأمير ناصر الحملة عسكريا حيث كان أحد قادتها (وكان وقتها قد أصبح متصرفا للواء البصرة أيضا ) ، وقد شهدت تلك الفترة صراع بين الإمام عبدالله بن فيصل آل سعود وأخيه سعود (حكام الدولة السعودية الثانية) ، وقد قام الإمام عبدالله بتوجيه رسالة استغاثة وطلب مساعدة الى والي بغداد مدحت باشا ووالي البصرة الأمير ناصر السعدون والى نقيب البصرة ، يذكر العالم والمؤرخ والنسابة النجدي إبراهيم بن صالح بن عيسى، ولد عام 1854م وتوفي عام 1925م، وهو أحد أبرز مؤرخين نجد والجزيرة العربية ، في كتابه تاريخ ابن عيسى ، المقتطع من خزانة التواريخ النجدية ، عند حديثه عن الامام عبدالله بن فيصل آل سعود ، أحداث سنة 1287هـ ، ص: 203 ((( وأرسل الشيخ عبدالعزيز بن الشيخ عبدالله بن عبدالعزيز أبا بطين برسائل ، وهدايا لباشا بغداد ، وباشا البصرة ، والنقيب محمد ، وطلب منهم النصرة والمساعدة على أخيه سعود فوعدوه بذلك ، وأخذوا في تجهيز العساكر الى الأحساء والقطيف))). وبعد أن تم ضم الأحساء للدولة العثمانية طلبت الدولة العثمانية من الأمير ناصر السعدون بتطبيق نظام حكم محلي في الأحساء لتقليل النفقات لذلك قام الأمير ناصر السعدون بالذهاب الى الأحساء يرافقه عشرة آلاف مقاتل وأربع سفن عثمانية ، وعقد مؤتمرا كبيرا بين فيه سياسة الدولة العثمانية التي تعتزم تنفيذها وقام بتعيين شيخ قبيلة بني خالد الشيخ بزيع بن عريعر حاكما للأحساء ، وذلك لكون الأمير ناصر السعدون (ناصر باشا) متزوج من أخت شيخ بني خالد بزيع بن عريعر ، وله منها بنت تزوجها ولد عمها الأمير سليمان بن منصور السعدون ، يذكر العالم الشيخ محمد بن العلامة الشيخ خليفة بن حمد بن موسى النبهاني الطائي (كان هو ووالده مدرسين بالمسجد الحرام.. وهو معاصر للحرب العالمية الأولى وسبق له تولي قضاء البصرة)، وهو المعاصر للأحداث ، وذلك في كتابه التحفة النبهانية في تاريخ الجزيرة العربية، قسم المنتفق ، ص: 434 (((لأن أخت بزيع المسماة (نجلة) كان متزوجها ناصر باشا وقد أعقب منها بنتاً سماها (طرفة) فتزوجها سليمان بيك بن منصور باشا بن راشد فولدت له عدة أولاد ستأتي أسماؤهم في ما بعد))). بعد تعيين الشيخ بزيع بن عريعر على الأحساء من قبل الأمير ناصر السعدون لم يستقر الحكم العثماني فيها وذلك بسبب محاولة الإمام عبدالرحمن بن فيصل حاكم الدولة السعودية الثانية استعادتها وقد تم حصار الشيخ بزيع في أحد القلاع بعد ان اندلعت ثورة كبيره ضده واستطاع أن يرسل طلب استغاثة ، لذلك طلب والي بغداد من الأمير ناصر السعدون تثبيت الحكم العثماني في الأحساء ، وقد جهز الأمير ناصر السعدون حمله كبيرة من 20 ألف مقاتل وزحف على الأحساء واستطاع هزيمة الإمام عبدالرحمن بن فيصل وقواته وتثبيت الحكم العثماني في الأحساء، يذكر العالم والمؤرخ والنسابة النجدي إبراهيم بن صالح بن عيسى، ولد عام 1854م وتوفي عام 1925م، وهو أحد أبرز مؤرخين نجد والجزيرة العربية ، في كتابه تاريخ ابن عيسى ، المقتطع من خزانة التواريخ النجدية ، عند حديثه عن سنة 1291هـ، صفحة : 218 (((فأمر باشا بغداد ناصر بن راشد بن ثامر بن سعدون رئيس المنتفق أن يسير إلى الأحساء، وعقد له امارة الأحساء والقطيف، وجهز معه عساكر كثيرة من بغداد، واستنفر ناصر بن راشد رعاياه من المنتفق وغيرهم من بادية العراق، فاجتمع اليه جنود عظيمة فسار بهم إلى الأحساء. فلما قرب من بلد الهفوف ,خرج اليهم عبد الرحمن بن فيصل ومن معه من العجمان، وآل مره، وأهل الأحساء، ووقع بين الفريقين قتال شديد فانكسر أهل الأحساء، وانهزموا إلى بلادهم، وتتابعت الهزيمة على العجمان ومن معهم من العربان، وتوجه الامام عبد الرحمن إلى البحرين))). وقد قام الأمير ناصر السعدون بعدها بعزل الشيخ بزيع بن عريعر وتعيين ابنه الأمير مزيد بن ناصر السعدون حاكما على الأحساء ، يذكر الدكتور محمد عرابي نخلة، في كتابه تاريخ الأحساء السياسي (1818 – 1913)، ص: 199 (((مما دعا السلطات العثمانیة إلى تغییر سیاستها في حكم البلاد، فقامت بمحاولة اقرب ما تكون إلى تطبیق نظام الحكم المحلي، لأن نظام الحكم المباشر الذي كانوا یتبعونه اثبت فشله لعدة أسباب أهمها:كثرة النفقات المالیة التي كان یتكبدها العثمانیون في الانفاق على وجودهم العسكري في الاقلیم وثانیها: قسوة المناخ. وثالثها : فقر المنطقة وبعدها عن مركز الخلافة، كل الأسباب كانت وراء التغیر الذي اعتزمته الدولة، فأسندت إلى (ناصر السعدون) متصرف البصرة وزعیم قبائل المنتفق مهمة تطبیق نظام قلیل التكالیف في الاحساء، ولقد وقع اختیار (ناصر) على صهره وزعیم قبیلة بني خالد الموالیة للعثمانیین (بركة بن عریعر) لتسلم منصب المتصرف في ذلك الاقلیم، فغادر (ناصر باشا) مدینة البصرة إلى الاحساء وبصحبته اربع سفن عثمانیة هي (أشور، أبوس، ولبنان، وسینوب) وكان یصحبه (احمد باشا) قائد الحامیات العثمانیة في الاحساء، وعقد (ناصر باشا) مؤتمرا كبیرا في مدینة الهفوف اعلن فیه عن سیاسة الدولة التي تعتزم تطبیقها في البلاد واعلن ایضا عن تنصیب صهره (بركة بن عریعر) متصرفا للاقلیم وترك له قوة صغیرة من الشرطة العسكریة لتساعده في إقرار الامن، وترك له ایضا بعض رجال الحامیات وقام بسحب معظم جنود الدولة من الاقلیم وعاد بهم إلى البصرة ولكن تلك الترتیبات التي اتخذت في مارس ١٨٧٤ لم تعمر طویلا، ولم یقدر لتلك التجربة النجاح، فاضطر (ناصر باشا) إلى العودة مرة أخرى إلى الاحساء على اثر الثورة التي اندلعت في الاقلیم بزعامة (عبد الرحمن بن فیصل) في اواخر عام ١٨٧٤، وقام باخضاع الثورة بلا هوادة وعین ابنه (مزیدا) متصرفا للدولة في الاحساء وعاد إلى البصرة في فبرایر عام 1875 لتكافئة الدولة على اعماله تلك بتعیینه والیا للبصرة التي رفعت إلى درجة الولایة في ذلك العام))). ملاحظة: تذكر بعض المصادر بالخطأ ان اسم شيخ بني خالد هو بركة بن عريعر والصحيح ان اسمه بزيع بن عريعر. بعد ذلك قابل الأمير ناصر السعدون الخليفة العثماني وطلب فصل ولاية البصرة عن ولاية بغداد وقد تم مكافأته على جهوده بتنفيذ طلبه حيث تأسست ولاية البصرة الكبرى (والتي تشمل لواء البصرة ولواء العمارة ولواء المنتفق ولواء نجد - الأحساء) وعين الأمير ناصر السعدون كأول والي عليها بعد أن نجح في فصلها عن بغداد أداريا وربطها بالدولة العثمانية مباشرة ، وتظهر ولاية البصرة الكبرى في الخرائط العثمانية كولاية مستقله , وهذه خريطة لولاية البصرة الكبرى تاريخيا: يذكر الدكتور عبد العزيز عبد الغني، في كتابه أمراء وغزاة.. قصة الحدود والسيادة الإقليمية في الخليج (دراسة وثائقية)، ص: 116 (((عين العثمانيون ناصر باشا واليا على المقاطعة الساحلية التي تضم البصرة وتوابعها بمافي ذلك متصرفية نجد. وخشي الكثير من الشيوخ المهادنين مغبة تولي عربي من شيوخ المنطقة منصبا رفيعا كهذا، وشعروا بأن هذا الأمر سيجعل مهمة العثمانيين في استقطاب القبائل في المنطقة وماجاورها أمرا ميسورا، وكتبوا بذلك إلى المقيم البريطاني. وكان ناصر باشا قد أقال حال وجوده في الأحساء بزيغ من منصب المتصرفيه وأقام ابنه مزيد أميرا عليها. وحين غادر ناصر باشا إلى البصرة ترك مع ابنه مزيد حوالي 900 من الجنود النظاميين. واستمر مزيد في منصبه حتى عام 1293هـ / 1876م))). لقد تسببت مرحلة الافراز في هجرة العديد من القبائل والعشائر من مملكة المنتفق ، وقد كان هنالك وجهتين رئيسيتين لهذه الهجرات ، الوجهة الأولى كانت منطقة عربستان (حيث شكلت قبائل وعشائر المنتفق ثقلا عدديا كبيرا هناك ، لكنها فقدت وحدتها في أراضيها الجديدة) ، يذكر هذه الوجهة للهجرات مؤرخ العراق الكبير عباس العزاوي ، في موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين ، عند حديثه عن آثار السياسات العثمانية على مملكة المنتفق ، المجلد السابع ، ص:273 ((( ان الخلاف بين أمراء المنتفق ، وتنازعهم السلطة من الأسباب المهمة للقضاء على هذه الامارة وتعد كافية لنجاح مشروع الدولة في الاستيلاء على هذا اللواء كما استولت على بابان وغيرها .. ولكن هناك عوائق حالت دون الاتمام وكلفت الحكومة كلفا عظيمة أدت الى القسوة بالأهلين ومن أهمها تزييد بدلات الالتزام، واقتطاع أقسام من أراضي المنتفق مع الاحتفاظ بهذه الزيادات، فقد ولدت ظلما ، وأنتجت ارتباكا ، ودعت الى أن يهرب العدد الكبير من العشائر الى أنحاء ايران. فكان ذلك التشوش مطلوبا منها ، وداعية الكره والحنق عليها ، وقتالها بتهالك زائد حبا في الانتقام وأخذ الحيف))). أما الوجهة الأخرى فقد كانت مناطق العراق العثمانية شمال مملكة المنتفق (ولاية بغداد) ، يذكر هذه الوجهة للهجرات المؤرخ والمستشرق الألماني البارون ماكس فرايهير فون أوبنهايم ، في كتابه البدو ، ج:3 ، ص: 403 (((لاسيما أن منطقة المنتفق خرج منها مرارا وتكرارا مهاجرون توجهوا نحو الشمال))). استدعى الخليفة العثماني الأمير ناصر (باشا) السعدون الى مقر الخلافة ، وذلك بعد هروب قاسم باشا آل زهير الى استنبول ومقابلته للخليفة العثماني وتحذيره له من نية الأمير ناصر السعدون الإستقلال بكامل ولاية البصرة الكبرى عن الدولة العثمانية ، وتم عزل الأمير ناصر السعدون من ولاية البصرة وتعيينه في مجلس الشورى العثماني بأمر من الخليفة العثماني عام 1877م ، وهو مايبدو في ظاهره كتكريم له ولكنه في حقيقته يمثل وضعه قيد الإقامة الجبرية ولكن بشكل لطيف ، ووقتها بدأت الدولة العثمانية محاولة القضاء على ماتبقى من مملكة المنتفق (لواء المنتفق) ، ووقتها كان الأمير منصور السعدون مقيما في بغداد وأحد أعضاء مجلس الحكم فيها ، ولكنه مثل أخيه كان قيد الإقامة الجبرية ولكن بشكل لطيف ، لذلك ماان وجد فرصة للهرب من بغداد حتى استغلها واتجه لقبائله وقد وضع نصب عينيه الثورة على العثمانيين والغاء كل ماتم الاتفاق عليه خصوصا بعد اتضاح نية العثمانيين في القضاء على مملكة المنتفق بشكل نهائي بعد أن أضعفوها بسياساتهم، وبعد وصول رسائل من أخيه الأمير ناصر السعدون في استنبول تحثهم على التجهز لمواجهة الدولة العثمانية التي كانت تنوي بشكل جدي التحرك عسكريا ضدهم ، يذكر مؤرخ العراق الكبير عباس العزاوي ، في موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين ، المجلد الثامن ، ص: 65 ((( ان الدولة كانت تخشى من منصور باشا أن يحدث اضطرابا في المنتفق. ولذا أمرته بالاقامة في بغداد وجعلته عضوا في مجلس الادارة ، فهو معزز مكرم ظاهرا ، ولكنها كانت تخشى أن يولد قلاقل فهي في حذر منه))). وما ان وصل الأمير منصور السعدون الى مملكة المنتفق حتى اعلن بين القبائل والعشائر استقلالهم عن العثمانيين وانهم سوف يدافعون عن أراضيهم بكل قوة ، وكانت الدولة العثمانية قد أرادت أن تسبق الأمير منصور السعدون وتباغته بجيش قوامه ثمانية آلاف مقاتل ، الا انه سبقهم وجمع عشرة آلاف من الفرسان ، مما أوقف أي تحرك عسكري ارتجالي ضده ، يذكر مؤرخ العراق الكبير عباس العزاوي ، في موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين ، المجلد الثامن ، ص: 66 ((( وكانت الحكومة أرسلت أربعة أفواج لتسكين الحالة. وفي هذه المرة صدر أمر بارسال عشرة أفواج نحو ثمانية آلاف جندي الا أن هذا المقدار غير كاف للتغلب على منصور باشا فانه تجمع لديه نحو عشرة آلاف من الفرسان))). وبدأت الدولة العثمانية التجهيز للمعركة الفاصلة بين الطرفين وأرسلت ثلاثين ألف بندقية كدعم عسكري لبغداد وللبصرة ، يذكر مؤرخ العراق الكبير عباس العزاوي ، في موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين ، المجلد الثامن ، ص:66 ((( أرسلت الى بغداد والبصرة ثلاثين ألف بندقية من صنع مارتين هنري))). وبذل قائد القوات العثمانية كل مابوسعه لإنجاح الحملة خصوصا وأن الأمير منصور السعدون بدأ بالتعرض للواء العمارة ولواء البصرة الذين فصلا سابقا عن مملكة المنتفق ، يذكر مؤرخ العراق الكبير عباس العزاوي ، في موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين ، المجلد الثامن ، ص: 67 ((( بذل الرئيس الجهود الكبيرة ليحصل على النجاح ، وذلك لأن منصور باشا أعلن نفسه (سلطان للبر) ، وأعلن استقلاله في لواء المنتفق وصار يتعرض بالعمارة والبصرة ، وأما أخوه ناصر باشا فانه في كان في استنبول يغفل هيئة الوكلاء))). وبدأ القائد العثماني بتقييم الوضع في العراق لإزالة نفوذ آل سعدون بشكل نهائي ، وأرسل رديف باشا للدولة العثمانية يخبرهم من أن التخلص من آل سعدون بشكل كامل يتطلب تجهيز مائة وخمسين ألف مقاتل ، الا ان الدولة العثمانية رأت استحالة تنفيذ هذا الطلب ، وطلبت من القادة العثمانيين بالعراق الهجوم بما لديهم من قوات ، يذكر مؤرخ العراق الكبير عباس العزاوي ، في كتابه موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين ، المجلد الثامن ، ص: 68 ((( ومن ثم أبرق القائد الرئيس الى السلطان: "أيها السلطان ان ليرات السعدون ، وحرص الوكلاء الحاضرين وطمعهم اذا كانا موجودين فلا يمكن اصلاح العراق". كان لهذه البرقية أثرها ، فأربكت أمر الحكومة سواء في المابين، أو في دوائر الدولة الأخرى ، فقيل أن تأديب هؤلاء يحتاج الى قوة عسكرية متألفة من 150 ألف جندي كما بين ذلك رديف باشا في لائحته. وكان جواب البرقية بأن هذه تحتاج الى قوة مالية ، والحالة لاتساعد على ادارة مثل هذا الجيش الا أنكم اذا كنتم تميلون الى غير ذلك فالمسؤولية تكون في عهدتكم وامضوا بما عندكم من موجود))). لذلك وجد عزت باشا بأنه يجب أن يفصل بعض القبائل عن حكام مملكة المنتفق آل سعدون قبل المعركة ، فجرت بينه وبين أمير قبائل ربيعة مراسله وأستطاع اقناعه بالتخلي عن آل سعدون ، يذكر مؤرخ العراق الكبير عباس العزاوي ، في كتابه موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين ، المجلد الثامن ، ص: 68 ((( وفي هذه المدة خابر أمير ربيعة فتمكن القائد من فصله عن آل السعدون))). وقد كانت خطة المنتفق العسكرية للتغلب على سلاح المدفعية العثماني تتلخص بتجهيز ثلاثة آلاف بعير يتم سد آذانها بالزفت وعلى كل منها شخصين احدهم يوجه البعير الى المدفعية العثمانية والآخر خلفه ينثر الرمال من كيس كبير حتى يعدم الرؤية على سلاح المدفعية العثماني ، يذكر مؤرخ العراق الكبير عباس العزاوي ، في كتابه موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين ، المجلد الثامن ، ص: 67 ((( سارت أمامها نحو ألفين أو ثلاثة آلاف بعير. سدوا آذانها بالزفت ، ووضعوا عليها أكياس الرمل ، وركب عليها بعض المتطوعين ، جعلوه في الأمام وآخر خلفها .. وصار يسوقها بعصي من حديد ، وبشدة عظيمة ، وهاجموا بها الجيش ، والأول صار يذري الرمال من الأحمال التي على بعيره ليشوش الهدف بغبار كثيف ، فصار لايشاهد ماوراء الغبار))). وكادت الخطة العسكرية أن تنجح لولا حدوث حدث غير متوقع قلب ميدان المعركة كله رأسا على عقب ، حيث أن عشيرة المياح ( أحد عشائر ربيعة) بدلت ولاؤها وقامت بهجوم مفاجىء على معسكر آل سعدون ونهبه ، وهو المعسكر الذي كان يحتوي على أموالهم وأهلهم والذين تركوهم قريب من ميدان القتال ، لذلك وما أن وصلت الأخبار الى ميدان المعركة حتى انسحب آل سعدون من ميدان المعركة ومن قيادتها واتجهوا للدفاع عن أموالهم وأولادهم ، مما تسبب في فوضى كبرى ، أدت الى انتصار عثماني كبير ، يذكر مؤرخ العراق الكبير عباس العزاوي ، في كتابه موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين ، المجلد الثامن ، ص: 71 ((( فنهب مياح أموال السعدون. فرجع منصور باشا مع من معه لانقاذ أموالهم وعيالهم من العشائر التي خانت وصار الظفر لعزت باشا. ونهب الجيش غنائم كثيرة فبيعت في بغداد وصارت لخزانة))). وقد طاردت الدولة العثمانية آل سعدون حتى اضطروا الى الخروج من العراق واللجوء الى حاكم عربستان الأمير مزعل ، يذكر الدكتور حميد بن حمد السعدون ، في كتابه امارة المنتفق وأثرها في تاريخ العراق و المنطقة الأقليمية 1546م – 1918م ، ص: 220 ((( فقد وجدوا أن التوجه الى " الحويزة" والنزول بجوار أمير عربستان ( مزعل الحاج جابر المرداو) أكثر أمانا من أية منطقة أخرى))). وقد كان رديف باشا صادقا في تقديره للقوة اللازمة للتخلص من آل سعدون بشكل نهائي ، حيث عاد آل سعدون بعد المعركة بسنوات قليلة وأستطاع الأمير سعدون السعدون اعادة تأسيس الدولة ولكنه دخل بصراعات داخلية كثيرة ولم تكن مملكة المنتفق بنفس ماكانت عليه من قوة قبل معركة كون الريس. ثم بدأت مرحلة مابعد سقوط المنتفق الأول - بمعركة كون الريس ضد الدولة العثمانية - منذ عام 1881م والتي تسببت في انقسام الدولة بعد سقوطها الى قسمين متصارعين قسم معادي للعثمانيين يقع يمين الفرات وفي بادية العراق الجنوبية ويشمل معظم قبائل المنتفق البدوية تحت حكم الأمير سعدون السعدون (سعدون باشا بعد عام 1904م) والذي بدا استعادة وحدة مملكة المنتفق بعد سقوطها بسنوات قليلة مما ادخله بحروب داخلية كثيرة، وقسم موالي للعثمانيين بمنطقة الجزيرة مابين الفرات ودجلة ونهر الغراف تحت حكم الأمير فالح (باشا) السعدون ، يتحدث هارولد ديكسون ، الوكيل السياسي البريطاني والذي عمل كسياسي بالعراق بعد الحرب العالمية الأولى ، في كتابه الكويت وجاراتها ،عن هذه الفترة ، ج : 1، ص : 161 (((وفي تلك الأثناء أصبح المنتفق موزع الولاء بين فالح باشا وسعدون باشا ابن الشيخ منصور. وكان ينظر إلى سعدون بأنه ممثل المبادئ القبلية القديمة. فأنصار فالح كانوا يقطنون المنطقة ما بين دجلة والفرات، بينما الجماعات القبلية الموالية لسعدون باشا كانت تقطن الضفة اليمنى من الفرات))). يذكر نفوذ حاكم مملكة الأمير سعدون السعدون في هذه الفترة ، العالم الشيخ محمد بن العلامة الشيخ خليفة بن حمد بن موسى النبهاني الطائي (كان هو ووالده مدرسين بالمسجد الحرام.. وهو معاصر للأمير سعدون السعدون وللحرب العالمية الأولى وسبق له تولي قضاء البصرة)، في كتابه التحفة النبهانية في تاريخ الجزيرة العربية، قسم المنتفق ، وذلك عند حديثه عن الأمير سعدون السعدون واستعادته لوحدة قبائل مملكة المنتفق من جديد ، ص: 444 (((وجعل مقره في الموضع المسمى (شقرا) وأنشأ فيها قصراً مشيداً ثم سكنه فازدادت أهمية سعدون باشا لدى العشائر وهابته فخضعت له غالب الأعراب من حدود (النجف) إلى حدود (الكويت) وفرض على الرعاة وبعض العشائر (خراجاً) يستوفيه منهم جبراً. ثم بعد يسير من الزمن جعلت العشائر الرحل تؤدي له الزكاة طائعة بنفسها خوفاً من غاراته المتوالية وتأميناً لها من غزوات بعض عشائر المنتفق (لأنهم إذا انتسبوا إليه يكفون عنهم) ثم لما استفحل أمر سعدون باشا صار يشن الغارات في شمال داخل جزيرة العرب على حدود عشائر (سورية) إلى أطراف نجد جنوباً. فنشأت له سطوة وهيبة عظمى بين الأعراب))). ويذكر هارولد ديكسون ، الوكيل السياسي البريطاني والذي عمل كسياسي بالعراق بعد الحرب العالمية الأولى ، في كتابه الكويت وجاراتها، نفوذ حاكم مملكة المنتفق الأمير فالح بن ناصر السعدون في تلك الفترة (مابعد عام 1881م) والذي كان حاكما لمملكة المنتفق قبل سقوطها في كون الريس عام 1881م وهو منافس الأمير سعدون السعدون على الحكم في الفترة التالية لعام 1881م ، وذلك عند حديث المؤلف عن الأمير فالح بعد وفاته ، ج : 1، ص : 162 ((( فالح باشا السعدون : سابقا رئيس جميع القبائل القاطنة بين دجلة والفرات))). وفي عام 1904م حصل الأمير سعدون السعدون على العفو من السلطان العثماني بالإضافة إلى لقب (باشا) وذلك بعد توسط الأمير عبد العزيز الرشيد (حاكم دولة آل رشيد – التي تشمل نجد) له لدى الخليفة العثماني، يذكر العالم الشيخ محمد بن العلامة الشيخ خليفة بن حمد بن موسى النبهاني الطائي (كان هو ووالده مدرسين بالمسجد الحرام.. وهو معاصر للحرب العالمية الأولى وسبق له تولي قضاء البصرة)، وهو المعاصر للأحداث وذلك في كتابه التحفة النبهانية في تاريخ الجزيرة العربية، قسم المنتفق ، ص: 450 (((وظل سعدون باشا مستمراً على العبث في أطراف العراق إلى أن جاءه من السلطان عبد الحميد الثاني (العفو السلطاني) في أواخر عام (1322هـ 1904م) فأمن جانبه وهدأ من الفتن وأعاد أهله وعائلته إلى مقره في الشامية وإن الساعي بالصلح بين سعدون باشا والدولة العثمانية هو الأمير عبد العزيز الرشيد))). وأخيرا دخلت مملكة المنتفق الحرب العالمية الأولى وهي مقسمه وقد فقدت الكثير من أراضيها وقبائلها في سياسة الإفراز وماتلاها ، وعندما دخل الأنجليز العراق عام 1914م ( الحرب العالمية الأولى ) ، اتخذ الأمير عجمي السعدون حاكم مملكة المنتفق ومعه معظم قبائله جانب العثمانيين (على الرغم من قتل العثمانيين لوالده الأمير سعدون (باشا) السعدون) ، وبقي يحارب الأنجليز هو ومعظم قبائل اتحاد المنتفق حتى سقوط العراق بأكلمه في يد بريطانيا العظمى نهاية عام 1918م ، ينقل المؤرخ والمستشرق الألماني البارون ماكس فرايهير فون أوبنهايم ، وصف للأمير عجمي السعدون، وذلك في كتابه البدو، الجزء الثالث، (عن فيلبي..الجزء الأول, ص 257) ، ص 631 (((كان عجمي أعظم ان لم يكن في الواقع العبقرية العسكرية الوحيدة التي أنجبها العرب خلال الحرب وكانت صفاته تستحق اعترافا أفضل ونجاحا أكبر حظا. وعلى الرغم من أنه كان عدونا لا يمكننا انكار تقديرنا للطريقة والشكل الذين استمر فيهما في خدمة قضية خاسرة ولا مستقبل لها على مدى سنوات الحرب في الصحراء، على الجانب الأخر من الفرات، كان دوما سهما في لحمنا وعاملا توجب علينا أن نحسب له حسابا))). وفي عام 1915م أثناء القتال حاولت بريطانيا العظمى استمالة آل سعدون وذلك بعرض الحكم عليهم مقابل التخلي عن جانب الأتراك وهو العرض الذي أرسل مكتوبا من قبل السير بورسي كوكس (الحاكم الملكي لبريطانيا العظمى في العراق) للأمير عجمي السعدون (ومازال أبناؤه يحتفظون بهذه الوثيقة التاريخية) والذي رفضه الأمير عجمي السعدون كليا واستمر في قتال الأنجليز حتى سقطت مملكة المنتفق والعراق، وهذا نص الوثيقه ، المنشورة صورتها في كتاب القاموس العشائري العراقي ، ج:1 ، ص437(((شيخ العرب الأمير السعدوني نبارك النسب السعدوني الهاشمي في الجزيرة العربية وشجاعة أبائكم وأخوانكم ونقدر مواقفكم من الاتراك نعرض عليكم كأمير عربي ونود أن نعلمكم إن الشيخ مبارك أمير الكويت وعبد العزيز أمير أرضه تخلو عن الاتراك وإننا نعرض عليكم أميراً على أرضك لا تضيع الفـرص على أهليكم يا شجاع نقدر فيك الموقف نعرض عليك لانك أحق من غيرك. السير بورسي كوكس الحاكم الملكي لبريطانيا العظمى العراق 1915م))). هاجر الأمير عجمي السعدون إلى تركيا بعد خسارة مملكة المنتفق الحرب وسقوط العراق بيد بريطانيا العظمى وقد تم منحه مقاطعة زراعية هناك من قبل الدولة العثمانية. يذكر فهد المارك، نص الرسالة التي وجهها كمال أتاتورك للأمير عجمي السعدون عند قدومه لتركيا، وذلك في كتابه من شيم العرب، ج1، ص:103، وقد أرسلت الرسالة في الفترة التي سبقت انقلاب أتاتورك على العثمانيين وقد ترجمها للعربية الدكتور أمين رويحة (((حضرة شيخ مشايخ العراق عجمي باشا. استبشرت بتشريفكم إلى ديار بكر، وكنت قد سمعت عن سجاياكم ورجولتكم وارتباطكم بمقام الخلافة المقدس، وأنا عندما كنت في الحرب المنصرمة في قيادة الجيش الثاني في ديار بكر وقيادة الجيش الرابع في حلب ممااحدث لكم في قلبي محبة كبيرة.....))) ويكمل المؤلف فهد المارك بعد عرضه نص الرسالة في كتابه من شيم العرب (((والشيخ عجمي الآن يقطن البلاد التركية حيث أدى به وفاؤه إلى ان ناضل في صف الأتراك إلى آخر لحظة، ولم يقف به وفاؤه إلى ان قاتل بجانبهم في بلاده العربية فحسب بل ذهب يناضل بجانب الجيوش التركية في قلب بلادها إلى ان هجر وطنه العراق.وهكذا ذهب البطل ضحية لوفائه حيث خسر زعامته في العراق واملاكه التي لاتحصى وبقي في تركيا لاجئا))). تذكر المس بيل ، والتي عملت في العراق مستشارة للمندوب السامي البريطاني بيرسي كوكس ،وتوفيت عام 1926م ، في كتابها فصول من تاريخ العراق القريب (((في ظل الأسرة الحجازية الجبارة، أسرة السعدون والتي لعبت دورآ لا يستهان به في تاريخ المنطقة الحافل، قبائل المنتفق تشكل دومآ مصدر إزعاج للسلطات البريطانية، وخصوصآ وأنهم رؤوا أمراءهم السابقين (السعدون) متمسكين بكبرياء وتقاليدهم القتالية التي جعلتهم في معزل عن أي مساهمة أخرى في حكم البلاد، مما قوى دعاويهم، ولم يسهل أمرنا في أراضي المنتفق حتى عام 1919))). أخيرا يذكر سقوط مملكة المنتفق المشرف في الحرب العالمية الأولى ، المؤرخ والمستشرق الألماني البارون ماكس فرايهير فون أوبنهايم ، في كتابه البدو ، وذلك عند بداية حديثه في قسم المنتفق عن مملكة المنتفق وحكامها ومقارنته أهمية اتحاد قبائل المنتفق (أكبر اتحاد للقبائل والعشائر مختلفة الأصول شهده العراق تحت مشيخة شيخ مشائخ فعلي) بالقبائل الأخرى في العراق ، ومقارنته أيضا أهمية أسرة المشيخة فيه (آل سعدون الأشراف والتي كانت تعرف سابقا بـ آل شبيب) بأسر المشيخة الأخرى بالعراق ، ج:3 ، ص:590 (((مامن قبيلة عراقية تضاهي المنتفق في الأهمية ولا عائلة شيوخ تضاهي عائلة سعدون - شبيب التي أسست في أواخر القرن السابع عشر مملكة المنتفق على الفرات الأدنى والتي جلبت في الحرب العالمية الأولى - عندما كانت تلك المملكة قد سقطت - لاسم المنتفق الفخر والاعتزاز مرة أخرى))). 31- المصادر: 1. كتاب البدو ، المؤرخ والمستشرق الألماني البارون ماكس فرايهير فون أوبنهايم.
2. كتاب أربعة قرون من تاريخ العراق الحديث ، المؤرخ الإنجليزي ستيفن هيمسلي لونكريك ، الذي عمل كمفتشا إداريا بالعراق من قبل بريطانيا العظمى في الفترة التالية للحرب العالمية الأولى. 3. كتاب تاريخ الجزيرة العربية ، المؤرخ حسين خلف الشيخ خزعل. 4. كتاب تحفة المشتاق في أخبار نجد والحجاز والعراق ، المؤرخ النجدي عبدالله بن محمد البسام التميمي. 5. كتاب ولاية البصرة - من كتاب (سياحة نامة حدود) جولة بالمناطق الحدودية بين الامبراطورية العثمانية وفارس ، تقرير عثماني أعده للدولة العثمانية خورشيد باشا (الذي اشترك بلجنة الحدود العثمانية الفارسية ما بين 1848م - 1852م وأصبح واليا لأنقرة لاحقا). 6. موسوعة تاريخ العراق بين احتلالين ، مؤرخ العراق الكبير عباس العزاوي. 7. الخبر والعيان في تاريخ نجد ، المؤرخ والشاعر السعودي خالد الفرج . 8. كتاب عشائر العراق ، مؤرخ العراق الكبير عباس العزاوي. 9. كتاب صور من تاريخ العراق في العصور المظلمة ، المؤرخ جعفر الخياط. 10. كتاب ذكرى السعدون ، الشيخ والمؤرخ علي الشرقي عام 1929م. 11. كتاب ولاية البصرة في ماضيها وحاضرها ، الكسندر أداموف ، القنصل الروسي في البصرة في نهاية القرن التاسع عشر. 12. كتاب عرب الصحراء ، هارولد ديكسون ، الوكيل السياسي البريطاني والذي عمل كسياسي بالعراق بعد الحرب العالمية الأولى . 13. كتاب التحفة النبهانية في تاريخ الجزيرة العربية ، العالم الشيخ محمد بن العلامة الشيخ خليفة بن حمد بن موسى النبهاني الطائي ، الذي كان هو ووالده مدرسين بالمسجد الحرام .. والمعاصر للحرب العالمية الأولى والذي سبق له تولي قضاء البصرة. 14. كتاب مطالع السعود بطيب أخبار الوالي داود ، المؤرخ العثماني الشيخ عثمان بن سند الوائلي البصري. 15. مقالة: عبدالرحمن بن عبدالله بن سيف العتيقي – صاحب الختمة العتيقية ، أ.د. عماد محمد العتيقي. 16. كتاب تاريخ مدينة سوق الشيوخ , عبدالكريم محمد علي. 17. كتاب مطالع السعود بطيب أخبار الوالي داود , القسم المقتطع من خزانة التواريخ النجدية ، مختصر الشيخ أمين الحلواني , المؤرخ العثماني الشيخ عثمان بن سند الوائلي البصري. 18. كتاب القبائل والبيوتات الهاشمية في العراق , المؤرخ والنسابة يونس الشيخ إبراهيم السامرائي. 19. كتاب تاريخ ابن عيسى ، المقتطع من خزانة التواريخ النجدية ، العالم والمؤرخ والنسابة النجدي إبراهيم بن صالح بن عيسى. 20. مقالة : النار في حياة العرب... رفيقة أفراحهم وملح أهازيجهم ، جريدة السياسة ، سنة 2010، أحمد بن محارب الظفيري . 21. كتاب امارة في بلاد الرافدين – الخميسية، حمد بن عبد الله بن حمد آل خميس. 22. كتاب عقد الدرر فيما وقع في نجد من الحوادث في أواخر القرن الثالث عشر وأول القرن الرابع عشر ، العالم والمؤرخ والنسابة النجدي إبراهيم بن صالح بن عيسى. 23. كتاب الكويت وجاراتها، هارولد ديكسون ، الوكيل السياسي البريطاني والذي عمل كسياسي بالعراق بعد الحرب العالمية الأولى. 24. كتاب تاريخ الأحساء السياسي (1818 – 1913)، الدكتور محمد عربي نخلة. 25. كتاب أمراء وغزاة.. قصة الحدود والسيادة الإقليمية في الخليج (دراسة وثائقية) ، الدكتور عبد العزيز عبد الغني. 26. خريطة ولاية البصرة الكبرى historiae.org)). 27. كتاب امارة المنتفق وأثرها في تاريخ العراق و المنطقة الأقليمية 1546م – 1918م ، الدكتور حميد بن حمد السعدون. 28. كتاب القاموس العشائري العراقي ، الشيخ أحمد العامري الناصري. 29. كتاب من شيم العرب، ج1، فهد المارك. 30. كتاب فصول من تاريخ العراق القريب ، المس بيل ، التي عملت في العراق مستشارة للمندوب السامي البريطاني بيرسي كوكس. 31. كتاب الخليج والجزيرة العربية بين القرن السادس عشر والقرن العشرين ، د. طارق نافع الحمداني. 32. كتاب حديقة الزوراء في سيرة الوزراء ، المؤرخ العثماني الشيخ الأديب عبد الرحمن السويدي البغدادي. 33. كتاب مباحث عراقية ، ق 3، المؤرخ يعقوب سركيس. 34. كتاب كلشن خلفا ، المؤرخ العثماني نظمي زاده مرتضى افندي. 35. كتاب بنو خالد وعلاقتهم بنجد 1080 - 1208 هـ/ 1669 – 1794م ، عبدالكريم المنيف الوهبي. 36. كتاب تاريخ حمد بن محمد بن لعبون ، المؤرخ حمد بن لعبون ، مؤرخ الدولة السعودية الأولى والثانية. 37. كتاب البصرة في الفترة المظلمه ، المؤرخ حامد البازي. 38. كتاب لمحات إجتماعية من تاريخ العراق الحديث ، الدكتور علي الوردي. 39. كتاب عنوان المجد في تاريخ نجد ، المؤرخ الشيخ عثمان بن بشر ، مؤرخ الدولة السعودية الأولى والثانية. 40. كتاب بحوث عن العراق وعشائره ، حمود الساعدي. 41. هامش كتاب تاريخ ابن يوسف ، الدكتورعويضة الجهني. 42. كتاب تاريخ بعض الحوادث الواقعه في نجد ، العالم والمؤرخ والنسابة النجدي إبراهيم بن صالح بن عيسى. 43. كتاب مشاهدات نيبور في رحلة من البصرة الى الحلة سنة 1765م ، الرحالة نيبور. 44. كتاب تاريخ ابن يوسف ، المؤرخ النجدي ابن يوسف. 45. كتاب الزبير قبل خمسين عاما مع نبذة تاريخية عن نجد والكويت، يوسف بن حمد البسام. 46. كتاب دليل الخليج ، القسم التاريخي ، ج.ج. لوريمر. 47. بحث: جذور الفكر السياسي في العراق الحديث ـ1ـ , محاولات الاستقلال المحلّي في العراق 1750ـ 1817 ، أ.م.د. رياض الأسدي , مجلة الجندول. 48. كتاب رحلة القائد العثماني سيدي علي التركي ، والذي يتضمن أيضا عدة أبحاث أخرى عن الجزيرة العربية والعراق في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر ، د. عماد عبدالسلام رؤوف. 49. كتاب البصرة .. ولاتها ومتسلموها من تأسيسها حتى نهاية الحكم العثماني ، ابن الغملاس. 50. كتاب سبائك العسجد في اخبار نجل رزق الاسعد ، المؤرخ العثماني الشيخ عثمان بن سند الوائلي البصري. 51. سوق الشيوخ ، المؤرخ والصحفي سليمان بن صالح الدخيل النجدي ، بحث منشور في مجلة لغة العرب عام 1912م ( قبل الحرب العالمية الأولى). 52. مقاله عن مخطوط رقم خ 991 في مكتبة الموسوعة الفقهية بالكويت ، أ.د. عماد محمد العتيقي، منشوره في ذو القعدة 1430 الموافق نوفمبر 2009. 53. كتاب مشاهدات بريطاني عن العراق سنة 1797 ، الرحالة الإنجليزي المعروف جاكسون في رحلته للعراق عام 1797م . 54. كتاب رحلة المنشي البغدادي الى العراق ، السيد محمد آغا الفارسي ، رحلته عام 1820م. 55. كتاب تاريخ نجد ( روضة الأفكار والأفهام) ، المؤرخ الشيخ حسين بن غنام ، مؤرخ الدولة السعودية الأولى. 56. كتاب العربية السعودية، هاري سانت جون فيلبي. 57. كتاب العراق قديما وحديثا، السيد عبدالرزاق الحسني. 58. كتاب تاريخ الكويت ، مؤرخ الكويت الأول الشيخ عبد العزيز الرشيد. 59. كتاب دوحة الوزراء في تاريخ وقائع بغداد الزوراء ، المؤرخ العثماني التركي الشيخ رسول الكركوكلي. 60. كتاب تاريخ ابن لعبون المقتطع من خزانة التواريخ النجدية ، المؤرخ حمد بن لعبون ، مؤرخ الدولة السعودية الأولى والثانية. 61. كتاب ترحال في صحراء الجزيرة العربية ، المستشرق والرحالة الإنجليزي تشارلز م . دوتي. 62. كتاب علماء نجد خلال ثمانية قرون ، الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن آل بسام. 63. هامش كتاب مطالع السعود بطيب أخبار الوالي داود ، الدكتور عماد عبدالسلام رؤوف وسهيلة عبدالمجيد القيسي. 64. كتاب تاريخ الكويت السياسي ، المؤرخ حسين خلف الشيخ خزعل. 65. كتاب الأعلام ، قاموس تراجم لأشهر الرجال والنساء من العرب والمستعربين والمستشرقين يقع في ثمانية مجلدات ، المؤرخ خير الدين الزِّرِكْلي المولود عام 1893م. 66. كتاب لمع الشهاب في سيرة محمد بن عبد الوهاب ، مؤلف مجهول. 67. كتاب امارة الزبير بين هجرتين بين سنتي 979هـ - 1400هـ ، عبدالرزاق الصانع وعبدالعزيز العلي. 68. كتاب عبدالمحسن السعدون و دوره في تاريخ العراق السياسي المعاصر، لطفي جعفر فرج عبدالله. 69. كتاب عشائر المنتفق ، المؤرخ العثماني سليمان فائق بك (أحد كبار الموظفين العثمانيين في العراق في القرن التاسع عشر). 70. مقالة: بين الناصريتين .. ناصرية العرب وناصرية العجم ، وكالة العراق نيوز المستقلة للأنباء ، 2010، كاظم فنجان الحمامي. 71. مقالة: الناصرية في أروقة الزمن , جريدة الصباح ، عبد الحليم احمد الحصيني. 72. كتاب آل الأعرجي - أحفاد عبيدالله الأعرج ، النسابة الأستاذ حليم حسن الأعرجي. 73. كتاب عنوان المجد في بيان أحوال بغداد والبصرة ونجد، المؤرخ إبراهيم فصيح الحيدري. 74. ديوان أسرة السعدون وعشائر المنتفق. 75. رسالة ماجستير بعنوان: ســوق الشيوخ مركز إمارة المنتفق ( 1761 – 1869 م) دراسة في أوضاعها السياسية والاقتصادية والاجتماعية ، أحمد الحجامي.
|
||
|
27-06-2012, 04:56 AM | #8 | ||
|
رد: آل سعدون الأشراف وأول إعلان تاريخي ومحاولة لإستقلال العراق بأكمله عام 1787م.
|
||
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 10 ( الأعضاء 0 والزوار 10) | |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|
إعلانات نصية |
منتديات صحيفة وادي الدواسر الالكترونية | |||