السلام عليكم هذه مشاركتي الأولى في منتداكم الإسلامي، أسأل الله أن ينفعني وإياكم بها:
إخوتي في الله، اتّقوا الله واعلموا أن الله قد أمرنا بحفظ الجوارح عن الآثام، وإن أخطر الجوارح وأعظمها شؤمًا وأشدها خطرًا على الدين هو اللسان، ولهذا أمرنا الله تعالى بحفظه فقال عز وجل: إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنْ الْيَمِينِ وَعَنْ الشِّمَالِ قَعِيدٌ مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ [ق:17-18].
في هذه الآية الكريمة تذكير للمؤمنين برقابة الله عز وجل للإنسان، في كل لحظة من لحظاته، وفي كل حال من أحواله، حتى فيما يصدر عنه من أقوال، وما يخرج من فمه من كلمات؛ كل قول محسوب له أو عليه، وكل كلمة مرصودة مكتوبة مسجلة في سجل أعماله: مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ، يسجله الملكان في الدنيا، ويوم القيامة ينكشف الحساب، ويكون الجزاء.
إنه اللسان عباد الله، هذه الجارحة التي تتكلم بالخير والهدى والرضوان، فتكسب صاحبها المحبة والعفو والغفران، فيفوز بالجنان، وقد تتكلم بكلمة السوء والضلالة والعصيان، فتوبق صاحبها في الشرور والشقاوة وغضب الرحمن. كم من كلمة صالحة كانت سببًا لدخول صاحبها في رضوان الله تعالى، وكم من كلمة سيئة أدت بصاحبها إلى عذاب الله تعالى.
روى الإمام أحمد والترمذي عن بلال بن الحارث رضي الله عنه قال: قال رسول الله : ((إن الرجل ليتكلم بالكلمة من رضوان الله تعالى، ما يظن أن تبلغ ما بلغت، يكتب الله عز وجل له بها رضوانه إلى يوم القيامة. وإن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله عز وجل، ما يظن أن تبلغ ما بلغت، يكتب الله عز وجل بها عليه سخطه إلى يوم القيامة))، وأخرج البخاري في صحيحه أن النبي قال: ((إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله تعالى، لا يلقي لها بالاً، يرفعه الله بها درجات. وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله، لا يلقي لها بالاً، يهوي بها في جهنم)).
وصحّ من رواية الترمذي أن معاذ بن جبل رضي الله عنه جاء إلى رسول الله يستنصحه عن عمل يدخله الجنة ويباعده عن النار، فأخبره عن أعمال صالحة شتى، ثم قال له : ((ألا أخبرك بملاك ذلك كله؟)) فقال: بلى يا نبي الله، فأخذ بلسانه قال: ((كفّ عليك هذا))، فقال معاذ: يا نبي الله، وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ فقال: ((ثكلتك أمك يا معاذ، وهل يَكُبُّ الناسَ في النار على مناخرهم إلا حصائدُ ألسنتهم؟!)) أي: ما يدخل الناس جهنم إلا بسبب ما تكلمت به ألسنتهم من الحرام.
كلمة واحدة من رضوان الله قد تكون سببًا في دخولك الجنة، وكلمة واحدة من سخط الله قد تكون سببًا في دخولك النار، إنها هذه الجارحة، هذه القطعة من اللحم التي تتقلب في أفواهنا.
روى الترمذي عن رسول الله قال: ((إذا أصبح ابن آدم فإن الأعضاء كلها تُكَفر اللسان ـ أي: تخضع وتذل ـ فتقول: اتق الله فينا، فإنما نحن بك، فإن استقمت استقمنا، وإن اعوججت اعوججنا)).
و اللسان ـ عباد الله ـ ترجمان القلب، وقد أمرنا الله عز وجل بالمحافظة على استقامة قلوبنا، واستقامة القلب مرتبطة باستقامة اللسان، ففي الحديث الذي رواه الإمام أحمد: ((لا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه، ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه)).
ومن هنا ـ أيها الإخوة الكرام ـ كان حريًا بالمسلم أن يضبط لسانه، وأن يحفظه عن جميع الكلام إلا ما ظهرت فيه المصلحة، فإن كان خيرًا تكلم، وإلا سكت، والسكوت في هذه الحالة عبادة يؤجر عليها، وهذا مصداقًا لقول رسول الله كما في الصحيح إذ يقول: ((ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت)).
ولهذا كان سلفنا الصالح يتعبدون الله بالصمت والسكوت، ويبتعدون كل البعد عن اللغو في الكلام، ويعرضون عنه، وقد امتدح الله تعالى أهل هذه الصفة في كتابه حيث قال: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ [المؤمنون:1-3].
(((منقول)))